يضع البعض فارقاً بين حسن البنا وسيد قطب، فيقولون إن الأول كان وسطياً معتدلاً، في حين كان الثاني متطرفاً وتكفيرياً، والحقيقة غير ذلك، فهذا كذلك، كل ما في الموضوع أن البنا قال عبر رسائله إن المجتمع الذي نعيش فيه كافر وإننا يجب أن نعد العدة ذات يوم للانقلاب عليه، ومقاومته بالقوة، وأظنني عرضت من قبل في العديد من المقالات فقرات من رسائل البنا التي تؤكد هذا المعنى، أما سيد قطب فلم يقف عند تكفير المجتمع فقط، ولكنه أجاب عن: لماذا هذه المجتمعات كلها كافرة؟. في مقدمة كتابه الأشهر في ظلال القرآن نظر سيد قطب الى نفسه ثم الى العالم، فجعل من نفسه في مكانة علية سامقة لا يقترب منها بشر، وجعل العالم كله أسفله، فقال «عشت في ظلال القرآن أنظر من علو الى الجاهلية التي تموج في الأرض، والى اهتمامات أهلها الصغيرة الهزيلة، انظر الى تعاجب أهل هذه الجاهلية بما لديهم من معرفة الأطفال، وتصورات الأطفال، واهتمامات الأطفال، كما ينظر الكبير الى عبث الأطفال، ومحاولات الأطفال. ولثغة الأطفال، وأعجب ما بال هذا الناس؟! ما بالهم يرتكسون في «الحمأة الوبيئة» كشف قطب في مقدمته عن غروره وتعاليه، ثم كشف عن رؤيته للعالم كله، شرقه وغربه مسلمه وكافره، هو عند نفسه يجلس في مكان مرتفع، وكل البشر من دونه كالأطفال، حضارات العالم وثقافته، وتصوراته هي تصورات جاهلة كتصورات الأطفال. كانت تلك هي النفسية التي صاغت نظرية الإسلام السياسي، نفسية متعالية حاقدة على البشرية كلها، ثم إذا بقطب يسترسل عن العالم كله قائلا: (نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو اظلم.كل ما حولنا جاهلية.. تصورات الناس وعقائدهم، عاداتهم وتقاليدهم، موارد ثقافتهم، فنونهم وآدابهم، شرائهم وقوانينهم. حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية، ومراج إسلامية، وفلسفة إسلامية، وتفكيراً إسلامياً.. هو كذلك من صنعت هذه الجاهلية) هكذا كان قطب يرانا، كلنا أهل جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام في بدايته، حتى ما نظن أنه فكر إسلامي أو ثقافة إسلامية هو عند قطب جاهلية!. ثم يستطرد قطب قائلا: (ولكن ما هو «المجتمع الجاهلي»؟ وما هو منهج الإسلام في مواجهته؟ ان المجتمع الجاهلي هو كل مجتمع غير المجتمع المسلم! واذا أردنا التحديد الموضوعي قلنا: انه هو كل مجتمع لا يخلص العبودية لله وحده.. متمثلة هذه العبودية في التصور الاعتقادي، وفي الشعائر التعبدية، وفي الشرائع القانونية.. وبهذا التعريف الموضوعي تدخل في إطار «المجتمع الجاهلي» جميع المجتمعات القائمة اليوم في الأرض فعلاً) يضع قطب بكلامه هذا تعريفا يجعل من كل مجتمعات الدنيا بما فيها مجتمعات المسلمين مجتمعات جاهلية وحين يتحدث عن الإسلام يقول (انه غير موجود منذ قرون كثيرة، فقد طُمس الحق، وأصبحت القضية ليست هي غياب الجهاد ولكن القضية هي غياب الإسلام). هذه هي الركائز التي أقام عليها قطب فكره، أما سبب كل ما نتهى اليه هي أنه يعتبر ان البشرية تتحاكم الى غير ما أنزل الله، وأن الحاكمية هي المعيار الذي يجعل من هذا مسلماً وذاك كافرا، ولكن قطب بما انتهى اليه خالف كل علماء المسلمين، اذ أنه لم يضع فارقا بين الدين والتدين، الدين وفهم الناس للدين، فصحيح «ان الحكم الا لله» ولكن بأي فهم يكون الحكم لله، بفهم عبدالله بن عباس أو عبدالله بن عمر، بفهم أبو حنيفة أو بفهم ابن حنبل، فالنص الديني واحد ومقدس، ولكن أفهام الناس للنص تتعدد وتختلف، والمعنى الواضح لأن الحكم إلا لله هو أن العبادة إلا لله، فالحكم هنا لغة جاء في مقام العبادة. ثم كيف اختفى الإسلام من الدنيا منذ قرون كثيرة، ان قول قطب في هذا الصدد يحمل تكذيبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال: «ان الله يبعث على رأس كل مائة من يجدد للأمة أمر دينها» الرسول هنا يخبرنا ان الإسلام لن يغيب أبدا وأنه سيظل قائما وأنه كلما استجدت أحداث تجعل من الضروري تجديد فهمها للدين أرسل الله لها من يقوم بهذا الأمر، ثم كيف يستقيم قول قطب بغياب الإسلام منذ قرون والرسول هو خاتم النبيين، ذلك أنه عندما يطمس على الحق يرسل الله للبشرية رسولا يعيد الحق لها مصداقا لقوله «وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا» وطالما أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين إذن يجب أن يظل الحق قائماً لا يغيب عن الأمة أبدا. هذه مناقشة سريعة لبعض أفكار التكفير التي تعيش عليها جماعة الإخوان حاليا وسنستمر في هذه المناقشة في مقالات قادمة بإذن الله.