اختلف المحللون والسياسيون سواء على المستوى العربي أو الدولي في تحليلهم لنتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت في مصر من يوم الاثنين 26 مايو إلى يوم الأربعاء 28 مايو 2014، الاختلاف كان أساسا حول نسبة المشاركة وأبعادها السياسية، وقرار تمديد عملية التصويت ليوم إضافي، وكذلك مدى تأثير دعوة جماعة الإخوان وأنصارهم سواء في الداخل أو الخارج لمقاطعة الاستفتاء الرئاسي. لم يكن هناك خلاف تقريبا حول نزاهة عملية التصويت ولا الفوز الكاسح للمشير عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع والإنتاج الحربي السابق. الجدل الدائر حول نسبة المشاركين في الاستحقاق الانتخابي، تعود أحد أسبابه إلى دعوة السيسي خلال الحملة الانتخابية المصريين إلى المشاركة بكثافة غير مسبوقة والتوقعات التي طرحها أنصاره فيما بعد بأن يكون عدد المشاركين في الانتخابات "40 مليون" أي أكبر من تلك المسجلة في أي من عمليات الاستفتاء الشعبي السابقة التي عرفتها مصر منذ تغيير النظام في 11 فبراير 2011. الأطراف الدولية والإقليمية التي ناصرت حركة الإخوان، ووجدت في توجهاتها السياسية تناغما مع مخططاتها في منطقة الشرق الأوسط الكبير، ركزت على نقطة مدى الإقبال لتطعن في شعبية النظام السياسي الجديد الذي يجرى تشييده في مصر والذي سيكون له إنعكاسات على التطورات المقبلة في المنطقة، كما سعت للتأكيد بأن حركة الإخوان قادرة على العودة إلى السلطة. الملفت كذلك أن الحملة المناهضة للتطورات الجديدة في مصر سعت للترويج لمقولة أن الولاياتالمتحدة والكيان الصهيوني من مؤيدي الإطاحة بنظام الإخوان وذلك بهدف جذب دعم الجماهير ليس في مصر وحدها بل في كل المنطقة العربية الإسلامية التي تعادي كل ما هو توجيه أمريكي. هذه الأطروحة لم تجد الكثير من الآذان الصاغية لأن الجميع أدركوا ويدركون أن الولاياتالمتحدة قاومت بكل قواها الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي وجمدت كل مساعداتها العسكرية والاقتصادية للقاهرة وحرضت على ضرب النظام الجديد في القاهرة بل لوحت باستخدام القوة العسكرية بدعوى حماية الملاحة في قناة السويس. محللون كثيرون ومصادر رصد عاكست تطلعات أنصار الإخوان ومنظري مخطط الشرق الأوسط الجديد. رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي يوم 31 مايو قال ماريو ديفيد، رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات الرئاسية في مصر، في مقابلة مع صحيفة "الموندو" الإسبانية "لقد كانت 3 أيام من الممارسة الديمقراطية في الإنتخابات المصرية، وفوز المرشح العسكري في الإنتخابات الرئاسية لا يمنع أن تكون تلك الإنتخابات ديمقراطية ولم تخالف القانون، على الرغم من اليوم الثالث المثير للجدل الذي تم مده في الانتخابات المصرية". وردا على سؤال حول دهشته بمد الانتخابات المصرية ليوم ثالث قال ديفيد "لقد تفاجأت بقرار تمديد الانتخابات وفتح اللجان ليوم ثالث، وقلت حينها لا أعتقد أننا في حاجة ليوم ثالث، ولم أعرف أنه من غير المألوف مد الانتخابات، ولكن لا تزال الانتخابات الرئاسية في إطار القانون، وعلى الرغم من أن درجة الحرارة يوم الثلاثاء أي اليوم الثاني في الانتخابات تجاوزت ال40 درجة، إلا أن المصريين اعتادوا