محمد عزت ذو توجه قطبي ما إن ألقت قوات الأمن المصرية القبض على المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في مصر محمد بديع في الساعات الأولى من صباح الثلاثاء الماضي داخل أحد العقارات المجاورة لميدان رابعة العدوية بمدينة نصر، حتى أعلنت الجماعة عن تولي القيادي محمود عزت نائب المرشد، منصب المرشد العام بشكل مؤقت. ويأتي هذا التنصيب وفقاً للائحة الجماعة الداخلية والتي تنص المادة (4) فيها على أنه في حالة غياب المرشد العام خارج الجمهورية أو تعذر قيامه بمهامه لمرض أو لعذر طارئ يقوم نائبه الأول مقامه في جميع اختصاصاته، فيما تنص المادة (5) على أنه في حالة حدوث موانع قهرية تحول دون مباشرة المرشد مهامه يحل محله نائبه الأول ثم الأقدم فالأقدم من النواب ثم الأكبر فالأكبر من أعضاء مكتب الإرشاد. ورغم أن قرار اعتقال المرشد العام السابق محمد بديع لم يكن متوقعاً بهذه السرعة التي فوجئ بها الكثيرون، إلا أن نبأ اختيار «الرجل الغامض» أو «صقر القطبيين «، أو «ثعلب الجماعة» كما يطلق عليه خلفاً للمرشد السابق أثار مخاوف كثيرة من أن تتسع بؤر الدم والعنف على أيدي هذا الرجل الثاني بعد خيرت الشاطر الرجل الأول، وما يمثله الرجلان اللذان دفعا الجماعة إلى اليمين من خلال التحالف مع المجموعات الجهادية. وعزت تعتبره القيادات الإخوانية الرجل الفعلي والقائد الحقيقي للتنظيم الدولي للجماعة وحركة حماس الجهادية. شعور بالصدمة كمال الهلباوي القيادي السابق لجماعة الإخوان المسلمين، أكد أن اختيار محمد عزت ذي الفكر القطبي في هذا التوقيت جاء نتيجة شعور التنظيم الإخواني بالصدمة المفجعة عقب توصل قوات الأمن إلى مخبأ المرشد العام السابق محمد بديع. وهو ما أدى إلى شعور التنظيم بالانهيار الداخلي، خاصة بعد القبض على العديد من القيادات العليا لمكتب الإرشاد العام للجماعة وعلى رأسهم المهندس خيرت الشاطر الذي يعد الرجل الأول وصاحب الكلمة النافذة داخل التنظيم. ثم يعقبه مكانة عزت، الذي تولى منصب المرشد العام بشكل مؤقت حتى لا يتزعزع الكيان التنظيمي في هذا التوقيت الحاسم من تاريخ الجماعة، مشيراً إلى أن جميع القيادات الإخوانية تسببت في دخول الجماعة في نفق مظلم مع الشعب والنظام جرّاء الخروقات التي ارتكبتها منذ تحولها عن موقفها من تولي السلطة وحتى سقوط نظامها بثورة 30 يونيو التي استهانت بها الجماعة حتى أسقطها الشعب. وأضاف الهلباوي، أن تعيين محمود عزت للإرشاد في هذا التوقيت ومحاولته اتباع نفس الطرق المعهودة خلال تلك الفترة لن تتحقق بفضل القطاع العريض من الشباب الإخواني المثقف العاقل الذي يتصدى لجميع أعمال العنف القطبي الذي قادته الجماعة بداية من تولي المرشد العام السابق محمد بديع منصبه في 16 يناير 2010، وما أسفر عنها من الإفراط في العنف والإرهاب ضد المواطنين الأبرياء من المصريين الذين اعتبروا بقاء هذه الجماعة بنفس الفكر أمراً محالاً. هيمنة التيار القطبي كما أوضح ثروت الخرباوي القيادي المنشق عن جماعة الإخوان، أن تولي