سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
حقائق رصدتها ندوة «الاندماج المغاربي» للفريق الاستقلالي النيابي: التكلفة والخسارات ترتفع مع كل تأخر في البناء المغاربي.. *عوامل ضعف التبادل الاقتصادي مؤسساتية وسياسية وتجارية
ربما كانت اللافتات التي توزعت على جدران قاعة المحاضرات بمركز الدراسات والابحاث بوجدة كافية لتلخص مقاصد الندوة العلمية حول الاندماج المغاربي التي عقدها الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب بمدينة وجدة، غير ان معالجة الموضوع من طرف عدد من الاساتذة ابان ان الملف متشعب وشائك. فقد وجهت اللافتات رسائل واضحة وصريحة لا التباس فيها نقرؤها هكذا «فتح القلوب قبل فتح الحدود» و»نحن إخوان ولسنا اعداء» و»نطالب بالتقاء الشعوب المغاربية». في هذا السياق اوضح عمر احجيرة ان المرء يصاب بالأسى والحسرة حين يحل بوجدة ويرى الحدود مغلقة، واردف قائلا:»من المؤسف ان الحلم لم يتحقق، آباؤنا دخلوا السجون مع الجزائريين من اجل تحرير الجزائر، وجزائريون دخلوا السجون مع أبائنا لتحرير المغرب، ولا يمكن للجنرالات ان يفرقونا، نحن كضمير امة ننادي بوحدة مغاربية، نريد ان نؤسس مع الجزائريين اقتصادا تنافسيا وتكتلا قويا يواكب تحولات العالم». وذكر حميد شباط في معرض تدخله بالمناسبة ان موقف حزب الاستقلال من الوحدة المغاربية ثابت انطلاقا من تاسيس مكتب المغرب العربي بالقاهرة من طرف الزعيم علال الفاسي، وهو خط سياسي يزكيه حضور احزاب ونقابات في مؤتمرات حزب الاستقلال، ويوضح بالمباشر انه لا وجود لخلاف مع الشعب الجزائري، معتبرا ان الوضع نتاج مؤامرة استعمارية ترسي انظمة متنافرة للظفر بخيرات البلدان، ودعا الى ضرورة تذويب الحدود لحتمية هذا المسار الطبيعي والعادي في فضاء تطبعه القواسم المشتركة. نورالدين مضيان من جهته اكد ان ندوة الاندماج المغاربي لها دلالاتها حيث تستشرف المستقبل القريب والبعيد، لكن التطلع لهذا الافق تشوبه الضبابية في ظل تعنت منفرد يسير ضد ارادات التكتل التي تنزع اليها مناطق عديدة في العالم باستثناء شمال افريقيا، مشيرا الى ان الهدف هو رفع صوت الشعوب التواقة الى التلاقي والتوحد في اطار الجغرافيا والخصائص الواحدة. وتناول في هذا السياق نموذج اروبا التي لا تتوفر على تاريخ مشترك وعاشت فترات تشنج وتطاحن ازاحتها جانبا لتحقيق مصالح اسمى، وفي ضوء هذا النموذج يتوجب على دول المنطقة الوعي بحجم الخسارات الاقتصادية والامنية، وضياع فرص ثمينة اثبت الزمن حقيقتها وجديتها. خالد السبيع عضو الفريق الاستقلالي والنائب البرلماني عن تاوريرت اكد ان اختيار هذا المحور ذي الابعاد السياسية ياتي تجاوبا مع تطلعات الشعوب التي تجمعها وحدة المصير، وتجابهها تحديات تنموية وامنية وبيئية، وعولمة لا تؤمن بالضعيف، مشيرا الى ان هذا المطلب متجذر ضمن مبادئ حزب الاستقلال والذي يزداد قناعة بان المنطقة لا يجب ان تخلف الموعد وتبقى خارج العصر. واستعرض بعضا من مضامين الخطب الملكية التي سبق ونبهت ان دولة لوحدها