أظهر النتائج الرسمية لرئاسيات أبريل 2014 بالجزائر، على ما يحوم حولها من التهم بالتزوير، تراجع عدد المصوتين لبوتفليقة، بحوالي 5 ملايين صوت، مقارنة بانتخابات 2009، وهو معطى هام يُبين انخفاض شعبيته إلى أدنى مستوياتها في ظل غياب مؤسسات استطلاع الرأي في الجزائر. كما تظهر مقارنة نسبة المشاركة في هذه الانتخابات التي لم تتعد 51 بالمائة، مع باقي نسب المشاركة في العالم، "زيف" التبريرات التي ساقها وزير الداخلية الجزائري في الرد على ضعف النسبة المعلنة. من ذلك ما تطرقت له منابر إعلام محلية بالجزائر، التي أشارت أنه خلافا لما اعتادت عليه شعوب العالم المتحضرة، تغيب عن الحياة السياسية في الجزائر مؤسسات استطلاع الرأي، التي تبرز توجهات الرأي العام الكبرى، وتقيس شعبية رجال الحكم ومدى الرضا العام عن سياساتهم وخياراتهم الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يجعل من الانتخابات الوسيلة الوحيدة في الجزائر التي يمكن من خلالها معرفة ما يدور في "العقل الجمعي" للجزائريين. وأضافت ذات الوسائل، أن التطرق لعدد الأصوات التي حصل عليها الرئيس بوتفليقة في رئاسيات 2014 مقارنة مع تلك التي حصل عليها في 2009، يتضح أن الفارق سلبي بنحو 4 ملايين و579 ألف و107 صوت، ما يعني تراجعا واضحا في عدد المقتنعين ببقاء الرجل رئيسا للدولة لعهدة رئاسية رابعة. وكان بوتفليقة قد حصل في انتخابات 2014 على 8 ملايين و332 ألف و598 صوتا، بينما حصل في انتخابات 2009 على 12 مليونا و911 ألف و705 صوت. حسب النتائج التي يشكك خصومه في مصداقيتها دائما. والمثير للانتباه أن بوتفليقة، لم ينجح في تحصيل حتى عدد الأصوات التي نالها في انتخابات 2004، والتي كانت في حدود 8 ملايين و651 ألف و723 صوت، رغم الفارق الكبير في الهيئة الناخبة التي بلغت في ذلك الوقت 18 مليون ناخب، بينما فاقت في رئاسيات 2014، 21 مليونا و871 ألف ناخب. وباعتماد هذه الأرقام الرسمية رغم التشكيك الواسع الذي يطالها من قبل المعارضة، يتبدى أن خطاب أنصار بوتفليقة الذي يركز دائما على وجود علاقة خاصة بين الرئيس وشعبه، تجعلهم ينتخبونه مهما كانت الظروف، هو مجرد خطاب عاطفي ليس مبنيا على معطيات دقيقة، قياسا إلى أن فئة عريضة ممن اعتادوا انتخابه، قد نزعوا إلى المقاطعة في هذه الانتخابات أو اختيار أحد منافسيه أو إلى الأوراق البيضاء والملغاة التي وصل مجموعها إلى 900 ألف. ويعزو مراقبون هذا الانخفاض المسجل في كتلة الرئيس المعتادة، إلى الاضطرابات الاجتماعية الكبيرة التي ميزت عهدته الثالثة، وإلى حالة الاقتصاد الضعيفة ومناصب العمل الهشة التي تم استحداثها، فضلا عن الحالة الصحية للرئيس بوتفليقة، والتشكيك الواسع في مقدرته على الاستمرار في الحكم، وعدم اقتناع الجزائريين بالخطاب التخويفي الذي اتخذه أنصاره كدعامة أساسية للتمكين له 5 سنوات أخرى. ولا يبدو أن الرئيس بوتفليقة الذي ينتمي إلى فئة الرؤساء الكارزميين الذين يؤثر فيهم بشكل بالغ تراجع شعبيتهم، سعيد بهذا الرقم الهزيل الذي حققه، بما يحمله من رسائل واضحة لا لبس فيها عن عدم رضا غالبية الجزائريين عن سياسته. قطب وطني لمناهضة بوتفليقة في ذات السياق، أعلن رئيس الحكومة السابق والمنافس الرئيسي لبوتفليقة في الانتخابات الأخيرة، علي بن فليس إلى جانب ورؤساء 13 حزباً سياسياً جزائريا عن تأسيس كتلة "القطب الوطني للتغيير". التي أعلن بيانها التأسيسي عن عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت يوم الخميس الماضي، ووصفها "بالانحراف الخطير والتزوير الشامل والمفضوح، واستعمال المال الفاسد وتجنيد قنوات مأجورة ساهمت في إفساد الموعد التاريخي وتضييع فرصة أمام التغيير السلمي والديمقراطي". ووصفت هذه الأحزاب النتائج بأنها "السطو على الإرادة الشعبية وأخذت شكل توزيع فوقي لحصص واعتماد أسلوب غير أخلاقي لضمان ديمومة النظام". وكان علي بن فليس قد رفض الجمعة الماضي الاعتراف بنتائج الانتخابات الرئاسية، وحصل فيها على 12 بالمائة من المصوتين، فيما حصل الرئيس بوتفليقة على نسبة 81.53 بالمائة من الأصوات. وأعلن ذات البيان، عن عدم الاعتراف بالرئيس المنتخب "واعتبار السلطة القائمة سلطة فعلية فرضها التزوير وسيتم التعامل معها على هذا الأساس، حتى العودة الى الشرعية الشعبية". ويضم القطب حزب علي بن فليس (قيد التأسيس)، وحزب الفجر الجديد وحزب الأمل وحزب الجزائرالجديدة وحزب العدل والبناء وحركة الإصلاح الوطني، وحزب اتحاد القوى الديمقراطية والتيار الديمقراطي والحزب الوطني الجزائري والجبهة الوطنية للحريات، وحزب الوطنيين وحركة الانفتاح وجبهة النضال الديمقراطي وحركة الوطنيين الأحرار. وأعلنت هذه الأحزاب العصيان السياسي، ورفض المشاركة في أي مسعى سياسي يقوم به الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، كما أعلنت فتح حوار مع الطبقة السياسية للتوافق على مشروع تغيير سياسي واقعي.