محمود عزت منصب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين تأكيد على هيمنة التيار القطبي الذي أصاب الجماعة بلعنة قاتلة أودت بتاريخها وذهبت بها إلى الجحيم دون عودة مرة أخرى، بعد استنفادها جميع محاولات التواجد السياسي والشعبي على أرض مصر جرّاء أعمال العنف والإرهاب الممنهج. سيرة تنظيمية ولد محمود عزت إبراهيم في 13 أغسطس عام 1944 بالقاهرة. *تعرَّف على الإخوان المسلمين عام 1953، وانتظم في صفوف الجماعة عام 1962، وكان طالباً في كلية الطب في ذلك الوقت وأعتُقل سنة 1965م، وحُكِم عليه بعشر سنوات وخرج سنة 1974. *تخرج من كلية الطب عام 1976، وذهب للعمل في جامعة صنعاء سنة 1981، ومنها إلى إنجلترا ليكمل رسالة الدكتوراه، ثم عاد إلى مصر ونال الدكتوراه من جامعة الزقازيق سنة 1985. *اختير عضوًا في مكتب الإرشاد سنة 1981م، كما تم اعتقاله ستةَ أشهر على ذمة التحقيق في قضية الإخوان المعروفة بقضية «سلسبيل»، وأُفرِج عنه في مايو سنة 1993. *في عام 1995 حُكِم عليه بخمس سنواتٍ لمشاركته في انتخابات مجلس شورى الجماعة، واختياره عضوًا في مكتب الإرشاد، وخرج عام 2000. *اعتُقل أيضا في 2 يناير 2008 لمشاركته في مظاهرة وسط القاهرة احتجاجاً على الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة. وفشل المرشد الأسبق عمر التلمساني في وقف زحف النظام الخاص الذي شكلته الجماعة عام 1949 لقتال الإنجليز، والذي انحرف بعد ذلك لقتال المعارضة، ووصل ذروته مع أفكار سيد قطب التكفيرية التي استمرت مع الجماعة حتى اليوم، وسط إصرار جميع أعضائها خاصة بعد اختيار محمود عزت ذي العقلية المخابراتية التكفيرية التآمرية خلفاً لمحمد بديع في الوقت الراهن. كما حذّر كمال حبيب الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية، من التحالف الذي يضم جميع القوى الإسلامية والجهادية للدفاع عن شرعية الرئيس المعزول محمد مرسي قائلاً «إن جماعة الإخوان المسلمين ليست وحدها المتصدرة للمشهد السياسي الحالي خاصة في مواجهة قوات الأمن والجيش، وإنما تضم العديد من الجماعات التكفيرية والجهادية المسلحة التي تخشى أن تلقى حتفها أسوة بقيادات الجماعة التي تم إلقاء القبض عليها بتهم التحريض على قتل المتظاهرين والعنف والإرهاب الممنهج ضد الشعب والسلطات القائمة على إدارة البلاد». وأشار حبيب إلى أن للقبض على مرشد الإخوان محمد بديع تأثيراً معنوياً ونفسياً على القواعد والقيادات، وهو ما اضطر الجماعة لتولية محمود عزت رجل المهام الصعبة والمفكر القطبي شديد التطرف والعنف لوضعه استراتيجية جديدة أكثر شراسة لاستكمال تلك المسيرة والتي تضم التحالف الوطني الإسلامي. ويرى أحمد أبان الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، أن قرار تعيين نائب المرشد محمود عزت مرشداً عاماً لجماعة الإخوان سيكون بمثابة الكارثة الجديدة التي تتشعب من خلالها الأزمة بين جماعة الإخوان المسلمين والشعب المصري خاصة السلطات القائمة على إدارة البلاد بما فيها الجيش