يمكن إجمال الوضع القانوني الدولي لفلسطين عندما أنشئت منظمة الأمم المتحدة عام 1945م، بأن فلسطين كانت تتمتع بمقومات الشخصية الدولية، لأنها كانت خلال مرحلة عصبة الأمم الممثلة الشرعية الدولية في فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية تحت الانتداب فئة (أ)، مثلها في ذلك مثل كل من العراق وسوريا ولبنان والأردن. والتكييف القانوني لهذه الطائفة من طوائف الانتداب الثلاث التي أنشأها عهد عصبة الأمم، أي الأقاليم التي تخضع للانتداب فئة (أ)، أنها بلغت تطورها السياسي المؤهل لها الاستقلال الكامل، لكنها لا تباشر اختصاص الدولة بذاتها بل تنوب عنها في ذلك الدولة المنتدبة وهي إنجلترا في حالة فلسطين. المبادئ العامة في القانون الدولي أي القواعد الآمرة في القانون الدولي العام([2]/ (71) من قانون المعاهدات فتنص المادة (64) من قانون المعاهدات على أنه :(( إذا ظهرت قاعدة آمرة جديدة من قواعد القانون الدولي العام فإن أي معاهدة قائمة تتعارض مع هذه القاعدة تصبح باطلة وينتهي العمل بها )) .وتنص المادة (71) من قانون المعاهدات على إبطال أي معاهدة تتعارض مع قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي العام فنصت على أن : (1- في حالة المعاهدة التي تعتبر باطلة طبقا للمادة (53) يكون على الأطراف: أن تزيل بقدر الإمكان آثار أي عمل تم استنادا إلى أي نص يتعارض مع قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي العامة وأن تجعل علاقاتها المتبادلة متفقة مع هذه القاعدة الآمرة).)، وكذلك مبادئ وأحكام ميثاق الأمم المتحدة وهذا ما نصت عليه المادة (53) من قانون المعاهدات، معاهدة فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969 والتي تنص على أنه :( تعتبر المعاهدة باطلة بطلانا مطلقا إذا كانت وقت إبرامها تتعارض مع قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي العام وتعتبر قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي العام كل قاعدة مقبولة ومعترف بها من الجماعة الدولية كقاعدة لا يجوز الإخلال بها ولا يمكن تغييرها إلا بقاعدة لاحقة من القواعد العامة للقانون الدولي لها ذات الصلة وكذلك المادة (64) 3- في حالة المعاهدة التي تعتبر باطلة وينتهي العمل بها طبقا للمادة (64) يترتب على إنهائها :- إعفاء الأطراف من أي التزام بالاستمرار في تنفيذ المعاهدة. عدم التأثير على أي حق أو التزام أو مراكز قانونية للأطراف تم نتيجة لتنفيذ المعاهدة قبل إنهائها بشرط أن تكون المحافظة على هذه الحقوق والالتزامات والمراكز بعد ذلك رهينة اتفاقها مع القاعدة الآمرة الجديدة. ) - لا إفلات من العقاب[3] وضع القانون الدولي الإنساني عدة ضمانات لعدم إفلات مرتكبي الجرائم الدولية من العقاب، فنصت المادة (86) من البروتوكول الأول (تعمل الأطراف السامية المتعاقدة وأطراف النزاع على قمع الانتهاكات الجسيمة واتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع كافة الانتهاكات الأخرى لاتفاقيات جنيف ولهذا البروتوكول، التي تنجم عن التقصير في أداء عمل واجب الأداء). وتوضح المادة(91) أنه يُطلب من (طرف النزاع الذي ينتهك أحكام الاتفاقيات أو هذا البروتوكول، دفع تعويضات، إذا اقتضت الحال، ويكون مسئولا عن كافة الأعمال التي يقترفها الأشخاص الذين يشكلون جزءاً من قواته المسلحة) ويتحمل الأفراد، سواء كانوا مدنيين أو عسكريين، وبغض النظر عن رتبهم، المسؤولية الجنائية عن الانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي. كما أن القادة يتحملون المسؤولية عن أفعال مرؤوسيهم. وبحسب النص الحرفي للمادة (86/2) فإنه لا يُعفي قيام أي مرؤوس بانتهاك الاتفاقيات أو هذا البروتوكول رؤساءه من المسؤولية الجنائية أو