ضربة جديدة للنظام الجزائري.. جمهورية بنما تعمق عزلة البوليساريو    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    السجن المحلي بالقنيطرة ينفي تدوينات يدعي أصحابها انتشار الحشرات في صفوف السجناء    وهبي يشارك في انعقاد المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب    كأس إفريقيا للسيدات... المنتخب المغربي في المجموعة الأولى رفقة الكونغو والسنغال وزامبيا    الصحف الصينية تصف زيارة الرئيس الصيني للمغرب بالمحطة التاريخية    نشرة إنذارية.. طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المملكة    التعادل يحسم ديربي الدار البيضاء بين الرجاء والوداد    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال    يوم دراسي حول تدبير مياه السقي وأفاق تطوير الإنتاج الحيواني    MP INDUSTRY تدشن مصنعا بطنجة    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    أمريكا تجدد الدعم للحكم الذاتي بالصحراء    بينهم من ينشطون بتطوان والفنيدق.. تفكيك خلية إرهابية بالساحل في عملية أمنية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    الرابور مراد يصدر أغنية جديدة إختار تصويرها في أهم شوارع العرائش    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لأول مرة في تاريخه.. "البتكوين" يسجل رقماً قياسياً جديداً    زَمَالَة مرتقبة مع رونالدو..النصر السعودي يستهدف نجماً مغربياً    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    تفكيك شبكة تزوير وثائق السيارات بتطوان    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صوت الحرية 2 ... هل كان سيد قطب والهضيبي ينتميان إلى الماسونية؟

تقول الاسطورة اليونانية ان ايكاروس كان يعيش مع أبيه في جزيرة كريت، احب ايكاروس الطيران، فصنع لنفسه اجنحة اخذها من الطيور، و لصقها في يديه بالشمع، ثم تهيأ للطيران ، وقبل ان يطير نصحه ابوه لا ترتفع كثيرا يا ايكاروس ، لا تفكر في الوصول للشمس، فانك ان وصلت اليها فقدت حياتك، ولكن ايكاروس كان طموحا للمعرفة لم يستمع لنصيحة ابيه وطار وطار وطار محلقا في الأجواء حتى اقترب من الشمس، اقترب من الحقيقة التي كان تواقا لها، ولكن أشعة الشمس القوية الحارقة أذابت الشمع وحرقت الأجنحة فوقع ايكاروس ميتا قبل ان يصل الى مبتغاه.
فهل كنت كإيكاروس عندما حاولت أن أصل للحقيقة في جماعة الإخوان، وهل سأنال ما ناله؟ كانت رحلتي نحو الحقيقة قد بدأت مصادفة بغير ترتيب، مسبق، اذ لم يرد في خاطري ان جماعة الإخوان تضمر في نفسها حقائق مفزعة لا يعرفها معظم افرادها، فالأسرار محفوظة عند الكهنة الكبار، في صندوق خفي لا يستطيع احد ان يطلع على ما فيه، اذ ان العتمة التي يعيشها افراد الجماعة تحجب عنهم نور الحقيقة، وحين سرت وراء بصيص الضوء أراني الله ما يعجز العقل عن استيعابه لأول وهلة، فمن عاش في العتمة زمنا يفاجئه النور فيعشي بصره للحظات ويصعب على حدقتيه استيعاب الضياء، وقتها قد تنكر العين الضوء وتستنكره، وما أصعب ان نستنكر الحقيقة!
انكببت في فترة من حياتي على القراءة عن الماسون والماسونيين، وكان مما قرأته ان الافراد العاديين للماسون لا يعرفون الاسرار العظمى لتنظيمهم العالمي، تلك الاسرار تكون مخفية الا على الذين يؤتمنون على الحفاظ على سريتها، وتكون هي الهيكل الذي يحفظ كيان الماسونية وعند بحثي في الماسونية استلفت نظري ان التنظيم الماسوني من حيث البناء التنظيمي جماعة الإخوان، حتى درجات الانتماء للجماعة وجدتها واحدة في التنظيمين!!
