في حديث الأسبوع الماضي طرحنا مجموعة من الأسئلة وهي جزء من الأسئلة التي تستبد بالذهن هذه الأيام وتفرض نفسها على كل إنسان يتابع ما يجري في العالم الإسلامي من أحداث، وما تموج به هذه الرقعة الجغرافية من الفوضى والقلاقل والاقتتال، وما تتعرض لها ثرواتها من تبديد وتبذير، وما تتعرض له البنية التحتية من تدمير، وما يتعرض له شباب وأطفال الأمة من رعب وأزمات نفسية، التي توشك أن تأتي على مستقبل الأجيال المقبلة بما تزرعه في نفوسهم من حقد وما تغرسه من فقدان الأمل في المستقبل. في هذا الجو يأتي بعض الناس ليخلص إلى نتيجة لو سلم بها الناس لانتهى كل شيء لأنه لم يعد هناك خوف أو تخوف آو توجس، فإزالة الإسلام من حلبة الصراع والتسليم بما يروج له الغرب ويدفع إليه من الانسلاخ عن الإسلام وحضارته هو عقدة الصراع لأن هؤلاء الناس لا يؤمنون على مصالحهم غير المشروعة والتي تستهدف ابتلاع أرض الإسلام وتصفية الحساب مع الإسلام الذي بدأ الصراع معه منذ أول غزوة التقى فيها الإسلام مع الروم. وعلى أي حال فنحن من خلال متابعتنا لهذه الأحداث نرى ملامح اليد السوداء التي امتدت إلى ديار الإسلام مع طلائع الاستعمار الأولي، فهي التي لا تزال تحرك الأحداث وتجد من ضعفاء النفوس ما يساعدها على ذلك، ولكن التأييد الأكبر تجده لدى ساسة فاسدين مفسدين ومستبدين لا تهمهم مصلحة الوطن أو المواطن ولا تهزهم مشاعر العقيدة النظيفة والسليمة، وإنما يحركهم الطمع ومراكمة الثروات والجلوس على كراسي الحكم وأريكته، ولو على حساب قيم الدين والعقيدة ومصلحة الوطن والمواطنين. وعلى عكس ما يظنه البعض فإن العلاج هو مزيد من بث الوعي لدى الأغلبية العظمى من المواطنين البسطاء وتسليط الضوء على المكائد والدسائس التي تحاك وكشف اللاعبين من وراء الستار وتوضيح المقاصد الاستعمارية في الأوطان الإسلامية، ودور أبطال لعبة الأمم في كل ما يجري. وهو ما حاول علال الفاسي رحمه الله أن يبرزه في هذا الدرس "الوصية"" وهو ا حاولت هذه النظرات التي ألقيناها على الدرس أثناء إعادة قراءته بمناسبة الذكرى الأربعين لوفاته. ******* نداء في الحديث الأخير من هذه الأحاديث التي خصصناها لمرافقة المرحوم علال الفاسي في أحد دروسه الحسنية الرمضانية الذي اعتبرناه وصيته في موضوع التزام الأمة والمسؤولين فيها وقادة الرأي بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية باعتبار ذلك الطريق الأسلم والمنهج الأقوم لاستعادة الأمة هويتها، وبناء المجتمعات الإسلامية بناء قويا ومتينا وصيانة تراث الأمة الحضارية بكل ما تتضمنه كلمة التراث والحضارة من معنى، والمرحوم علال في هذا الدرس حاول أن يلخص الكثير مما دونه في دراساته وأبحاثه وإبداعاته الشعرية ليكون النداء الذي يرسله في حقبة من أدق الحقب وأصعبها في تاريخ الأمة الإسلامية. تباشير الصحوة نعم قد كانت مرحلة دب فيها اليأس على أفئدة الكثيرين، ومع ذلك ففي هذه المرحلة كانت تباشير الصحوة الإسلامية الجديدة، والانبعاث الحضاري للأمة يلوحان في الأفق ويقرأ اثر هذه المبشرات ذووا الفراصة الإيمانية الذين يشغلهم أمر الأمة أكثر ما يشغلهم غيره من المشاغيل