كان الإخوان فيما مضى في الأيام الخوالي يحاولون بقضهم وقضيضهم الاقتراب من دوائر الحكم، وذات ليلة ليلاء من ليالي مصر وجدوا أنفسهم فجأة في قلب دائرة الحكم، هم الرئيس والوزير والخفير، بل هم كل شيء، يُقَرِّبون من يشاؤون ويُبعِدون من يشاؤون، حتى ان محمد مرسي وضع اعلانا دستوريا غريبا تدور فحواه حول تأليه الرئيس، اذ كانت ركيزته الرئيسية هي {لا يبدل القول لدي} وبعد عام أصبحت الرئاسة الإخوانية أثرا بعد عين، وضاع منهم كل شيء، وتوالت الأحداث، وأخذ الإخوان برعونتهم وإرهابهم يبتعدون شيئا فشيئا عن دائرة الحكم، حتى بات اقترابهم منها ضربا من ضروب الخيال، الى ان أصبحنا على وشك الدخول في انتخابات برلمانية، فهل يفكر الإخوان في العودة للحياة السياسية مرة أخرى عن طريق تحسين ظروف البيئة المحيطة بهم، أم ان كل تفكيرهم منصب على اسقاط الدولة كلها بأي شكل من الأشكال؟. لاشك ان إسقاط الدولة هو الخيار الاستراتيجي الأول للإخوان، وفي ظن الإخوان ان اسقاط الدولة المصرية لا يكون إلا عن طريق إسقاط الجيش والشرطة، فاذا سقطت الدولة فلن تسقط الا في حجرهم هم، فهم أصحاب التنظيم الحديدي القوي المسلح، أما باقي القوى السياسية فهي حديثة التنظيم، فضلا عن ان هيكلها التنظيمي ليست فيه الطريقة العسكرية التي لتنظيم الإخوان، وفوق هذا فان الإخوان يدركون أنه سيقف معهم ويعضدهم كل أبناء الحركة الاسلامية بكل أطيافها، بما فيها الأطياف التي تقدم نفسها على أنها وسطية ومعتدلة! وعلى الرغم من ان اسقاط الدولة هو الحلم الذي تعمل الجماعة من أجل تحقيقه الا أنها وفقا لخبراتها السياسية لا تنفك تسلك كل الطرق، بما فيها الخيارات الديموقراطية، تستفيد منها وتستغلها ثم تطوي بعد ذلك سجلها. لذلك فان انتخابات البرلمان القادم ستشهد حراكا من التيارات المتأسلمة يتزعمها الإخوان، بحيث سيكون حزب النور هو الواجهة الحقيقية التي ستضم أفرادا وقيادات من الجيل الوسطي للإخوان، وستضم أيضا أفرادا من القاعدة الإخوانية من الذين يتم تهيئتهم حاليا ليكونوا قيادات «وسط التنظيم» وهي أخطر القيادات لأنها هي الجسر الذي يصل القيادات العليا بالقواعد، وخطورة القيادات الجديدة ل «وسط التنظيم» ان الرأي العام لا يعرفهم، كما أن الجهات الأمنية تجهل معظمهم، بل ان خطة الإخوان تقوم على الدفع بمن لم يسبق ان اشتبك مع الأمن في أي موقعة من مواقع العنف حتى يكونوا بمنأى عن المتابعة الأمنية، ومن خلال حزب النور المستأنس سيتم انفاق الملايين على دعاية هؤلاء المجاهيل حتى تكون لهم فرصة الفوز في انتخابات البرلمان، وفي ذات الوقت سيتم الدفع بعدد من أشباه المعروفين في قوائم حزب مصر القوية، وبعض الأحزاب الأخرى التي يتم التخطيط حاليا لدمجها مع مصر القوية، بل ان منها من تم دمجه بالفعل مثل حزب التيار المصري، ويظن الإخوان ان هذه القوائم ستستلب الأنظار وتخطف الأبصار فتتعرض لهجوم جارف من الرأي العام في حين تبقى مقاعد النور بعيدا عن الهجوم، فالإخوان يعتقدون ان الرأي العام المصري اذا هاجم كتلة اسلامية فلن يستطيع الهجوم على الكتلة الاسلامية الأخرى حتى يبدو في صورة موضوعية، ويقول علماء السياسة والاجتماع الإخوان ان العقلية الجمعية للمجتمع المصري ترفض تعميم الهجوم، فاذا أعطيت للأسد قطعة لحم كبيرة سينشغل بها عن الغزال الشارد، وقطعة اللحم الكبيرة هي قوائم مصر القوية والوسط، والغزال الشارد هو حزب النور. ولكن الأكثر خطورة من هذا وذاك هي المقاعد الفردية، ففي هذه المقاعد سيتم ضخ عدد كبير من الشخصيات شبه المعروفة للرأي العام والمجهول علاقتها التنظيمية بالإخوان، ومن هؤلاء سيكون بعض ضباط شرطة سابقين، وبعض قيادات كانت تعمل في بعض الوزارات الخدمية، كل هؤلاء ينتمون للإخوان ولكن اقتضت ظروف العمل التنظيمي ان يتم اخفاء انتماءاتهم حتى تستغلهم الجماعة ذات يوم، والمشكلة لن تكون في القاهرة ولكن في بعض محافظات بحري ومعظم الوجه القبلي، فهؤلاء ينتمون لبعض العائلات الكبيرة وستقف معهم عائلاتهم وقبائلهم وستنفق الجماعة عليهم الملايين. وتراهن الجماعة أيضا على ان تنجح في التسلل للقوائم الكبرى التي تتم عن طريق تحالفات الأحزاب، كل هذا في انتظار يوم مشهود ترى الجماعة أنه سيحقق لها الكثير، هو اليوم الذي تنجح فيه الجماعة في الدخول بعدد لا يقل عن مائة عضو، يجلسون في مكان معين في البرلمان، ويوم الجلسة الأولى وحلف اليمين سيرفعون بأكفهم اشارة رابعة الماسونية، فماذا أنتم فاعلون؟.