وعندما كنت طالبا في السنة النهائية بكلية الحقوق وقع تحت يدي طبعة قديمة لاحد كتب الشيخ محمد الغزالي، واذ جرت عيني على سطور الكتاب وجدته يتحدث عن ان المرشد الثاني حسن الهضيبي كان ماسونيا! لم تتحمل عيني استكمال القراءة فاغلقت الكتاب، ووقعت في حيرة مرتابة، كنت في هذه الفترة قد احببت الإخوان وشغفت بتاريخهم ، وكنت في ذات الوقت منشدها للشيخ محمد الغزالي وخطبه وكتبه وطريقته الثائرة، كان جيلي كله يعتبر الغزالي امام العصر ومرشد العقل، لذلك كانت كلمات الشيخ محمد الغزالي التي اتهم فيها المرشد الثاني حسن الهضيبي بالماسونية بمثابة صفعة على مشاعري، ايهما اصدق؟ الاخوان الذين طهرهم الله فاصبحوا جماعة ربانية ام الشيخ الاخوان حتى النخاع، العالم الفقيه المجاهد الثائر المجدد محمد الغزالي؟ هل الغزالي يكذب؟! ويكذب علنا أمام كل الناس!! هل كان حاقدا فأمسك معوله ليهدم الاخوان؟ ام انه كان صادقا وكان الاخوان يعلنون غير مايسرون؟ لم تنته حيرتي ولكنني وضعتها في زاوية مهجورة من عقلي، لا اقترب منها ابدا ولا اتطرق اليها لا مع نفسي ولا مع آخرين، قررت الا افتح هذه القصة ابدا بمجرد ان اغلقت الكتاب، بل انني اصدرت امرا لنفسي الا افتح هذا الكتاب ابدا، وكم كان سروري حين وضعتني الاقدار امام هذا الموضوع نفسه بعد عدة ايام من اغلاقي ال كتاب، وكأنما تأبى الاقدار الا ان امعطن النظر في ماسونية الاخوان، فقد دعاني الاخ خالد يدوي الذي كان أميرا للجماعة الاسلامية في كلية الحقوق لحضور ندوة في المدينة الجامعية للشيخ ابراهيم عزت الذي كان أميرا لجماعة التبليغ والدعوة في مصر انذاك، وكان في ذات الوقت مقربا من الاخوان بحسبه كان يف احدى فترات عمره عضوا بالجماعة، وبعد الندوة تلقى الشيخ ابراهيم عزت سؤالا من احد الحاضرين عن حقيقة اتهام الشيخ الغزالي لبعض قيادات الاخوان بالماسونية؟ وكان رد الشيخ ان هذا الكلام كتبه الشيخ الغزالي في ثورة غضب بعد خلاف بينه وبين الجماعة ثم انه بعد أن هدأت ثائرته بعد ذلك قام بحذف هذه العبارات من الطبعات الجديدة للكتاب، بل انه وقبل وفاة الاستاذ حسن الهضيبي زاره وسلم علي وصلى خلفه، كانت اجابة الشيخ ابراهيم عزت مريحة لنفسي، الا انها لم تكن كافية؟ ذلك انها فتحت مجالا في عقلي لاتهام الشيخ الغزالي بالكذب وتلويث سمعة من خالفه في الرأي بغير حق! ولكنني فعلت ما انتويت عليه وهو ان يغلق عقلي مع نفسي باب النقاش في هذا الموضوع.
