تنامت في الفترة الأخيرة ظاهرة الاحتجاجات بسبب الأراضي السلالية وأراضي الجموع، ولم تعد الظاهرة محصورة في مناطق منسية، وإنما باتت تتصدر وسائل الإعلام، ووصل صداها إلى شارع محمد الخامس بالرباط أمام مقر البرلمان. المشكل قائم منذ وجود هذه الأراضي، وهناك العديد من القضايا الرائجة أمام المحاكم تخص نزاعات توزيع أو الاستفادة من هذه الأراضي، بل باتت هذه النزاعات سببا في خلافات ومشاحنات يصل مداها إلى استعمال السلاح بين ذوي حقوق هذه الأراضي أو إلى اصطدامات بين السلطة تخلف ضحايا، بل أكثر من ذلك فالمشكل أصبح عائقا أمام الاستثمار، الشيء الذي ينعكس مباشرة على التنمية في المناطق التي تعاني من مثل هذه النزاعات. لم يعد يمضي أسبوع لا نسمع فيه عن احتجاجات أو اعتصامات أو اصطدامات بسبب هذه الأراضي، وهي تفاصيل لن نخوض فيها، لأن ما يهمنا هو سبب هذا المشكل، الذي هو الفراغات الموجودة في القانون مما يجعلها معرضة للنهب والاستغلال، وهو ما يطرح السؤال حول استمرار خضوع هذه الأراضي لآلية قانوية قديمة لم تعد تنسجم والتحولات الاجتماعية العميقة التي يعرفها المجتمع المغربي، وعدم رفع يد وزارة الداخلية بوصفها الوزارة الوصية حسب ظهير 1917 يدها عن هذه الأراضي يطرح أكثر من تساؤل. فرغم التعديلات التي طرأت على ظهير 27 أبريل 1917واستبدال بعض مواده سنة 1965 ، فإن ذلك لم يكن كافيا لحل المشكل لأن معظم التعديلات لم تمس الجوهر. كما أن طرح الموضوع جديا في مناظرة 1995والتي صدرت عنها عدة توصيات مازالت حبسية الرفوف ولم تفسد للود قضية. لكن المشكل أعمق من ذلك وفيه مصالح لأشخاص معينين، فالأمر يتعلق بوعاء يذر أموالا لا تعد ولا تحصى سواء من خلال الاستغلال أو من خلال البيع والكراء والاستثمار في هذه الأراضي، وهذه الأموال، عدا كونها مستحقة لذوي الحقوق الذين لا يستفيدون منها، يجهل كيف وأين تصرف، بما أنها تذهب إلى ما بات يعرف »بالصناديق السوداء« لوزارة الداخلية والأجهزة التابعة لها. فحتى الآن ليست هناك أية آلية شفافة وواضحة توضح وضعية الصندوق الذي توضع فيه تلك الأموال ولا قيمتها أو طريقة التصرف فيها، فالصناديق السوداء أصبحت مخرجاً لكل مآزق الدولة، عندما لا تجد مبررات أو حججاً لمصاريفها... إن استمرار هذا الوضع وعدم انكباب الدولة جديا على حل هذا المشكل، ينذر بمؤشرات غير إيجابية واحتقانات اجتماعية قد تعجز الدولة عن وقفها، فهذه الأراضي قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أية لحظة... للإشارة فإن الأراضي السلالية تدخل في ملكية الجماعة لذلك يطلق عليها اسم أراضي الجموع، والمعروفة بأرض الجماعة السلالية، العرشية، ترجع ملكيتها للقبيلة وليس للفرد، كان يتم استغلالها والانتفاع منها عن طريق تنظيم »الجماعة« كأداة تنظيمية مؤطرة داخل القبيلة لفائدة العائلات المكونة لها وفق منطق متكون من تقاليد وأعراف خاصة بها، قبل أن تتدخل الدولة في تدبير شؤون هذا النوع من الأراضي بإحداث جهاز تابع لوزارة الفلاحة، أصبح وصيا عليها بدل »الجماعة« وذلك مع صدور الظهير المنظم لأراضي الجموع عام 1965. وحسب آخر إحصائيات رسمية، يقدر عدد الجماعات السلالية 4 آلاف و563 جماعة، موزعة على 55 عمالة وإقليم. وتقدر المساحة الإجمالية للرصيد العقاري الجماعي ب 15 مليون هكتار، تشكل الأراضي الرعوية نسبة تفوق 85 في المائة منها، تستغل بصفة جماعية من طرف ذوي الحقوق، فيما توظيف أهم المساحات الباقية في النشاط الفلاحي. لكن في السنوات الأخيرة ومع التمدد العمراني للمدن أصبح بعضها ضمن المدار الحضري مما أدى إلى رفع قيمتها المالية والعقارية. وبعضها الآخر عبارة عن أراضي سقوية، وكذلك مقالع وأحجار ورمال...