سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ملاحظات حول مراسيم أصدرها رئيس الحكومة لأجل تحديد وتصنيف عشرات آلاف الهكتارات ضمن أملاك الدولة الغابوية.. * ظهير 03/01/1916 حلقة في سلاسل تشريعية استعمارية لشل القدرات الاقتصادية والتنموية للمغاربة
* جلب بعض المليارات العابرة على حساب رأسمال لامادي كبير يتم تدميره يستوجب تدخلا تلقائيا من طرف المجلس الاقتصادي والبيئي أوردنا في الحلقة الثانية المبحث الثاني من جريدة "العلم" عدد 23001 ليوم الأربعاء 03/09/2014، من هذه الدراسة التي خصصناها لمناقشة مجموعة مراسيم 14 مرسوما أصدرها رئيس الحكومة، والتي نشر ت في الجريدة الرسمية عدد 6282 ليوم 14/08/2014، دون توقيع بالعطف، تفعيلا لمقتضيات الفصول 89 و90 و93 من الدستور . وقد تضمنت تلك المراسيم "قرارات" باستجابة رئيس الحكومة لطلبات رفعها إليه المندوب السامي للمياه والغابات ومحاربة التصحر، من أجل الشروع ابتداء من يوم 27/10/2014، في عمليات إدارية لتحديد مساحات تفوق 84551 هكتار، لتصنيفها بصفة نهائية ضمن أملاك الدولة "الغابوية" ، وذلك بأقاليم : أزيلال و شفشاون وتاوريرت ، مع إسناد تنفيذ الإجراءات التي يتطلبها الأمر، للمندوب السامي للمياه والغابات، دون الاشارة لدور واختصاصات وزير الداخلية، بصفته الوصي على حماية أراضي أملاك الجماعات السلالية وجماعات القبائل، بمقتضى ظهير 06/02/1963 المعدل لظهير 27/04/1919، و ظهير 18/02/1924 في تأسيس ضابط خصوصي بتحديد الأراضي المشتركة بين القبائل، وكذا اختصاصات الولاة وعمال الأقاليم ، وغيرهم من مسؤولي وأعوان السلطة المعنية، الذين يلزمون بتنفيذ التعليمات القانونية لرؤسائهم فقط . ولأن مراسيم رئيس الحكومة تم تحديد إطارها وأساسها القانوني في مقتضيات ظهير 03/01/1916 المتعلق بتأسيس تنظيمات خصوصية لتحديد الأملاك المخزنية، فأننا إذ نعتبر هذا الأساس مشوبا بعدة خروقات لمضامين عدة تشريعات لاحقة زمانيا لظهير 03/01/1916، تضمنت مقتضيات ناسخة أو معدلة أو متممة لمقتضياته، سواء من حيث الإجراءات والضمانات، أو من جانب الأهداف والغايات، والتي كان في مقدمتها تغيير الوضعية القانونية لملكية الغابات حيث أصبحت ملكيتها غير محصورة في الدولة وحدها ، كما تزعم الجهة التي استصدرت المراسيم موضوع المناقشة وغيرها كثير . في هذا السياق أوردنا في المبحث السابق بعض النصوص التشريعية الممهدة لتكريس السياسة الاستعمارية الفرنسية، مع ما كان يتم بالموازاة لذلك في إطار الإعلان عن وضع البلاد تحت الأحكام العسكرية، وتنظيم حملات عسكرية شرسة ضد القبائل التي أعلنت مقاومتها للسياسة الاستعمارية ، فإن ذلك يبرز أن ظهير 03/01/1916 ليس سوى حلقة من حلقات مسلسل استعماري مدروس ومحطة تشريعية لتكريس مقتضيات سابقة وإضافة مقتضيات أخرى لتفعيلها ميدانيا وعلى أرض الواقع ، وهو ما سنخصص له في هذه الحلقة الثالثة، المبحث الموالي : المبحث الثالث: الأهداف الاستعمارية لظهير 03/01/1916: أولا : ظهير 03/01/1916 نص إجرائي مسطري لتفعيل تشريعات استعمارية سابقة: أشرنا في الحلقتين السابقتين لانقلاب السلطات الفرنسية على منطق وفلسفة عقد الحماية والأوفاق الدولية المنجز في إطارها، والشروع في تكريس أسلوب ونهج استعماري تحكمي استبدادي ممركز للسلطات في جهات إدارية جد محدودة، وهو ما تجسد أساسا في عدة