ومرت سنوات وسنوات وهذا الموضوع من المحرمات التي لا يجوز ان اقترب منها او ابحث فيها، بل انني كنت انظر ساخرا لمن يفتح هذا الموضوع و انا اقول لنفسي كيف يلتقي الدين مع اللادين؟ كيف يلتقي الاسلام الذي تعبر عنه جماعة ربانية بالصهيونية التي تحارب الاسلام وتحارب جماعة الاخوان؟ الى ان تداخلت احداث كثيرة في حياتي فاخذت ابحث عن الاصول الفكرية لجماعة الاخوان، كيف فكر حسن البنا في انشاء الجماعة؟ و لماذا؟ وماهي الادوات التي امسك الاخوان بتلابيبها لكي يحققوا هدفهم الاعظم، وقتها وقعت تحت يدي مقالات كان الاستاذ سيد قطب قد كتبها في جريدة التاج المصري واثناء بحثي عرفت ان هذه الجريدة كانت لسان حال المحفل الماسوني المصري!! وكانت لا تسمح لاحد ان يكتب فيها من خارج جمعية الماسون، وهنا عاد ما كتبه الشيخ الغزالي في كتابه ملامح الحق الى بؤرة الاهتمام، خرج كتاب الغزالي من الزاوية المهجورة داخل عقلي الى أرض المعرفة، فالاخوان والماسونية!! عدت الى الكتاب الذي كنت قد عزمت على أن لا أعود اليه لأقرأ ما كتبه الشيخ فوجدته يقول في كتابه »ان سيد قطب انحرف عن طريق البنا وانه لم يشعر احد بفراغ الميدان من الرجالات المقتدرة في الصف الاول من الجماعة المسماة الاخوان المسلمين الا يوم قتل حسن البنا في الاربعين من عمره، لقد بدا الاقزام على حقيقتهم بعد أن ولى الرجل الذي طالما سد عجزهم، وكان في الصفوف التالية من يصلحون بلا ريب لقيادة الجماعة اليتيمة، ولكن المتحاقدين الضعاف من اعضاء مكتب الارشاد حلو الازمة، او حلت باسمائهم الازمة بان استقدمت الجماعة رجلا عربيا عنها ليتولى قيادتها، واكاد اوقت بان من وراء هذا الاستقدام اصابع هيئات سرية عالمية ارادت تدويخ النشاط الاسلامي الوليد، فتسللت من خلال الثغرات المفتوحة في كبان جماعة هذه حالها وصنعت ما صنعت ولقد سمعنا كلاما كثيرا عن انتساب عدد من الماسون بينهم الاستاذ حسنا لضيبي نفسه لجماعة الاخوان ولكنني لا أعرف بالضبط كيف استطاعت هذه الهيئات الكافرة بالاسلام ان تخنق جماعة كبيرة على النحو الذي فعلته؟ وربما كشف المستقبل اسرار هذه المأساة.
هذا هو نص كلام الشيخ محمد الغزالي، لعله لم يتحسن كلماته وهو يكتب كتابه هذا الا أنني وجدتني مضطرا ونحن في هذا الجو الاستثنائي المشحون من تاريخ مصر الى أن أتحسس الكلمات، ولكن هل انا الذي أكتب؟ انا فقط انقل ما كتبها لشيخ الغزالي، واكتب تاريخ ما لم ينكره التاريخ، هل قال التاريخ ان حسن الهضيبي وحده هو الذي كان ماسونيا؟ او ان سيد قطب ارتبط معهم بصلات وكتب في صحفهم؟ لا، مصطفى السباعي مراقب الاخوان المسلمين في سوريا كان ماسونيا هو الاخر، الموضوع جد خطير لاشك في ذلك، لا يجوز الدخول فيه بمجرد تخمينات او شكوك، حتى إنني قررت حقيقة ان لا أخوض في هذا الموضوع، ولكن أأترك امرا في مثل هذه الخطورة دون ان افحصه واتبين حقيقته؟ قد تكون نتيجة البحث في غير صالح الاخوان، وقد تكون النتيجة في صالحهم، وفي كلتا الحالتين يجب ان يستكشف التاريخ هذه الفرضية، ما علاقة الإخوان بالماسونية؟
لماذا أكتب هذه الذكريات؟ يلومني البعض عليها و يقولون انك بها تفت عضد الجماعة التي تربيت فيها، ولكنهم لا يعلمون ان الحكايات التي نكبتها ولا نكتبها تصبح غنيمة لاعدائنا، لا يعلمون اننا لا نرفع الا اذا تعلمنا من تجاريب الحياة، ومن يقص علينا تلك التجاريب ابد الدهر الا أبالك يرفعنا وينفعنا.
