كثيرة هي برامج الطبخ التي تجتهد قنواتنا التلفزية في إغراق عيون المشاهدين في تتبعها من قناة لأخرى، والأمر لايختلف بالنسبة للإذاعات العمومية منها والخاصة، وكأن الإسهال الذي تعرفه هذه البرامج هو من صميم اهتمام عباد الله المغاربة، خاصة وأن معظمها أي البرامج تصر على تقديم وجبات تكلف الشيء الفلاني بما يلزم تحضيرها من لحوم ودجاج وأسماك وخضر وفواكه وتوابل ومستحضرات، ناهيك عن فضاءات المطابخ التي تهيأُ بها، والأدوات الكهربائية والأطباق والأفرنة التي تستعمل للإعداد من قبل وبعد. ولعل الشيء (غير) المفهوم هو هل الذي يعدون هذه البرامج؛ هل يقصدون بها إفادة المشاهدين أم إغاظتهم؟؛ في وقت يعلم فيه الجميع أن القدرة على تهييء أكل من النماذج التي تعد بهذه البرامج التلفزية منها أو الإذاعية، لا قدرة لفئات عريضة من المواطنين على الإنفاق لاقتناء متطلباتها، اعتبارا لانهيار القدرة الشرائية لهم التي ماعادت تتجاوز حدود المواد الغذائية الضرورية لسد الرمق، بعيداً عن كماليات الأكل الراقية، الكاملة المكمولة التي تصنف طبيا في خانة التوازن الغذائي الذي بات في خبر كان لدى الأغلبية الساحقة، من الطبقتين الوسطى والفقيرة التي دخلت جيوبها الزيادات الملتهبة للأسعار، ولم يبق لها أي خيار سوى الرضوخ لسياسة التقشف وشد الحزام لتدبير أمرها مع المتطلبات اليومية، لقد ارتفع منسوبها في غياب أي تحسن للأجور أو المعاشات أو على الأقل توازن الأسعار بالسوق لإمتصاص ما باليد وما يتطلب الإنفاق. قد يقول البعض إن ما يقدم من برامج الطبخ يهم فئة خاصة من المواطنين الذين ولدوا بملعقة من ذهب في فمهم بطريقة أو بأخرى، لكن يبقى السواد الأعظم من الذين يقاسون مرارة الجهد والكد من أجل العيش مجرد مشاهدين فقط دون التفكير في تحضير أي طبق من الأطباق.