التأديبية، حسب الأحوال، إذا علموا، أو كانت لديهم معلومات تتيح لهم في تلك الظروف أن يخلصوا إلى أنه كان يرتكب، أو أنه في سبيله لارتكاب مثل هذا الانتهاك، ولم يتخذوا كل ما في وسعهم من إجراءات مستطاعة لمنع أو قمع هذا الانتهاك). ولا يجوز التذرع بالأوامر العليا للدفاع عن انتهاكات القانون الإنساني الدولي، مع أنه يمكن أخذها بعين الاعتبار في تخفيف العقوبة، وقد تم الاعتراف بهذا المبدأ منذ محاكمات نورمبرج بعد الحرب العالمية الثانية، وحاليا جزء من القانون العرفي الدولي وتوجد عدة آليات ممكنة للتحقيق في انتهاكات القانون الإنساني الدولي التي ترتكب من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلية منها اللجنة الإنسانية الدولية لتقصي الحقائق. الأساس القانوني لمسئولية إسرائيل الدولية: يترتب على إسرائيل بموجب قواعد المسئولية الدولية بنوعيها الجنائية والمدنية بصفتها قوة احتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 فالمسئولية المدنية بالتعويض عن كافة الأضرار الناجمة عن عدوانها المستمر، والمسئولية الجنائية بمحاكمة الأشخاص المسئولين عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية من قادتها وأفراد قواتها المسلحة والمستوطنين. فأساس المسئولية الدولية بنوعيها لإسرائيل عدم التزامها بقرار التقسيم رقم (181) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29نوفمبر1947، وهو الأساس القانوني الذي استندت إليه لإعلان قيامها في 15مايو1948، علما بأنه باطل في حق الشعب في حق الشعب الفلسطيني لصدوره من طرف لا يملك الحق في السيادة على فلسطين وهى الأمم المتحدة، ولما سبق من بيانه من أسباب، ومع ذلك يبقى القرار سندًا أساسيًا لإقرار المسئولية الدولية. ولقد سبق أن بينا أن الأراضي الفلسطينية أراضي محتلة بما يني معه أن إسرائيل قوة احتلال في تلك الأراضي، وبالتالي تنطبق عليها اتفاقية لاهاي الرابعة لعام 1907، وتنص المادة الثانية المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع على انطباق الاتفاقيات على جميع حالات الاحتلال الجزئي أو الكلي حتى لو لم يواجه الاحتلال مقاومة مسلحة أو لم تكن إحدى دول النزاع طرفًا في الاتفاقيات، فالأراضي الفلسطينية تخضع لاحتلال كلي في جميع مدن الضفة الغربيةوغزة مما يؤكد انطباق اتفاقيات جنيف الأربع عليها حتى لو لم تكن فلسطين طرفًا فيها وخاصةً اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب. وأكدت العديد من قرارات مجلس الأمن على انطباق اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي الفلسطينية باعتبارها أراض محتلة ومنها القرار رقم (237) الصادر في 14يونيو1967(2)، والقرار رقم (271) بتاريخ 15سبتمبر1969، القرار رقم (1322) الصادر في 7أكتوبر2000، ومن أكثر القرارات أهمية القرار رقم (43/58) بتاريخ 6ديسمبر1988 والذي نص على أن ( الجمعية العامة تدين استمرار إسرائيل وتماديها في انتهاك اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب وخاصةً الانتهاكات التي تصفها الاتفاقية بأنها حالات خرق خطيرة لأحكامها، وتعلن مرة أخر أن ما ترتكبه إسرائيل من حالات خرق خطيرة لأحكام تلك الاتفاقية، هي جرائم حرب و إهانة للإنسانية ) وبثبوت انطباق اتفاقيتي لاهاي الرابعة الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية، وجنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب، وجميع المواثيق الدولية كالبروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف والعهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية وكذلك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تنطبق على إسرائيل السلطة القائمة بالاحتلال نظام المسئولية