حين اختلفت مع تنظيم الاخوان، كنت مازلت في قلبه اخذت اقلبا لفكر، هل انا الذي اختلفت معهم ام انهم هم الذين اختلفوا معي؟ ثم هل يعقل ان يختلف شخص مع نصف ميلون شخص! كيف هذا؟! هل هم الات مضبوطة من المصنع على حركة واحدة ولفتة واحدة وايماءة واحدة؟! أيعقل ان يكون نصف مليون من البشر على رأي واحد و فكر واحد وعقل واحد؟! افهم ان يكون ملايين البشر على دين واحد، ولكن حتى عالم الدين المقدس تجد الناس يختلفون فيه، يختلف المسلمون و يفكرون بطرق متعددة، فيكون منهم أهل السنة والشيعة والمعتزلة والأشاعرة وينقسمون الى مذاهب، وفي داخل المذاهب يختلف المذهبيون في المذهب الواحد، ويختلف اصحاب المدرسة الواحدة في المذهب في عشرات بل مئات المسائل، بل ان الامام الشافعي اختلف مع نفسه فكان في شطر من عمره على فقه معين، وفي الشطر الثاني كان على فقه آخر، وكذلك المسيحية انقسم أ هلها الى فرق وطوائف اختلفوا في فهم ذات الله وطبيعته فكانوا طرائق عدة، هذه هي طبيعة البشر، طبيعتهم التي فطرهم الله عليها هي الاختلاف، لذلك قال سبحانه وتعالى في القرآن الكريم ولا يزالون مختلفين ثم قال ولذلك خلفهم.
المجموعة التي لا ينبغي لها ان تختلف او تخالف رأي القائد هي الكتيبة العسكرية التي تخرج في عملية قتالية، في وسط اجواء القتال لا يجوز ان يكون هناك اكثر من رأي او اكثر من قرار، ولكن اين هذا من حياتنا المدنية؟ لذلك بلغ استغرابي مداه عندما وصفني بعضهم قبل ان أترك الجماعة بانني نغمة نشاز وسط سمفونية موسيقية اخوانية، اذ تصورتني درجة من درجات السلم الموسيقي التي لم يستطع الموسيقار ان يضعها في موقعها المناسب من السيمفونية، فاذا بالموسياقر ينهال لوما عليها ويقرر الاستغناء عنها، فلتسقط هذه النغمة!! ومع ذلك فان السيمفونية الموسيقية التي يولفها البشر تقوم على توظيف الاختلاف المبدع الذي تنتجه قريحة الموسيقى المبدع بين النغمات ودرجات السلم الموسيقي، ولكنني في كل الاحوال ارفض ان أكون نغمة في سمفيونية يديرها انسان، أنا انسان، لي عقلي وفكري وقلبي، من أراد أن يتعامل معي على ذلك فأهلا وسهلا، ومن لم يرد فهو وشأنه العازف الذي يجلس في الفرقة الموسيقية لا يستطيع ان يحرك آلته الموسيقية الا اذا اشار له المايستر، وبذلك فاذا لم يشر له كان عليه ان يظل ساكنا، وانا لست كذلك، فقد اكتشفت عندما احتدم خلافي معهم انني احب العزف المنفرد.
تنقسم جماعة الإخوان من حيث الهيكل التنظيمي الى مناطق واقسام، يعمل الاخ في الاخوان من خلال منطقته،ويعمل كذلك من خلال اي قسم من الاقسام، واشهز اقسام الاخوان هي قسم الطلبة وقسم المهنيين وقسم اساتذة الجامعات وقسم الدعوة وقسم التربية وقسم الاخوات الذي تم تفعيله حديثا، وظلت بعض الاقسام بعيدة عن عيون افراد الجماعة لا يعرف عنها احد شيئا، وكان أخطر هذه الاقسام واكثرها اهمية هو قسم الوحدات وهو الخاص بانشطة الاخوان داخل الجيش والشرطة.
كان القسم الذي باشرت فيه نشاطي داخل الجماعة هو قسم المهنيين وكانوا يعتبرونني انشط افراد هذا القسم واكثرهم تأثيرا خاصة فيما يتعلق بالانتخابات ودروبها ومسالكها وخططها، ولان قسم المحامين الذي هو احد فرع قسم المهنيين كان اكثر الاقسام اجهادا للجماعة، فقد كان البعض يعتبر ان قسم المحامين يعدو بخطى واسعة تتجاوز خطى الجماعة، حتى انه لما فرض النظام على نقابة المحامين ما يعرف بالحراسة القضائية لم يسكت القسم ولم يقبل هذه الحراسة صاغرا بل ثار عليها بكل الوسائل الممكنة، واستطاع المحامون الذين ينتمون للاخوان التحالف مع كل القوى السياسية الفاعلة في النقابة من أجل انهاء هذه الحراسة، وبعد ان نجحت مساعي المحامين وصدر حكم قضائي نهائي برفع الحراسة عن النقابة قرر قسم المهنيين ان يعقد اجتماعا لمناقشة هذه التطورات، وتسرب خبر هذا اللقاء للجهات الامنية.
