هذه الانتخابات كشفت خواء وهراء العقل السياسى فى البلد. هذه انتخابات خرج لها ملايين المصريين دون أى آلة سياسية أو مكنة انتخابية. هذه انتخابات لم يُدِرْها حزب فى شارع، حيث لا حزب، ولم يَقُدْها تيار فى البلد، حيث لا تيار سياسيا منظما. هذا العدد الذى نزل للتصويت دفعته الوطنية والمحبة وشعبية المرشحين وليس أى شىء آخر، لا سياسة ولا سياسيون ولا تنظيمات ولا أحزاب ولا جماعات ولا تيارات ولا التخين! لا يمكن أن تفهم حالة التنطع من بعض الأحزاب والتيارات والتنطيط، ويتشرَّطوا علينا، وقلة الحَيَا المصاحِبة لقلة الحيلة رغم الغياب المفجع للتأثير فى الشارع السياسى. أحزاب هوا وتيارات نفخ لا تجدها إلا فى مواقع النت وشاشات التليفزيون. هناك فارق هائل بين السياسة والانتخابات، وبين الانتخابات ويوم التصويت، يومَا الانتخابات كشفَا بما لا يدع مجالا للشك أننا أمام فراغ سياسى مرعب، هناك اهتمام مفرط من المصريين بالسياسة لكن لا توجد كيانات سياسية محركة محرضة تحشد وتحفز وتسهل وتدير وتوجد وتؤثر وتغير وتمثل وزنًا يتعمل حسابه. لا هؤلاء الذين أيَّدوا السيسى ولا هؤلاء الذين ناصروا حمدين. كله على ما تفرج. وهو ما ينبئ بأن معركة مجلس النواب ستكون نهاية لأكثر من تسعين فى المئة ممن يثرثر منذ «25 يناير» بأنهم قوى سياسية أو ثورية. كما يجب أن يفهم الفائز فى انتخابات أمس أنه لن يستطيع أن يدير البلد وهو هكذا يعانى من الكيانات السياسية التافهة والمفكوكة، فالشعب المصرى مهتم ومهموم لكنه غير قادر على تنظيم نفسه، ومهما كانت شعبية الرئيس القادم أو تصوره عن شعبيته فهى مرشحة للتناقص مع الاحتقان الاقتصادى والأداء اليومى الخدمى والحكومى ولا يمكن أن يكون كل سلاح الرئيس القادم سياسيا وجماهيريا، خطبة أو برنامجا تليفزيونيا يظن بعده أن الجماهير ستخرج مؤيدة أو ستستجيب ملبّية. ثم الأخطر من ذلك كله أن الأرض الخالية تغرى بالحشائش الضارة، والفراغ التنظيمى الرهيب الذى كشفته انتخابات الرئاسة يهدد بعودة الإخوان الإرهابيين، صحيح أن هذا يحتاج إلى وقت ويتطلب إعادتهم من رميم العظام، لكن تذكروا أن عبد المنعم أبو الفتوح وعددا من عجائز الإخوان فعلوها فى السبعينيات بعدما أطلقهم السادات. لا يمكن أن يحكمنا رئيس وبرلمان دون تيارات وكيانات سياسية... هذه حقيقة أتمنى أن لا تتوه وسط صيحات النقوط فى زحمة الفرح.