على هذا الارتفاع في درجات الحرارة ولم يصعب عليهم النزول للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات". وقال ديفيد ردا على سؤال حول كيفية وصف الانتخابات بالديمقراطية مع نجاح مرشح بهذه النسبة الكبيرة التي تصل إلى 93 في المئة من الأصوات إن "العملية الانتخابية برمتها صحيحة تماما، وتم تنفيذها بطريقة محترفة جدا، مضيفا "أنا أتكلم كرئيس للبعثة وجزء من مسئوليتي الحفاظ على الحياد والآخر هو العمل السياسي، وأؤكد أن ما حدث في مصر على مدار ثلاثة أيام كانت الممارسة الديمقراطية للانتخابات الرئاسية". وأعرب ديفيد عن أمله في أن تسير هذه الانتخابات الديمقراطية في اتجاه التحول إلى الديمقراطية فيما بعد، قائلا إن العمل وتطويره في البلاد سيكون المفتاح الرئيسي لتحقيق تلك الديمقراطية. وردا على انتقاد المنظمات غير الحكومية الدولية الديمقراطية على قرار مد التصويت في الانتخابات ليوم ثالث قال ديفيد "مع كامل احترامي لجميع المنظمات إلا أنه لابد من إدراك أن هناك ضغوطا سياسية في البلاد والتي يتعرض لها القضاة في اللجان الانتخابية. وأضاف ديفيد "في بلدي البرتغال بدأنا الحياة الديمقراطية بوجود مرشحين من الحياة العسكرية ليكونوا رؤساء البلاد، وذلك لمدة 10 سنوات، وتم إجراء العديد من الانتخابات الديمقراطية، وليس معنى وجود رئيس عسكري للبلاد أن هذا سيعطل الديمقراطية". بعثة المراقبة التابعة لمنظمة الديمقراطية الدولية ذكرت من جانبها إن قرار تمديد التصويت يثير تساؤلات حول سلامة العملية الانتخابية. وقال ايريك بيورنلوند رئيس المنظمة في بيان "القرارات التي تتخذ في اللحظات الأخيرة عن إجراءات انتخابية مهمة مثل قرار تمديد التصويت يوما إضافيا يجب ألا تتخذ سوى في ظروف استثنائية". البعثة الأوروبية كانت تتألف من 150 متابعا مقسمين إلى 66 فريقا منتشرا في أجزاء متفرقة من البلاد. أما بعثة منظمة الديمقراطية الدولية فكانت تتألف من 86 متابعا موزعين على 25 محافظة من أصل 27 محافظة مصرية. قبل ذلك ويوم 29 مايو كتب المحلل الإقتصادي أنجوس بلير لصحيفة "الباييس" الإسبانية، إن "قلة توافد الناخبين النسبية على اللجان في الانتخابات الرئاسية في مصر يرجع إلى "إرهاق الناخبين المصريين من كثرة التغييرات السياسية خاصة أنهم عام 2013 شهدوا انتخابات أدت بهم إلى مرحلة جديدة من العنف والإرهاب". وأكد بلير "الشعب المصري يعانى من حالة من الملل كبيرة إزاء الحالة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في مصر، وذلك منذ أحداث يناير 2011، وهذه الحالة تتملك الشباب أكثر من كبار السن. وأشار بلير إلى أن هذه الفجوة بين الأجيال واحدة من أكبر المشاكل الاجتماعية التي تعانى منها مصر في الوقت الراهن. وسلطت صحيفة "الموندو" الضوء على مؤشرات الفرز الأولية لانتخابات الرئاسة، وقال فرانسيسكو كاريون مراسل الصحيفة في القاهرة، إن تلك النتيجة ليست مفاجأة ولم تثر دهشة المصريين فكثيرون كانوا يتوقعون نجاح المشير عبد الفتاح السيسى "رجل الدولة القوى" حتى لو لم يكن بهذه النسبة الكبيرة التي حصل عليها أمام المرشح حمدين صباحي والذي هو الآخر يمتلك شعبية غالبيتها من الشباب الثوري، وعلى الرغم من دعوات المقاطعة إلا أن ذلك لم يؤثر في شعبية