تقرير من مرشد سري الى مباحث أمن الدولة: سيتم عقد اجتماع لقسم المهنيين في الاخوان في مقر جمعية هندسية اسلامية تابعة لنقابة المهندسين، مقرها في المعادي، وسيحضر الاجتماع كل من محمد بديع، مختار نوح، خالد بدوي، مدحت الحداد، سعد زغلول العشماوي وسيكون الاجتماع في منتصف اكتوبر عام 1999
وكان ان تم القبض عليهم واحالتهم الي نيابة أمن الدولة التي اجرت معهم تحقيقات قضائية موسعة، ولأنك في مدينة الاخوان قد يستغلق عليك الفهم احيانا فقد بدوت كرجل عي بطيء الفهم وانا ارى آن رد فعل الجماعة على المستوى الاعلامي والسياسي لهذه القضية رديء بطيء، وحين وجدت وانا اضرب كفاعل حف ان الجماعة لمتلق الا لهذ القضية، اخذت ابحث عن سر هذا التهاون، فالمستغرب ان بعض المقبوض عليهم كانوا من كبار قيادات الجماعة، فمنهم الدكتور محمد بديع عضو مكتب الارشاد وقتها ومرشد الاخوان فيما بعد، ومنهم ايضا الدكتور محمد بشر عضو مكتب الارشاد والاستاذ مختار نوح مسؤول قسم المحامين بالجماعة وغيرهم، الا انني لم اصل في الاشهر الاولى لللقضية الى شيء، فقد شغلتني الاحداث عن تتبع حقيقة الاعراض.
كان من المجهد لي ذهنيا ذلك الفتور البارد الذي وجدت الاخوان عليه وقتئذ، فقد صنعوا لانفسهم اذنا من طين واذنا من عجين، لذلك اخذت ادفع قسم المحامين الى القيام بدور فاعل ومؤثر، وكان الدكتور محمد بديع واخوانه في السجن يرسلون لي رسائل شبه يومية يطلبون فيها مني ان اتحرك مع المحامين على المستوى السياسي والقانوني بعيدا عن اقسام الجماعة الرسمية التي رأوا انها خذلتهم، كانت رسائلهم لي تقطر حزنا واسى من اخوانهم في الله الذين تركوهم بلا اهتمام، حتى ان مكتب الارشاد عندما قرر تخصيص مرتب شهري لأسر الاخوة المحبوسين، اغدق على البعض وحرم البعض الاخر!! كان شهرا اكتوبر من عام 1999 هو الذي الذي تم القبض فيه على الاخوان في هذه القضية، وكان شهر الخريف هو الشهر الذي اسفر عن بصيص الضوء الذي تتبعته لاصل الى صندوق الاسرار، وفي منتصف شهر نونبر من نفس العام صدر قرار رئيس الجمهورية باحالتهم للمحكمة العسكرية، وكان قرار الاحالة هذا على غير ما انبأنا به الوسطاء!! لذلك كان وقعه على نفسي مؤلما جارحا، وبعد يوم من قرار الإحالة للمحكمة العسكرية عقدنا في قسم المحامين بالجماعة اجتماعا في مكتب الاخ بهاء عبد الرحمن المحامي عضو مجلس نقابة المحامين عن الاخوان المسلمين، كان لهذا الاجتماع ضرورة قصوى، فالقضية تم احالتها على القضاء والعسكري ولهذا الأمر مغزاه عندنا، وكان هذا الأمريعني ان كل جهود الوسطاء قد فشلت وذهبت ادراج الرياح، وكان يجب ان يجتمع قسم المحامين لينظر ماذا سيفعل في الايام القادمة على مستوى كافة الاصعدة، هل سنستمر في طرق أبواب الوسطاء، ام سنلجأ للمنظمات الحقوقية العالمية ام سنلجأ للقوى السياسية الليبرالية والاشتراكية والناصرية والعلمانية لنتدثر بها كي نبدو امام المجتمع العالمي في صورة القوة السياسية المضطهدة والتي تؤمن بقضاياها كل الوان الطيف السياسي في مصر فيعطي هذا ثقلا لتحركاتنا؟ ام أننا سنفعل كل هذا وغيره ايضا، وكان اختيار مكتب بهاء عبد الرحمن كمقر لهذا الاجتماع على أساس ان مساحة مكتبه كبيرة كما انه في منطقة متميزة في وسط البلد وكان بهاء قد حصل على هذا المكتب بوساطة من المحامي النقابي الشهير المرحوم عصمت الهواري الذي كانت تربطه به صلات قوية، وقد كان هذا المكتب في يوم من الأيام مكتبا للدكتورة سميحة القليوبي استاذة القانون التجاري بحقوق القاهرة والتي كانت ايضا عضوا بارزا في الحزب الوطني.
