يعرض حاليا ببعض القاعات السينمائية ببلادنا فيلم أمريكي يحمل عنوان "القاضي" ( LE JUGE) من إخراج المنتج دافيد دوبكين الذي شارك أيضا في إنتاجه ، و هو من بطولة الممثل و المنتج و الملحن روبير داوني جي يير الذي شارك هو كذلك في إنتاجه، و الذي يشخص فيه دور المحامي "هانك"، و يقتسم معه دور البطولة الممثل المقتدر روبير دوفال (الذي يشبه الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران) في دور والده القاضي "بالمير". يستعرض هذا الفيلم خلال 141 دقيقة قصة هذا المحامي "هانك" الذي تبدو علاقته بزوجته "ليزا" (الممثلة سارا لانكاستير) متوترة جدا إلى حدود الاتفاق على الطلاق و هو أمر لم تستحمله نفسيا ابنتهما الصغيرة. سيعود "هانك" بعد غيبة طويلة إلى المدينة الصغيرة التي يوجد بها أفراد عائلته، حيث سيحضر رفقة شقيقيه في مراسيم دفن أمه المريضة ، و سيقوم بعد ذلك بالبحث في قضية أبيه القاضي "بالمير" الذي قضى 42 سنة في خدمة القضاء بنزاهة مشهود له بها، و الذي أصبح فجأة متهما بارتكاب حادثة سير مميتة وقعت له يوم دفن زوجته. سيقرر المحامي "هانك" إذن أن يقوم بالدفاع عن أبيه في المحكمة بعدما فشل محامي آخر في ذلك، و سيكتشف تدريجيا و متفاجئا أن أباه مصاب بالسرطان، و أنه يتابع العلاج الكيميائي ، و أن الشخص الذي صدمه بسيارته و فارق الحياة كان يكرهه و يتمنى له الموت، بل سبق له أن حاكمه و أطلق سراحه قضائيا عن طريق الخط قبل أن يكتشف بعد ذلك بأن هذا الشخص كان فعلا متورطا في قضية قتل طفلة صغيرة. كل هذه العوامل و التصريحات ستعقد و ستصعب مأمورية الدفاع عنه ، و ستضعف إمكانية تبرئته من تهمة القتل المتعمد أو غير المتعمد. سيبحث "هانك" في كل الجزئيات المرتبطة بهذه الحادثة ، و سيحاول بكل ما أوتي من تجربة و ذكاء في المرافعات المتكررة من الحصول على براءة والده المريض بالرغم من كونه لا يتفق معه في العديد من الأشياء، و بالرغم أيضا من كون والده لا يسهل له مأمورية الدفاع عنه ببعض التصرفات و التصريحات و الاعترافات التي لا تخدم مصلحته. سيكتشف المشاهد بأن هذه القضية القضائية وظفت بذكاء للتطرق أيضا و جانبيا إلى مشاكل و تطورات أخرى عائلية من بينها علاقة المحامي "هانك" بابنته التي يحبها كثيرا و عودته إلى حبيبته القديمة "بوويل" (الممثلة فيرا فارميغا) التي كاد أن يربط علاقة مع ابنتها الجميلة "كارلا" (الممثلة ليغتون ميستير) التي افتتن بها قبل أن يكتشف أنها هي والدتها. يتطرق الفيلم أيضا و أساسا إلى العلاقة التي تجمع ، وجها لوجه ، بين هذا القاضي و ابنه البكر المحامي، هذه العلاقة المتقلبة و المثيرة التي تتناوب فيها لحظات التوتر و الاختلاف و العتاب الحاد ، و لحظات الحنان و التفاهم و الهدوء و التفاهم، تتم العودة إلى ماضي كل هذه العلاقات العائلية و العاطفية باستحضار الماضي عبر الحوار أو بواسطة بعض الصور الثابتة أو المتحركة القديمة. الفيلم ممتع بأجوائه بمناظره و صوره الجميلة، موضوعه مستهلك وسبق تناوله في عدة أفلام ، و تتم معالجته في هذا الفيلم أيضا بطريقة كلاسيكية لا تخلو من "كليشيات" ، تتوالى تطوراته المحبوكة ببطء محسوس وفق سرد يطغى فيه الحوار التفسيري كثيرا على الأحداث ، و تتوالى هذه التطورات و تتطور معها الشخصيات بكيفية قد توحي للمشاهد بأن النهاية ستكون لا محالة سعيدة بالنسبة للقاضي و ابنه، و أترك له المجال لمعرفة هل ستكون سعيدة فعلا؟ هل القاضي بريء فعلا أم لا ؟ هل هي عملية لتصفية الحساب معه ؟ هل سيتمكن ابنه المحامي من الحصول على البراءة أم لا ؟ و هل سيتمكن والده من تجاوز محنته مع مرض السرطان؟ الكاستينغ موفق في هذا الفيلم ، و الممثلان روبير دوفال (القاضي) و روبير داوني جي يير (ابنه المحامي) قاما بأداء قوي و جيد و مقنع ، بل إنهما هما اللذان يحملان هذا الفيلم على كتفيهما من بدايته إلى نهايته ، و يشخص هذا الأخير دوره بأناقة و وسامة و هدوء و رزانة و تحكم في النفس بطريقة تختلف كليا عن ما قام به من حركة و عنف و استعمال للقوة الجسمانية في الفيلم الأمريكي الصيني "إيىون مان 3" و هو من نوع أفلام الحركة و الخيال العلمي.