غير قادرة على معالجة القضايا والاستجابة لمطالب الشباب، وان الوضع القائم استراتيجية غير ناجحة. وقال ان الموضوع يسعى الى معالجة الابعاد الاقتصادية للاندماج مضيفا ان التكلفة تناولتها سابقا ابحاث جامعية ومنظمات دولية في محاولة لتقديرها وحساب تاثيراتها. فحسب الامانة العامة لاتحاد المغرب العربي فان تعطيل الاندماج يكلف كل بلد 2 في المائة من معدل النمو سنويا، في حين ترى اللجنة الاقتصادية الافريقية ان تفعيل الاتحاد سيمكن الدول من ربح 5 في المائة من الناتج الداخلي، ويبرهن البنك الدولي ان الوضع الحالي يكلف من 3 الى 9 ملايير دولار سنويا، ويعتبر الاندماج كفيلا برفع الناتج الداخلي لكل مواطن على مدى عشر سنوات من 24 الى 30 في المائة. واضاف ان كلفة اللامغرب العربي او غياب الاتحاد تتجلى في ضعف المبادلات التجارية وهي اقل من واحد في المائة، في حين انها فيما بين دول اروبا 60 في المائة، وما بين دول جنوب شرق اسيا 25 في المائة، وما بين دول غرب افريقيا 9 في المائة، وما بين دول امريكاالجنوبية 15 في المائة. اما القطاعات الاكثر تضررا فهي الطاقة والنقل والابناك والماء والبيئة والسياحة والتعليم فضلا عن الآثار الكبيرة على البطالة وبمعدل 34 في المائة، علما ان فقدان نقطتين من الناتج الداخلي لكل بلد يعني ضياع 200 الف منصب شغل سنويا. وقدم خليد الشيات اكاديمي وباحث في العلاقات الدولية بكلية الحقوق بوجدة مداخلة تحت عنوان «المغرب العربي في مفترق الطرق» استهلها بالقول ان الموضوع يتداخل فيه الانشغال الاكاديمي بالانشغال السياسي موضحا ان بناء الاتحاد مر باربع مراحل انطلقت بالتأسيس النظري والفكري ثم بتشكيل مكتب اتحاد المغرب العربي بالقاهرة الذي صدر عنه بيان مدوي وصارخ ابتدأ بنظرة الوحدوية والصوت الواحد «ياشعب شمال افريقيا»، غير ان ما تلا تلك المرحلة اتسم بصراع ايديولوجي بين معسكري الشرق والغرب، ليدخل بعد ذلك الفضاء المغاربي سلسلة اتفاقات ثنائية وثلاثية اختتمت بالبناء في 17 فبراير 1989 بمراكش. غير ان احداث اطلس اسني ادخلت الفضاء المغاربي منعطفا اخر بفرض المغرب تاشيرة على الجزائريين ورد الجارة الجزائر باغلاق الحدود سنة 1994. واتسم الفضاء بعد ذلك بمسارين متباعدين، مسار الجمود والهيمنة العسكرية افرز تغييبا للمطالب الشعبية وتقليصا للديمقراطية، ومسار ترسيخ البناء الديمقراطي والمؤسساتي، ومقابل ارادة التخلص من الهيمنة والتسلط كما حدث في تونس والنزوع نحو البناء المغاربي ظل هناك اتجاه يريد الابقاء على حالة الجمود. واضاف المتحدث ان ما يطبع الخطاب انعدام الثقة بين الاطراف على غرار ما صدر عن مسؤول الدبلوماسية الجزائرية حين تحدث عن فضاء مغاربي في ظل ريادة الجزائر، والحال يقول المتحدث ان الريادة في التكتلات تكون لكل الدول على قدر واحد. وختم بقوله بان الاتحاد يشكل فضاء جيواستراتيجيا لعدد من القوى خاصة المجموعة الاروبية. وتدخل الهاشمي بنطاهر استاذ التعليم العالي بجامعة محمد الاول بوجدة في موضوع «المغرب الكبير بين