التي تؤثر على الكثير من الناس الذين جعلهم ما عليه الغرب من قوة تضعف لديهم الثقة بالنفس، والشقة بالمستقبل للأمة الإسلامية، في الوقت الذي كان فيه علال على عكس ذلك يرى مع تلك النخبة الداعية للعودة إلى المنبع الصافي يشغلهم كيف يجب انتظام الأمة في المستقبل في سياق نهضة جديدة ووحدة قوية ولا غرابة في هذا فالشهيد سيد قطب كتب كتاب المستقبل لهذا الدين وهو وراء قضبان السجن .. المستقبل المنتظر إن هذا المستقبل هو الذي رصد علال وغيره من الدعاة وقادة الرأي الساعين لنهضة ما يكتبه الأعداء في مواجهته، فهؤلاء الأعداء لم يكفهم ما غرسوه في الأمة من توجيه وما فرضوه من أفكار تصب في العمل على تضليل الأمة، وإنشاء ناشئة صرفت أثناء تكوينها عن القيم والمبادئ التي جاء بها الإسلام، كما عبئت بكل ما يخدم الانفصال والانفصام بينها وبين الإسلام شريعة وعقيدة، فإذا آمنت بجانب العقيدة فهي لا ترى في الشريعة وفي تراث الأمة الفقهي ما يسعف في إيجاد الحلول لمشاكل العصر، وأما الجانب الاقتصادي، وتحقيق العدل والمساواة بين أفراد الأمة فهو أمر يلتمس في النظريات الغربية الحديثة ماركسية كانت أو ليبرالية وفي هذا لا يرى الغرب ما يضره ولكنه مع ذلك فهو يحتاط ويخاف ويعبر عن مخاوفه بكل الوسائل المتاحة، وهو لا يرى ان في نشره ما يخطط له وما يريده ما يجعل المسلمين يتفطنون ويستيقظون. نصوص سابقة وفي هذا السياق نشرنا في حديث الجمعة الأخيرة بعض المقتطفات التي أوردها المرحوم علال في درسه، والتي عبر فيها بعض الساسة وبعض المفكرين في الغرب عن نواياهم وهواجسهم تجاه الإسلام والمسلمين، ووعدنا بإيراد بعض النصوص الأخرى التي كتب فيها بعد ذلك والتي أثارت ضجة لا تزال قائمة إلى الآن وتتميما للفائدة وللتذكير نذكر ببعض ما جاء به "صمويل هنتنجتون" في هذا الصدد وتأكيدا على أن الصراع هو ضد الإسلام بوضوح تام يقول هذا المفكر الاستراتيجي تحت عنوان: بالنسبة لحضارات التحدي: من المرجح أن تكون علاقات الغرب بالإسلام والصين متوترة على نحو ثابت وعدائية جدا في معظم الأحوال. علاقات الغرب مع أمريكا اللاتينية وإفريقيا، وهما حضارتان اضعف ومعتمدتان إلى حد ما على الغرب، سوف تتضمن مستويات اقل من الصراع، وبخاصة بالنسبة لأمريكا اللاتينية. علاقات روسيا واليابان والهند بالغرب من المرجح أن تكون وسطا بين العلاقات مع المجموعتين السابقتين، وتتضمن عوامل تعاون وصراع، حيث إن دول المركز الثلاث السابقة، تقف أحيانا إلى جانب حضارات التحدي وأحيانا إلى جانب الغرب، إنها حضارات "التأرجح" بين الغرب من جهة والحضارتين الإسلامية والصينية من جهة أخرى. لماذا الخوف؟ لماذا الخوف من الحضارة الإسلامية ذلك ما يوضحه الكاتب في الفقرة التالية والعنوان من اختيارنا لإثارة الانتباه الحضارة الإسلامية والحضارة الصينية، كل منهما ينتظم تقاليد ثقافية عظيمة تختلف جدا عن التي لدى الغرب، وهي في نظرهما أرقى من تقاليد الغرب بمراحل لا محدودة، وقوة وتأكيد كليهما إزاء الغرب تتزايدان، كما يتزايد الصراع ويشتد بين مصالحهما وقيمهما ومصالح وقيم الغرب. ولأن الحضارة الإسلامية تفتقر إلى دولة مركز، فإن