ومن تصاريف القدر ان بهاء عبد الرحمان كان من الاخوة الذين كان من المفترض ان يحضروا الاجتماع الذي تم القبض فيه على الدكتور بديع واخوانه ولكنه حضر متأخرا، كانت طبيعة بهاء الشخصية هي الحضور متأخرا في كل اللقاءات، وكانت الدعابة التي نداعبه بها حين نكلمه على الهاتف نستفسر منه عن سبب تأخيره في الحضور في اي اجتماع ان نقول له قبل ان ينبس ببنت شفة: أت الان على كويري اكتوبر والكوبري عليه حادث يعرقل حركة المرور وانك على وشك ان تتجاوز مكان الحادث. فيضحك قائلا: هو كذلك. وكان من حسن طالع بهاء ان اصطحب معه لحضور هذا الاجتماع المشؤوم الاخ احمد ربيع فاصبح التأخير حتميا، وحين اقترب احمد وبهاء من مقر الاجتماع وجدا حركة غريبة في الشارع وشاهدا قوات الأمن تحيط بالمكان فقررا الانصراف، ومن الغرائب ان اقترب منهما ساعتئذ بعض الجنود وألقوا القبض عليهما، وأخذوا منهما بطاقتي تحقيق الشخصية الخاصة بها ووضعوها بالفعل في البوكس الا ان احد الضباط جاء مسرعا من السيارة، وقال للجنود: من هؤلاء؟ قالوا: وجدناهما يسيران بالقرب من المقر يا فندم، فقال للجنود بلاش مضيعة وقت، انزل يا استاذ انت وهو، فارقونا. فاسرع بهاء واحمد في الانصراف وبهاء يقول للضباط (طيب وبطاقات الشخصية يا فندم) واخذ يكررها واحمد يلكزه في جانبه ليسرع في الانصراف وهو يقول له: (طلع بدل فاقد يا بهاء وما توديناش للداهية ثاني) ونجا بهاء واحمد من عملية القبض هذه ليكون لنا ان نعقد هذا الاجتماع في مكتبه.
