حرك الرئيس الجزائري المريض، عبد العزيز بوتفليقة، حركة المؤسسة العسكرية المعلقة منذ شهور وسط الشائعات، مؤكدا إحالة عدد من الضباط السامين على التقاعد، بالتوازي مع الاستغناء عن عدد من المستشارين في مؤسسة رئاسة الجمهورية، يأتي على رأسهم المستشار العسكري والأمني، اللواء محمد تواتي المعروف بلقب "المخ"، أي (العبقري)، المحسوب على تيار الصقور، وعلى رئيس أركان الجيش الراحل الفريق محمد العماري. فقد أنهى بوتفليقة، مهام قائدي الناحيتين العسكريتين الأولى والخامسة، ورئيس أركان الحرس الجمهوري. وأكدت حركة التغييرات التي كشفت عنها الجريدة الرسمية للبلاد، أن بوتفليقة، أو الجهات التي تتحرك موظفة اسمه وصفته، بالماض في ضرب المناوئين لاستمراره بالسلطة رغم حالة العجز التي هو عليها، وأن العملية استهدفت مجددا المؤسسة العسكرية فضلا عن مؤسسة الرئاسة. وقال مراقبون محليون إن خطوة بوتفليقة، أو من ينوبه، حرصت على مراعاة لعبة التوازنات بين مؤسستي الرئاسة وجهاز الاستخبارات، بما أن هذه الخطوة مست عددا من الضباط المنضوين تحت قيادة هيئة الأركان، ولم تمس أيّا من قيادات جهاز الاستعلامات بمن فيهم الرجل الأول في الجهاز، الفريق محمد مدين (توفيق) الذي تجاوز سن التقاعد بكثير (74 سنة). وصرح جيلالي سفيان، رئيس حزب "جيل جديد" في اتصال مع "العرب" أن "حركة بوتفليقة في المؤسسة العسكرية وسلك المستشارين، تعطي الانطباع أن السلطة تتعاطى مع الوضع بشكل عادي، غير مستشعرة الأخطار التي تهدد البلاد، وأنها ماضية في ترتيب أوراق العهدة الرابعة، بالشكل الذي وعد به بوتفليقة وكلاءه". وجاءت الحركة المعلن عنها رسميا في الجريدة الرسمية، غير متوافقة مع التسريبات التي رشحت قبل أشهر وأسابيع حول تحضير تغييرات واسعة في هرم المؤسسة العسكرية وسلك المستشارين. ترتيب الأوراق واللافت أن الجريدة الرسمية الجزائرية لم تشر بالمرة إلى استغناء "الرئيس" عن خدمات "الذراع الأيمن"، عبد العزيز بلخادم، الذي تقرر إبعاده من كل المهام الرسمية في الدولة، وحتى من حزب جبهة التحرير، الأمر الذي يطرح أسئلة عما أسماه الرجل ب"إقالة بواسطة مصدر مجهول وبرقية وكالة إخبارية". كما اكتفت بعدد محدود من الضباط (عمداء وألوية)، عكس التسريبات التي أشارت إلى حركة واسعة تمس حوالي 70 ضابطا، مما يؤكد فرضية استمرار التوازنات داخل السلطة، وما تم هو من باب إثبات حضور "الرئيس" في المشهد أمام شائعات وانتقادات عجزه عن أداء مهامه الدستورية، وتوكيل إدارة شؤون البلاد للمحيطين به، خاصة ما بات يعرف ب"السينات" الثلاث وهم (سعيد بوتفليقة وعمار سعداني وعبد الملك سلال). في هذا الصدد يرى مراقبون، أن الحركة التي أعلن عنها بوتفليقة، قد تكون مقدمة لسلسة تغييرات هيكلية كبرى في علاقة المؤسسة التي تشكل محور السلطة التنفيذية في البلاد بباقي السلطات، لا سيما وأن هذه التغييرات باتت وسيلة من وسائل حكم بوتفليقة، لإثبات الحضور المتكرر والتحكم في سلطة القرار. وربط ملاحظون هذه التغييرات بقرار إنهاء وزير الدولة المستشار بالرئاسة عبدالعزيز بلخادم، في رسالة من داخل السلطة تقول إن مؤسسة الرئاسة هي مركز نظام الحكم، وأن لا مؤسسة أخرى يمكن أن تتصرف دون إذنها. وكانت مجلة الجيش في عددها الأخير، قد أكدت على ما أسمته ب"التزام الجيش بالمهام الدستورية في حماية الحدود"، في إشارة إلى عدم التورط مجددا في المسائل السياسية، كرد منها على الأصوات التي دعت المؤسسة العسكرية إلى التدخل بعد إقالة قيادات نافذة منها وعدم الاستماع لموقفها الرافض لترشيح بوتفليقة لدورة رئاسية رابعة. وتقول تسريبات إن بوتفليقة يجهز لتعديلات دستورية جديدة تعطي رئيس الحكومة صلاحيات كبيرة بغاية قطع الطريق أمام أي دور للجنرالات في التأثير على اتخاذ القرارات، بينما تطالب شخصيات سياسية بتشريك الجيش في توفير شروط انتقال ديمقراطي يحوز على التوافق الوطني. وكان رئيس الحكومة الأسبق، مولود حمروش، والمحامي والحقوقي، مقران آيت العربي، قد شددا في أكثر من مناسبة، على ضرورة مساهمة المؤسسة العسكرية في تحقيق "توافقات" بين السلطة والمعارضة، من أجل المضي نحو تحقيق انتقال ديمقراطي بعيدا عن العنف أو الفرض من الخارج.