إلى وقت قريب كانت تنعت مدينة المحمدية بمدينة الزهور،لكن حالها الأن بعدما ابتلت برجال سلطة بعيدين كل البعد بممارساتهم عن المفهوم الجديد للسلطة،وعلى رأسهم عاملة الاقليم وباشا المدينة،جعل هذه الزهور تذبل وتختفي ليحل محلها علقم يتجرع مرارته مواطنون تحاصرهم كل مظاهر البؤس و الحرمان والإقصاء بدواوير صفيحية عجزت «عبقرية» المسؤولين المحليين عن إيجاد حلول منصفة ونهائية. إن الوضع بالمحمدية ،وبدون أي مبالغة، يعيش على إيقاع احتقان اجتماعي خطير قد ينفجر في أي لحظة وحين ،بعدما وصلت الأوضاع المزرية بأناس الى عدم التفريق بين حياتهم و موتهم. وفي الوقت الذي كان من اللازم على عاملة الاقليم الحرص على اداء واجبها الذي قلدت به على الوجه المطلوب،فإنها تصر على غلق باب مكتبها عليها و اللامبالاة بانشغالات و هموم المواطنين. أما مساعدها المقرب ،أي باشا المدينة،فقد صارت تجاوزاته وتسلطه وفضائحه على كل لسان دون أي حسيب ولا رقيب،و آخر فضائحه ما نشرته جريدة وطنية يوم الثلاثاء الأخير بعنوان بارز يقول» ملف دعارة يورط باشا المدينة» وهو الملف الذي من المنتظر أن يعرف تطورات خطيرة. وقد كانت لجريدة «العلم»زيارة تفقدية لعدد من الدواوير الصفيحية بالمحمدية،التي تفتقر إلى كل مظاهر التنمية البشرية،وتشكل وصمة عار في «مغرب «2013،ولعل الجملة التي تتكرر لدى كل من استجوبناهم هو أن ملاذهم الاخير يبقى جلالة الملك محمد السادس لينقذهم من بؤسهم ،وتسلط رجال السلطة في حقهم،ومعاقبة كل المتجاوزين إعمالا بما جاء في الدستور الجديد «ربط المسؤولية بالمحاسبة». ظروف الحياة بدوار»الصحراوية» لا يرضى بها الحيوان فبالأحرى الانسان توقفت جريدة «العلم»رفقة مفتش حزب الاستقلال الأخ أحمد كحيل، في بادئ الأمر بدوار «صحراوية» وبسرعة البرق تحلق حولنا مجموعة من السكان عندما علموا بأننا بصدد مهمة صحفية،رجال ونساء من مختلف الأعمار وملامح أوجههم تنطق بمدى القهر الذي يعيشونه، وكلهم أمل في أن نوصل صوتهم و معاناتهم الى من يهمهم الأمر بعد ان طواهم النسيان والتهميش لسنوات،ويقول أحدهم إن جل القاطنين محرومون من شهادة السكنى ،ولا يحصل عليها إلا من استسلم و رضخ لمطالب وابتزاز بعض رجال السلطة بالقيادة حتى ولو كان من القاطنين الجدد،أما من عجز عن تلبية مطالبهم فالرفض يقابله حتى وان كان قد قضى عشرات السنين بالدوار،فالحرمان بكل بساطة من هذه الوثيقة يعني عدم الاستفادة من أي مشروع سكني،واستحالة تجديد البطاقة الوطنية،أو الاستفادة من التغطية الصحية،وصعوبات للمتمدرسين و للباحثين عن الشغل، وغيرها من المشاكل اليومية التي تواجه هؤلاء. وهنا تصيح إحدى السيدات أن القاطنين بهذا الدوار يشعرون بأنهم أموات يمشون على الأرض،لا يتوفرون حتى على أبسط شروط المواطنة،لا شواهد السكنى ولا بطائق وطنية،أما رجال السلطة بالقيادة فعصاهم الغليظة مسلطة على رؤوسهم والتعنيف و الاحتقار و «الحكرة» هي جزاء كل من رفع رأسه تجاههم أو طالب بحق يكفله القانون، بالإضافة إلى ظروف الحياة الصعبة التي لا يرضى بها الحيوان فبالأحرى الانسان. مواطنة ،وتدعى فاتحة رزيق، قالت إنها تقطن بهذا الدوار البئيس منذ 16 سنة،وعندما قصدت قائد المنطقة من أجل المطالبة بحقها في الاستفادة من السكن قام بتعنيفها رفقة بعض رجال القوات المساعدة أصيبت على اثره بكسر في يدها. وبمجرد ان غادرنا المكان في اتجاه بؤرة أخرى من البؤر السوداء بالمحمدية حتى بلغنا أن أفرادا من مساعدي القائد حلوا بالدوار، و