علاقتها مع الغرب تتباين من دولة إلى أخرى، إلا أنه منذ السبعينات يوجد اتجاه معاد للغرب، ثابت تقريبا من علاماته صعود الأصولية وتحولات القوة داخل الدول الإسلامية من حكومات أكثر موالاة للغرب إلى حكومات أكثر عداء له، وظهور ما يشبه الحرب بين الجماعات الإسلامية والغرب، وضعف العلاقات الأمنية التي كانت قائمة بين بعض الدول الإسلامية والولاياتالمتحدة أثناء الحرب الباردة. السؤال الأساسي ويأتي المنظر ليضع السؤال الأساس في الموضوع وهو: وراء الخلافات حول الدول القضايا المحددة يكمن السؤال الأساسي الذي يتعلق بالدور الذي ستلعبه تلك الحضارات بالنسبة للغرب في تشكيل مستقبل العالم، هل ستعكس المؤسسات الكونية وتوزع القوى واقتصاد وسياسات الدول في القرن الواحد والعشرين القيم والمصالح الغربية أساسا، أم أنها سوف تتشكل حسب قيم ومصالح الإسلام والصين؟ (ص:295 وما بعدها). هذا هو السؤال المقلق لكل المسؤولين في أوروبا وهم لا يريدون لهذه الحضارة الإسلامية أن تلعب أي دور مهما كان هذا الدور صغيرا أو كبيرا لأن الدور الصغير قد يفتح الباب أمام دور اكبر ويزيد الباحث المنظر الأمر توضيحا في فصل بعنوان: الإسلام والغرب «يقول بعض الغربيين بما فيهم الرئيس "كلينتون" إن الغرب ليس بينه وبين الإسلام أي مشكلة، وإنما المشكلات موجودة فقط مع بعض المتطرفين الإسلاميين. أربعة عشر قرنا من التاريخ تقول عكس ذلك. العلاقات بين الإسلام والمسيحية سواء الارموذكية أو الغربية كانت عاصفة غالبا. كلاهما كان "الآخر" بالنسبة للآخر. صراع القرن العشرين بين الديمقراطية الليبرالية والماركسية اللينينية ليس سوى ظاهرة سطحية وزائلة، إذا ما قورن بعلاقة الصراع المستمر والعميق بين الإسلام والمسيحية، أحيانا، كان التعايش السلمى يسود، غالبا كانت العلاقة علاقة تنافس واسع مع درجات مختلفة من الحرب الباردة. "محركاتهما التاريخية" كما يعلق "جون اسبوسيتو": "وجدت المجتمعين دائما في حالة تنافس، وثبتت أحيانا في صراع مميت للقوى والأرض والأنفس". عبر القرون كانت خطوط العقيدتين تصعد وتهبط في تتابع من نوبات انبعاث مهمة، فوقفات، وانتكاسات. الاكتساح العربي الإسلامي في اتجاه الخارج من بداية القرن السابع إلى منتصف القرن الثامن أقام حكما إسلاميا في شمال إفريقيا وايبيريا والشرق الأوسط وفارس وشمال الهند، ولمدة قرنين تقريبا كانت خطوط التقسيم بين الإسلام والمسيحية مستقرة. الصراع ليس مع المتطرفين ان الباحث الذي جعل الصراع بين الإسلام والغرب وليس بين الغرب والمتطرفين يتتبع من خلال مراحل التاريخ هذا التجاذب والصراع بين الإسلام والمسيحية ويعتبره الصراع الحقيقي بالنسبة للمستقبل وليس الصراع بين الليبرالية والماركسية الذي عرفه القرن العشرين الا شيئا بسيطا لا تأثير له لأن صراع داخل أسرة حضارية واحدة ولكن الصراع مع الإسلام هو المميت والذي إذ ما كاد الاستقرار يتم حتى بدا الصراع يقول: تقلب النفوذ بعد ذلك في أواخر القرن الحادي عشر، أكد المسيحيون سيطرتهم على البحر الأبيض المتوسط الغربي، غزوا صقلية واستولوا على طليطلة، وفي 1095 بدأت المسيحية الحملات الصليبية، ولمدة قرن ونصف