الجنائية الدولية باعتبارها المسئولة عن جرائم الحرب التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني منذ عام 1948، فالمسئولية الجنائية الفردية التي أقرتها المادة (227) من معاهدة فرساي لعام 1919، وأرستها كمبدأ من مبادئ القانون الدولي محكمتا نورمبرج وطوكيو وطبقتها عمليًا بحق مجرمي الحرب الألمان واليابانيين هي نفسها ما يّستند عليها كسوابق قضائية لإدانة الاحتلال الإسرائيلي غير المشروع دوليًا لجرائمه المستمرة بحق الشعب الفلسطيني. فجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي حوكم بموجبها مجرمو الحرب في نورمبرج وطوكيو هي نفس الجرائم التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني والتي تستوجب محاكمة القادة والمسئولين الإسرائيليين لمسئوليتهم الجنائية الفردية عن الجرائم التي يمارسونها، إلى جانب المسئولية المدنية الدولية لإسرائيل بالتعويض عن كافة الأضرار الناجمة عن أعمال العدوان وقد نصت ديباجة اتفاقية لاهاي الرابعة الخاصة بقوانين وأعراف الحرب البرية على إلزام من يخل بأحكام الاتفاقية بالتعويض باعتباره مسئولاً عن جميع الأعمال التي يرتكبها أشخاص ينتمون إلى قوته المسلحة. تثور المسئولية الدولية لإسرائيل عن جرائمها بحق الشعب الفلسطيني بموجب العديد من المواثيق والاتفاقيات والقرارات الدولية ومن أهمها ميثاق الأمم المتحدة، واتفاقيات جنيف الأربع والبروتوكول الإضافي الأول، واتفاقية مع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، واتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، ومبادئ نورمبرج التي صاغتها لجنة القانون الدولي، ومبادئ التعاون الدولي في تعقب واعتقال وتسليم ومعاقبة الأشخاص المذنبين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وكذلك العديد من قرارات الشرعية الدولية الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، التي طالما انتهكتها إسرائيل في تحد سافر للشرعية الدولية ومن أهمها القرار (242) الذي يطالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967م، والقرار (194) الخاص بحق العودة للاجئين الفلسطينيين الذين هجروا قسرًا عن أراضيهم بعد حربي 1948 و 1967، وكذلك القرار (3314) الخاص بتعريف العدوان. لقد حاولت إسرائيل أن تتهرب من المسؤولية بالزعم أن اتفاقية جنيف لا تنطبق على الضفة الغربيةوغزة وبالتالي فإن المادة الثامنة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية التي تؤكد على أن الانتهاكات الخطيرة لاتفاقية جنيف الخاصة بمعاملة المدنيين في المناطق المحتلة تعتبر جرائم حرب، وبالتالي فإن الممارسات الإسرائيلية في الضفة وغزة هي خارج نطاق اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، إلا أن ذلك لم يصمد أمام الجج والأسانيد القانونية القوية السابقة.ونذكر هنا الوثائق الدولية التى تؤكد حق محاكمة الكيان الصهيوني جنائيا عن الجرائم التي ارتكبها في فلسطين وعدد من الدول العربية هى مصر وسوريا والأردن و أهم الوثائق الدولية التي يمكن بموجبها إحالة إسرائيل إلى القضاء الدولي فهي: 1- ميثاق بريان كيلوك (ميثاق باريس) العام 1928 الذي أدان الحرب العدوانية. 2- ميثاق الامم المتحدة المبرم في سان فرانسيسكو العام 1945. 3- اتفاقية لندن العام 1945 لمحاكمة مجرمي الحرب. 4- نظام محكمة نورمبرغ العسكرية العام 1946 . 5- أحكام محكمتي نورمبرغ وطوكيو. 6- اتفاقية الأمم المتحدة لتحريم الاضطهاد بسبب الدين أو الجنس. 7- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948. 8- العهدان الدوليان: الأول الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والثاني الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادران العام 1966، واللذان دخلا حيز التنفيذ العام 1976.