قاموا بتأنيب السكان على حديثهم لنا وهددوهم بأشد العقاب و بالسجن و الانتقام لكل من تجرأ على هذا الفعل مرة أخرى،وهذا يوحي لنا أن زمن تكميم الافواه و الشطط في استعمال السلطة و الترهيب و التخويف مازل يحن إليه هؤلاء المتسلطون على رقاب الضعفاء،متناسين أن هذا الزمن قد ولى ، وأن حاجز الخوف قد سقط ، و أن الحق يعلى ولا يعلى عليه. تلال من الأزبال و الأوحال ومياه الواد الحار تحاصر سكان دور «الجديد» وعلى بعد بضعت أمتار من دوار الصحراوية،يوجد دوار» الجديد» لا يفصل بينهما سوى طريق محفرة وبجانبها مياه الواد الحار التي تجري عارية وأزبال من مختلف الاحجام و الأنواع.دخلنا الازقة،ولا مانع من وصفها للقارئ،فهي عبارة عن أزقة ضيقة لا يتجاوز عرضها المتر،وهي نفس المسافة ما بين البراكة والأخرى،أما الأرض فهي عبارة عن أتربة وأوحال وحفر مغطاة بقطع حجرية وقصديرية مخصصة لتجميع مياه الواد الحار أو ما يصطلح عليه بالعامية ب»الفوسي»وبطبيعة الحال فالعيون تتبعتنا بفضول كبير إلى أن دخلنا بيتا قصديريا صغيرا،مصحوبين ببضع الشباب من أبناء قاطني الدوار،جلهم ينتمون إلى فرع الشبيبة الاستقلالية ،حيث تم استقبالنا بشكل حار كشيم كل المغاربة،وهنا سنفتح معهم باب الحوار حول ظروف عيشهم التي لا تختلف بطبيعة الحال عن سابقيهم بدوار الصحراوية. و من بين ما جاء على لسان من جالسناهم أن لجنة تضم مسؤولين محليين زارت الدوار في الايام الاخيرة، كانوا مرفقين بمقدم الدوار الذي كان يدلهم على براريك محددة يتم تصويرها على اعتبار انها حديث البناء كي يشملها قرار الهدم، رغم أنها موجودة بعين المكان منذ سنوات،مؤكدين ان المقدم لا يدل إلا على براريك التي إما أن أصحابها يرفضون ان يكونوا له ولرئيسه،أي القائد، يدا طيعة ولقمة سهلة المنال،وإما أن ملاكها يرون فيهم مصدر التشويش و المشاكل. وقال اخر إن جل ابناء الدوار محرمون كذلك من شواهد السكنى،ومن البطائق الوطنية،مع ما يرافق ذلك من مشاكل يصطدمون بها في حياتهم اليومية،رغم انهم ولدوا وترعرعوا بهذا الدوار،بل لا يمكنهم حتى من ممارسة حقهم في التصويت في الانتخابات الذي يكفله الدستور لجميع المغاربة.بل من منهم من توصل بإشعارات من المحكمة تطالبهم بتأدية غرامات على استهلاك الكهرباء الذي يستغل بشكل عشوائي في جل الدواوير الصفيحية بالمغرب ،وهنا يقول أحدهم انه في الوقت الذي كان على المسؤولين المحليين البحث لهم عن حلول تنقذهم من عيشة البؤس التي هم فيها يريدون الرمي بهم الى السجون. وفي جولة قصيرة بهذا الدور لاحظنا كيف ان الازبال تشكل تلالا هنا وهناك تخرج منها عصارات تنبعث منها روائح جد كريهة،بل هناك اطفال في سن الزهور يلعبون وسطها بعدما حرموا كذلك من أبسط حقوق من هم في سنهم.وكما كانت اللحظة مؤثرة عندما تبعنا نساء ورجال وأطفال بكل عفوية يحملون الاعلام الوطنية وصور الملك،يصرخون بصوت واحد «انقذنا يا جلالة الملك فنحن رعاياك...انقذنا من الفقر والحكرة والترهيب و التسلط فأنت ملاذنا الاخير في هذه البلاد». عشرات السكان الاصليون بدوار سيدي عباد يحرمون من الاستفادة من مشاريع سكنية غادرنا المكان في اتجاه دوار سيدي عباد اذ وجدنا في استقبالنا شباب في مقتبل العمر يتجاذبون أطراف الحديث من أين سيبدأون حكايتهم لنا ومعاناتهم ،وهنا سيتدخل أحدهم ليقول لنا إن سكان أزيد من 45 «براكة» بالدوار باتوا في حيرة من أمرهم و لا أحد يسمع لآهاتهم،اذ تم ترحيلهم سنة 1998 بعدما فاض عليهم «واد سيدي عباد»الذي