القرن حاول الحكام المسيحيون –مع نجاح متناقص- أن يقيموا حكما مسيحيا في الأرض المقدسة والمناطق المجاورة في الشرق الأدنى، وخسروا آخر موضع لقدم هناك في عام 1291، في نفس الوقت كان الأتراك العثمانيون قد ظهروا على شمال إفريقيا، واستولوا على القسطنطينية في 1453 وحاصروا فيينا في 1529. ويلاحظ "برنارد لويس": "لمدة ما يقرب من ألف سنة، منذ أول رسو موريسكي في اسبانيا وحتى الحصار التركي الثاني ل "فيينا"، كانت أوروبا تحت تهديد مستمر من الإسلام". الإسلام هو الحضارة الوحيدة التي جعلت بقاء الغرب موضع شك، وقد فعل مرتين على الأقل. (ص: 338 وما بعدها). الخطر الأكبر ويسترسل في تحليل مراحل الصراع بين الإسلام والغرب ليستخلص أن الصراع ليس بين المتطرفين والغرب ولكنه بين الغرب والإسلام. ويعود بعد هذا الاستطراد إلى ما كتبه المرحوم علال الفاسي تعليقا على الأقوال التي اقتبسها في درسه القيم يقول: نستنتج من أقوال هؤلاء المفكرين والسياسيين الأوربيين أن الخطر الأكبر في نظرهم هو عودة العامل الإسلامي إلى القيام بدوره التاريخي الذي ينتظروه، والذي يخوفهم على الخصوص أمران: الأول يتعلق بعودة المسلمين للتمسك بالعقيدة والأخلاق الإسلامية التي هي شريعة الله للإنسان لأن الإسلام لا يفرق بين الأخلاق وبين الدين، لأن رد الفعل الإنساني لأوامر الله ونواهيه سلوك وهو بذلك خلق، ليس في الإسلام أخلاق تجريدية أو أخلاق المدينة أو المنفعة كما يقول فلاسفة الغرب، وإذن فالعودة إلى الخلق الإسلامي يعني العودة إلى صفة الرجل المومن الفعال الذي يصبح عامل الله الحقيقي في صنع التاريخ وتسيير الكون. التصنيع ويتعرض المرحوم علال الفاسي في الأمر الثاني الى ضرورة التصنيع في العالم الإسلامي. الثاني نهوض المسلمين من الوجهة الصناعية، أي أن يهتم الشعب الإسلامي بالتصنيع فلا يبقى حينئذ مصدر المواد الأولية للأجانب ولا سوقا لهم، ولا يبقى أبناؤه عمالا وجنودا للمستعمرين، وهذا يدل على مقدار الحاجة الملحة إلى التصنيع الحقيقي وإلى أن يتعاون المسلمون على تخطيط مشترك للاستقلال الاقتصادي بحيث يصير اقتصاد المسلمين وإنتاجهم متمما لبعضه، وحينئذ يمكنهم أن يمثلوا عالما اقتصاديا ذا اكتفاء ذاتي، ولكن غير مسدود للاتصال بالعالم وبتبادل المنافع مع مختلف الدول على أساس المساواة ومراعاة المصلحة العامة لجميع شعوب الإسلام، كما تفعل الصين مثلا في توجيه أعمالها والبحث عن عملائها طبق ما تقتضيه منفعة دولتها الكبرى وكما تفعل الولاياتالمتحدة التي تمثل أعظم مراكز الإنتاج والاستهلاك في العالم، إن هذا لا يتم للمسلمين إلا إذا عادوا للبحث عن الوحدة الإسلامية وان احتفظوا باستقلالياتهم السياسية، لأن العبرة بالوحدة في التشريع واللغة المشتركة التي يجب أن تكون لغة القرآن كعامل ارتباط وتفاهم بين الجميع، وفي التخطيط الاقتصادي المشترك الذي يجعل خيرات المسلمين للمسلمين وفي الدبلوماسية الخارجية التي لا ترى في الارتباط بالغير منفعة إلا على أساس الصالح الإسلامي العام». دور المؤتمر الإسلامي والمرحوم علال لا ينسى التأكيد على دور منظمة المؤتمر او التعاون الإسلامي حيث يرى: «إن مؤتمر