عن منشورات رباط الفتح صدر كتاب يشمل مقالات للزعيم الراحل ج. أحمد بلافريج في مجلة «مغرب» التي أسسها في باريس إلى جانب الفرنسي المدافع عن استقلال المغرب روبير لونكي سنة 1932 والتي كانت تصدر باللغة الفرنسية بعد ترجمتها وإصدارها مجتمعة في كتاب. وقد كتب الأستاذ العربي المساري مقالا تحليليا في فاتحة هذا الكتاب يبرز فيه الأطوار والمراحل التي مرت بها مجلة «مغرب» طيلة الفترة التي كانت تصدر فيها من 1932 إلى آخر 1934 والأحداث التي عرفها المغرب في هذه الفترة خاصة بعد إصدار سلطات الحماية الفرنسية لما كان يعرف بالظهير البربري. ويذكر المساري أن هناك مصدر مباشر للمعلومات عن كيفية ظهور مجلة «مغرب» هو شكيب أرسلان، الداعية السوري الذي تحمس كثيرا لمناصرة القضية التي بسطها الطلاب المغاربة بباريس، والتي تتمحور حول مناهضة ما سمي في تاريخنا الوطني بالظهير البربري. (الصادر في 16 مايو 1930) وبتوجيه منه أخذت الاستعدادات تتوالى لإصدار نشرة تكون لسان الدعاية للوطنيين المغاربة في فرنسا. وقد نمت فكرة المشروع بكيفية وئيدة، في غمرة تعهد طلبة باريس، بتأمين الإشعاع اللازم للقضية التي يدافعون عنها. واستمرت الاستعدادات لإصدار النشرة المقترحة طيلةسنة 1931 وجزء من 1932، وذلك عبر مشاورات مكثفة بين تطوان ولوزان وفاسوباريس، وكان حجر الزاوية في تلك الاستعدادات هم جماعة من السياسيين الفرنسيين المتعاطفين مع القضايا العربية. وعلاوة على ما هو مثبت من معلومات في المجلة نفسها، نجد عند جورج أوفيد في كتابه الجامع «اليسار الفرنسي والوطنية المغربية» بيانات أوردها في الفصل التاسع من ذلك الكتاب استقاها من لقاءات له مع الفاعلين في إقامة مشروع المجلة المذكورة. وفي تمهيد مفيد يخص الاستعداد لإصدار مجلة «مغرب»، تحدث أوفيد عن الدعاية التي قام بها في العاصمة الفرنسية كل من بلافريج والوزاني وبن عبدالجليل ضد القمع الذي تلا أحداث الظهير. وفي باريس التقى هؤلاء مع دانييل غيران المشرب بالأفكار الاشتراكية المفعمة بالعطف على شعوب الشرق والهند الصينية. وقد نشر غيران مقالات لإبداء التضامن مع قضية الشبان المغاربة، ودخل في مجادلات مع مؤيدي السياسة القمعية الفرنسية كما فعل دورمينغ هيم الذي ترجم في 1929 مع محمد الفاسي «أقاصيص جديدة من فاس». وفي 1931 كان غيران ودورمنغهيم «ومسلم بربري» يحاولون اقتحام جمهور أوسع لفائدة القضية التي ظهرت ملامحها. وهنا وجد الشبان المغاربة مساندة استثنائية من لدن جان لونغي. ويشرح الوزاني في «حياة وجهاد» دواعي التحرك في فرنسا فيذكر أن معارضة «الظهير» أدت إلى رمي الحركة بما ينافي الحقيقة، وامتلأت الصحافة المغرضة المناوئة لنا في الداخل والخارج بترهات لم نرد عليها لكثرتها، فكان سكوتنا عنها مدعاة إلى الإمعان في إشاعة الكذب. وكان من أهم ما قذفتنا به الحملات المسعورة أننا «شيوعيون» تارة و «اشتراكيون» تارة أخرى، إن لم يتجاوزوا كل هذا ليتهمونا بأننا «عملاء الأجنبي» أي ألمانيا أو إيطاليا. والحقيقة أننا كنا وطنيين أحرارا وتقدميين عاملين لصالح بلدنا وقومنا وقضيتنا العادلة. ويتابع الوزاني روايته للأحداث قائلا: لم نرفض دعما من الأحرار في الخارج لأننا كنا كمظلومين في حاجة إلى الحليف والنصير. وقد وجدنا هذا في عدد من رجال الأحزاب اليسارية الفرنسية والإسبانية فرحبنا بكل من أبدى لنا التفهم والعطف وحسن الاستعداد، بدون قبول قيد ولا شرط من قبيل جذبنا إلى الانضمام إلى حزب من الأحزاب. وكنا متصلين بنخبة من الاشتراكيين الذين كانوا يعملون معنا بصفة شخصية لاحزبية، علما بأن في الحزب الاشتراكي من كانوا لايتعاطفون معنا، ولكنهم كانوا لايقدرون على معاكسة زملائهم المقربين منا لما كان لهم من المكانة. (الوزاني، ج3 ص 254 وص 255 وص 256 وص 257) وهذه المقتطفات تبين لنا المناخ السياسي الذي تحرك فيه الوطنيون المغاربة، والملابسات التي كانت تحيط بتحركهم في فرنسا والدوافع التي أملت عليهم كيفية التحرك وحددت لهم الأهداف التي رسموها والحلفاء الذين ارتبطوا بهم. «كان تعاملنا مع الاشتراكيين على اختلاف فرقهم «تاكتيكيا وليس مذهبيا» (الوزاني، ص 258 ج3). ويضيف ع.ه بوطالب في «ذكريات شهادات وجوه» إلى ما نعرفه، أنه راجت الدعوة في الحزب الاشتراكي إلى فصل ر.ج لونغي، مؤسس مجلة «مغرب» ورئيس تحريرها من الحزب. ولم يفشل من سعوا إلى ذلك إلا لكونه ابن زعيم اشتراكي بارز يحتل مكانة مرموقة في مجلس النواب ويمارس فيه مهام سامية على رأس لجنة الشؤون الخارجية. (بوطالب، ص 263/ج1). وقد اضطر اليساريون الفرنسيون الى شرح موقفهم مرارا. وبرر رينوديل تعاطفه مع «مغرب» بقوله: إننا نخدم بلدنا نفسه حينما نثير الانتباه الى الوقائع لكي يتمكن من التصحيح. ويلاحظ أوفيد (ص 376 / ج 2) أن معظم كتاب «مغرب» من النواب الفرنسيين لم يكونوا يتجاوزون انتقاد «الأخطاء» فإن رينوديل وجان بيو Jean Piot كانا يعارضان في فتح نقاش بشأن استقلال المغرب. ولكن تأثيرهما كان هامشيا. وسجل ريزت بدوره في كتابه عن الأحزاب السياسية في المغرب، أن الشبان المغاربة حافظوا على الصلات مع أصدقائهم مهما اختلفت مشارب هؤلاء وتنوعت من واقفهم في الساحة السياسية الفرنسية. فحينما زار ر.ج. لونغي المغرب في 1933 نظم له المغاربة استقبالا حافلا. وكذلك صنعوا مع رينوديل الذي زار المغرب في أبريل 1934 ، بينما كان انفصام قد حدث في الحزب الاشتراكي بسبب الأزمة التي وقعت في 1932 و 1933 فيما بين الحزب المذكور وفريقه البرلماني. وتشكل الحزب الاشتراكي لفرنسا وأساسه «النيواشتراكيون». مما يكرس أن لجنة رعاية «مغرب» ضمت شخصيات متنوعة.