المشير وحسمت النتيجة في النهاية لصالحه. وأضاف أن شعبية المشير تأتى من رؤية البعض له في شخصية "قاهر" الإخوان وهو من وقف أمامهم وأنقذ البلاد من دمويتهم، مشيرا إلى أن نسبة التصويت له تجاوزت 92 في المئة على الرغم من أن الإقبال على التصويت لتلك الانتخابات كان أقل من سابقاتها حتى أن السلطات المصرية قامت بمدها ليوم ثالث. وأوضح أن السيسى الذي يبلغ من العمر 52 عاما حقق فوزا يعتبر ساحقا وفقا للنتائج الأولية، حيث إن حملته الانتخابية أكدت أنها تلقت 23.3 مليون صوت مقابل 735285 من الأصوات للمنافس الوحيد له صباحي أي 3 في المئة فقط من الأصوات، هذا بالإضافة إلى وجود حوالي مليون صوت من الأصوات الباطلة. أوباما فى موقف صعب فوز المشير السيسي أربك الإدارة الأمريكية، يوم 31 مايو اعترفت إذاعة "صوت أمريكا"، إن الانتصار الكاسح الذي حققه عبد الفتاح السيسى في الانتخابات الرئاسية هو جزء من معضلة دبلوماسية مستمرة لإدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما وسياستها إزاء مصر، حسبما يقول مجموعة من أبرز الخبراء الأمريكيين في شئون الشرق الأوسط. ويقول هؤلاء المحللون، إن أوباما في خطابه ب "ويست بوينت" خلال نهاية شهر مايو، قد سار على خط دبلوماسي رقيق، حيث قال "في مصر نعترف بأن علاقتنا ترتكز على المصالح الأمنية بدءا من معاهدة السلام مع إسرائيل إلى الجهود المشتركة ضد التطرف العنيف". وأضاف إن الولاياتالمتحدة لم تقطع التعاون مع الحكومة الجديدة في القاهرة، وأشار إلى أن إدارته يمكنها أن تضغط بل وستفعل دائما من أجل تطبيق الإصلاحات التي يطالب بها الشعب المصري. وتقول أمي هاوثورن، الباحثة بمركز رفيق الحريري التابع للمجلس الأطلنطي، أحد المراكز البحثية الأمريكية، إن الولاياتالمتحدة حائرة بين تعزيز ما سمته المثل الأمريكية والحفاظ على مصالح أمنها القومي. من جانبها، قالت تمارا كوفمان ويتس، مديرة مركز سابان لدراسات الشرق الأوسط في معهد بروكنغز، إن العلاقات المصرية الأمريكية في لحظة تأمل، فكلا الجانبين يعرف أهمية العلاقات الوثيقة، إلا أن المشكلة أن كليهما لا يريد التواصل مع الآخر من موقف ضعف. غير أن وزير الخارجية الأسبق عمرو موسى دعا إلى نموذج جديد في العلاقات بين البلدين، وقال إنه يتعين علينا الشروع في دراسة فورية لنوع العلاقة التي يرغب فيها الطرفان، حيث لم يعد بإمكان أمريكا أن تقول للرئيس المصري إنها ترغب وتتوقع أن يطيع ببساطة. ودعا موسى واشنطن إلى ضرورة التوقف عن ربط المساعدات بالتطورات السياسية في القاهرة من أجل تجنب أي توتر آخر في العلاقات الثنائية. الجدل حول أرقام المصوتين يوم 30 مايو نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريرا يتناول الجدل حول دقة أرقام المصوتين بالانتخابات الرئاسية المصرية، وقالت "إن هذا الجدل لا ينفى الفوز الكاسح للمشير السابق بهذه العملية الانتخابية الذي وصل إلى 93 في المئة من نسبة التصويت، وهو الرقم الذي لم يتحقق في أي عملية انتخابية بعد 2011. وأضاف التقرير أن مسألة فوز المشير كانت تعتبر محسومة بين جماهير الشعب المصري، ولكن حملته ومؤيدوه أرادوا مشاركة انتخابية واسعة النطاق تسبغ على رئاسة المشير السابق شرعية تفوق تلك التي دأبت جماعة الإخوان