القمة الإسلامي وكتابته الدائمة صالحة لأن تسير الدول الإسلامية في هذا الاتجاه عن طريق التدريج الذي لا طفرة فيه ولا تصرفات مخطرة ومخفية، بل لابد له من السير بالحكمة وسلوك سبيل المصالحة والمفاهمة مع الجميع، وإذا نجح في مساعيه فانه سيصبح تدريجيا بمثابة المؤتمر الأمريكي الذي ينظم ولايات أمريكاالمتحدة في مجتمع واحد قوامه الأصول الدستورية العامة، وأهل الحل والعقد فيه هم ممثلوه داخل مجالسه ومنتدياته، وفي السلطة التنفيذية التي يختارها الجميع في إطار عقيدة الدول وتوجيهات الشعب. بذل الجهد فعلينا إذن أن نعمل بكل جهودنا لدعوة المسلمين حكومات وشعوبا إلى استبدال القوانين الغربية بالشريعة الإسلامية وتربية أبنائنا على أخلاق الإسلام التي هي احترام الشريعة بأقسامها، والى بذل الجهود المشتركة لتصنيع العالم الإسلامي، وتوجيه ثرواته الهائلة إلى هذا الميدان. تحليل مضاد ونجد علال الفاسي رحمه الله في الفقرة التالية يقوم بتحليل مضاد ومعاكس لتحليل "صمويل هنتجتون" فهو يرى ان العالم تتنازعه كتل أربع وعلى الأمة الإسلامية أن تضع نفسها حيث يجب أن تكون وإلا أصبحت موزعة بين هذه القوى الحضارية التي يرى أن العالم سيتوزع إليها المهم أن الحياة تطورت في اتجاه صراع المصالح وتناقضها ولكن واقع الأمة الإسلامية يقي حيث هو وهو ما لا يريده علال ان يكون حيث يريدها أن تنظر إلى تكييف العالم وتختار لنفسها المكانة المرموقة. العالم يتكيف إن العالم يتكيف اليوم لتصبح فيه أربع كتل قوية معادية لنا، الأولى الكتلة الأمريكية الشمالية والجنوبية التي ستلزم باتحاد وتناسق، والثانية الكتلة الغربية التي تسير في طريق السوق المشتركة إلى وحدة غربية، أما الثالثة فهي روسيا والدول السائرة في فلكها، والرابعة الصين وحلفاؤها، وسيبقى بعد ذلك بعض الدول الصغرى من مختلف المذاهب تصبح تابعة قليلا أو كثيرا لإحدى هذه الكتل، ويبقى العالم الإسلامي الذي يكون أزيد من سبعمائة مليون متجاورة وغنية، فأما أن توجد صفوفها لتصبح الكتلة الخامسة القائمة بنفسها المتحررة من الهيمنة الأجنبية عليها، وأما أن تبقى حيث يضعها الأقوياء موزعة قطعا، كل منها تابع لإحدى هذه القوى المتحدة والمتنافسة في آن. المِلكية والوظيفة الاجتماعية بعد هذا يعود المرحوم علال الفاسي ليحلل موضوع الحديث الذي جعله أساس الدرس فيقول ويتناول موضوعا مهما وهو موضوع الملكية الفردية والجماعة والوظيفة الاجتماعية ويميز بين أن تكون للمِلكية وظيفة اجتماعية أو أن تكون هي وظيفة اجتماعية فيقول: «موضوعان فقهيان يبدوان من طريقة العرض في التمثيل النبوي أما الملكية للفرد أو لجماعة تشترك فيها فهي مباحة شرعا، ولكن على أساس أن الملكية الأصلية هي لله تعالى لأن الإسلام لا يرى الملكية أصلا للفرد ولا للدولة بل هي لله تعالى بدءا قال تعالى: «آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه» وهذا الشيء الملوك يباح أن يصبح مجازا في ملكية الفرد أو الجماعة أو الدولة على أساس أنهم خلفاء لله في تسيير هذا الشيء طبق ما فيه مصلحة معترف بها شرعا ولتتحقق للملكية الوظيفة الشرعية المجعولة لها، لان للملكية وظيفة