مثلما أن إسرائيل خلقت لكي تكون في البدء والمنتهى صمام أمان للدول الغربية والولاياتالمتحدة على وجه الخصوص وسط محيط عربي متلاطم يعج بحركات التحرر الفلسطينية والعربية، وفزاعة في حقل ملغوم، كذلك حاولت قطر أن تجعل من مصر نقطة الإرتكاز التي تنطلق منها لتنفيذ أجندتها الخارجية القائمة على زرع بذور الفوضى الخلاقة، بتوابل قطرية، بعيدا عن المبدأ الذي رسمته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس عن تلك الفوضى والذي لخصته بقولها في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001:" إن الوضع الحالي ليس مستقراً، وأن الفوضى التي تنتجها عملية التحول الديمقراطي في البداية، هي فوضى خلاقة، ربما تنتج في النهاية، وضعاً افضل من الذي تعيشه حاليا". ومن المؤكد أن قطر لم ولن يهمها استتباب الأوضاع العربية بعد خلق أسباب التوتر والإقتتال، وإنما هي تسعى إلى الإبقاء على حالة الدمار والتشرذم، كي يتسنى لها التحكم في الأوضاع والظهور بمظهر المتحكم في مقاليد الأمور. ولم تجد الدوحة أفضل من مصر لكي تنفذ خططها تلك اعتبارا لكون بلد الأهرامات شكلت على مر التاريخ العربي، عاملا محوريا في الصراعات العربية الإسرائيلية، والتقلبات السياسية الداخلية ذات التأثيرات الخارجية، والتي أفضت إلى بروز تيارات القومية العربية والتيارات الإسلاموية، خاصة وأن مصر تحتل موقعا جيوسياسيا، يكفل لها أن تلعب دورا مفصليا في تقلبات العالم العربي من محيطه إلى خليجه. وهذا مانتبهت إليه الولاياتالمتحدة وإسرائيل حينما بذلتا كل ما في وسعهما لتحييد الجانب المصري في دفة الصراع العربي الإسرائيلي، وتأتى لهما ذلك بفضل اتفاقيات كامب ديفيد وإبرام معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية. وعلى الرغم من أن فصول ما سمي الربيع العربي انطلقت بواذره من تونس الخضراء، فإن قادة الدوحة راهنوا على مصر كنقطة انطلاق حاسمة في إرساء حكم الإخوان، عبر مختلف الربوع العربية، لأنهم شكلوا دوما حبة حصى في قدم السلطات المصرية، وخبروا أنواع الصراع وفنون القتال، خاصة إبان حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي تعرض إلى محاولات اغتيال من تدبير جماعة الإخوان. واعتمدت قطر على هذا الرصيد الإخواني كي تهيء الأرضية الملائمة لاستيلائهم على مقاليد السلطة في مصر، ولو أن ذلك تم شكليا في صورة ديموقراطية عبر صناديق الإقتراع، غير أن تسخير الآلة الإعلامية الجهنمية تقودها قناة الجزيرة، أعطت الإنطباع المغلوط لدى الشعب المصري كما لو أن التيارات الإسلامية هي التي تزعمت ثورة 25 يناير، فكان سهلا اقتناص الأصوات في الإنتخابات الرئاسية التي أوصلت محمد مرسي ممثلا للإخوان إلى سدة الحكم. غير أن مصر القوية بتاريخها وشعبها وجيشها أبت الإنسياق مطولا أمام هذه الخدع العابرة، فثارت على حكم الإخوان انتظاراً لرئاسيات مقبلة أكثر نزاهة وشفافية.