على ادعائها حول الرئيس السابق محمد مرسى. وأضافت الغارديان أن نسبة المشاركة قد تبدو ضئيلة بسبب تطلعات حملة المرشح الفائز عبد الفتاح السيسى التي أرادت نسبة مشاركة تصل إلى 80 في المئة، وهو رقم يصعب تحقيقه في أي عملية انتخابية في العالم. ومضت الصحيفة تقول، أظهرت النتائج الأولية لعمليات الفرز، أن نسبة المشاركة الانتخابية من جانب المصوتين وصلت إلى حوالي 46 في المئة، وهو الرقم الذي أثار شكوك قطاع كبير من معارضي الرئيس القادم وأتباع المرشح الخاسر حمدين صباحي وبعض المستقلين. وأضافت صحيفة الغارديان أن شهادات الصحفيين الذين قاموا بتغطية لجان الانتخابات المختلفة، وأداء بعض مقدمي البرامج الحوارية من داعمي المشير السابق، وتمديد أيام الانتخابات ليوم إضافي إلى جانب منح عطلة رسمية للمواطنين تثير الجدل. ولفت تقرير الصحيفة البريطانية إلى تصريحات ماجد عثمان، رئيس مركز بحوث الرأي "بصيرة"، التي أفادت بأن نسبة مشاركة المصوتين بالانتخابات الأخيرة تتراوح بين 42 إلى 46 في المئة. في توجه مشابه قالت وكالة "الأسوشيتدبرس" الدولية يوم الأربعاء 28 مايو، أن فوز المشير لم يكن محور شك قط، لكنه كان يأمل في حضور جماهيري قوى، إذ إنه وفقا للمؤشرات العامة فإن نسبة التصويت تقدر ب 44 في المئة من الكتلة الانتخابية، وهو أقل من معدل المشاركة في الانتخابات الرئاسية 2012 التي بلغت 52 في المئة، وذلك على الرغم من حث السيسي للمواطنين على المشاركة معربا عن آماله ألا تقل النسبة عن 80 في المئة. ويرى المنتقدون أن قلة الحماس بين المواطنين للتصويت هذه المرة يرجع جزئيا إلى اللامبالاة بين مؤيدي السيسى، الذين كانوا يعلمون أن فوزه أمر مفروغ منه. في خضم الجدل الدائر تجاهل البعض معطيات مهمة وهي أنه وحسب النتائج الأولية غير الرسمية حصل السيسي على نحو 24 مليون صوت بنسبة 92.8 في المئة بعد فرز 350 لجنة عامة من إجمالي 352. وحصل صباحي على 735 ألفا و285 صوتا بنسبة 3.1 في المئة. وبلغت الأصوات الباطلة مليونا و87 ألف صوت بنسبة 4.1 في المئة. في حين يذكر أنه خلال الإنتخابات الرئاسية السابقة يومي 16 و17 يونيو 2012 حصل الدكتور محمد مرسي على 13 مليونا و230 ألفا و131 صوتا أي بنسبة 51.73 في المائة من عدد الأصوات الصحيحة، في حين حصل منافسه أحمد شفيق على 12 مليونا و347 ألفا و380 صوتا أي نسبة 48.27 في المائة، وبلغ عدد الذين حضروا الانتخابات 26 مليونا و420 ألفا و763 ناخبا بنسبة 51.85 في المائة، في حين كان عدد الأصوات الباطلة 843 ألفا و252 صوتا. أي أن السيسي حصل على دعم يفوق مرسي بأكثر من عشرة ملايين صوت. لماذا أعطى المصريون أصواتهم للسيسي؟ يوم 30 مايو كتبت سارة الطنطاوي أستاذة الدين المقارن المساعدة بجامعة "إيفرغرين ستيت" تحليلا حاولت فيه الإجابة على منتقدي عجز البيت الأبيض على إبقاء الإخوان في الحكم أو فرض مشاركتهم في العملية السياسية فقالت: فاز قائد الجيش السابق عبد الفتاح السيسي بالانتخابات الرئاسية التي أجريت في مصر بعد حوالي عام من استعادة الجيش المصري سيطرته الرسمية على الأوضاع في 3 يوليو 2013 عقب تمرد شعبي واسع على محمد مرسي. ورغم أن انتفاضة شعبية سبقت تدخل الجيش في يونيو 2013.. فإن الحملة الصارمة التي أعقبتها خلال