«لاربعا»، أي الأربعاء باللهجة الدارجة، هو الاسم الذي يطلقه السكان على مدينتهم الفقيه بنصالح، لكون السوق الأسبوعي ينعقد أسبوعيا في هذا اليوم. يغري مدخل المدينة كل زائر أو وافد، الذي يحسب نفسه داخل مدينة نظيفة، لكنْ ما إن يمكث بها ويجوب شوارعها حتى يكتشف معنى المثل القائل «المزوق من برّا أش خْبارك من الداخل».. واقع تتخبط فيه أحياء راقية وهامشية، على السواء، إنه التلوث، الذي يعتبر أكبر مشكل في المدينة، يجثم على صدور السكان منذ سنوات، بسبب مقذوفات وحدة لإنتاج الحليب وبسبب مياه الصرف الصحي.. إنها مدينة حبلى بمشاكل لا تُعَدّ لا تُحصى... يتحول شارع الحسن الثاني في الفقيه بنصالح، في كل مساء، إلى مخيم مفتوح: مواطنون يبحثون عن نسمات رطبة تخفف عنهم قيظ الحر وأطفال يسبحون في «نافورات» المدينة، عوض التوجه نحو المسبح البلدي، الذي لم تفتح أبوابه بعدُ، مسبح يعتبر من أقدم الأوراش التي عرفتها المدينة وما زالت الأشغال مستمرة فيه، أشغال يوحي منظرها ب«ديكور» مكان مُعَدّ لتمثيل فيلم تاريخي... شباب يفتقرون إلى مرافق للترفيه وإلى مساحات خضراء ويطالبون بتنفيذ وتسريع ما سُطِّر في المشروع الحضري، فضاؤهم الوحيد هو حديقة شارع الحسن الثاني، التي جفّت مجمل زهورها وعشب يابس وأشجار بلون الموت... مشاريع بلا نهاية لا حديث لممثلي الأحزاب السياسية في المعارضة داخل المجلس البلدي للفقيه بنصالح إلا عن المشروع الحضري، الذي بلغت التكلفة الإجمالية للشطر الأول منه 566 مليونا و470 ألف درهم، والذي قُدِّم للملك محمد السادس في شهر أبريل 2008، على أساس أن يتم الانتهاء منه في 2009 - 2010، غير أن «الأوراش عرفت بداية دون أن تكون لها نهاية».. يقول الميلودي رايف، مستشار جماعي عن حزب الاتحاد الاشتراكي: «تعرف المدينة عددا من المشاريع والأوراش المهمة، غير أنها تعرف بداية دون نهاية، ويكون تسريعها مناسباتيا، سواء خلال إحدى الزيارات الملكية أو عند اقتراب الانتخابات، إضافة إلى أن الصفقات الخاصة بالمشاريع تكون بدون شفافية ولا نزاهة، إذ إن نفس أسماء المقاولات والشركات تتكرر». ويقُضّ مضاجعَ السكان، حسب المستشار الاتحادي، مشكل السير والجولان، إذ إن المدينة، المعروفة بسياراتها الفارهة، لا يجد سائقوها علامات تشوير حديثة تواكب التغييرات التي عرفتها بعض الطرق. ومن المشاكل أيضا، حسب رايف، مشكل احتلال الملك العمومي من طرف الباعة المتجولين، الذين يعتبرون أن من «حقهم» تنظيمهم داخل أسواق، كما هو الشأن في بعض المدن. ويميل إلى الرأي ذاته محمد اللويز، مستشار جماعي من العدالة والتنمية، والذي يؤكد أن المشاريع المبرمجة تعرف عددا من التعثرات، مثل شارعي الحسن الثاني وعلال بن عبد الله، إضافة إلى عدم وضوح الصفقات العمومية. ويعتبر اللويز أن عددا من المشاريع لا تحترم الآجال المحدَّدة، وهو ما يتم تسجيله دائما خلال عدد من اللقاءات، مشيرا إلى أن المشاريع يحكمها هاجس الانتخابات، التي يتم خلالها تسريع وتيرة هذه الأشغال. ومن المشاكل التي تعرفها المدينة، حسب اللويز، القطاع الصحي، الذي ما زال يحتفظ بمؤسساته الصحية