طموحات الشعوب وتحديات واقع المنافسة العالمية واكراهات الاديولوجيات البائدة» قائلا ان المغرب الكبير اصبح ضرورة اقتصادية تفرضها عدة تحديات اقتصادية في المقام الاول، بحيث لا يمكن لمكوناته غض الطرف عن تحولات حذف الحواجز الجمركية والتكتلات الجهوية المتنافسة، وبالتالي فان التكلفة ترتفع مع كل تاخر في البناء. كما ان عدم بناء المغرب الكبير يقف في وجه دول المتوسط الساعية الى تقارب ضفتي الشمال والجنوب، وتدعيم جهود الامن والتعاون والحوار الحضاري، وهذا يضع المسؤولين المغاربيين امام خيار رسم استراتيجية ملائمة لبناء صلب مبني على معرفة دقيقة لواقع العلاقات التجارية والاكراهات المطروحة. واضاف انه على المستوى الاقتصادي بلغت التبادلات بين دول المغرب الكبير العام الماضي اقل من 2 في المائة بقيمة 11 مليار درهم، وتحتل المبادلات ضمن هذه النسبة بين الجزائر والمغرب معدل 72 في المائة، بينما تهم التبادلات بين دول المغرب الكبير سلعا محدودة: الطاقة ومنتوجات كيماوية ومنتجات غذائية، اما صادرات دول المغرب الكبير نحو الفضاء الاروبي فهي تفوق 51 مرة الصادرات بين هذه الدول ذاتها. ورجح المتحدث ان تكون عوامل التبادل موزعة بين ضعف الامكانات المتاحة وبين عوامل مؤسساتية وسياسية، في حين وقفت دراسات عند تشابه المنتجات خاصة في تونس والمغرب وتنافس هذين البلدين بحدة لدى الشريك الاروبي، ليقر بعد ذلك ان عوامل التكامل واردة بحيث تحتاج الجزائر للمنتجات الفلاحية وغير الفلاحية في تونس والمغرب، بينما هما في حاجة للمنتجات الطاقية المتوفرة في الجزائر وموريطانيا، وبالتالي فان العوامل الاقتصادية غير مسؤولة بمفردها عن ضعف التبادل، اذ تنضاف لها المؤسساتية والاقتصادية ضمن سياق ايديولوجي لم تعد له جدوى. واراد الاستاذ عبد القادر العذري ان يكون استفزازيا في مداخلته «المغرب العربي ضرورة ام اكراه» حيث اعتبر انه من البديهي ان تغيب المبادلات الاقتصادية والتجارية لان المغرب العربي غائب، حيث تشمل ارقام المبادلات بين دول الفضاء ما هو قانوني، وما هو غير قانوني او ما يعرف بالاقتصاد الهامشي والتهريب فهو خارج قاعدة الحساب وخارج الاعتبار. وذكر ان اندماج المغرب العربي اضحى في حد ذاته غير كافٍ نظرا للتأخر الزمني المسجل، ما ينقل الفضاء من مستوى الحلم والممكن الى مستوى السراب والمستعصي، ومن تم ربما يجب الحديث عن مغرب ممكن بمكونات هي المغرب وتونس وموريطانيا. واضاف ان المغرب في ظل عدم توفر الثروة الطاقية استثمر في الطاقة البشرية الوطنية، وعليه لكي يكون جذابا اكثر ان يمضي في التنمية البشرية ولا يربط مصيره بما هو مجهول، على اعتبار ان التخصصات الانتاجية لا تبنى الآن على الامتيازات الطبيعية بل على الامتيازات المصنعة، كما ان عامل القرب الجغرافي اصبح منتفيا في ظل الطفرة الاتصالاتية التي قربت ابعد النقط، وبالتالي فان القرب الحقيقي هو ما يبنى على العلاقات والتفاهم والثقة، لينبه في ذات الاتجاه ان الاتحاد المغاربي ضرورة لكن لا يلزم ان ننتظره مدى الحياة.