دفعني كتاب الأستاذ محمد صالح السبتي عن انشقاق الشيخ أحمد السكري وكيل جماعة الاخوان عام 1947 وانتقاداته الحادة التي وجهها الى الشيخ البنا الى تقليب دفاتري القديمة، أبحث فيها عن هؤلاء الذين فرُّوا من التنظيم الاخواني الحديدي، وهل كان لأحدهم أو بعضهم تأثير أو وجود في الحياة العامة، والذي يدفعني الى هذا ان أدبيات جماعة الاخوان التي بثها في روعهم حسن البنا تؤكد ان الفرد مهما كان علمه فهو لا شيء خارج الجماعة، هو بالجماعة فقط، أما من غيرها فهو كما قال مصطفى مشهور: مجرد ورقة يابسة وقعت من غصن شجرة مورقة هي شجرة الاخوان ولأن هذه الورقة اليابسة وقعت على الأرض فسوف تذروها الرياح وتطؤها الأقدام! وفي داخل التنظيم على مدار أجيال وأجيال كنا نسمع عبارات خالدة منها: الجماعة بك أو بغيرك، أما أنت فبغير الجماعة لا شيء، ومع ذلك وبرغم هذه الأدبيات الخاطئة الموغلة في الشوفينية خرج من الجماعة أفراد كانوا في الجماعة لا شيء وعندما خرجوا وتنسموا نسيم الحرية أصبح الواحد منهم أمة، بحيث ان الجماعة كلها بطابورها الطويل الممتد من العبيد هي التي لا شيء بالنسبة له. من هؤلاء الذين انشقوا عن الجماعة الشيخ محمد الغزالي رحمه الله وهو العالم الفقيه المجدد والذي لم يكن أحد من الشعب المصري يعرفه حين كان في قلب هذا التنظيم، وقد حاربته الجماعة بعد خروجه منها في أواخر الأربعينيات حتى أنه كتب عن هذه الحروب في كتابه «من معالم الحق» وأشار الى ان أفراد الجماعة كانوا يتهمونه بالمروق من الاسلام لمجرد أنه خرج من الجماعة، وقص علينا كيف أنه كان يتعرض منهم للسباب والتخوين، واستدار الزمن، فإذا بالجماعة ولا فقهاء فيها ولا دعاة، واذا بالشيخ الغزالي قد أصبح واحدا من أعلام الدعوة، فكانت الجماعة تسير تحت معطفه لتكتسب من خلال شعبيته أنصارا لها مدعية ان الغزالي مازال في الاخوان، وكانت تتعاقد معه على طبع كتبه، ولايزال العلم الذي كتبه الغزالي في كتبه قائما بين أيدينا مؤثرا في أفئدتنا وعقولنا، وجماعة الاخوان بقضها وقضيضها لا علم فيها ولا علماء. ومع الشيخ الغزالي رحمه الله خرج الشيخ سيد سابق رحمه الله صاحب الكتاب الشهير فقه السنة، وكما تعرض الغزالي لهجوم من الاخوان تعرض سيد سابق، فاتهموه في دينه وناصبوه العداء زمنا، فلما أصبح كتاب سيد سابق «فقه السنة» هو الكتاب الذي اختارته الأسرة المصرية، بل الأسرة العربية كلها، ليكون في مكتبتها تنهل منه بعض المفاهيم الفقهية اذا بالاخوان يقبلون التراب من تحت أقدامه، ويسعون الى المساجد التي يلقي فيها دروسه ليقتنصوا من ورائه بعض مريديه من الشباب الصغير فيجندونهم ويلحقونهم بالجماعة. ولك ان تتحدث عن الشيخ الامام الفقيه أحمد حسن الباقوري الذي كان من الممكن ان يكون مرشدا للجماعة، ولكن الله حفظه فأصبح لمصر كلها بل للعالم المسلم كله، واستعان به الرئيس جمال عبد الناصر ليكون وزيرا في عهد الثورة وراعيا لحركة اسلامية تجديدية، ومع الشيخ الباقوري الدكتور عبدالعزيز كامل الذي كان حسن البنا يرى فيه النبوغ والعبقرية فأنجاه الله من براثن الجماعة وأصبح وزيرا للأوقاف في عهد عبد الناصر، وفي عهده تمت ترجمة القرآن الكريم الى لغات مختلفة، وانشاء اذاعة القرآن الكريم، وقد قدم للدعوة الاسلامية الكثير والكثير وأخرجت له المكتبات كتبا أصبحت ذات تأثير كبير، وكان عبدالعزيز كامل رحمه الله أنفع للأمة كلها بعلمه، وجماعة الاخوان لا علم فيها. وفي العصر الحديث هناك الدكتور السيد عبد الستار المليجي الأمين العام السابق لنقابة العلميين والذي كان من أبرز أعضاء قسم المهنيين وكان يدير ملف نقابة العلميين، والمليجي هو أول من واجه الجماعة بسيئاتها وانفلاتها، وهو الذي كشف عن النظام الخاص الذي تحكم في الجماعة، وحين ترك الجماعة أصبح أكثر أعضاء حركة «كفاية» نشاطا وفاعلية، وكان أحد الرموز التي شاركت في الثورة الأولى، وفي الثورة على الاخوان، ومع المليجي مختار نوح الذي يؤسس الآن حركة علمية تستهدف مواجهة التطرف والتكفير، وأظن ان صفحات الجريدة من الممكن ان تنتهي ولا أنتهي أنا من الحديث عن الأفذاذ الذين تركوا الجماعة، والجماعة فقيرة، بحيث كانت بهم، وهي من غيرهم لا شيء.