اجتماعية وليست هي نفسها الوظيفة الاجتماعية كما يتوهم بعض المؤلفين، وهذه الملكية الإنسانية المجازية ليست شيئا طبيعيا بل هي جعلية أي بجعل من الشارع ولذلك يمكن تدخل ممثل الشرع في تسييرها والنظر في مالكها المشرف عليها هل يقوم فيها بما يحقق مالها من وظيفة اجتماعية أو يصرفها حسب هواه. الملكية الشرعية ويحرص علال الفاسي على التذكير بأن الملكية الفردية يجب أن تكون شرعية فيقول: والمِلكية هذه يفرض الإسلام أن تكون ناشئة عن الأسباب الشرعية، التي أهمها العمل والكسب أو الميراث والعطاء. والملكية الخاصة لا تمنع من وجوب المنفعة العامة بها، فصاحب الحاجة والذي ليس له من الملك شيء له حق ثابت على المالك يوديه له اختيارا أو إكراها (وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا) وقال تعالى: (كلوا من ثمرة إذا أثمروا آتوا حقه يوم حصاده) هذا الاتجاه الإسلامي في ملكية المال وفي منفعته يمنع من قيام رأس المال المستغل طبق ما هو واقع في النظام الرأسمالي تحت أنظمة الحكم الديموقراطي في أوربا وأمريكا، فهو يحرر المجتمع الإسلامي من هيمنة أصحاب رؤوس المال عليه واستغلاله لفائدتها، لأنه يبحث عن مصدر الكسب ويفرض أن يكون حلالا، كما يفرض أن يستعمل ف ي غير ما هو ممنوع شعا، ويوجب عليه حق المحروم وما يحتاج إليه المجتمع من منافع عامة. الملكية العامة والاستبداد ويتحدث علال عن الملكية الجماعية ويذكر بأنها لا تعطي للحاكم أن يتصرف كما يريد أو يستبد بالمال من دون الناس، وهو بهذا يحكم على بعض التصرفات التي كانت تجري ولا تزال تجري في بعض البلدان الإسلامية حيث يعتبر المسؤولين ثرواتها ثروات فردية فيتصرفون فيها تصرفا فرديا لو عرض على الأمة لرفضته جملة وتفصيلا ولكنه الاستبداد وأثره على الأمة وثرواتها يقول علال: كما أن هذا الاتجاه الإسلامي، وإن كان يبيح ويعترف بملكية الدولة للقطاع العام فإنه يحول دون هذه الملكية المجازية أيضا واستبداد أولياء الأمر في التصرف فيها كيف أرادوا بل يجب أن يكون مصدرها حلالا أي لا غصب ولا تعدي فيه ولا مجاوزة للحدود المشروعة وأن لا تكون السلطة وحدها المهيمنة على الأموال مستبعدة مساهمة الشعب في التدبير والمراقبة فتخلق بذلك في نفوس الجماعة عدم الاهتمام والشعور بعدم تحمل نصيبها من المسؤولية في تسيير ذلك القطاع العام على اعتبار أنه داخل في رأسمالية الدولة، كما هو الواقع في الأنظمة الشيوعية. ويتحدث علال بعد ذلك على أنواع الملكية ولاشك أنه لم يتوسع في هذا الموضوع لأن الدرس لا يتيح ذلك ولكن في المباحث الفقهية والاقتصادية التي كتبها في دراساته وأبحاثه في الموضوع: «وإذا كنا لا نريد أن نتوسع في أمر الملكية لأننا لسنا بصدد دراستها بتفصيل، فلا بد من أن نقول: أن الملكية التي هي لله في الأصل، يمكن أن تعتبر وتسمى مجازا ملكية: للفرد للجماعة للدولة للمؤسسات العامة والأوقاف وبعد ذلك ينبرى علال ليستخلص عن الحديث حملة من القواعد على الطريقة التي كان العلماء يفعلون فيستخلص ما يلي: إن الأقصوصة النبوية تعطينا بفكرتها الأساسية وبالعرض المتسلسل وبالأفكار الطارئة أثناءه درسا تشريعيا وأخلاقيا: فأما من