القديمة، التي تغيب فيها التخصصات، وكذا غياب فرص الشغل، لعدم وجود منطقة صناعية، إضافة إلى وجود أحياء هامشية غير مهيكلة، مثل دواري «أولاد سيدي شنان» و«دراعو». كما أن شعار «مدينة بدون صفيح» في أفق سنة 2005 لم يتحقق، لعدم هيكلة الأحياء التي أضيفت إلى المجال الحضري. . مبدع و«إبداع» مطرح الأزبال تدفع روح الدعابة لدى سكان المدينة إلى وصف رئيس مجلسهم البلدي، محمد مبدع، ب«مبدع» أهم استثمار للمدينة وهو «مطرح جهوي عمومي للأزبال»، تستضيفه مدينة الفقيه بنصالح، ليضاف إلى مشاكل التلوث، الذي نتج عن المياه العادمة، التي يفرزها نشاط إحدى وحدات إنتاج الحليب، والتي يتم طرحها في مصرف مائي يحيط بالمدينة، وهو ما أصبح يسمى «حزام التلوث»، الذي يحيط بكل من أحياء «الياسمين» و«بدر» وحي «نزهة 2» و«سيدي أحمد الضاوي»، خاصة المنازل القريبة من مصرف المياه، العاري، الذي تنبعث منه روائح كريهة. وقد وجهت شكايات متعددة للجهات المعنية وطرح المشكل خلال اللقاءات الرسمية، لكنْ ما يزال الوضع كما هو عليه، حسب شهادات متطابقة للسكان. ولا يقتصر التلوث على نفايات المعمل، بل إن سيول الواد الحار للمدينة تخنق أنفاس سكان دوار «شنيولة»، الذي سُمي كذلك نسبة إلى الحشرة التي «تُغِير» على السكان، صغيرهم وكبيرهم، كل يوم وفي كل لحظة.. ولو «غامرتَ» بمحاولة زيارة هذا الواد، ستكون مجبرا على التقيؤ، إن أنتَ أردت أن تعاين الواقع عن قرب... لم يجد قاطنو دوار «شنيولة»، أو «حي الفتح»، حسب الاسم الرسمي، من يضع حدا لمعاناة متواصلة منذ سنوات. تقول «زهرة»: «كان شخص يقطن هنا هو من يحمل «همّ» هذا الحي، ولطالما نادى بأن يوضع حد لهذه «الكارثة» التي تحيط بنا، غير أنه توفي منذ ست سنوات، وظل الحال كما هو عليه». «خلال فصل الصيف، «تزخرف» حشرة «شنيولة» جلد الصغار والكبار، على حد سواء، بلسعاتها»، يقول «أحمد»، أحد شباب الحي، زد على ذلك الروائح الكريهة، التي تخنق أنفاس المواطنين وتصيب عددا منهم بأمراض الحساسية وغيرها من الأمراض التي يسببها التلوث. تتذكر «زهرة» الرجل الذي كان يسعى إلى أن يُخلّص الناس من عذاب الروائح الكريهة قائلة: «كان -رحمه الله- كلما عرف أن هناك مضخة تستعمل ماء الواد الحار للسقي يتصل بالقائد، الذي يقوم ب«حجزها»، حتى لا تُستعمَل في الري». حزام التلوث و«شنيولة» عند المرور من جانب مصرف مياه الوادي الحار، أو كما يسميها السكان «الفراغة»، تسمع صوت المضخة، التي تنقل ماء «الواد الحار» لسقي النباتات والمغروسات، وهو ما يعتبره السكان عملا غير مقبول. وخلال فصل الشتاء، يرتفع صبيب «الفراغة» وتلج مساكن القاطنين إلى جانبها، «إنها حياة بدون معنى»، تقول «زهرة». بالقرب من دوار «شنيولة»، هناك دوار «أولاد سيدي شنان»، الذي يحاذي، بدوره، «الفراغة»، التي تجعل السكان يعيشون قلقا وخوفا مستمرين على فلذات أكبادهم، الذين قد يتعرضون، إضافة إلى الأمراض التي يسببها التلوث، إلى الغرق داخل مصرف المياه. تقول نجاة كندر «إن هذا الواقع مقلق ويقض مضاجعنا وإن المجهودات التي تبذل في المدينة تركز على واجهتها، أما هوامشها، التي