(وهما اتفاقيتان دوليتان شاعرتان أي منشئتان لقواعد قانونية جديدة ومثبتتان لها). 9- اتفاقيات جنيف الأربعة العام 1949 والبروتوكولان الملحقان بها العام 1977 (الأول الخاص بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة والثاني الخاص بحماية ضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية). 10 - اتفاقية الأمم المتحدة بشأن إبادة الجنس البشري العام 1954. 11 - مشروع التقنين الخاص بالجرائم المتعلقة بالسلم والأمن الدوليين (إعداد اللجنة القانونية التابعة للأمم المتحدة). 12- اتفاقيات لاهاي العام 1899 والعام 1907. 13- إعلان الأمم المتحدة حول علاقات الصداقة والتعاون في ضوء ميثاق الأمم المتحدة الصادر في 24/10/1970 (المعروف بإعلان التعايش السلمي وقواعد القانون الدولي). 14- قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الخاص، بتعريف العدوان في القانون الدولي العام 1974. 15- قرارات الأمم المتحدة بخصوص مدينة القدس (قرار مجلس الأمن العام 1980 برفض ضم القدس من جانب الكنيست الإسرائيلي). 16- الإعلان العالمي لتصفية الاستعمار ومنح الشعوب المُستعمَرة والتابعة استقلالها وحقها في تقرير مصيرها الصادر العام 1960. 17- مقررات مؤتمر هلسنكي العام 1975 للأمن والتعاون الأوروبي والتي أدخلت مبادئ أساسية جديدة في العلاقات الدولية باعتبارها مبادئ مستقلة وهي : أ - احترام حرمة الحدود وعدم جواز خرقها. ب - احترام وحدة الأراضي والاستقلال السياسي للدول . ج - احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. 18- قرار مجلس الأمن رقم 242 العام 1967. 19- قرار مجلس الامن رقم 338 العام 1973 . 20- قرار الامم المتحدة بشأن ضم اسرائيل مرتفعات الجولان السورية العام 1981. 21- القرارات الدولية لمكافحة الارهاب وهي : 1368 و 1378 و1390 والتي صدرت على التوالي بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) الإرهابية الإجرامية، في 12 و28 (سبتمبر) 2001 و 16 (يناير) 2002. 22- قرار مؤتمر ديربن المنعقد في أواخر غشت ، أوائل (سبتمبر) العام 2001، الذي دمغ الصهيونية وممارسات اسرائيل بالعنصرية. 23- تقرير بوستروم حول الاتجار بالأعضاء البشرية. 24- تقرير غولدستون حول انتهاكات اسرائيل للقانون الدولي الانساني. كل هذه الوثائق تؤكد حق ليس فلسطين فقط بل المجتمع الدولى فى محاكمة الصهاينة فى فلسطين قادة وأفراد. ثالثا: الطرق القانونية لمحاكمة العدو الصهيونى فى فلسطين المحتلة. ترتيبا علي ما سبق بيانه من توافر المسئولية الدولية بشقيها المدني بالتعويض المالي وإعادة الحال إلي ما كان عليه قبل الاحتلال والعدوان والجنائي في بمحاكمة قادتها وأفراد قواتها العسكرية وكل شخص فيها أرتكب الجرائم الجسيمة التي سبق بيانها أو أشترك أو حرض عليها أمام المحكمة الجنائية الدولية أو محكمة جنائية دولية خاصة تنشأ لهذا الغرض أو ومحكمة وطنية.نبين هنا كيفية ممارسة هذا الحق سواء عن طريق الشعب الفلسطيني حكومة وشعبا ومنظمات وفصائل مقاومة، أو أحدي الدول العربية أو غيرها من الدول، أي بيان الآلية التي يمكن عن طريقها الوصول إلي هذا الهدف السامي الذي ترنو إليه وتحلم به كل محب للسلام والأمن الدوليين وكل مناضل في حقل حقوق الإنسان في كل رجا من أرجاء الأرض([5]). قبل بيان ذلك نذكر هنا الأسباب التي تعرقل الوصول إلي هذا الهدف وهي([6]): 1 – عدم توافر الرغبة والإرادة الحقيقية فيمن يملكون استخدام هذا الحق قانونا. 2 – التواطأ العالمي والإقليمي والمحلي علي عدم استعمال هذا الحق من الدول والمنظمات الدولية وعلي رأسها الأمم المتحدة. 3 – الضغوط الدولية علي من يملكون هذا الحق التي وصلت للتهديد العسكري. 