اختتمت الدورة التشريعية الخريفية 2013- 2014 بحصيلة تشريعية تستدعي الوقوف مليا عند مكامن القوة والضعف في مسار العمل التشريعي وآلياته ومساطره وعلاقته بنظام الثنائية البرلمانية المعقد كما أقره دستور 1996 وكرسه الاصلاح الدستور الذي عرفته البلاد في 2011، وذلك بالنظر لعدد القوانين التي صادق عليها البرلمان خلال هذه الدورة، والذي لم يتجاوز 26 قانونا، منها مقترح قانون واحد يتعلق بتعديل الفصل 475 من القانون الجنائي، في الوقت الذي صادق فيه مجلس النواب على 46 قانونا، منها 3 قوانين تنظيمية ومقترحين قانونيين وقانون إطار واحد، بينما صادق مجلس المستشارين على 26 قانونا، مع العلم أن عدد مشاريع القوانين التي لازالت قيد الدراسة لدى البرلمان 51 مشروع، 23 منها لدى مجلس النواب و49 لدى مجلس المستشارين، بينما وصل عدد مقترحات القوانين التي تنتظر الدراسة بالمجلسي 111 مقترح قانون 98، منها لدى مجلس النواب و13 لدى مجلس المستشارين، الأمر الذي يطرح إشكالية نظام الثنائية البرلمانية المعقد الذي لازالت سلبياته تنعكس على العمل التشريعي. والى جانب نظام الثنائية البرلمانية المعقد، فقد عمل دستور 2011 على تكريس مبدأ العقلنة كما استوحته الدساتير المغربية من دستور الجمهورية الخامسة الديغولي لسنة 1958، وذلك من خلال عدة آليات دستورية، بما فيها تحديد مجال التشريع بمقتضى الفصل 71 من الدستور لتبقى المجالات الاخرى من اختصاص الحكومة كما ينص على ذلك الفصل 72 من الدستور، مع إعطاء الحكومة الحق في حماية مجالها التنظيمي من خلال الدفع بعدم قبول كل مقترح أو تعديل لا يدخل في مجال القانون وفقا لأحكام الفصل 79 من الدستور، وكذا رفض المقترحات والتعديلات التي يتقدم بها أعضاء البرلمان إذا كان قبولها يؤدي، بالنسبة لقانون المالية الى تخفيض الموارد العمومية أو إلى احداث تكليف عمومي أو الزيادة في تكليف موجود كما يقضي بذلك الفصل 77 من الدستور الذي طالما استعملته الحكومة بشكل تعسفي لمصادرة حق أعضاء البرلمان في تعديل مواد مشروع القانون المالي، بل ذهب المشرع الدستوري بعيدا لتعزيز مبدأ العقلنة بإعطاء الحكومة ، الحق في تقديم المبادرة التشريعية حتى في المواد التي يشملها اختصاص القانون على قدم المساواة مع أعضاء البرلمان كما نص على ذلك الفقرة الأولى من الفصل 78 من الدستور. ولم يقتصر هذا التداخل في المجال التشريعي على حساب البرلمان على هذا الحد، بل توسعت قاعدة التشريع لدى الحكومة بإعطائها امكانية اصدار، خلال الفترة الفاصلة بين الدورات، وباتفاق مع اللجان التي يعنيها الامر في كلا المجلسين، مراسيم قوانين، يجب عرضها بقصد المصادقة عليها من طرف البرلمان، خلال دورته العادية الموالية، كما ينص على ذلك الفصل 81 من الدستور، وكذا اتخاذ، في ظرف من الزمن محدود، ولغاية معينة، بمقتضى مراسيم تدابير يختص القانون عادة باتخاذها. وتبقى الفقرة الاولى من الفصل 82 من الدستور القلب النابض لعقلنة العمل التشريعي بإعطاء الحكومة الحق في التحكم في جدول أعمال مجلسي البرلمان الذي يضعه مكتبهما ويجب ان يتضمن مشاريع القوانين ومقترحات القوانين بالأسبقية ووفق الترتيب الذي تحدده الحكومة، مقابل هذه الآليات الدستورية التي جاء بها الدستور لتكريس مبدأ عقلنة العمل التشريعي لصالح الحكومة، جاء المشرع الدستوري بأداة محتشمة للتخفيف من الهيمنة الحكومية على التشريع ومحاولة تجاوز التعامل السلبي للحكومة مع مقترحات القوانين منذ أول تجربة نيابية عرفتها البلاد في سنة 1963، وذلك من خلال التنصيص في الفقرة الثانية من الفصل 82 من الدستور السالف الذكر على تخصيص يوم واحد على الأقل في الشهر لدراسة مقترحات القوانين، ومن بينها تلك المقدمة من قبل المعارضة، مع العلم أن الأمر لا يعد وأن يكون مجرد "دراسة" فقط، وليس الدراسة والبت بالإضافة الى ان موضوع الدراسة وطبيعتها ومستواها يبقى غامضا مادام المشرع الدستوري لم يحدد نطاق هذه الدراسة على مستوى اللجان النيابية الدائمة او على مستوى الجلسات العامة. ومع ذلك، فإن البرلمان لم يتمكن لحد الآن من استغلال هذا المقتضى الدستور الجديد واستثماره بشكل ايجابي من اجل تعزيز دور البرلمان في التشريع من خلال المصادقة على مقترحات القوانين التي يتقدم بها أعضاؤه بما يضمن مساهمتهم الفعلية في التشريع بدل الاقتصار على مشاريع القوانين التي تحيلها الحكومة على السلطة التشريعية، خاصة وأن النظام الداخلي لا يلزم حضور الحكومة خلال مناقشة مقترحات القوانين على مستوى اللجان النيابية الدائمة وموافقتها على مضامينها. فإلى أي مدى يرتقي العمل التشريعي لمتطلبات التفعيل السليم للدستور الجديد ؟ والى أي حد يستجيب لتحديات المرحلة التأسيسية بما يضمن تكريس التحول الديمقراطي وربح رهانات البناء الديمقراطي بأبعاده السياسية والحقوقية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية ؟ والى أي مدى تمكن البرلمان من استيعاب توجهات واختيارات الاصلاح الدستوري الجديد بكل ما يقتضيه تأهيل وتحسين الاداء البرلماني وتطويره بعيدا ممارسات الماضي ؟ وإلى أي حد تمكن البرلمان من التخلص من سلبيات العقلنة بما يخدم تحيين الترسانة القانونية وتحسينها ؟ لقد عانت التجارب النيابية المغربية من رواسب عقلنة العمل التشريعي التي كرسها الدستور الجديد مع الاسف ضدا على روح الاصلاح الدستوري والسياسي وتوجهاته واختياراته عندما ارتقى البرلمان الى سلطة تشريعية وما يتطلب ذلك من ضرورة تجاوز سلبيات هذه العقلنة بما يضمن إعطاء الممارسة البرلمانية مدلولها الحقيقي يصبح معها البرلمان القلب النابض للديمقراطية، وذلك من خلال التعاون المثمر و البناء بين السلطتين التشريعية والتنفيذية والتفعيل الجدي والذكي لأحكام الفقرة الثانية من الفصل 82 من الدستور بتكثيف دراسة مقترحات القوانين والمصادقة عليها ما دام الهدف واحد يتمثل في جعل الادوات القانونية في خدمة التنمية في شموليتها.