تشريعات تهم موضوع الملكية العقارية عموما، ولاسيما أملاك القبائل والأملاك الغابوية، وكذا الثروات المائية ، أشرنا لبعضها في البحث السابق . ولأن تفعيل ذلك على أرض الواقع يستوجب تشريعا ت إجرائية وتنظيمية استثنائية فإنه تم إصدار ظهير 03/01/1916 المتعلق بتأسيس تنظيمات خصوصية لتحديد الأملاك المخزنية، وبعده في نفس السنة ظهير 21/11/1916 الخاص بتعيين جماعات تنوب عن القبائل "منشور بالجريدة الرسمية عدد 190 بتاريخ 18/12/1916"، علما أن مفهوم " الأملاك المخزنية " سبق تحديده في تشريعات سابقة قبل بداية سنة 1916 كما وضحنا سلفا . وقد حدد الفصل الأول من ظهير 03/01/1916 الأراضي المستهدفة بإجراءاته بنصه على أن : " كل عقار فيه شبهة ملك للمخزن الشريف يمكن أن تجري فيه أعمال التحديد حسب الشروط الآتية لأجل استبانة حقيقته وتعيين حالته الشرعية وذلك بطلب من إدارة الغابات والمياه أو إدارة الأملاك ". أما آثار وجود الشبهة المنصوص عليها في الفصل الأول وانتظار رفع الشبهة وظهور الحقيقة المستهدفة من طرف المستعمر فأنها واضحة فيما ورد النص عليه في الفصل الثالث من هذا الظهير المشؤوم، من كونه عندما يصدر قرار وزيري في تحديد كل عقار ..... فإنه لا يسوغ التعاقد في شيء مما اشتملت عليه حدود العقار المشروع في تحديده، ولا يعقد بيع في انتقال ملكيته ولا في استغلاله إلا بشرط الحصول على شهادة بعدم تعرض الإدارة التي لها النظر في ذلك وإلا فلا يصح التعاقد عليه .... ونص الفصل الثامن منه على أنه: "المصادقة على هذا التحديد تكون بقرار وزيري ينشر في الجريدة الرسمية، ويعين فيه تعيينا لا رجوع فيه مساحة العقار المحدود وحالته الشرعية...". أما الجهات الإدارية المكونة للجنة التي كان مسندا لها تنفيذ عمليات التحديد الإداري وتستوجب تدقيق مقابلها حاليا فقد كان نص الفصل الثاني بشأنها حددها في ثلاثة أطراف على الأقل كما يلي : " إن أعمال التحديد المذكورة تجريها لجنات، تتألف من موظف نائب عن إدارة المراقبة، ومن أحد موظفي إدارة المياه والغابات من الطبقة العليا فيما يختص بالغابات، ومن مراقب لإدارة الأملاك فيما يختص بغيرها من الأملاك، ومن قايد القبيلة معضدا بأشياخها، ومن عدلين إن اقتضى الحال حضورهما ". ثانيا: المنع الاستعماري للتصرفات في الأملاك العقارية المستهدفة للتحديد الإداري: لأن مجرد الإعلان عن التحديد طبقا للفصل الثالث من ظهير 03/01/1916، بقدر ما يؤدي إلى شل القدرات الاقتصادية ومعاملات قاطني المناطق المستهدفة، فإن الإدارة في بعض الأحيان، ومادامت الغاية قد تحققت من مجرد إعلان التحديد لا يكون ملحا لديها أن تقوم بإنجاز تلك العمليات فعليا أو تواصل ما بعدها، وإنما تعمد إلى أسلوب التلكؤ في الإنجاز لعدة سنوات وتبقى الأمور معلقة، ليأتي المتضررون بين يديها وتمارس في حقهم أبشع صور الابتزاز المادي أو غيره، وبهذا الأسلوب يغيب مبدأ الغابة ملك للدولة وحدها وتتكون مستقبلا فئة من الانتفاعيين الكبار مالكي الغابات الخاصة ؟، منهم من كانت له أدوار قذرة في تاريخ المغرب . ولتضح الصورة بخصوص ما أشير إليه بهذا الشأن نورد نماذج أولى لمناطق مستهدفة بظهير 03/01/1916 فور صدوره : 1) العديد من القرارات الوزيرية صدرت بداية من تاريخ 24/02/1916 وتواريخ موالية، قبائل زعير بأحواز الربا ط، نشرت في أعداد مختلفة من الجريدة الرسمية بالعربية، من بينها الأعداد 148 بتاريخ 28/02/1916، و153 بتاريخ 03/04/1916، و154 بتاريخ 10/04/1916، و155 بتاريخ 17/04/1916، و156 بتاريخ 24/04/1916، و160 بتاريخ 22/05/1916، و161 بتاريخ 29/05/1916 . 