4 – النفوذ الصهيوني الهائل علي المستوي الدولي وخاصة في وسائل الإعلام العالمية التي تظهر جرائم إسرائيل بأنها دفاع شرعي ضد الإرهاب الفلسطيني. يوجد في القانون الدولي عدة آليات يمكن بواسطتها محاكمة قادة وأفراد قوات الاحتلال الإسرائيلية عما ارتكبته وترتكبه من جرائم في الأراضي الفلسطينية وبعض الدول المجاورة، وتتمثل هذه الآليات في الآتي: 1 - الوسيلة الأولي: بموجب الاختصاص القضائي العالمي: ونصت عليه العديد من الاتفاقيات الدولية أهمها اتفاقيات جنيف والبروتوكول الأول، وبناء عليها أصدرت بعض الدول قانونا يسمح لها بمحاكمة كل من ارتكب جريمة من الجرائم الدولية، فقد صدور قانون في بلجيكا عام 1993 يسمح بمحاكمة كل مشبوه بارتكاب جرائم حرب سواء ارتكبت في بلجيكا أو خارجها حتى لو لم يكن بلجيكيا، وبموجبه جرت محاكمة أربعة من كبار العسكريين السابقين في رواندا، ورفعت دعوى ضد رئيس ساحل العاج، وفي عام 2001رفعت دعوى ضد شارون من الناجين من مجزرة مخيم صبرا وشاتيلا سبتمبر 1982 أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان. وسبق لمحكمة بريطانية أن أصدرت أمراً بإلقاء القبض على الجنرال دورون ألموغ القائد السابق للمنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي بعد أن رفع المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان دعوى قضائية ضده لارتكابه جرائم حرب ضد الفلسطينيين في غزة، مستندة إلى دور ألموغ في المجزرة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في حي " الدرج " بمدينة غزة بتاريخ 15-7-2002، والتي قتل فيها 15 فلسطينياً، من بينهم تسعة أطفال. وفي 24/2/2008م ببروكسل، عاصمة بلجيكا والاتحاد الأوروبي، حكمت "محكمة الضمير العالمية" على "إسرائيل" بارتكاب جرائم العدوان والحرب والإبادة وجرائم ضد الإنسانية، هي المرة الأولى في تاريخ الصراع مع الكيان الصهيوني يكسب العرب في محكمةٍ عالمية ليس للدول، لاسيما الدول الكبرى، علاقة بها أو تأثير عليها، وجاءت الدعوة إلى إنشاء هذه المحكمة من للدكتورة ليلى غانم، رئيسة تحرير مجلة "بدائل" الإيكولوجية بباريس في مؤتمر علماء الاجتماع في دربن بجنوب إفريقيا في 2006م، وقد استجاب للفكرة عدد من علماء الاجتماع المشاركين، ثم تبناها عدد من نواب المجلس الأوروبي وأساتذة الجامعات ورهط من العاملين في الحقل العام في أوروبا وأمريكا والعالم العربي والإسلامي. وكونوا هيئة لدعم مبادرة محكمة الضمير العالمية وضعت مخططاً لعقد جلسات المحكمة في بروكسل في 22 و23 و24 فبراير/شباط 2008م، وقد شاركت وفود من بلدان العالم في حضور جلسات المحاكمة، وهيئة المحكمة تكونت من خمسة قضاة عالميين يمثل كل منهم رمزياً إحدى قارات العالم الخمس، مع أن المحكمة نتاج المجتمع المدني العالمي ولا صلة تنظيمية لها بالأمم المتحدة، لكن محاضر محاكماتها وحكمها سوف ترسل إلى المنظمة الدولية وسيكون لها تأثير في أنشطة هذه الأخيرة، كما في المحاكم الأوروبية التي سوف يرجع إليها ضحايا العدوان الإسرائيلي الذين يحملون جنسيات أوروبية. أما الدفاع فمثّلته جمعية بلجيكية كانت قد دافعت سابقاً عن شارون بواسطة محاميها أما ملف الدعوى القانونية فتضمن اتهام إسرائيل ب: جرائم الحرب، الجرائم ضد الإنسانية، جريمة الإبادة الجماعية، إضافة إلى جريمة العدوان وجريمة إرهاب الدولة والجرائم ضد حقوق الإنسان. أن المحاكمات في بروكسل شكّلت مادة غنية لأهل القانون والسياسة والإعلام لاستعمالها ضد "إسرائيل" ومنتهكي حقوق الإنسان في كل أرجاء العالم، وأهم فقرات ذلك الحكم التاريخي أنه دمغ إسرائيل بجريمة العدوان، وهي المرة الأولى في تاريخ المحاكم الدولية والأهلية التي يُعتبر فيها العدوان جريمة وأدانها