يبدو أن الحكومات المتعاقبة على قصر المرادية في الجزائر عاجزة على إيجاد البدائل الموضوعية لكبح جماح الواردات، التي أضحت تغطي نسبة تفوق 75 في المائة من إيرادات البلاد من العملة الصعبة. والخطير ما في الموضوع أنه يتعلق بالسلع التي يرتقب أن تصل هذه السنة عتبة 60 مليار دولار، في حين يمكن أن تصل مع حساب الخدمات حدود 70 مليار دولار، مما يعني أن اقتصاد الجارة الشرقية سيكون أمام وضعية شبه عجز في ميزان المدفوعات. تكشف الأرقام الخاصة بمصالح الجمارك، حسب صحيفة "الخبر" الجزائرية، أن واردات الجزائر أخذت منحى تصاعديا مستمرا ولم تنجح الوصفات المختلفة في ضبطها بما في ذلك فرض الاعتماد المستندي، مع قانون المالية التكميلي 2009 كآلية دفع وحيدة من قبل حكومة أحمد أويحي، والذي تبيّن فشلها في نهاية المطاف واعتراف حكومة سلال ضمنيا بذلك وإعادة العمل جزئيا بالرسالة المستندية، إلى جانب الاعتماد المستندي, وأضحت الواردات تساهم في تآكل أكبر نسبة من العائدات الجزائرية الناتجة أساسا عن تصدير المحروقات، فيما ظلت الصادرات خارج المحروقات هامشية لا تتعدى 3 في المائة من مجموع ما نصدّره إلى الخارج. وسجلت الواردات التي كانت تقدّر ب 9.173 مليار دولار سنة 2000 نسب نمو معتبرة ومتواصلة، حيث بلغت 20.357 مليار دولار في 2005 و40.473 مليار دولار في 2010، لتصل الى 54.852 مليار دولار في 2013، مع ارتقاب بلوغها حد 60 مليار دولار هذه السنة وتوقّع أن تبلغ خلال سنة 2015 ما قيمته 65 مليار دولار، وهو مستوى يتجاوز كل الخطوط الحمراء لأنه يعني استهلاك أكبر نسبة من إيرادات الجزائر من العملة الصعبة ويدفع السلطات العمومية إلى اللجوء إلى صندوق ضبط الإيرادات الذي يتم اللجوء إليه لتغطية عجز في الميزانية والخزينة بلغ بدوره حدودا قياسية، حيث فاق عتبة 46 مليار دولار، مما سيرهق التوازنات المالية الكبرى للبلاد ويضعها في وضع صعب رغم استفادة الجزائر من مخزون صندوق الضبط الذي أضحت الدولة تلجأ إليه بصورة كبيرة وبمبالغ متزايدة بالنظر إلى حجم العجز المتصاعد والأعباء المتزايدة نتيجة ارتفاع حجم وقيمة التحويلات الاجتماعية التي فاقت 15 مليار دولار وميزانية التسيير وخاصة كتلة الأجور. الوضعية هاته، دفعت الحكومة الجزائرية لأول مرة منذ سنوات إلى فرض إجراءات جبائية تجاه المؤسسات المنتجة في محاولة لتخفيف الأعباء عنها، ويتضح أن السياسات الحكومية غير قادرة على ضمان الانتقال بالاقتصاد الجزائري إلى مرحلة التنويع الفعلي وضمان سياسات ناجعة لإحلال الواردات رغم الموارد المالية المتاحة وارتفاع القروض البنكية الموجهة للاقتصاد المقدّمة إلى القطاعين الخاص والعام والمقدرة ب 5300 مليار دينار، أي ما يفوق 66 مليار دولار، منها أكثر من 2700 مليار دينار للقطاع الخاص أو ما يعادل 33.7 مليار دولار وأكثر من 2500 مليار دينار للقطاع العمومي أو ما يعادل 31.2 مليار دولار، إلا أن الملاحظ أن نسبة كبيرة من هذه القروض موجهة للتجارة الخارجية وعمليات الاستيراد. يضاف إلى ذلك أن معظم المؤسسات الجزائرية لا تزال تعاني من نقص في القدرة على ضمان استقلالية في سلسلة الإنتاج وهي تستورد نسبة كبيرة من مدخلاتها وموادها الأولية من الخارج، وبالتالي فهي عرضة لتقلبات السوق الدولية وتظل بالتالي هشة حتى في حالة انقطاع المخزون المشكل والموجه للإنتاج، ناهيك عن عدم قدرتها على ضمان توازن في خزانتها بين ما تستورده وما يمكن أن تصدّره، مع ملاحظة أن أمام المؤسسات الجزائرية ظرف زمني قصير للتكيّف مع مستجدات تجديد أساليب التسيير والتسويق ودخول الأسواق الدولية بقدرة تنافسية كافية وتجديد أدوات إنتاجها قبل دخول اتفاق التفكيك لمنظومة الرسوم والتعريفات الجمركية في إطار اتفاق الشراكة بعد 5 سنوات تقريبا وانضمام الجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارة الذي وإن تم تأجيله مرارا لا يمكن أن يتجاوز 2016، مما يضع الاقتصاد الجزائري على المحك فعليا وأمام رهانات متعددة لا يتوفر على أسلحة فعالة للوقاية منها في الوقت الراهن ولا على المدى القصير.