ما إن يشرف ملف الزواج بالفاتحة في المغرب أن يطوى حتى يقفز إلى السطح مع شكاوى جديدة أمام المحاكم تتهم فيها نسوة الزوج بالتخلي عن الزوجة ونكران الأبناء، إذ لم تفلح مدونة الأسرة في القضاء على هذه الظاهرة بالرغم من مرور 10 سنوات على إقرارها، خصوصا أن الفصل 16 من المدونة ينص على مسالة ثبوت الزوجية من خلال اعتبار وثيقة عقد الزواج الوسيلة المقبولة لإثبات أي زيجة، إلا أن هناك حالات عديدة لازلت تعتمد هذا النوع من الزواج بالرغم من كل الحملات التحسيسية التي قامت بها مؤخرا وزارة العدل لحث المواطنين الذين لم يوثقوا زيجاتهم لأي سبب كان إلى إثبات زواجهم أمام المحاكم المختصة، حفاظا على حقوقهم وحقوق أطفالهم، لكن البعض الجهات السلفية لازلت تنظر إلى المسألة بنوع من الريبة وتصر على أن تجعل الفاتحة عملة لشراء فتيات يتم خداعهن باسم الدين !! والحالة هنا تتعلق بفيديو مصور لسيدة تدعى حسناء العلوي ثم تداوله مؤخرا عبر صفحات التواصل الاجتماعي ومواقع إخبارية عديدة تحت عنوان "صرخة امرأة مغربية ضحية زواج الفاتحة"، تحكي فيه حسناء عن زوجها السلفي الذي طردها من بيت الزوجية وأنكر أبوته لابنه رغم وجود إقرار أبوة لدى المشتكية، واتهمها بالزنى... السيدة حسناء التي تعيش الآن حالة من التشرد هي وابنها تقول أنها طرقت جميع الأبواب من اجل إنصافها والأخد بيدها خصوصا كما ذكرت أن زوجها وعائلته من أصحاب النفوذ، حيث يعمد على تهديدها والاعتداء على أفراد عائلتها بدون أن تنصفها أية جهة، بل تم اعتقالها مؤخرا على خلفية شكاية من زوجها السلفي تتهمها بالزنى والذي قالت عنه في فيديو مصور أخر انه شخص يتظاهر بالتدين والورع بينما كان يعمد على تعنيفها جسديا ويطلب منها علاقات جنسية محرمة خلال نهار شهر رمضان وأنها هي وغيرها من الفتيات في حاجة إلى المساعدة لأنهن ضحية لأفكار سامة مغلفة بالدين... جمعيات نسائية "OUT " فيديو مدو لصرخة امرأة لم ينطق جمعيات نسائية خرساء تستثمر قضايا المرأة عند الحاجة. حملنا قصة حسناء التي أضحت قضيتها أشهر من نار على علم بعد أن تم تداولها بشكل واسع على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي إلى العديد من الجمعيات المغربية المعروفة بدفاعها عن قضايا المرأة لكي تستنصر لقضية إنسانية بالدرجة الأولى صاحبتها امرأة ضحية لزواج بالفاتحة تستنجد بكل من بوسعه أن يقدم لها يد العون وينتشلها من حالة الضياع هي وابنها لكن جواب جاء مخيبا إذ صرحت لنا إحدى الجمعيات أنها كانت في عطلة ولا تدري عن الأمر شيئا بينما ظل هاتف الجمعية الأخرى يرن دون مجيب... محمد واكريم عضو المجلس العلمي لتارودانت: زواج الفاتحة مرفوض أساسا من الناحية الدينية وتوثيق عقد الزواج ضمان لحق المرأة والأبناء في سياق أخر أكد السيد محمد واكريم رئيس المجلس العلمي بتارودانت أن زواج الفاتحة هو أساسا ظاهرة مرفوضة من الناحية الدينية لأن من أبرز شروط الزواج هو التوثيق وحضور الشهود و عدلان يقومان بتوثيق عقد الزواج أما ما يعمد عليه البعض اليوم فهو مرتبط بفكر بعض الجماعات السلفية لم يعد جائزا اليوم خصوصا مع التطور الذي أصبحت تعرفه الدولة المدنية، والذي يستدعي وجوب توثيق عقد زواج من أجل ضمان حق الزوجة والأطفال عن طريق تسجيلهم في دفتر الحالة المدنية ليتمكنوا من الحصول على الوثائق الرسمية وإتمام حياتهم بشكل طبيعي أما قضية زواج الفاتحة فهي اليوم مسألة لا يستسيغها عقل سليم ولا منطق رشيد، لأنه يدخل الأسرة بأكملها في نفق مظلم تكون ضحيته المرأة والأطفال في الغالب، فعقد النكاح الشرعي لا بد فيه من حضور ولي المرأة أو وكيله وشهادة الشهود، حيث أن توثيق الزواج لا يعد بدعة كما تعتبرها بعض الجماعات المتشددة إذ أن هذه الأخيرة ضابطها التعبد لله بما لم يشرعه الله ما يدخل في باب الشرك، أما مسألة توثيق الزواج فهي اليوم واجبة على الجميع لأن فيها خيرا يضمن حقوق الأسرة. محمد الزهاري رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان: مدونة الأسرة مشروع مجتمعي حداثي يقوم على محاور قوية تضمن استقرار الأسرة بالأساس وكل زواج خارج هذا الإطار مرفوض من جانبه