بارتكابها جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة، وهي جريمة لم يسبق لأي محكمة دولية أو أهلية أن دانت أية جهة حكومية بها. واستمعت المحكمة إلى شهادات تسعة شهود لبنانيين من المتضررين بينهم رئيس بلدية ومسعف في الدفاع المدني وطبيب، وكذلك استمعت المحكمة إلى شهادات خمسة اختصاصيين وخبراء لبنانيين مرموقين وبعض الخبراء متعددي الاختصاصات من ايطاليا وبريطانيا وكندا وفرنسا وحكم محكمة الضمير العالمية سيكون خطوة مهمة في هذا السبيل يستفيد منه اللبنانيون المتضررون الذين سيقاضون "إسرائيل" أمام المحاكم الأوروبية للحصول على تعويضات لقاء الأضرار التي لحقت بهم. وهناك العديد من العقبات اعترضت عمل المحكمة منها منع السلطات المصرية القاضي المصري عضو هيئة المحكمة من مغادرة الأراضي المصرية لمنعه من المشاركة في جلسات المحكمة، ونقل مقر المحكمة من مدرج جامعي في إحدى جامعات بروكسل إلى حيّ صغير في العاصمة وقبول السلطات البلجيكية تأشيرة واحدة من أصل 29 طلباً للشهود والضحايا، فضلاً عن امتناع وسائل الإعلام البلجيكية عن الحضور ومواكبة عمل المحكمة وما يصدر عنها. والأهم من ذلك نجاح المجتمع المدني، اللبناني والعربي والعالمي، في ممارسة تجربة غنية في مواجهة قوى الحرب والاستبداد والهيمنة بإقامة محكمة الضمير واختيار قضاتها المرموقين وإنجاح محاكمة عادلة، رغم جميع الضغوط التي مورست على حكومة بلجيكا وبلدية بروكسل والمنظمات غير الحكومية التي أسهمت بشكل أو بآخر، في دعم فكرة المحكمة والتبرع لصندوقها الأهلي والقيام بالأعمال اللوجستية والتنفيذية اللازمة لتمكينها من إنجاز مهمتها. ولا يوجد أي موانع قانونية أن تصدر الدول العربية مجتمعه عن طريق جامعة الدول العربية قانونا بشأن تشكيل محكمة جنائية لمحاكمة قادة وأفراد قوات الاحتلال الإسرائيلية علي جرائمهم في حق العرب طبقا لما سبق من اختصاص عالمي، ويمكن لمنظمة المؤتمر الإسلامي أن تفعل ذلك، ويمكن للدول العربية والإسلامية فرادي أو جماعات أن تصدر قوانين تحاكم فيه قادة وأفراد قوات الاحتلال الإسرائيلي عما أرتكبه ويرتكبه من جرائم دولية في حقهم، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا إذا توافرت الإرادة الحقيقية والرغبة الصادقة لعمل ذلك، وطالب مجلس الجامعة العربية على مستوي وزراء الخارجية بذلك، في ختام أعمال دورته العادية رقم (116) سبتمبر 2001م، بتشكيل محكمة جنائية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين، ودعم المبادرات الهادفة إلى ذلك، وقد أكد المكتب التنفيذي لمجلس وزراء العدل العرب عزمه على ملاحقة المسئولين بحق الاعتداءات والجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلية ضد سكان الأراضي العربية المحتلة في دورته السابعة والثلاثين بالقاهرة وطالب بإيجاد الآليات والوسائل القانونية لحماية الشعب الفلسطيني، وإسرائيل تخشى محاكمة جنرالاتها بجرائم حرب. وطالبت دولة الإمارات العربية المتحدة بتشكيل لجنة تحقيق دولية في المجازر الإسرائيلية ضد أبناء الشعب الفلسطيني في غزة وتشكيل قوة حماية دولية لإنقاذهم من براثن الهمجية الإسرائيلية على غرار لجان التحقيق التي شكلها المجتمع الدولي عندما انتهكت حقوق الإنسان الأوروبي في العديد من البلدان. ويمكن أن تجتمع جميع قوى المجتمع العربي بما في ذلك الأنظمة الرسمية، وأجهزتها الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني ويمكن تعبئة طاقات شعبية وأهلية خارج البلدان العربية وفي كافة دول العالم للمطالبة بإنشاء المحكمة. 