2) عشرات القرارات الوزيرية صدرت خلال سنة 1916 لإجراء عمليات التحديد في مناطق بوزنيقة، بن سليمان، مختلف مناطق الغرب، الشاوية، الشياظمة، السهول، زمران 3) قرار وزيري "18/08/1920 "، نشر بالجريدة الرسمية عدد 383 بتاريخ 31/08/1920 بتعيين حدود الغابات الكاينة بدائرة أكدير بتراب قبايل: أ) أهل أكدير ومسكينة وكسيمة " تحت نظر باشا أكدير". ب) هوارة والمنابهة ورحالية وأولاد زداغ وأيت إيكوس وأولاد يحيى وايداوغزال "تحت نظر باشا تارودانت". ج) شتوكة "تحت نظر باشا تيزنيت". ثالثا: إصدار ظهير 03/01/1916 لانتزاع الأراضي من القبائل لشل قدراتها الاقتصادية والمعنوية : إذن في السياقات والظرف المشار لبعضها أعلاه صدر ظهير 03/01/1916 المتعلق بتأسيس تنظيمات خصوصية لتحديد الأملاك المخزنية، الذي كان هدفه بالأساس فرض الدولة المستعمرة سلطاتها على جميع الأملاك العقارية ولاسيما الأراضي الفلاحية والغابوية وشبههما بالمغرب وانتزاعها من القبائل والأشخاص لتصنف بصفة نهائية كأملاك للدولة "المخزن"، ومن خلال ذلك ضرب القيم الأساسية المرتبطة باستغلال الجماعي للأراضي والانتفاع بخيراتها، دون إغفال هدف استراتيجي آخر كان ينفذ بالموازاة هو تسهيل تسليمها للمعمرين الفرنسيين وتشجيعهم على القدوم للمغرب. ونرى أنه من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الفلسفة والخلفية الأساسية التي كانت من بين الأهداف الاستراتيجية لعملية تجميع عدة إدارات تحت سلطة الكتابة العامة للدولة الحامية، ولاسيما إدارة المياه والغابات وإدارة الأملاك المشتركة بين القبائل، وإدارة المحافظة على الأملاك العقارية، ستظهر وتتضح بشكل جلي، في كل من ظهير 03/01/1916، المتعلق بتأسيس تنظيمات خصوصية لتحديد الأملاك المخزنية، وما تبعه فورا من استصدار سلسلة قرارات وزيرية لتحديد الأراضي في مختلف مناطق المغرب بمبادرات وتنسيق بين الإدارات المشار إليها سابقا، العاملة كلها في تحت سلطة الكتابة العامة للدولة الحامية، ىإما بعلة كونها أملاك غابوية، أو باعتبار أنها أملاكا للمخزن، وكانت البداية منهجيا بالمناطق الخصبة فلاحيا وغابوية قبائل زعير بضواحي الرباط ثم قبائل الغرب، فالشاوية، والشياظمة، والسهول، وزمران ... والكل قبل متم سنة 1916. رابعا: خطورة الأهداف الكامنة والمخفية لانتزاع الأراضي الغابوية وشبهها من أصحابها الشرعيين: من المفيد جدا الرجوع واستقراء بعض الظروف السياسية الاستعمارية لصدور ظهير03/01/1916 لالتقاط بعض الإشارات التي نعيي جيدا أنها لا تخفى على نباهة الكثير من الغيورين على المصالح العليا للوطن والمواطنين، كما نعي في مقابل ذلك وجود بعض آخر يتعامل مع الموضوع وفق أسلوب النعامة من جهة، و من جهة - وهو أخرى أخطر - تغليب جانب جلب بعض المليارات العابرة على حساب أمور معنوية أعمق مرتبطة بكرامة المواطن والارتباط بالوطن، وهو رأسمال لامادي كبير ومستمر عنوانه: " الملكية على الشياع للأراضي الغابوية وشبهها "، والذي يتم تدميره باختيارات أقل ما توصف به كونها مخالفة لمبادئ النجاعة والتشاركية والحكامة الجيدة الواردة في دستور 2011 .