الأشهر التسعة الماضية قلبت كثيرا من المصريين على النظام الحالي. فلماذا إذن سيصبح السيسي رئيس مصر القادم وما الذي يجعل المصريين الذين أطاحوا بحسني مبارك هم أنفسهم الذين يطالبون بصخب الآن برجل عسكري؟. لا يفهم كثير من المراقبين خارج مصر سبب شعبية السيسي التي تستند بدرجة كبيرة إلى الرغبة في الأمان. فكثير من المصريين يشعرون أن البلد أصبح فوضويا: فإن هم اضطروا للاختيار بين الإخوان المسلمين والجيش فسيفضلون الجيش. وفي حين أن كليهما تنظيمان شموليان.. يتمتع الجيش بخبرة أكبر وبولاء وطني واحترام لمصر كبلد لا كجزء من منطقة إسلامية أوسع. ورؤيته للإسلام أكثر ميلا للاتجاه السائد بين الغالبية. ويرى كثير من المصريين أيضا أن الجيش لديه مؤهلات أفضل لتحسين اقتصاد البلد المتعثر. ويعتمد البلد حاليا على المعونات القادمة من دول الخليج في حين تعاني قطاعات حيوية مثل السياحة. أما الاحتياطي فينضب سريعا. وقد كان أيضا للعنف في الجارتين سوريا وليبيا الذي تحول إلى تمرد إسلامي مسلح تأثير على الناخبين. ولأن هذه الدول عانت من ثورات مسلحة على أنظمة عسكرية يرى كثير من المصريين أن النظام الحالي أفضل كثيرا من الأحداث التي وقعت على مقربة منهم. وهم يفضلون أن توفر لهم الدولة قدرا ثابتا من النظام والوحدة. وجماعة الإخوان المسلمين التي كان ينظر إليها بعد الإطاحة بمبارك على أنها بديل مرغوب فيه أصبحت خيارا أقل جذبا لعدة أسباب. فقد مثلت خطرا على رؤية معتدلة للإسلام يقدرها المصريون. وحين تولت الجماعة السلطة في يونيو 2012 عجزت عن علاج المشاكل الهيكلية العميقة في مصر، واختارت بدلا من ذلك أن تملأ مؤسسات البلد بأعضائها وأن تعقد صفقات. يوم 28 مايو ذكر الكاتب البريطانى روبرت فيسك في مقال بصحيفة "الإندبندنتط، إن الانتخابات المصرية لم تشهد سباقا، ليس فقط لأن بها مرشح واحد معارض للمشير عبد الفتاح السيسى، ولكن لأنه يقدم الأمن الذي يتطلع إليه كثير من المصريين. وأضاف فيسك في مقال له بعنوان "تتويج الإمبراطور" إنه لو كان مصريا، لكان صوت للمرشح عبد الفتاح السيسى، ليس لأنه ملهما. فمن يقول لشعبه أن الديمقراطية على بعد 10، وربما 20، عاما لن يكتب التاريخ اسمه كمحرر عظيم. لكن السيسى لديه ثلاثة أشياء في صالحه، حسبما يقول فيسك. فهو يعرض على المصريين تحريرهم من السنوات الثلاثة الأخيرة من الديمقراطية الزائفة في عهد محمد مرسى، ولديه إجماع أغلبية دول الخليج، فيما عدا قطر بالطبع، لإنقاذ مصر من الإفلاس وهو يقدم كل ما يريده الجميع في الأوقات العصيبة. ويتابع الكاتب البريطاني قائلا: المشكلة بالنسبة للسيسى أن أمامه الكثير قادم فيما بعد، وإلى جانب الوضع الاقتصادي فهناك أسئلة تتعلق بنوع التفويض الذي يمكن أن يقول إنه يملكه. الرأسمالية المتوحشة يقر غالبية المحللين أن أحد دوافع الغرب وخاصة الولاياتالمتحدة للتحالف مع حركة الإخوان هو تبني هؤلاء لنظريات الاقتصاد الرأسمالي التي تؤدي عند تطبيقيها في الدول السائرة في طريق النمو أو كما يسميها البعض دول العالم الثالث، إلى زيادة مساحة الفقر بمده إلى الطبقات الوسطي وذلك لصالح الأغنياء. تطبيق المبادئ الرأسمالية يولد في الدول السائرة في طريق النمو رفضا شعبيا عارما. نشرت مجلة "لوموند