الوجهة التشريعية فهناك: إباحة الملكية الفردية والجماعية. إباحة الاشتراك في الملكية الفردية أو الجماعية. إباحة ملكي الانتفاع عن طريق الكراء كما أوضحنا. الاستهام عند اختلاف المالكين على المكان الذي يأخذه كل واحد منهما. حق الساكن الأسفل أن يمر على الأعلى إذا كان ذلك ضروريا لأخذ الماء مثلا. الملكية كيفما كانت مقيدة بمالها من وظيفة اجتماعية. يؤخذ على يد المالك إذا أراد أن يتصرف فيما له بما يضر بجيرانه وبنفسه. التضامن الاجتماعي بين أفراد الأمة، والذي من أعظم مظاهره الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. الوقوف عند حدود الشريعة واجب وخرقه منكر يجب تغييره. حدود الله هي شريعته التي يجب أن تكون القانون المتبع في أحكام المسلمين وأخلاقهم. على ولي الأمر أن يضرب على يد الخارجين عن حدود الله وذلك ما هو جزء من الضمان الاجتماعي التي تكلف به الدولة. الأخوة الإسلامية تقضي بأن يكون المومن كالبنيان يشد بعضه بعضا. الجريمة التي يرتكبها البعض ضد البعض تعتبر موجهة للمجتمع الإسلامي كله ( من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا). المسلمون في كل جهة على ثغرة من ثغور الإسلام فإذا اعتدي على ثغر ما وجب أن تتحرك له كل الثغور ويقوموا لعدوهم قومة رجل واحد. المسلمون في كل أنحاء الأرض يجب عليهم أن يقيموا شريعة الله وان يتخلوا عن القوانين الأجنبية، ويتخذوا تشريعاتهم من كتاب الله وسنة رسوله وفي إطار حدود الله تعالى. الواجب الأخلاقي أما من الوجهة الأخلاقية، فإنه لا يصح للمسلم أن يرى أخاه منحرفا عن الطريق ولا يأخذ بيده ليرده إلى الصواب، وذلك ما يستوجب القيام بالدعوة المستمرة والنصح الدائم لأولي الأمر ولأفراد الشعب، وتكوين الطليعة المومنة المجاهدة بوسائل العصر وما تقتضيه مصلحة جمع الأمة كلها على كلمة سواء وعلى منهج الإسلام، ومقاومة التيارات الملحدة والمستوردة التي لا تتفق مع ديننا ومع ما نرجوه من مستقبل طيب، إن سلوك كل واحد منا طبقا لرعاية حقوق الله وحقوق الإنسان لشهادة صادقة تساعد الغير على اقتفائنا في أسلوبها كما قال تعالى: (لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا). الأمر الإلهي إن الله سبحانه وتعالى يأمرنا بأن نأمر بالمعروف وننهي عن المنكر ويأمر أولياء الأمور قبل غيرهم، لأن الله أعطاهم السلطة التي يغيرون بها المنكر والتي ينشرون بها المعروف، والأمة كلها تبع لهم، فنحن جميعا في الحقيقة مطالبون بأن نساعد ولي الأمر في هذه المسائل التي هي من قبيل الرجوع إلى الله والرجوع إلى اللغة العربية والرجوع إلى الشريعة الإسلامية، ويجب علينا أن نقول هذا ونكرره ونبلغه ولا شك أن جلالة الملك أدرى الناس بهذه الحقائق وأولاهم بأن ينفذها لأنه من سلالة الرسول صلعم، والرسول هو الذي أنزل عليه هذا القرآن. وهو الذي أنزل عليه هذا الوحي الذي يأمرنا بهذه الأشياء كلها. وهكذا نرى أن المرحوم علال الفاسي لا يرى مجتمعا مسلما أو دولة مسلمة أو لها مرجعية إسلامية دون أن تأخذ تطبيق أحكام الشريعة بجد وأن تبذل الجهد وتجتهد لابتكار الحرف والصنائع كما تجتهد لاستنباط الأحكام وتطبيقها.