يسكنها الفقراء فإنها تترك لتواجه قدَرها مع الروائح الكريهة والضفادع وأمراض الحساسية». ولم تتوقف نجاة عن شرح الأضرار التي تلحق بالساكنة من جراء هذا الواقع الذي لا يشعر به إلا من يقطنون بالحي. وعبّرت عدد من نساء الحي عن استيائهن من مشكلة لم يتم حلها هي أن السكان لا يتم «تذكرهم» إلا أثناء الحملة الانتخابية. تقول «عزيزة»: من الصعب جدا البقاء في الحي خلال الليل»، وتقاطعها امرأة مسنة، وهي تشير بأصبعها إلى المقبرة: «الأحياء يعانون من الواد الحار والأموات تُنتهَك حرمتهم من لدن السكارى والمتسكعين، فمقبرة «أولاد سيدي شنان» لم يتم الاهتمام بها لإتمام بناء السور حولها.. إنا هذا منكر». وضع صحي متدهور يعاني سكان المدينة من غياب مرافق صحية تناسب عدد السكان، الذين يقارب عددهم ال100 ألف نسمة. وفي هذا الصدد، يقول الدكتور عبد المالك لهناوي، رئيس قسم المستعجلات في المستشفى المحلي في الفقيه بنصالح، «إن البنية التحتية للقطاع الصحي لا تستجيب لانتظارات الساكنة، إذ يوجد مستشفى محلي واحد يتوفر على قسم للمستعجلات لا يستجيب للشروط العلمية والإنسانية للعلاج، إضافة إلى انعدام الاختصاصات، باستثناء اختصاص طب الأطفال والولادة والجراحة العامة، بمعدل طبيب لكل تخصص، وهو ما يجعل الخصاص مهولا، إذ إنه لا يمكن حضور الطبيب المختص خارج أوقات العمل العادي، وهو ما يستوجب أن يكون هناك ثلاثة أطباء لكل تخصص، حتى يتناوبوا في العمل في ما بينهم، وبالتالي ضمان وجود طبيب مختص على مدار 24 ساعة». ويوجد في المستشفى المحلي 45 سريرا فقط، إضافة إلى نقص المراكز الصحية الحضرية، إذ يتوفر الإقليم على مركزين فقط أحدهما يوجد في ثاني مدينة في الإقليم، وهي «سوق السبت». ويتوفر المستشفى المحلي على جهاز واحد للتصوير الطبي «راديو»، في غياب جهاز الكشف بالأشعة «السكانير»، زد على ذلك عدم تمكن المريض، خارج الأوقات العادية، من إجراء بعض التحاليل. ويعاني مرضى القصور الكلوي في إقليمالفقيه بنصالح من عدم وجود مركز لتصفية الكلي، إذ يتوجهون إما إلى مدينة بني ملال أو خريبكة، ما يجعل بعضهم في لائحة الانتظار، علما أن الإحصائيات على مستوى جهة تادلة -أزيلال تُبيّن أن النسبة الأكبر من المصابين بالقصور الكلوي يتحدرون من الفقيه بنصالح وسوق السبت، وفق ما أكده الدكتور لهناوي ل»المساء»، إضافة إلى عدم مواكبة تطور أنواع الأمراض المنتشرة في صفوف السكان، خاصة ارتفاع ضغط الدم وداء السكري. ومن جهته، تحدث الدكتور محمد رشيق، طبيب عام، ل»المساء» عن الوعود الرسمية التي قدمتها ياسمينة بادو، وزيرة الصحة، من أجل بناء مستشفى إقليمي، من أجل تجاوز الأزمة التي يعرفها الإقليم على المستوى الصحي، إذ في الإقليم مستشفى محلي يغيب فيه قسم التطبيب، وهو ما يتطلب التوجه نحو مدينة بني ملال، إضافة إلى غياب المدوامة بالنسبة إلى الاختصاصيين. وأكد رشيق أن 60 في المائة من نزلاء المستشفى الإقليمي في بني ملال يتحدرون من إقليمالفقيه بنصالح، وهو ما يوضح الحاجة المُلحّة والآنية لمستشفى إقليمي في الفقيه بنصالح، يقول رشيق، «أما أن تقدم الوعود دون