2 - الوسيلة الثانية المحاكم الدولية الخاصة: عن طريق مجلس الأمن وهو المختص بذلك، ويمكن للأمم المتحدة أن تنشئ محكمة جنائية دولية بقرار من مجلس الأمن، كما في حالة المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا، ولكن تحكم الولايات المتحدة في مجلس الأمن لن يسمح بصدور مثل هذا القرار العادل، ولكن يمكن الوصول إلي هذا القرار عن طريقين هما: (أ) عن طريق المادة(22) من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص علي أن(للجمعية العامة أن تنشئ من الفروع الثانوية ما تراه ضروريا للقيام بوظائفها)فللجمعية العامة طبقا لهذه المادة إنشاء ما يمكنها من أداء دورها فيمكن إنشاء محكمة جنائية دولية، على صورة هيئة معاونة، ففي الجمعية العامة نفوذ الولايات المتحدة أقل، ومن ثم فرصة صدور القرار أكبر، ويمكن إصدار قرار بإنشاء المحكمة المطلوبة. (ب) الاتحاد من أجل السلم: في حالة استخدام الولايات المتحدة حق النقض الفيتو للحيلولة دون إصدار قرار من مجلس الأمن بإنشاء محكمة جنائية لمحاكمة قادة إسرائيل السياسيين والعسكرية والأفراد، يمكن اللجوء إلي الاتحاد من أجل السلم الذي صدر في 3/11/1950م، وقد أعطي هذا القرار علي الجمعية العامة سلطات تتعلق بحفظ السلم والأمن الدوليين، في حالة إخفاق مجلس الأمن في القيام بواجباته ومسئولياته الرئيسية بسبب عدم إجماع الدول الدائمة فيه يحق للجمعية العامة أن تنظر في الموضوع مباشرة وتصدر التوصيات اللازمة للحفاظ علي السلم والأمن الدوليين، وتحل محل مجلس الأمن، ويمكن إصدار قرار بإنشاء المحكمة المطلوبة. 3- الوسيلة الثالثة المحكمة الجنائية الدولية: - وهي سلطة القضائية الجنائية الدولية الدائمة يقتصر اختصاصها على الأفراد، وذلك بالنسبة للجرائم المرتكبة بعد دخول النظام الأساسي حيز النفاذ في 2002م، ويمكن محاكمة قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين أمامها عن الجرائم التي ارتكبوها بعد عام 2002م فهي لم تتوقف من أشاء إسرائيل، وذلك عن طريق انضمام الدول العربية للمحكمة وطبلها تحريك الدعوى الجنائية ضد القادة السياسيين والعسكريين وأفراد قواتها المسلحة وكل من ارتكب جريمة من الجرائم سالفة البيان. وقد بين النظام الأساسي للمحكمة في المادة(12) الشروط المسبقة لممارسة الاختصاص فنصت علي(1- الدولة التي تصبح طرفا في هذا النظام الأساسي تقبل بذلك اختصاص المحكمة فيما يتعلق بالجرائم المشار إليها في المادة 5. 2- في حالة الفقرة أ أو ج من المادة 13، يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها إذا كانت واحد ة أو أكثر من الدول التالية طرفا في هذا النظام الأساسي أو قبلت باختصاص المحكمة وفقا للفقرة 3: أ) الدولة التي وقع في إقليمها السلوك قيد البحث أو دولة تسجيل السفينة أو الطائرة إذا كانت الجريمة قد ارتكبت على متن سفينة أو طائرة. ب) الدولة التي يكون الشخص المتهم بالجريمة أحد رعاياها. 3- إذا كان قبول دولة غير طرف في هذا النظام الأساسي لازما بموجب الفقرة 2، جاز لتلك الدولة، بموجب إعلان يودع لدى مسجل المحكمة، أن تقبل ممارسة المحكمة اختصاصها فيما بتعلق بالجريمة قيد البحث. وتتعاون الدولة القابلة مع المحكمة دون أي تأخير أو استثناء وفقا للباب 9. ويمكن للدول العربية الانضمام إلي المحكمة واستخدام تلك المادة لمحاكمة المتهمين خاصة وأنه لم يصادق علي المحكمة إلا اليمن وجيبوتي فقط. وقد نصت المادة(13) علي كيفية ممارسة الاختصاص أمام المحكمة فقالت (للمحكمة أن تمارس اختصاصها فيما يتعلق بجريمة مشار إليها في المادة 5 وفقا لأحكام هذا النظام الأساسي في الأحوال التالية: أ) إذا أحالت دولة طرف إلى المدعي العام وفقا للمادة 14 حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت. ب) ب) إذا أحال مجلس الأمن، متصرفا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، حالة إلى المدعي العام يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت. ج) إذا كان المدعي العام قد بدأ بمباشرة تحقيق فيما يتعلق بجريمة هن هذه الجرائم وفقا للمادة 15.) وأبانت المادة(14) من النظام الأساسي كيفية الإحالة من قبل دولة عضو فنصت على (1- يجوز لدولة طرف أن تحيل إلى المدعي العام أية حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة قد ارتكبت وأن تطلب إلى المدعي العام التحقيق في الحالة بغرض البت فيما إذا كان يتعين توجيه الاتهام لشخص معين أو أكثر بارتكاب تلك الجرائم. 