والشرطة، خاصة وأنها لن تتغير أو تعدّل من نهجها بعد سقوط محمد بديع المرشد السابق الذي لم يكن الرجل الأول في صفوف الجماعة مثل عزت القائم على رأس التنظيم القطبي الذي انحرف بالجماعة من المسار الديني إلى المسار السياسي المتطرف المستخدم للسلاح، مع المتاجرة بالدين في تمهيد الطريق للوصول للمناصب وتحقيق المآرب مهما كلّف ذلك الجماعة من تضحيات بالغة. الجماعة في سكراتها الأخيرة ومن جانبه، اعتبر عبدالستار المليجي، القيادي المنشق عن جماعة الإخوان، أن إلقاء القبض على المرشد السابق محمد بديع بمثابة الضربة القاصمة للتنظيم الإخواني الإرهابي في مصر والعالم، خاصة بعد أن كشفت عن قبح وجهها وتطرف فكرها عقب خروج جموع المصريين في ثورة شعبية ذات إرادة حرة من أجل إسقاط حكم الرئيس المعزول محمد مرسي. وهو ما اعتبرته قيادات الإخوان خروجاً عن الأدب، فأرادت أن تلقن الشعب درساً بنشر الفوضى والسلاح والعنف وقتل المتظاهرين والاعتداء على جميع مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسة العسكرية والأمنية لممارسة المزيد من الضغوط على القائمين على إدراة المرحلة من أجل عودة المعزول لسدة الحكم مرة أخرى. ويضيف المليجي أن جميع محاولات الجماعة لم تنجح وهو ما دفعها للظهور بوجهها الحقيقي وفكرها القطبي الكفري كما يحدث الآن في الشارع المصري، والذي يدعمه محمود عزت الذي يطلق عليه «أمير الدماء وملك التكفير». بالمقابل، يؤكد علي بكر الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، أن جماعة الإخوان المسلمين في سكراتها الأخيرة، خاصة بعد سقوط مرشدها محمد بديع في قبضة الأمن بعد محاولات عديدة له ولقيادات مكتب الإرشاد للهرب أو الاختباء، لذا أصبح تولي محمود عزت صاحب التاريخ الفكري القطبي غير مجد، لذا لم يعد أمامه هو والجماعة سوى الرضوخ لصوت العقل والحكمة قبل أن تلتهم نيران العنف والسلاح والإرهاب ما تبقى من تاريخ الجماعة الذي سقط سريعاً بعد الصراع الطويل من أجل البقاء. وأوضح بكر أن الفرصة الأخيرة التي منحتها الجماعة لنفسها باختيار عزت مرشداً رغم موقفه وفكره من العمل السياسي القائم على تبعيته لأفكار سيد قطب التكفيرية إنما تؤكد بها أنها فقدت صوابها وأنها ستنتحر سياسياً وتاريخياً مرة بأيديها وأخرى بأيدي الشعب، إذا حاولت أن تعاود مسيرة العنف والإرهاب المروّع باستخدام السلاح وسط المواطنين. وفي رأي هيثم أبو خليل، القيادي المنشق عن جماعة الإخوان، فإن دور محمود عزت في المرحلة المقبلة سيكون هامشيا، فمنصب المرشد هو منصب رمزي، ولا يكون له دور إلا حينما تكون الجماعة تحت السيطرة، أما الوضع الآن ففيه حالة غليان في الشارع بسبب آلاف الضحايا والمصابين. وأضاف: كنت أفضل أن تتولى إدارة مكتب الإرشاد شخصية مقبولة جماهيريا مثل باسم عودة، أما محمود عزت فقد «شيطنه الإعلام»، وبالتالى سيزيد الأمر سوءًا. إن «عزت» شخص خلوق ومتدين ومنغلق، ولا صحة لكونه كان يدير الأمور في الخفاء، معتبرا أن أمر انتمائه للتيار القطبي داخل الجماعة