لاجدال في أهمية المعرض الدولي للكتاب الذي دأبت وزارة الثقافة على إقامته كل سنة، فهو مناسبة للتشجيع على القراءة والبحث والإطلاع، وتحفيز الناشئة على أن يتخذوا من الكتاب خير رفيق ومؤنس وصديق لهم في كل مراحل حياتهم. لكن وعلى مدى السنوات الماضية من عمر هذا المعرض الهام، نتساءل عما إذا حقق القائمون عليه بعض الأهداف المتوخاة من تنظيمه؟ وهل ارتفع مؤشر الإقبال على الكتاب؟ وهل ارتفع عدد المطبوعات في دور النشر؟. بكل أسف فالأرقام والمؤشرات والإنطباعات الواردة من أصحاب المكتبات وأصحاب دور النشر تظل سلبية، وكلها تؤكد على تدني نسبة الإقبال على الكتب بشكل يدعو للقلق. نحن شعب لايقرأ ولايهتم بالكتب، ويكاد المواطن المغربي لايدرج في اهتماماته شيئا اسمه الكتاب والمجلات والصحف، والأرقام التي تصدرها المؤسسات المعنية عن نسبة مبيعات الصحف والكتب مخجلة بل مبكية، وتتطلب وقفة تأمل عميقة، ودعوة سريعة إلى تنظيم أيام وطنية لدراسة هذا الوضع الذي لايتناسب مع ما يصبو إليه المغرب من تقدم وازدهار. الأطفال على العموم لايقرأون، وينشأون على هذه الحالة ويواصلون تعليمهم في الإعدادي والثانوي على نفس النمط، وخلال المرحلة الجامعية ينصب اهتمامهم على المقررات الدراسية، حتى إذا ما أنهوا دراساتهم تجدهم من ذوي الشهادات، ولكن من دون ثقافة. لماذا هذا الخوف الخطير عن القراءة؟ الجواب عن هذا السؤال تتداخل فيه الأسرة والمدرسة والمحيط العام، لكنني أحمل المسؤولية للمدرسة أولا والأسرة ثانيا. أطفالنا بحاجة إلى حصص أسبوعية تخصص لتلقين فنون قراءة الكتب والبحث في المعاجم، هم بحاجة إلى أساتذة يحبون القراءة يحبّبُوها لهؤلاء الأطفال ، هم بحاجة الى مكتبات داخلية في أقسامهم يشرف عليها أساتذتهم، هم بحاجة الى مكتبة مركزية في مدارسهم، وبكل أسف فما نلاحظه اليوم إن هو إلا مظاهر وشكليات لذر الرماد في الأعين، فهناك بعض المكتبات في بعض المدارس، غير أن القائمين عليها يتمنون أن لايضطر أحد التلاميذ إلى زيارتها حتى لايوقظهم من سباتهم. وأصبح معظم الأساتذة يعلمون الحساب والجغرافيا والتاريخ وباقي المواد دون أن يبرزوا لتلاميذهم أهمية اقتناء الكتب ومطالعتها. والعزوف عن القراءة غير مقتصر على التلاميذ والطلبة، بل امتدت العدوى الى بعض الأساتذة، وقد حكى لي صديق يعمل أستاذا في الجامعة أنه اكتشف أن العديد من زملائه الجامعيين لايقرأون، وحتى إذا ما قرأوا فإنهم يقتصرون على قراءة ما يواجهون به الطلاب في إطار المقرر الدراسي الجامعي. المكتبات لم تعد سوى الكتب والمراجع الدراسية، وصار من النادر أن يزورها أحد لاقتناء رواية أو ديوان شعر أو مرجع عام، لدرجة أن بعض أدبائنا وشعرائنا لايغامرون بطبع أعمالهم ونشرها لأن الخسارة مضمونة. رحم الله أيام زمان، حين كنا في عهد الصبا نتداول بيننا قصص كامل كيلاني وعطية الأبراشي، ورحم الله أياما كنا نتبادل فيها كتب «الأيام» لطه حسين، وسيرة أحمد أمين وروايات توفيق الحكيم، ورحم الله أساتذتنا وأطال عمر الآخرين ، أولئك الذين كانوا يحثوننا على القراءة وتداول الكتب، كانت مدرسي تضم مكتبة لايكاد يمر يوم دون أن نلجأ إليها للمطالعة، وكانت كل الأقسام تضم مكتبة رأسمالها كتاب من كل تلميذ. نعم نحن شعب لايقرأ، وعلينا معالجة هذا الوضع الخطير. كلنا مسؤولون... الأسرة والمدرسة ووزارة التربية والجماعات المحلية، كل من موقعه، وإلا فإن إقامة معارض دولية للكتاب تظل ظاهرة فولكلورية، فما هي نتيجة معارض سنوية للكتاب بلغت العشرين لحد الآن دون أن يظهر مؤشر طفيف على درجة إقبال المواطنين على القراءة. بالمناسبة، أتذكر معادلة غريبة في مجال السينما، ذلك أننا نلاحظ أنه كلما ارتفع عدد المهرجانات السينمائية بالمغرب ازدادت نسبة إقفال القاعات السينمائية لدرجة أن عددها بالمغرب الآن لايتجاوز أربعين قاعة (!!)