دبلوماتيك" سنة 2012 تقريرا تحت عنوان "الرأسمالية المتطرفة للإخوان المسلمين" جاء فيه: إن عقيدة الإخوان الاقتصادية القائلة بالاقتصاد الحر غير المقيد بتدخل الدولة هي أكثر انسجاما مع المذهب النيوليبرالي من واقع الرأسمالية السائدة في ظل مبارك. ويعبر عن تلك العقيدة خير تعبير خيرت الشاطر، الرأسمالي الكبير والرجل الثاني في الإخوان بعد المرشد وممثل أكثر أجنحة الجماعة محافظة، وكذلك حسن مالك، العظيم الثروة والعضو البارز في الإخوان، الذي بدأ حياته في عالم الأعمال شريكا للشاطر وبات اليوم يدير شبكة من الشركات في مجالات النسيج والأثاث والتجارة. والصورة التي رسمتها لمالك مجلة "بيزنيس ويك" كان يمكن أن تحمل عنوان الأخلاق الإخوانية وروح الرأسمالية من فرط تماهيها مع مؤلَف ماكس فيبر الكلاسيكي. وتتجلى هذه "الرأسمالية القصوى" في اختيار الخبراء الاقتصاديين المشاركين في الجمعية المكلفة بكتابة مشروع الدستور المصري الجديد، وهي جمعية يهيمن عليها إلى حد كبير الإخوان المسلمون والسلفيون وتقاطعها لهذا السبب المعارضة الليبرالية واليسارية. إن إحدى المشاكل الكبرى مع الإخوان المسلمين الآن هي زواج السلطة ورأس المال. والحقيقة أن مرسي وحكومته، ومن ورائهما الإخوان، يقودون مصر إلى كارثة اقتصادية واجتماعية. فالوصفات النيوليبرالية المطبقة في المناخ الاجتماعي الاقتصادي الراهن في مصر قد أثبتت منذ زمن طويل وإلى حد بعيد عجزها عن إخراج البلاد من الحلقة المفرغة للتخلف والتبعية، بل على العكس، أغرقتها أكثر في تلك الحلقة المفرغة. هذا ومن شأن عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي العميق الناجم عن الانتفاضة أن يجعل أفق النمو المدفوع بالاستثمارات الخاصة أقل احتمالا. ويحتاج المرء إلى جرعة عالية من الإيمان ليصدق أن قطر سوف تعوض شح الاستثمارات العامة في مصر. وفي زمن مبارك، كان الملاذ المتبقي للفقراء يتمثل في الصدقة ممزوجةً ب"أفيون الشعب". فعلى مدى عقود، وعدهم الإخوان المسلمون بأن "الإسلام هو الحل"، حيث يتخفى وراء هذا الشعار الأجوف عجزهم عن صياغة برنامج اقتصادي مختلف جوهريا عن ذلك الذي يطبق. وها قد دقت ساعة الحقيقة. فمثلما أبرز الباحث خالد حروب، "في الحقبة القادمة سوف تتعرض هاتان المسألتان، أو الآليتان: شعار "الإسلام هو الحل"، والنطق بإسم الدين وما تمثلانه من حمولة أيديولوجية، لاختبار علني وشامل في مخبر الوعي الشعبي. ربما يأخذ هذا الاختبار ردحا من الزمن، وقد يلتهم عمر جيل بأكمله، لكن يبدو أنه لم يعد ثمة مناص من عبور هذه المرحلة التاريخية من عمر الشعوب العربية كي يتحول وعيها تدريجا من الهوس المبالغ فيه بالهوية إلى وعي الواقع سياسيا واجتماعيا واقتصاديا. أو بلغة أخرى أن يتحول وعي الشعوب والرأي العام من طوبى تعليق الآمال على شعارات أيديولوجية حالمة إلى مواجهة الواقع ومحاكمة الأحزاب والحركات بناء على ما تقدمه من برامج فعلية وحقيقية على الأرض". هاهم تجار "أفيون الشعب" قد وصلوا إلى السلطة. ومن شأن ذلك حتما أن يضعف المفعول المنوم لوعودهم، خصوصا حينما لا يتوفر لهم بخلاف زملائهم الإيرانيين ريع نفطي كبير يتيح لهم شراء رضا قطاع عريض من السكان أو رضوخهم. وكان "مكسيم رودنسون" قد أحسن التعبير عن المسألة