تحديد آجال زمنية، فهذا ما لا يمكن قبوله بأي حال من الأحوال، لأنه يدخل في نطاق التسويف، إضافة إلى أن الطبيب الجراح في المستشفى المحلي «يغامر» في عمله، لعدم وجود قسم الإنعاش وبنك للدم»، وهو ما يُعرّض حياة المريض للخطر في بعض الحالات، إضافة إلى غياب قسم الأموات. ويعاني المستشفى المحلي، حسب تصريح رشيق، من نقص الأطر والموارد البشرية، إضافة إلى ضعف التجهيزات، زد على ذلك خصاصا كبيرا تعاني منه أيضا المراكز الصحية، إذ إن قيادة «بني وكيل»، التي تمتد من دوار «كرين» إلى دوار «جبالة»، على سبيل المثال، يوجد فيها مركز صحي، وفي حالة وجود حالة مستعجَلة، فإن وصولها إلى المستشفى الإقليمي في بني ملال سيجعلها معرضة للخطر. دواوير في «جلباب» مدينة يجلس مجموعة من أبناء دوار «شنيولة» في الفقيه بن صالح القرفصاء قرب المسجد، يستظلون من حرارة مفرطة على بعد أمتار قليلة من مجرى قناة مكشوفة للصرف الصحي في المدينة، يتبادلون أطراف حديث يومي بجانب الطريق المؤدية إلى جماعة خميس بني شكدال، المحاذية لدوارهم، الذي اختير مع دواوير عديدة لإلحاقها بالمدار الحضري للفقيه بنصالح. «شنيولة» دوار للبيع.. تفاجئ زائر حي الفتح (دوار «شنيولة») عدد البيوت التي كتب عليها «للبيع». يجيبك أول من تصادفه عن السبب: «لن يستطيع آدمي العيش هنا لمدة قصيرة دون أن يصاب بأمراض خطيرة، يكفي أن تلقي نظرة على شرق الحي لتعرف السبب».. يخترق زائر الحي أزقة لا يتجاوز عرض أوسعها المترين، وكلما توغل وسط الحي قادما من شارعه الرئيسي، صادفته عربات مجرورة وأحصنة مربوطة وبدأت روائح نتِنة تسيطر على حاسة شمه.. أطفال يركضون في كل اتجاه، غير عابئين بما حولهم. يشير محدثنا «مصطفى» إلى المجرى المكشوف للصرف الصحي الخاص بمدينة الفقيه بنصالح. ينخرط سكان الحي في شرح معاناتهم اليومية مع مجرى الصرف الصحي. يبدو «أحمد» (45 سنة) أكبر من سنه بكثير.. باب منزله مشرع على المجرى مباشرة. بدوره، كتب «دار للبيع»: «نعيش، نحن وأبناؤنا، مأساة يومية. ننتظر في كل يوم أن تنزاح عن صدورنا هذه المأساة، دون جدوى».. يكشف «أحمد» عن جسد ابنه، المثخن بلسعات البعوض: «انظروا إلى حال هذا الصبي وستعرفون أي نوع من المعاناة نعيشها يوميا، خصوصا في فصل الصيف». تقول «مولودة»، التي تسكن هنا منذ أزيد من 20 سنة: «نعيش في معاناة كبيرة، عندما يزورنا الضيوف، نحرج كثيرا من الروائح النتنة التي تزكم الأنوف وسط منازلنا.. نريد أن نرحل من هنا، لأننا مرضنا كثيرا ومرض أبناؤنا».. لا تتردد «مولودة» في تأكيد ندمها، كما هو حال أغلب سكان دوار «شنيولة» على «المغامرة» بالسكن قرب مجرى الصرف الصحي للمدينة: «كنا، مثل العميان، نريد فقط أن تكون لنا بيوت تؤوينا، لم نكن نتصور أننا نغامر بصحتنا وصحة أبنائنا بالسكن قرب خطر دائم يتهددنا». لا تتوفر «مولودة» على تغطية صحية وتعاني من أمراض مختلفة، كما يعاني أبناؤها من أمراض الحساسية والربو. يبعد أقرب مركز صحي عن حي الفتح (دوار «شنيولة») بأكثر من 9 كيلومترات عن تجمع سكاني يضم أكثر من 500 منزل. لا يخفي «الحبيب» (21 سنة) امتعاضه من