فكرة انعقاد المؤتمر الوطني حول اللغة العربية، الذي ينظمه الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، فكرة جيدة، وسديدة، ووجيهة، ولكن هل هي فكرة مثمرة، ومنتجة، ولها مردود واقعي؟. ذلك هو السؤال الذي طرحته على نفسي، بينما كنت أتابع عن بعد، أعمال المؤتمر الوطني الثاني للغة العربية، الذي عقد في الرباط خلال الفترة من 19 إلى 20 ديسمبر الحالي. الدكتور فؤاد أبو عليّ، رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، والفريق النشيط الذي يعمل معه، يبذلون جهدًا مكثفًا لعقد هذا المؤتمر كل سنة، ولجمع هذه الصفوة من الباحثين والدارسين وأساتذة الجامعات والأكاديميين الذين يعنون باللغة العربية، ليتدارسوا القضايا اللغوية من بعض جوانبها. وإذا كان النجاح يحالف الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية في عقد هذا المؤتمر السنوي الحافل، فإن النتائج العملية المترتبة على هذا المؤتمر، غير واضحة المعالم حتى الآن، وليست ملموسة في الواقع المعيش. فهل المؤتمر ينعقد لمجرد أن ينعقد ليس أكثر؟. وهل الجهود التي تبذل في هذا المجال الحيوي، تذهب سدى؟. وهل البحوث القيمة والعروض المستفيضة التي تقدم إلى المؤتمر وتناقش في جلسات عمل مطولة، لا جدوى منها، ولا أثر لها، ولا نفع فيها؟. ليس قصدي أن أشكك في النوايا. فالنوايا طيبة ما في ذلك أدنى شك. ولست أريد أن أضعف من الهمة القعساء التي تحفز الدكتور فؤاد أبو عليّ وتدفعه إلى بذل الجهود في هذا المجال الحيوي. وإنما قصدي أن أحرك السواكن، وأن أطرح السؤال الذي يتبادر إلى أذهاننا جميعًا، وأن أمهد لإثارة النقاش حول هذه القضية التي أرى أنها ينبغي أن تتصدَّر القضايا الوطنية جميعًا، بعد قضية الوحدة الترابية للمملكة. لقد اختار المؤتمر الوطني للغة العربية موضوع (المسألة اللغوية في التعليم) محورًا رئيسًا لدورته السنوية الثانية. وحسنًا فعل، فقد وفق في هذا الاختيار، ولكن هل بحث هذه المسألة التي هي في حقيقة أمرها قضية من العيار الثقيل بحثًا نظريًا يحقق الغرض منه؟. أم أن الأمر يتطلب الإرادة السياسية الحازمة والواعية، والرشيدة، للبتّ في المسألة اللغوية في التعليم، واتخاذ القرار السياسي، السيادي، الوطني، في شأنها؟. فهل لهذه البحوث الجيّدة والعروض الممتازة التي قدمت إلى المؤتمر، ونوقشت ووقع التجاوب معها، انعكاسٌ على الواقع اللغوي في بلادنا الذي نعلم جميعًا، طبيعته، وندرك بعمق، العواملَ التي أدت إلى استفحال أمره وتفاقم خطره، ونعرف من يقف وراءه، ومن يحول دون إصلاحه؟. المسألة اللغوية في التعليم قضية وطنية بامتياز، يتوجّب الفراغ من معالجتها وفقًا للمقتضيات الدستورية، دون زيادة أو نقصان. ولقد أدى المؤتمر الوطني للغة العربية الدور المنوط به في هذا المجال، فدقَّ ناقوس الخطر، ورسم معالم الطريق، وبقي أن تتحرك الحكومة لاستصدار القانون التنظيمي حول حماية اللغة العربية من العبث بها، ولإلزام دعاة التدريس بالعامية دون اللغة العربية، بالعدول عن السياسة الخاطئة التي ينفذونها على مراحل، ضدًا على إرادة الشعب الذي يرفض أن يفرط في أحد مقومات الوجود المعنوي للدولة المغربية. وتحية خالصة للدكتور فؤاد أبو علي على إتاحته لي هذه الفرصة لأزكي عمله، وأشيد بجهوده، وأعبر عن هذا الرأي الذي سجلته في هذه الورقة اللغوية.