قد انتهى. ومن وجهة نظر القيادي المنشق السابق، أنه في حالة حدوث مفاوضات مع الحكومة فستكون من خلال شخصية مثل أحمد علي بشر، وليس «عزت»، مؤكدا عدم وجود أي مؤشرات للتفاوض أو الهدنة، وهو ما سيؤدي لعودة الجماعة للعمل تحت الأرض، وهذا ليس في صالح الدولة حتى لو تم اعتقالهم فهم مئات الألوف، ولن تستطيع سجون الدولة بأكملها استيعابهم. وتوقع «أبو خليل» تصاعد الوضع بشكل عشوائي لأن الشارع في حالة غليان بسبب الدم، ولن يستطيع «عزت» السيطرة عليه خاصة في هذه المرحلة الصعبة. ووصف نبيل نعيم الزعيم السابق لتنظيم الجهاد في مصر، قرار الإخوان المسلمين بتعيين محمود عزت مرشداً للجماعة على الفور من لحظة القبض على محمد بديع ب» الجنون»، خاصة أن الجماعة تعتقد أن اختيارها رجلاً دموياً مثل عزت سيجعل لها فرصة جديدة من الهروب من الخطة الأمنية التي وضعتها الأجهزة الأمنية للفتك بجميع أنصار الجماعة والقوى الإسلامية التي ثبت تورطها في أعمال العنف والتخريب بدعوى الدفاع عن الشرعية أو الشريعة كما يزعم أعضاء التحالفات الوطنية الإسلامية حالياً، وأضاف قائلاً: «إن وقوع بديع والشاطر وقيادات الجماعة، جعل من المتبقين خارج السجون في حالة هلع وانتظار لحظة سقوطهم بين الحين والآخر». توسع كراهية الشعب للجماعة بالتوازي، قال رفعت السعيد رئيس حزب التجمع السابق إن تولي محمود عزت مسؤولية مكتب الإرشاد هو اعتراف بالواقع، وبأن الوضع تغير، وتقديم للشخص الأقوى وهو «عزت» لأنه مسؤول الجهاز السري، ومسؤول التنظيم الدولي، والمسؤول عن الشئون المالية، وهو الشخص الأقوى في التنظيم. ويرى « السعيد « أن العنف سيستمر لفترة في ظل ولاية «عزت»، ولكنه سيكون عنفا فرديا، وليس عبر تظاهرات جماهيرية وهو ما سيزيد من كراهية الشارع لجماعة الإخوان، لأن العنف هو السلاح السريع الذي انتحرت به جماعة الإخوان. إن صفحة جماعة الإخوان طويت لأمد طويل في مصر، فها هي تدعو مستمرة في الدعوة للتظاهرات، ولا تجد أي استجابات لندائها، وذلك بسبب خوف أعضائها من تحدي إرادة الجماهير. ويرى الكاتب والمحلل السياسي صلاح عيسى أن جماعة الإخوان بدأت في التفتت عقب تساقط قياداتهم في حين ظهور قيادات جديدة للجماعة، فالجماعة تريد أن تتنصل من مسؤولية ضياع المشروع الإسلامى على يد قياداتها الحالية من محمد بديع مرشد الجماعة، ومعاونيه من: محمود عزت، ومحمد البلتاجى. وأوضح أن مصر أمام جماعة إرهابية تمارس العنف بعد أن أنشأ حسن البنا العمليات المسلحة في الأربعينيات وسمي بالتنظيم السري الذي ضم جهازا سريا متكاملا، حيث احتوى جهاز مخابرات، مشيرًا إلى أن أعضاء التنظيم السري مدربون على نفي أنهم من جماعة الإخوان في حال القبض عليهم. وأكد صلاح عيسى أن الشعب شاهد بعينه الأسلحة التى حملها متظاهرو الجماعة في تظاهراتهم لدعم الرئيس المعزول محمد مرسى في ميداني رابعة العدوية والنهضة، مشيرًا إلى أن الجماعة ترى أن الكذب على الكفار حلال، بحيث يتعاملون مع معارضيهم بأنهم ليسوا مسلمين، وأن الكذب عليهم حلال.