قبل أكثر من ربع قرن حين قال. "لا أعرف إلى متى ستستمر الحركة الأصولية، فقد يصل ذلك إلى ثلاثة أو حتى خمسة عقود من الآن. لكنها في جوهرها حركة عابرة. وهي ستبقى، طالما كانت خارج الحكم، نموذجا مثاليا تغذيه الإحباطات والمظالم الاجتماعية الدافعة إلى التطرف. أما نبذ الحكم الديني فلن يحصل إلا بعد تجربة طويلة من المعاناة في ظله "تذكر كم استغرقنا ذلك في أوروبا!". باختصار: الأصولية ستواصل سيطرتها على المرحلة زمنا طويلا. عندما يفشل نظام أصولي بشكل لا يقبل الشك ويقود إلى طغيان واضح ومجتمع تراتبي خانع، أو يعانى نكسات من المنظور الوطني، سيقود ذلك الكثيرين إلى السعي نحو البديل. لكن هذا يتطلب وجود بديل يتمتع بالمصداقية ويثير الهمم ويعبئ الشعب. إنه بالتأكيد ليس بالأمر السهل". المواجهة ستستمر إذا كانت الانتخابات الرئاسية قد حسمت في مصر فإن المواجهة ستستمر أمدا آخر سواء مع القوى المحلية المؤيدة للإخوان والتي إختار جزء منها أسلوب العمل المسلح الإرهابي لإسقاط النظام، والقوى الإقليمية والدولية الداعمة لها والتي تسعى بركوب الحركة الطبيعية للتطور السياسي في المنطقة لخلق حالة يسميها المحافظون الجدد الفوضى الخلاقة التي ستسفر حسب رؤياهم عن شرق أوسط جديد مكون من ما بين 54 و 56 دولة مبنية على أسس عرقية ودينية ومناطقية. مصادر رصد أوروبية تتوقع أن يستمر البيت البيض في ممارسة الضغوط على القاهرة لتبديل النظام أو على الأقل لإبقاء الإخوان في المعادلة السياسية سواء عبر تنظيماتهم القائمة أو تلك التي ستبرز تحت مسميات جديدة وذلك بإستخدام انصارهم داخليا وخارجيا. وقد كشفت دراسة أوروبية هولندية للمركز الاستقصائى التابع لها، عن هروب أكثر من 13 ألف عضو من جماعة الإخوان أو الذين يدعون الانتماء لها للعديد من دول أوروبا، وحصولهم على حق اللجوء السياسي في أكثر من 10 دوله. وأنه عقب منحهم الإقامة أصبحوا يحصلون على معونات اجتماعية تبدأ ب 1200 يورو شهريا. هؤلاء يقيمون روابط قوية مع منظمات أمريكية وقطر التي مدت حركة للأخوان نظمت لقاء في بروكسيل بأكثر من 150 مليون دولار قبل الانتخابات الرئاسية في مصر. المصادر الأوروبية تشير إلى أن الولاياتالمتحدة تحاول في المرحلة الراهنة الحد من تأثير التطورات المصرية على دول الجوار وخاصة ليبيا التي تريد واشنطن تحويلها إلى ساحة لتصدير الفوضى الخلاقة. على الطرف الآخر من المعسكرين المتصارعين في المنطقة يحظى السيسي بتأييد السعودية والإمارات والكويت التي ترى في جماعة الإخوان المسلمين خطرا عليها. وضخت الدول الثلاث مليارات الدولارات لمساعدة مصر على اجتياز الفترة الانتقالية والصمود اقتصاديا، وكذلك دعم روسيا القوي. وقال محمد زلفة عضو مجلس الشورى السعودي "يمكن لمصر والسعودية أن تعملا معا للتصدي للتهديدات سواء الداخلية مثل الإخوان أو الخارجية مثل إيران وأنصارهما في المنطقة. وأضاف "أعتقد أن السعوديين سيفعلون كل ما في وسعهم لدعم السيسي الآن بعد انتخابه لأن الشعب المصري يؤيده. يوم 31 مايو نقلت وكالة رويترو عن وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان قوله إن الامارات تتوقع المزيد من الاستقرار في مصر بعد فوز المشير عبد الفتاح السيسي بالانتخابات الرئاسية وانها ستواصل