قال محمد الزهاري رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان أن ظاهرة الزواج بالفاتحة بدون أي توثيق آو صيغة رسمية تثبته موجود في العالم وليس في المغرب فقط لكن الدولة أصبحت أكثر حسما فيما يخص علاقة الزوجين من خلال مدونة الأسرة التي تؤكد على توثيق عقد النكاح. وأضاف السيد محمد الزهاري أن مدونة الأسرة تستند باعتبارها مشروع مجتمعي يهدف إلى تقدم حقوقي للعلاقات الاجتماعية على عدد من المحاور أهمها: المساواة بين الزوجين، وذلك بتحديد سن الزواج لكل من الزوجين في 18 سنة، كما تم وضع الأسرة تحت رعاية ومسئولية الزوجين، ورفع الوصاية والحجر على جميع النساء الراشدات، وضع الطلاق تحت مراقبة القضاء، استفادة الزوجة المطلقة من الأموال المكتسبة أثناء قيام الزوجية. توازن الأسرة، وذلك بجعل النيابة العامة طرفا أصليا في جميع القضايا الرامية إلى تطبيق المدونة، إحداث أقسام لقضاء الأسرة بالمحاكم، والاعتراف بالزواج المدني المبرم من طرف أفراد الجالية المغربية لدى السلطات المحلية في بلدان الإقامة. حماية الطفل، حيث تم الأخذ بعين الاعتبار الوضع الاجتماعي للطفل عند افتراق الأبوين سواء من حيث السكن أو مستوى العيش الذي كان عليه قبل الطلاق، الاعتراف بنسب الطفل المولود في مرحلة الخطبة. ادريس بالعربي أستاذ علم الاجتماع بمكناس: زواج الفاتحة نتاج فكر سلفي متشدد تمليه مصالح خاصة لا علاقة لها بالتدين والإسلام من جهته قال ادريس بن العربي استاذ باحث في علم الاجتماع بكلية الاداب والعلوم النسانية بمكناس ان انتشار هذا النوع من الزواج قد سرى مفعوله في العديد من مناطق المغرب، لكون التشريعات والقوانين السائدة آنذاك كانت تعتمد في جزء كبير منها إضافة إلى التعاليم الدينية ، إلى الأعراف والتقاليد والعادات الاجتماعية والتي مثلت صمام أمان بالنسبة للمجتمع المغربي وضمانة أساسية لاستقراره وانتظام أحواله وضبط علاقاته . إلا أنه ونظرا لاستنفاذ المبررات الاجتماعية والثقافية المؤطرة لهذه الأعراف ونظرا للتطورات المتسارعة في مختلف مناحي الحياة وتشعب حاجات الناس ومصالحهم وأحوالهم ومشكلاتهم واتساع علاقاتهم وتعقدها ، صار لزاما على هذه القوانين مسايرة ما يطرأ على المجتمع من تغيرات ثقافية واقتصادية واجتماعية ، الأمر الذي حدا بهذه التشريعات أن تتحول من شكلها العرفي إلى شكلها القانوني الوضعي الخاضع لإرادة الإنسان وتفكيره ووضعه . وعلى هذا الأساس ، كان مشروع إرساء الدولة الحديثة في كافة ميادين الحياة السياسية والمؤسسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية من أولى الأولويات التي اتجهت إليها الدولة المغربية غداة الاستقلال ، فكانت الحاجة لتوحيد وتحديث القوانين بالمغرب المستقل واستصدار تشريعات جديدة تلاءم الوضع والظروف الجديدة للبلاد ، وهو ما استرعى اهتمام المسؤولين بسن قوانين وتشريعات تقوم على قواعد وأحكام فقهية محل قوانين رتبت على النمط العرفي التقليدي أو الغربي . وفي مقدمة هذه القوانين قانون الأحوال الشخصية ، كأول تقنين للقانون الإسلامي لأحوال الأسرة والذي تم إصداره في السنوات الأولى من الاستقلال ، على اعتبار أن الأعراف هو ما كان سائدا ومتداولا في القبائل المغربية إلى جانب الأحكام الشرعية والفقهية التي كان معمولا بها في المناطق الحضرية . إلا أنه ومع الأسف مازالت هذه القوانين تلبث أن تصطدم بدفاعات اجتماعية تستمد شرعيتها من خلفيات العادات والتقاليد والتصورات الموروثة التي ترتاح للقديم وتشكل الحصن المنيع ضد كل محاولات التغيير ، أو لأنها ترى في القانون عائقا أمام تلبية حاجياتها ومصالحها. كما أن هناك جهات أخرى تنظر إلى هذه القوانين على أنها وليد وضعي خارج عن الشرع الاسلامي ، أنتجته العلمانية . ومن ذلك أن الزواج بالفاتحة قد تمليه اعتبارات دينية متشددة ، والتي ترى في عقد الزواج المبرم بواسطة العدول على غرار بعض التوثيقات المستحدثة كبطاقة تعريف الهوية وغيرها، توثيقات حكومية وضعية لا يدخل ضمن شروط الزواج و أركانه بل هو من البدع التي لم يشهدها عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته .