الصحافة، الإعلام، ووسائط السمعي البصري، عناوين وأخرى تفتح شهية كل طالب يرغب في استكمال مساره الدراسي، فبالموازاة مع تطور قطاع الإعلام والصحافة بالمغرب، الذي عرف خلال العقدين الأخيرين طفرة نوعية، تم خلق شعب لتدريس الصحافة بالجامعة، مواكبة منها لمقاولات خاصة دخلت المجال الإعلامي ، بعدما كان هذا الأخير حكرا على الدولة أو بعض الأحزاب السياسية، لتعمل بشكل أو بآخر على استقطاب هذه الشريحة المؤهلة من خريجي الجامعة الحاصلين على شهادات تتنوع بين الإجازات المهنية والماسترات، سيرا على نهج المعاهد المتخصصة العمومية والخاصة. تدريس الإعلام في الجامعة المغربية يطرح مجموعة من الإشكاليات حول مردودية هذا التوجه الكمي -خلق وفتح شعب ومسالك صحفية- هل يخدم كيفيا القطاع؟ وهل تتوزع ظروف الاشتغال والطاقات البشرية وبيداغوجية التدريس بطريقة أفقية بين المعاهد والجامعات؟ وهل يفرض خريجو الجامعة موقعهم في سوق الشغل مقارنة مع نظرائهم خريجي المعاهد؟ كرونولوجيا إعلامية مع ظهور أول معهد متخصص في تكوين الصحفيين بالمغرب، (المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط)، الذي يضم تشكيلة غنية من أساتذة ومؤطرين ذوي كفاءة عالية، تخرجت منه دفعات اكتسحت مجال الإعلام المغربي ودخلته من بابه الواسع، كانت الانطلاقة الحقيقية للحراك الإعلامي المهني، لتظهر فيما بعد تخصصات في الصحافة بمعاهد خاصة وأخرى عمومية، كمدرسة الملك فهد العليا للترجمة بطنجة، التي فتحت ماستر في الترجمة و التواصل الصحفي. وتعزيزا لهذا التوجه وسدا للخصاص على مستوى الصحفيين المهنيين في المغرب أحدثت الجامعة المغربية شعبا لها علاقة مباشرة بميدان الصحافة، ففتحت إجازة مهنية في الصحافة والإعلام سنة 2005 بالجامعة متعددة التخصصات بمرتيل، وبعدها فتح ماستر في القانون ووسائل الإعلام السنة الماضية بنفس الجامعة، وبكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة ابن زهر بأكادير أعلن عن فتح إجازة مهنية في التحرير الصحفي سنة 2010، ليأتي فيما بعد ماستر في الصحافة المكتوبة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس سنة 2012، وهو أول مسلك من نوعه بالجامعة المغربية، هذا إلى جانب مسالك أخرى. الكفاءات وبيداغوجية التدريس هناك دائما علاقة وطيدة بين التكوين ومستوى المردودية في أي مجال من المجالات، والصحافة لا تستثنى من هذه القاعدة، فكلما توفرت الأطر المتخصصة كلما تم الرقي بهذه المهنة، في هذا الصدد يعتبر منسق الإجازة المهنية في الصحافة والإعلام بالكلية متعددة التخصصات بمرتيل، كمال المرسالي أن "الإجازة المهنية يسهر عليها أساتذة مهنيون ومديرو بعض الإذاعات الجهوية، يشتغلون على الشقين النظري والعملي، بالإضافة إلى دورات تكوينية يؤطرها صحفيون ممارسون، ويستفيد منها الطلبة في كل تفرعات الإعلام السمعية البصرية والمكتوبة"، مضيفا في تصريح ل"العلم" أن "الجامعة ودعما لهذا المسار، أحدثت إذاعة بث من داخلها تنشط في الأخبار جهوية ووطنية، ليتم التفكير فيما بعد في مستقبل الشعبة، وتكملة لذلك جاء ماستر القانون ووسائل الإعلام، في أفق إحداث دكتوراه". دوافع... حول فكر حاجة المغرب الماسة لمؤسسات أخرى للتكوين في مجال الصحافة والإعلام، يرى حسن حمايز المنسق البيداغوجي لمسلك الإجازة المهنية في التحرير الصحفي، بجامعة ابن زهر بأكادير، أن جهة الجنوب تتوفر على طاقات بشرية تهتم بقطاع الإعلام، ولا يتم استغلالها بالشكل المطلوب، لتطوير مكتسباتها من جهة، ولتنمية المنطقة والتعريف بها من جهة أخرى. وأضاف في تصريح ل"العلم" أن " الفئة القليلة المحظوظة التي تستكمل دراستها، تكون مضطرة للتنقل إما للعاصمة الإدارية أو الاقتصادية، من هنا جاءت فكرة تقريب المجال الجغرافي لطلبة تعوزهم القدرة المادية، فارتأت جامعة ابن زهر اعتماد سياسة القرب عبر إحداث إجازة مهنية في التحرير الصحفي، أوحت بفكرة إنشاء مركز إعلامي جامعي مفتوح في وجه كل طلبتها، بغرض اكتشاف وصقل مواهبهم وتدريبهم على مهن الإعلام، وتعميق البحث الإعلامي أكاديميا. حول نفس الموضوع يعتبر حسن مخافي، منسق ماستر الصحافة المكتوبة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس أن "الصحافة ظلت لسنوات مهنة من لا مهنة له، ما يفسر الأخطاء المهنية التي تعبر عنها القضايا المرفوعة أمام المحاكم، بالإضافة إلى عدم مواكبة سوق الشغل للتطور الذي عرفه مجال الإعلام على مستوى تكوين الأطر الإعلامية، مما أدى إلى عجز كبير في عدد المتخصصين في الإعلام وفي الصحافة المكتوبة بشكل خاص". وأضاف مخافي في تصريح ل|"العلم" أن تكوين الصحفيين "كان حكرا على مؤسسة واحدة هي المعهد العالي للإعلام والاتصال، الذي يكون عددا محدودا من الصحفيين يشتغل أغلبهم بالإعلام التابع للدولة". هي إذن أسباب من بين أخرى دفعت جامعة مولاي إسماعيل للمساهمة في سد الخصاص الكبير في سوق الشغل، وكذا الرفع من مستوى العمل الصحفي بالمغرب من خلال تكوين أطر متخصصة في مجال الصحافة المكتوبة، على الرغم من بعض الإكراهات التي تعترض هذه التجربة الفتية حسب مخافي دائما. الدبلوم مطية وقفت "العلم" على شهادات بعض خريجي المعاهد والجامعات، لرصد حضورهم بسوق الشغل، من هؤلاء الحسين طالب ذو تكوين مزدوج بين الإجازة المهنية و الماستر الذي يؤكد أن "أغلب الزملاء من دفعتي الحاصلين على دبلوم الإجازة المهنية في التحرير الصحفي، يعملون حاليا في القطاع الإعلامي، والسبب راجع إلى نوعية التكوين الذي من شأنه تأهيل الطلبة وتوسيع مساحة حظوظهم في ولوج سوق الشغل". وانطلاقا من تجربته هاته أضاف أن "التشابه موجود على مستوى التكوينات خصوصا في الجانب النظري، وأنه لا يعني التطابق بينها على اعتبار وجود الاختلاف في المنطلق". وبدوره قال (م.د) أحد خريجي الإجازة المهنية بمرتيل، يشتغل بإحدى الإذاعات الخاصة، "مكنتني إجازتي المهنية من الولوج لسوق الشغل رغم الصعوبات والعراقيل التي واجهتني في البداية، التي تبدأ بالعامل المادي لتنتهي بالعمل المضني مرورا بانعدام ظروف الاشتغال الملائمة". شعارات لاتسمن ولا تغني من جوع "لا يمكن أن تكون الشهادة ضمانا لدخول المهنة، وحتى إن تأتى ذلك فيكون مشروطا بقواعد وثوابت صارمة تضعها مؤسسة التشغيل، شروط تتضارب مع ما تلقاه الطالب الصحفي في تكوينه" أمر يعترف به (كمال.و) بحسرة. الكفاءة العالية والثقة في النفس، وتجاوز ثقافة "الواسطة والمحسوبية" لارتباطها بالبيئة الاجتماعية السلبية، التي لا تشجع على المنافسة والاعتماد على الذات بل ترسخ لفكرة الاتكالية ، أول درس يتلقاها الطالب في تكوينه الصحفي "لي خدم على راسو و طور ذاتو غايدير بلاصتو في سوق الشغل"، أمور لم تعد تلقى لها صدى في نفسية محمد، لأنها باتت شعارات بداية كل موسم جامعي، بعد تجاربه الفاشلة والمتكررة في العثور على عمل رغم حصوله على دبلوم في الصحافة، تجارب خرج منها بمأثورة "خلي دوسيي ديالك أ حنا غانعايطو عليك"، التي تكررت معه في كل مرة. الجامعة والمعهد جنبا إلى جنب للمعهد العالي للإعلام والاتصال، كأقدم مؤسسة في المجال، وجهة نظر يعبر عنها عز الدين المنصوري أستاذ بالمؤسسة بالقول "لا أرى أي تعارض بين توجه الجامعة المغربية نحو فتح مسالك تخصصات الصحافة والإعلام إلى جانب المعهد العالي للإعلام والاتصال، بل هو أمر يخدم ويوسع آفاق التعليم العالي والبحث العلمي في هذا الحقل، ويمكن من رصد دقيق لقطاع الصحافة بالمغرب ودراسته على مستويات مختلفة"، كما أن هذا التوجه يضيف ذات الأستاذ في تصريح ل"العلم"، "سيحدد الآليات والإجراءات التي ستساهم في تطويره وتحصينه معرفة و ممارسة، ولتحقيق هذا التكامل لا بد من حد أدنى من التنسيق على مستوى قطاع التعليم العالي وتكوين الأطر العمومية والأخذ بعين الاعتبار هوية المؤسسات الجامعية التابعة له". تجربة إحداث مسالك لتدريس الصحافة في الجامعة المغربية لا تزال فتية، بالنظر من جهة إلى حداثة عهدها، وكذا إلى عدد خريجيها ضمن مجموع الصحفيين ببلادنا الذي لا يتجاوز في مجمله 2054 صحفي مهني. غير أن ولوج هؤلاء سوق الشغل يبقى محاطا بجملة من الإكراهات حتى إشعار آخر، ما يجعل فئة قليلة منهم تندمج فيه بسهولة، وتكون راضية على شروط وظروف عملها في الوسط الإعلامي، شأنها في ذلك شأن باقي خريجي المؤسسات الأخرى في المجال. لتظل إرهاصات نجاح هذه التجربة قائمة، وتقييم نتائجها رهينا بالقادم من السنين لأنها الكفيلة باكتمال التجربة وقياس مردوديتها، باعتبارها إضافة للحقل الإعلامي كما وكيفا، تتطلب التنسيق بين الجامعة من جهة والمعاهد والمؤسسات ذات التخصص من جهة أخرى، حتى تؤتي أكلها المرجو من وراء إحداثها بغض الطرف عن التزايد الكمي كمقابل لتحسن المردودية.