دعم مصر ماليا. وأضاف الوزير أن الإمارات لديها خطة لإنعاش الاقتصاد المصري ووضعه على المسار الصحيح. ومنذ يوليو 2013 تعهدت السعودية والكويت والإمارات بتقديم 12 مليار دولار في المجمل على هيئة قروض ومنح لمصر. وقال الشيخ عبد الله بن زايد للصحفيين إن الإمارات تريد شركاء دوليين لدعم جهودها لإصلاح الاقتصاد المصري المتعثر. وأضاف في مؤتمر صحفي في أبوظبي على هامش زيارة نظيره الألماني "نبحث عن شركاء من كافة إنحاء العالم سواء شركاء كألمانيا... أو مؤسسات مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي". وتابع ان المرحلة القادمة ستكون مختلفة. وأشار إلى أن المرحلة السابقة كانت فترة انتقالية لكن المرحلة التالية ستشهد المزيد من الاستقرار. وأجرت مصر مباحثات مع صندوق النقد الدولي خلال حكم الإخوان للحصول على قرض بقيمة 4800 مليون دولار لدعم الاقتصاد المتعثر منذ أحداث 2011 التي أثرت على السياحة والاستثمارات الأجنبية وهما مصدران رئيسيان للعملة الصعبة. وتراجعت أهمية هذا القرض عندما بدأت المساعدات المالية تتدفق من دول الخليج العربي. في ليبيا.. عن حجم التحدي الذي يشكله التحول في مصر على المخططات الأمريكية في المنطقة، كتب المحللان أولف ليسينج وفراس بوسلوم لوكالة رويترز يوم 26 مايو 2104 الذي صادف بدء الانتخابات المصرية: بطاقة الموظف الليبي محمد علي المهنية تحمل صورة الرجل الوحيد الذي يعتقد أنه قادر على إنقاذ بلده من التمزق .. قائد الجيش المصري السابق ومرشح الرئاسة الحالي عبد الفتاح السيسي. تستعد ليبيا للانتخابات لكن كثيرا من الليبيين سئموا منذ فترة أحزابهم التي أعيتها الصراعات السياسية بعد ثلاث سنوات من أسقاط نظام العقيد معمر القذافي. ويتطلع الليبيون إلى جارتهم الشرقية فقد فاض كيل الليبيين من الميليشيات والمتشددين الذين ملوا فراغا في السلطة بعد خمسة رؤساء وزراء ضعاف منذ 2011 وبات كثيرون منهم يرون في عودة حكم الرجل القوي كما هو الحال في مصر حلما منشودا. قال علي الذي وضع صورة السيسي على هاتفه المحمول أيضا "السيسي رجل رائع.. وطني ومسلم وعربي. يعيد الاستقرار ويتصدى للإرهاب". وأضاف "ساستنا لا يفكرون إلا في مصالحهم الشخصية. نتمنى لو أن لدينا أحدا مثل السيسي". شهدت الدولتان اضطرابات سياسية وإن كانت مصر قد تجنبت الفوضى التي اجتاحت ليبيا حيث انهارت مؤسسات الدولة بعد أربعة عقود من حكم القذافي وحرب استمرت ثمانية أشهر. هناك من الليبيين من ينتقد السيسي ويحمله المسؤولية عن أشرس حملة أمنية منذ عقود بعد عزل مرسي. لكن جلهم يرى في إزاحة مرسي نهاية سعيدة لعام رئاسي اتسم بالفوضى وفي أذهانهم صورة حكومتهم العاجزة وبرلمانهم الذي يهيمن عليه حزب متحالف مع الإخوان المسلمين. قالت أسماء سريبة وهي نائبة ليبية مستقلة "الموقف واحد في مصر وليبيا حيث يهاجم إرهابيون الشرطة والجيش". وأضافت "حرب الجيش المصري على الإرهاب جعلت كثيرا من الليبيين يرون في المؤسسات العسكرية المنقذ من الاغتيالات والانفجارات". ويرسم البعض أوجه شبه بين السيسي والقائد السابق للجيش الليبي خليفة حفتر الذي أعلن حربا على الإخوان وهاجم متشددين في بنغازي بالشرق بقواته، بل إن البعض يطلق عليه "سيسي ليبيا". عمر نجيب [email protected]