أظنك تتذكر ان مقالنا السابق كان يتحدث عن الماسون، ولكنك لا تعرف أنني عندما تحدثت عن أوجه التشابه بين الماسونية والاخوان نظر لي كثيرٌ من المثقفين شذرا وهم يتأسفون على عقل هذا الرجل الذي تاه في غيابات سحيقة، قال بعضهم: ما الذي تملكه أيها الاخواني السابق لكي تقطع بهذا التشابه؟ وهل حين دخلت جماعة الاخوان لم تكن تعلم ان لها صلة قربى بالماسونية، يا سادة يا أكابر المثقفين أكاد أقسم لكم ان أعضاء جماعة الاخوان كلهم لا يعرفون تلك الصلة ولكنهم يساقون اليها، أما الراعي فهم بضعة نفر لديهم صندوق الأسرار ووثائق النسب ومفاتيح الألغاز، ولكن لنضع الآن نقطة كي نبدأ من أول السطر، وقبلها نقول ما هي أوجه التشابه أو القربى والنسب والمصاهرة بينهما؟. هناك قضية منطقية لها عدة فروض، تقول هذه القضية انه: اذا كان قد ثبت ان الماسون يقومون بتجنيد أفراد من كل الديانات ومن كل الدول لتحقيق هدفهم الظاهر وهو التحكم في العالم كله بحكوماته ومؤسساته المدنية وجعل العالم «قرية واحدة» خاضعة لحكمهم، وأنهم اهتموا بمصر اهتماما كبيرا حتى أنهم كانوا السبب في انشاء قناة السويس لتربط العالم ببعض من خلال تلاميذ جماعة «سان سيمون» المنبثقة من جمعية الماسون بباريس وكان منهم ديلسبس، واذا كان الحلم الماسوني الأمريكي الذي يعيش حكام أمريكا من أجله هو ان تصبح بلادهم امبراطورية لم ينجب التاريخ مثلها وتتفوق على «ارم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد»، بحيث يدين لها كل العالم بالتبعية، وكانت أجهزة المخابرات الأمريكية والغربية تحت سيطرة الماسونية العالمية وتدار من خلالها واقرأ في ذلك كتب الاخوان عن الماسونية ليست أجهزة المخابرات فقط بل ان أمريكا كلها تدار من خلال الماسون، ثم أكمل مقدمات القضية وقل ان مصر دولة لها أهمية عظمى في الشرق وهي تحت نظر أمريكا طول الوقت، وجماعة الاخوان أيضا لها أهمية كبرى باعتبارها سيدة الحركة الاسلامية في العالم والمتحكمة فيها، وهي ايضا جمعية دولية تبتغي ابتلاع العالم وجعله تحت «أستاذيتهم» اذن فمن المنطقي ان يقوم الماسون أو المخابرات الأمريكية والغربية بتجنيد بعض المصريين المسلمين في الحركة الماسونية ودفعهم للالتحاق بالاخوان وتهيئة السبيل لهم حتى يصلوا الى مبتغاهم، هذه فرضية لا ينبغي ان تغيب عن ذهن الباحثين أبدا. ولكن يجب ان ترتبط الخيوط لنفهم ونفك الرموز والألغاز، لذلك يجب ان نعود لفكرة النظام السري في جماعة الاخوان وطرق أخذ البيعة له، ولنا ان نعرف ذلك من مذكرات رجل كان مقربا من حسن البنا، سكرتيره، ومسؤول المعلومات في التنظيم، وهو الأخ محمود عساف الذي أخرجت له المطابع كتابه الشهير (مع الشهيد حسن البنا) فاذا قرأته ستقع عيناك على صفحات من الكتاب يقول فيها عساف: «في يوم من أيام سنة 1944 دعيت أنا والمرحوم الدكتور عبدالعزيز كامل لكي نؤدي بيعة النظام الخاص، ذهبنا في بيت في حارة الصليبة، دخلنا غرفة معتمة يجلس فيها شخص غير واضح المعالم يبدو ان صوته معروف وهو صوت صالح عشماوي، وأمامه منضدة منخفضة الأرجل، وهو جالس أمامها متربعاً، وعلى المنضدة مصحف ومسدس، وطلب من كل منا ان يضع يده اليمنى على المصحف والمسدس ويؤدي البيعة بالطاعة للنظام الخاص والعمل على نصرة الدعوة الاسلامية، كان هذا موقفاً عجيباً يبعث على الرهبة، وخرجنا سوياً الى ضوء الطريق ويكاد كل منا يكتم غيظه». هذا ما كتبه محمود عساف، ولكن ما هي البيعة التي قام بها الأخ الذي ببيعته يكون قد دخل الى دهاليز معتمة ليس لها قرار، هذا ما سنتكلم عنه في المقال القادم.