فجأة تصاعد دخان كثيف في سماء العلاقات المغربية المصرية، بدون سابق إنذار تغيرت اللهجة والمقاربة للعلاقات الثنائية، وتم اختصار العلاقات الثنائية بين البلدين، في مواجهة إعلامية بخلفيات مختلفة وتبريرات متنوعة، وحدها الجهات الرسمية في الرباط والقاهرة، لم تكلف نفسها عناء توضيح الموقف كما يليق بدبلوماسيتين عرقيتين في المنطقة. إلى اليوم تتفاعل الأزمة المغربية المصرية في إتجاه الأسوأ، التأويلات متعددة ومختلفة وكلما تعددت كلما كانت هناك مبررات إضافية لصب مزيد من النار على الزيت..البعض يقول بأن أصل الأزمة يعود إلى التقارب المصري الجزائري، وهو تقارب حاصل فعليا وهو أمر طبيعي لدولتين لهما كامل السيادة في البحث عن مصالحهما، بمعنى أن هذا التقرب ، البعض يضيف بأن الأمر يتعدى المصالح المشتركة إلى محاولة مسايرة الموقف الجزائري في قضية الصحراء المغربية، وهنا أيضا يمكن اعتبار الأمر طبيعي من جهة حرص الجزائر المستمر على استقطاب انصار جدد إلى صفها في هذا الملف، وأن العيب في الجانب المغربي الذي من المفترض أنه في مواجهة دائمة ومفتوحة مع الديبلوماسية العدائية للجزائر، وأنه من الخطأ الجسيم ترك دولة بحجم وأهمية مصر تقع في حبال الفخاخ الجزائرية، لهذا فالموقف كان يستدعي مبادرات ديبلوماسية جادة ومكثفة وتوظيف الصداقات المشتركة بين المغرب ومصر، وخاصة من دول الخليج لتطويق أي سوء فهم بين البلدين، ووضع إطار واضح لتدبير الخلافات الثنائية ومنعها من تجاوز الخطوط الحمراء تحت أي ظرف. بالطبع لا يعتبر التقارب المصري الجزائري وحده سببا في الازمة الحالية، فهناك من يربط الأزمة بتقارير إعلامية مصرية تهجمت على المغرب في أكثر من مناسبة ليس آخرها متابعة الزيارة الملكية الخاصة لتركيا، والحديث عن أسطول طائرات رافقت الملك، قبل أن تتضح الصورة ويتم الكشف على أن تلك الطائرات لم تكن لها اية علاقة بالزيارة الملكية بل بمساعدات للاجئين السوريين..لكن الغريب في الموقف المغربي، هو أن اول من ربط الطائرات بالزيارة الملكية كان هو الإعلام الفرنسي، وأن المصريين قاموا فقط بإعادة صياغة للراوية الفرنسية، مع ما يقتضيه الأمر من تهريج وقلة مهنية لدى العديد من القنوات والإعلاميين المصريين، ممن وقعوا تحت رحمة رجال أعمال من طينة خاصة. يبقى أن نتساءل، هل إدخال الإعلام الرسمي المغربي في هذه المواجهة اختيار سليم؟ فالإعلام الرسمي هنا لا يقنع حتى المغاربة، فبالأحرى أن يؤثر في موقف أو مواقف دولة أخرى تملك أسطولا من القنوات الإعلامية وأقمار إصطناعية للبث الفضائي، ما يجعل قنواتنا في وضعية الدونكيخوت ديلامانشا وهو يحارب طواحين الهواء، إضافة إلى ذلك نتساءل، كيف اكتشف الاعلام الرسمي المغربي فجأة ان ما حصل في مصر كان إنقلابا؟؟ وما محل رسائل التهنئة وحضور وزير الخارجية مراسيم تنصيب الرئيس السيسي في القاهرة؟؟ هل كان المغرب مع الإنقلاب واليوم جائته صحوة ضمير وتذكر فجأة الرئيس الشرعي محمد مرسي؟؟ باختصار شديد المغرب اليوم يدفع ثمن اختياره كدولة احتكار البث التلفزي، ووضع كل العراقيل أمام الاستثمار في قطاع التلفيزيون، والنتيجة هي ما نراه اليوم، دولة تتواجه مع قنوات خاصة؟؟ هل يحق للمغرب أن يحاسب الدولة المصرية على ما تبثه القنوات الخاصة؟ بالتأكيد لا ، تماما كما لا يحق للدولة المصرية ان تحاسب المغرب على ما ينشر في الصحافة المكتوبة والإلكترونية، والتي بصفة عامة لا تحمل كثيرا من الود لحكم الرئيس عبد الفتاح السيسي.. وهل يصح أن نجعل من تقارير إعلاميين من الدرجة الصفر في المهنية، مبررا لدفع مصر بكل ثقلها في أحضان الجزائر؟؟ مجرد سؤال لا ننتظر عنه جوابا...