التاريخ الاقتصادي_ وهو يختلف عن تاريخ الفكر الاقتصادي_ حافل بالحوادث والأزمات الاقتصادية خلال المسيرة الإنسانية أو على الأقل خلال الفترة المعروفة_ المكتوبة_ عبر التاريخ.. وفى كل أزمة يقوم المختصون بتقديم الحلول لأولى الأمر أو متخذى القرار للمواجهة السريعة أو المتأنية حسب الأحوال. اليوم.. لم تعد الأزمات تنحصر فى قطر معين.. بل نتيجة لتشابك الاقتصاديات من ناحية التجارة والاستثمار والمديونية ومختلف العلاقات الاقتصادية والتأثير المتزايد لما يسمى بالعولمة- وهى الظاهرة التى لها ما لها وعليها ما عليها_ لا يمكن أن تنعزل إذ تعزل اقتصاديات الدول عن بعضها وأصبح الجانب المالى والذى كان يعتبر الانعكاس أو المرآة للجانب المادى أو السلعى عاملا مؤثرا بصورة كبيرة فى المعاملات الآنية والمستقبلية. الأزمة المالية والتى بدأت فى قطاع بعينه فى بلد واحد وهو قطاع العقارات فى الولاياتالمتحدة نتيجة التوسع فى الائتمان أو ضخ القروض المضمونة وغير المضمونة اعتمادا على استراتيجية قصيرة النظر تشير إلى قدرة النظام الاقتصادي الأمريكي من خلال ديناميكية جهاز الأسعار الحر «وبعض التدخل فى أسعار الفائدة من حين لآخر» أنه يتم ارتفاع أسعار العقارات فى المستقبل بفضل حدوث نمو اقتصادى متوقع وفى هذا ضمان للمخاطر المتأتية من القروض غير المضمونة. ما حدث هو أن الأمور لم تجرِ كما هو متوقع، وبدلا من ارتفاع أسعار العقارات اتجهت أسعارها إلى الانخفاض نتيجة للتوسع الهائل فى هذا القطاع وإلى الاحتفاظ بالعقارات بواسطة البنوك من الأشخاص الذين لم يقوموا بسداد القروض وفوائدها... ما أدى إلى قلة السيولة بالمصارف وهكذا بدأت الأزمة وتفاقمت وازدادت المشكلة التى جعلت من الأزمة بهذا الحجم الكبير بسبب تأثير الجانب المالي الذي لم يعد يمثل انعكاسا بحجم الجانب السلعي.. بل أصبح سوقا بحد ذاته من خلال المتاجرة والمضاربة فى القروض باعتبارها «منتوجا ماليا» فى الأسواق المالية.. وأصبحت المصارف المانحة للقروض تتاجر بسندات هذه القروض لمصارف أخرى وطنية وعالمية وهكذا تعولمت الأزمة. القضية أن الأزمة تخطت قطاع أو سوق العقارات إلى قطاعات الاقتصاد الأخرى نتيجة لشح السيولة المحركة للاقتصاد وإفلاس المصارف وبدأ شبح الكساد يلوح فى الأفق مما ينذر بهبوب عواصف لا يعرف أحد مداها، مما فسح المجال للتهويل من جهة أو الاستهانة من جهة أخرى أو لاجتهادات عديدة لا حصر لها. الامتحان الآن.. هو امتحان قدرات النظم الاقتصادية فى البلدان المختلفة وهى نظم_ بالمناسبة_ غير مرتبطة بالعقائديات، وإنما تعتمد على قدرة البلدان على امتصاص الأزمة من خلال قوة اقتصادياتها الحالية والمستقبلية مع عدم تورطها فى الماضى فى مغامرات القروض غير المضمونة. وأعتقد أن العالم سيتجاوز هذه الأزمة بعد أن تتم معاقبة المتهورين أفرادا وشركات ودولا.. أما تأثير هذه الأزمة على دولنا العربية خاصة النفطية فالحديث حولها يطول.. وهو حديث ذو شجون يستحق أن يتم التعرض إليه مستقبلا.