مكتب بهاء عبد الرحمن يقع في منطقة عابدين وهو مكتب متسع الحجرات، والردهات، بدأت و فود الاخوة تهل على المكان حتى اكتمل الجمع في الساعة العاشرة صباحا، وحين بدأت وقائع اجتماعنا تحدث الاستاذ محمد طوسون عضوا الجماعة وقال ان الدكتور محمد بديع المحبوس، في القضية طلب من القسم تشكيل لجنة اخوانية تكون مهمتها ادارة معركة هذه القضية من الناحيتين السياسية والقانونية، واقترح الاستاذ طوسون ان يكون اسم هذه اللجنة هو لجنة ادارة الازمة، وان تكون بالانتخاب وفقا للائحة قسم المحامين، اخذ كل واحد من الاخوة يدلي برأيه في الاقتراح، وتحدث كل ممثلي المحافظات، كان كلام الجميع حماسيا، الا انني لاحظت ان كلام المشاعر كان خطابيا بليدا كأنه من تماثيل الشمع التي تشبه الحقيقة ولكنها وليست هي، نظرت للاخوان الذين يتحدثون وكأنني انظر الى التمثيل التي تزين اروقة متحف »مدام تيسو« للشمع في لندن! تخيلت انني اقترب من حماسهم المتدفق لألمسه واتبين حقيقته فاذا بي اكتشف انه بلا حياة، مزيفون، كلهم مزيفون، الا هو، شعرت بصدقه وحرقة قلبه، احمد ربيع غزالي.. كان احمد ربيع يتولى مسؤولية قسم الاشبال بجماعة الاخوان في محافظة الجيزة، وكان عضوا بمجلس شورى الجماعة وامينا لصندوق نقابة المحامين بالجيزة كان هو اعلىا لموجودين في رتبته الاخوانية، وشعرت انه اعلاهم في رتبته الانسانية، والحق انني لم أكن من اصدقاء احمد ربيع المقتربين، ولذلك لم أكن اراه كثيرا قبل وقائع هذه القضية، ولكنني كنت اشعر بنفسي تهفو اليه دونما سبب ظاهر، وكأنما كانت جرأته في الحق هي سبب انشداهي، له ولربما كان صدقه هو الرابطة التي اوصلته لفؤادي، واشهد انني لم أكن اراه من قبل الا من خلال ضوء ضعيف، هو ضوء الروابط الاخوانية، وهو اخفت من ضوء الشمعة وضوء الشمعة لا يكفي لكي تكتشف الجمال الانساني فيمن تحبهم.
وعلى آخر النهار تمت انتخابات لجنة ادارة الازمة وانتخابات الاخوان لها طبيعة خاصة، فلا يجوز فيها ان يتقدم احد للترشيح، ولكن الكل ينتخب، والكل مرشح واسفرت الانتخابات عن فوزي برئاسة لجنة الازمة بالاجماع ما عدا صوتي انا فقد ذهب لاحمد ربيع، ونجح في عضوية اللجنة تسعة اعضاء كان منهم احمد ربيع وبهاء عبد الرحمان و جمال حنفي عضو مجلس الشعب فيما بعد وبعض افراد اخرين، واخذت اللجنة بعد ذلك دورها في ادارة الازمة، ويبدو ان هذه اللجنة كانت مصدر قلق للجماعة، وكان الذي اثار اندهاشي لان ا لاستاذ محمد طوسون عندما رأى السرعة التي نسيربها لنصرة اخواننا كان يقول ولاحمد ربيع مستنكرا وقدا شتد به الحنق. لماذا هذا الحماس؟! هذه ليست اول قضية يتم حبس الاخوان فيها، خففا عنكما فقد يكون حبسهم فيه مصلحة للجماعة!!
في احدى الجلسات الهامة بالمحكمة العسكرية التي انعقدت لمحاكمة النقابيين الاخوان تذكرت واقعة خطيرة كانت قد حثت عام 1995 كان النظام قد قبض على عدد كبير من الاخوان مابين عامي 1995 و 1996 وكان المقبوض عليهم من اعلى قيادات الجماعة، فمنهم عصام العربان، وخيرت الشاطر وعبد المنعم ابو الفتوح وعبد الحميد الغزالي ولاشين ابو شنب وجمعة امين ورشاد البيومي، ومحمد حبيب ومحمود عزت ومهدي عاكف وابراهيم الزعفراني وسعد الحسيني، حسن الجمل والسيد النزيلي ومحسن راضي ومحيي الزايط وحلمي الجزار وابو العلا ماضي وآخرون واخذت هذه القضايا ارقام 8 ، 11 لسنة 1995 5 لسنة 1996 وكان الدكتور محمد سليم العوا هو رئيس هيئة الدفاع و معه مختار نوح الذي كان منسقا لهيئة الدفاع وقتها قام الاخوان باستقدام عدد من المحامين الانجليز لحضور جلسات المحاكمات بصفتهم مراقبين، وكان من حظي ان كنت مكلفا من الاخوان مع بعض المحامين الاخوان بمرافقة هذا الوفد، كان الدكتور العوا هو الشخص الوحيد الذي كان مؤهلا للتعامل مع هذا الفريق، اما نحن فقد كنا مجرد رفقاء طريق، فالدكتور العوا لديه كل تفصيلات القضايا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.