أكدت مصادر مطلعة ل»العرب»، أن الاستغناء المفاجئ للرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة عن خدمات مستشاره عبدالعزيز بلخادم، جاء بعد تقارير تحريضية ضده من خصومه في الحزب الحاكم وصلت رجل الظل وصاحب القرار سعيد بوتفليقة. وكشفت المصادر أن تقارير سرية قدمت ضد بلخادم حول نشاط غامض لما يعرف ب»لجنة الوفاء لبلخادم» على شبكات التواصل الاجتماعي، وكذا عن علاقة ود مفترضة بينه وبين رئيس جهاز الاستخبارات، الفريق محمد مدين (الجنرال توفيق)، المعروف بصراعه مع محيط الرئاسة حول المستقبل السياسي للبلاد ورفضه للولاية الرئاسية الرابعة لبوتفليقة. وقالت المصادر إن لجنة الوفاء صارت محل إزعاج للقيادة الحالية لجبهة التحرير الوطني، سيما في ما يخص إظهارها اطلاعا كبيرا بالمسائل السرية لمحيط الأمين العام الحالي عمار سعداني، وتسريبها عددا من الملفات حول قضايا فساد و»ممارسات مشبوهة» له وللمحيطين به. وأضافت المصادر أن تقارير متعددة رفعها سعداني، إلى «رجل الظل»، الشقيق الأصغر لرئيس الجمهورية والمستشار، سعيد بوتفليقة، حول نشاط لجنة الوفاء لبلخادم، وأن التقارير ركزت على المخاطر التي باتت تشكلها على قيادة الحزب، ومدى تأثيرها على الرأي العام، بما أنها أبانت اطّلاعا واسعا على أدق التفاصيل في ما يدور في كواليس الحزب الحاكم وخاصة رجال سعيد بوتفليقة. وسبق لعمار سعداني، خلال الأسابيع الماضية، أن أثار مسألة اللجنة في اجتماع سري للمكتب السياسي للحزب الحاكم، وهو ما كشفت عنه «العرب» في حينه. وأكد لمقربين منه على ضرورة كشف الشبكة أو المجموعة التي تسرب أسرار الحزب للجنة الوفاء لبلخادم. واتهم سعداني حينها جهاز الاستخبارات بالوقوف خلف اللجنة، وقال في نفس الاجتماع لمقربيه إن «الجهاز هو من يحرك اللجنة، إن لم تكن هي ذاتها مكونة من عناصره، في إطار مخطط لهز استقرار جبهة التحرير الوطني». وأكدت المصادر أن نشاط اللجنة على شبكة التواصل الاجتماعي، ركز اهتمامه على دعم جناح بلخادم في العودة إلى قيادة الحزب، ومعارضة قيادة سعداني، وهو ما وظفه معارضوه بالقول إن طموحاته تتعدى استعادة منصب الرجل الأول في الحزب الحاكم، إلى منصب الرجل الأول في البلاد، وهو الأمر الذي أزعج جناح الرئاسة وجعلها تفقد كامل ثقتها فيه وتتخلص منه. ورفض عمار سعداني، في اتصال ل»العرب» التعليق على قرار عزل غريمه بلخادم من الحكومة والحزب، أو الخوض في الجوانب المتصلة بالقضية، واكتفى بالقول: «القرار اتخذ من طرف رئيس الجمهورية، الذي يخول له الدستور صلاحية تعيين وعزل أي إطار أو مسؤول». وأضاف: «لا يجب أن ننسى أن بوتفليقة نفسه هو الرئيس الشرفي لجبهة التحرير الوطني، ونصوص الحزب تكفل له نفس المهمة». وحول جمع قرار عزل بلخادم للنشاط الحكومي الرسمي والنشاط الحزبي، أكد سعداني، أنه تلقى اتصالا من مؤسسة الرئاسة حول المسألة، وسيجتمع بالمكتب السياسي لشطب بلخادم. إلى ذلك ما زال عبدالعزيز بلخادم، يخفي امتعاضه من القرار، ويحاول الظهور في شكل غير المتأثر به، رغم أن القرار نفذ بطريقة وصفت ب»المهينة». لكن محللين محليين قالوا إن القرار ليس نهائيا، وإن المسألة لا تتعدى إعادة ترتيب أوراق وأدوار سرايا السلطة، تمهيدا لمرحلة جديدة تستدعي سحب بلخادم من الواجهة، تحسبا لدور جديد في المستقبل، وهو سر عدم تسجيل رد فعل قوي من الرجل وعدم تأثره بالقرار. ويقول المحلل والأستاذ في جامعة الجزائر، محمد لعقاب، في تصريح ل»العرب» ، «إن السلطة الجزائرية لا تفرط في رموزها بهذا الشكل، ولم يحدث أن صفّت حساباتها بهذه الطريقة، فعلاوة على المصالح المتبادلة، فإن الاستغناء عن رجل بحجم بلخادم، لا يمكن أن يتم بالنظر إلى ما للرجل من اطلاع واسع على ملفات كبيرة وأسرار اللوبيات النافذة». وأضاف: «أعتقد أن السلطة تحضر لشيء ما استدعى سحب بلخادم من الواجهة الرسمية والحزبية، وأظن أن بوتفليقة لما يستشعر خطرا من خصومه، يعاقبهم بطريقة ذكية، تتمثل في الإبعاد عن الجبهة الداخلية، ويحفظ لهم ماء الوجه بمناصب شكلية غير مؤثرة». وتابع: «بلخادم سيكون بديل جناح الرئاسة، إذا تدهورت صحة الرئيس أكثر، وخليفته في قصر المرادية إذا نظمت انتخابات رئاسية مسبقة بعد تعديل الدستور قبل نهاية العام الجاري، بحسب ما يروج في بعض الدوائر». وكان بلخادم قد اعتبر قرار عزله من الحكومة، من صلب صلاحيات رئيس الجمهورية، واستبعد أن ينسحب ذلك على موقعه في حزب جبهة التحرير الوطني الذي ظل لفترة كبيرة أمينه العام، ملمحا إلى أن سبب العزل يكمن في خلاف له مع بوتفليقة بشأن الأوضاع التي يمر بها الحزب منذ عدة سنوات.