2- تحدد الحالة، قدر المستطاع، الظروف ذات الصلة وتكون مشفوعة بما هو في متناول الدولة المحيلة من مستندات مؤيدة. كما يمكن للمدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية أن يباشر التحقيقات كما ورد في المادة(15) من النظام الأساسي فنصت(1- للمدعي العام أن يباشر التحقيقات من تلقاء نفسه على أساس المعلومات المتعلقة بجرائم تدخل في اختصاص المحكمة. 2- يقوم المدعي العام بتحليل جدية المعلومات المتلقاة، ويجوز له، لهذا الغرض، التماس معلومات إضافية من الدول، أو أجهزة الأمم المتحدة، أو المنظمات الحكومية الدولية أو غير الحكومية، أو أية مصادر أخرى موثوق بها يراها ملائمة. ويجوز له تلقي الشهادة التحريرية أو الشفوية في مقر المحكمة. 3- إذا استنتج المدعي العام أن هناك أساس معقولا للشروع في إجراء تحقيق، يقدم إلى الدائرة التمهيدية طلبا للإذن بإجراء تحقيق، مشفوعا بأية مواد مؤيدة يجمعها، ويجوز للمجني عليهم إجراء مرافعات لدى الدائرة التمهيدية وفقا للقواعد الإجرائية وقواعد الإثبات. 4- إذا رأت الدائرة التمهيدية، بعد دراستها للطلب وللمواد المؤيدة، أن هناك أساسا معقولا للشروع في إجراء تحقيق وأن الدعوى تقع على ما يبدو في إطار اختصاص المحكمة، كان عليها أن تأذن بالبدء في إجراء التحقيق، وذلك دون المساس بما تقرره المحكمة فيما بعد بشأن الاختصاص ومقبولية الدعوى. 5- رفض الدائرة التمهيدية الإذن بإجراء التحقيق لا يحول دون قيام المدعي العام بتقديم طلب لاحق يستند إلى وقائع أو أدلة جديدة تتعلق بالحالة ذاتها. 6- إذا استنتج المدعي العام، بعد الدراسة الأولية المشار إليها في الفقرتين 1 و 2، أن المعلومات المقدمة لا تشكل أساسا معقولا لإجراء تحقيق، كان عليه أن يبلغ مقدمي المعلومات بذلك. وهذا لا يمنع المدعي العام من النظر في معلومات أخرى تقدم إليه عن الحالة ذاتها في ضوء وقائع أو أدلة جديدة.) 4 -الوسيلة الرابعة اللجوء الى محكمة العدل الدولية ورغم أن اختصاص المحكمة هو الفصل في النزاعات الدولية(من الدول) التي تُعرض عليها وتفسير المعاهدات والاتفاقيات الدولية والنصوص القانونية وكذلك إصدار فتاوى استشارية، وبهذا المعنى فإن اختصاص المحكمة يتعلق بإصدار أحكام مدنية وليست جزائية على المتهمين، وهي " محكمة حقوقية " تقضي بالمسؤولية المدنية والتعويض، وهناك سابقة البوسنة حيث أقامت دعوى لدى محكمة العدل الدولية العام 1993 ضد صربيا بسبب المجازر المرتكبة. ولعل صدور أحكام بالتعويض المدني سيسهم لاحقاً بملاحقة المرتكبين عبر محكمة جنائية، لاتخاذ عقوبات ضدهم وتجريمهم طبقاً للقانون الدولي الانساني.وهنا يمكن استعادة قرار محكمة العدل الدولية بشأن عدم شرعية بناء جدار الفصل العنصري العام 2000، ودعوتها الى عدم اكماله، بل هدمه وتعويض السكان الفلسطينيين المتضررين بسبب ذلك. وكذلك قرار محكمة العدل الدولية بشأن التهمة الموجهة الى ليبيا بخصوص جريمة لوكربي.): هذه هي الآليات التي يمكن بها محاكمة قادة إسرائيل السياسيين والعسكرية وأفراد القوات العسكرية وكل من أرتكب جريمة من الجرائم، ولكن يبقي توافر الإرادة الحقيقية والرغبة الصادقة لدي من يملكون هذا الحق لاستخدامه - باحث في القانون الدولي الانساني