كانوا يسكنون بجانبه إلى أرض للخواص بالدوار على أساس تسوية وضعيتهم بعد ثمانية أشهر،لكن منذ ذلك الحين و إلى يومنا هذا لا شيء تحقق من ذلك بل صاروا اليوم محرمين من الاستفادة من أي برنامج لإعادة الاسكان ،وهو ما يرون فيه نوعا من الاستهتار بهم رغم كونهم من السكان الأولين بالمنشأ الأول للدوار قبل ما يزيد عن خمسين سنة من الآن. فئة أخرى بنفس الدوار،يضيف شاب آخر،تم هدم دورهم القصديرية سنة 2003 على ان يستفيدوا فيما بعد من مشروع سكني، وفي انتظار ذلك سمحت لهم السلطات المحلية انذاك بالبناء فوق أرض يملكها أحد الاشخاص، لكنهم اليوم،وبعد مرور كل هذه الفترة، وجدوا انفسهم هم كذلك محرومون من الاستفادة من مشروع سكني إلى حين تسوية الوضعية مع مالك العقار. وأضاف محاورنا طرح نفس المشكل المتعلق بمنح شواهد السكنى التي قال إنها تعرف تجاوزات خطيرة تستدعي البحث و التقصي،وهناك أفراد تشترط عليهم السلطة المحلية توقيع التزام بعدم المطالبة بالاستفادة من السكن قبل منحه هذه الشهادة،وهو ما اعتبره تجاوزا مكشوفا للقانون. نساء اخريات التحقن بنا يشتكين حرمان الارامل، وغير المتزوجات كبيرات السن،والمتزوجون الجدد بعد سنة 2011 من الاستفادة كذلك من سكن لائق،وهو ما يرفضنه ويرون فيه اقصاء لا مبرر له. وما قلناه عن الأزبال المتراكمة بدوار «الجديد»يقال كذلك بدوار سيدي عباد في منظر يبعث على التقزز،ويطرح اكثر من علامة استفهام حول عدم قيام القائمين على هذا المرفق بواجبهم،أم أن الامر يدخل في باب الضغط على هؤلاء المواطنين،الذين أسر لنا احدهم أثناء جولته معنا بين أطراف هذا الدوار أنهم يشعرون بأنهم مواطنون من درجات متخلفة.أما الأوحال فحدث ولا حرج اذ صعب التجول بالاقدام في عدد من الازقة ،وضع يصير أكثر تعقيدا كلما تساقطت قطرات المطر. سكان دوار المسيرة في وقفات احتجاجية يومية لإسماع تظلمهم إلى من يعنيهم الأمر وفي أحد شوارع مدينة المحمدية،وجدنا أحد الطرق الرئيسية مقطوعة والسبب هو وقفة احتجاجية لسكان دوار المسيرة رافعين الاعلام الوطنية وصور جلالة الملك. وأوضح المناضل الاستقلالي لحسن الريس أن سبب خروج السكان في هذه الوقفة الحاشدة منذ أيام معدودة يعود الى تطاول وزارة الداخلية على اختصاصات وزارة الاسكان عندما أصدرت عمالة المحمدية قرارا ينص على عدم منح وثيقة شهادة السكنى لعدد من الاشخاص إلا بعد الالتزام بعدم المطالبة بالاستفادة من مشروع سكني،الامر الذي يرى فيه حيف كبير تجاه أناس قضوا عشرات السنين بالدوار.كما ان الاستفادة لم تشمل عددا من السكان القدامى في حين منحت لآخرين،مطالبا في هذا الباب بإرسال لجنة مركزية تشرك معها كل الأطراف المتدخلة زائد ممثلين عن السكان للنظر من جديد في أحقية الاستفادة من عدمه. وتساءل الأخ الريس عن سبب اقصاء فئة واسعة من المتزوجين الجدد،وكذلك النسوة الأرامل،وأشخاص اخرون بعلة توفرهم على عقارات سكنية في حين ليست هناك أي وثائق قانونية يعتمد عليها لإثبات توفرهم بالفعل عن عقار.مشيرا إلى أن الوضع مرشح للتصعيد أكثر اذ لم تتم المبادرة الى الاستماع للسكان في أقرب الآجال بعدما وصل السيل الزبى، وذلك بتحقيق مطالبهم المشروعة،ومتابعة لوبيات الفساد التي تجد في مثل هذه الحالات فرصة للاغتناء على ظهر الفقراء والمساكين . اذن هذا جزء فقط من الغليان الاجتماعي الخطير وغير المسبوق الذي تعرفه المحمدية منذ شهور متتالية،فهل من تدخل قبل أن تصير الاوضاع غير متحكم فيها وآنذاك لن تنفع معها المسكنات؟