الانتماء إلى دوار «شنيولة»: «كلما سألني أحدهم عن مقر سكناي، أشعر بحرج شديد من الانتماء إلى دوار لا تتوفر فيه أدنى شروط العيش».. فيما تقول «لبنى»، الشابة ذات ال19 ربيعا، إن مأساة بنات الحي أكبر بالمكوث في أجواء كلها نتانة، قبل أن تستدرك: «ننتظر الدستور الجديد.. ربما تتغير المدينة ويتغير من يقدم لنا الوعود لتتحول إلى حقيقة وتنهي مأساتنا اليومية». وفي الوقت الذي يتهم سكان «حي الفتح» كل المنتخَبين باستغلال ورقة مجرى الصرف الصحي المكشوف ومأساة سكان الدوار طيلة الحملات الانتخابية السابقة، يؤكد محمد فكري، نائب رئيس المجلس البلدي ل«المساء» أن «مشكلة حي الفتح» (دوار شنيولة) في طريقها للحل، بعد الاتفاق بين شركة مركز الحليب ومنعشين عقاريين والمجلس البلدي على تقاسم المسؤولية وتكاليف تغطية المجرى المكشوف للصرف الصحي، على مسافة تمتد لأزيد من 6 كيلومترات. دوار «إيزة خويتي» والنزاعات القضائية يعرف دوار «إيزة خويتي»، كما هو معروف لدى الجميع، أو «حي السلام»، وفق تسميته الرسمية، مشاكل أجمَلَها عضو من المجلس البلدي في «العراقيل التي تعرفها العقارات في الحي، مما عرقل المصادقة على تصميم التهيئة، لوجود عقود أصلية وعقود للبيع ونزاعات قضائية بين الورثة في العديد من المنازل، وهو ما جعل المجلس البلدي يؤجل وضع أي تصميم للحي المذكور إلى حين حل النزاعات القضائية». ودوار «إيزة خويتي» واحد من الدواوير التي أُلحِقت بالمدار الحضري خلال الدورة الأخيرة للمجلس البلدي، دورة ماي، بالإضافة إلى دوار «كرين»، الذي احتفظ بنفس الاسم إلى وقت لاحق، وحي «زيز». أزقة ملتوية ومنازل بعضها فوق بعض، هنا تنتمي تصاميم البيوت إلى زمن آخر.. يعتبر الحديث عن التناسق في هذا الحي أو احترام أدنى المعايير ضربا من الخيال. تطلب ساكنة دوار «إيزة خويتي» والدواوير التي ألحقت اليوم بالمدينة التمتع بقليل مما تتمتع به أحياء المدينة، من أزقة وإنارة ومراكز صحية ومدارس ومياه صالحة للشرب، لكن مصدرا من المجلس البلدي لمدينة الفقيه بنصالح يعتبر أن «إلحاق مجموعة من الدواوير بالمدار الحضري أثّر بشكل كبير على النمو السريع وعلى التطور الذي كانت تشهده المدينة. كما أثر على تصميم المدينة وحوّلها إلى مولود متعدد الملامح، فلا نحن أمام مدينة هي عاصمة لإقليم جديد، ولا نحن أمام دواوير بقرية كبيرة امتدت في كل الاتجاهات». جماعة الفقيه بنصالح في تقرير المجلس الأعلى للحسابات رصد تقرير المجلس الأعلى للحسابات عددا من الاختلالات الخاصة بالجماعة الحضرية للفقيه بنصالح، ومنها غياب إحصاء شامل للأملاك العقارية منذ الإحصاء الذي تم إنجازه سنة 1985 من طرف الوكالة الوطنية العقارية، إذ لم تقم الجماعة بأي إحصاء لممتلكاتها العقارية، وبالتالي فإنها لا تضبط وعاءها العقاري إلا بشكل تقريبي. وقد نتج عن هذه الوضعية عدم شمولية سجل المحتويات الممسوك من طرف الجماعة، مما يجعله غير شامل، وبالتالي غير موثوق فيه، حسب نص التقرير المتعلق بسنة 2008. ومن الملاحظات التي رصدها التقرير، أيضا، تحمُّل الجماعة مصاريف حفر بئر سكنى باشا المدينة، وكلف الجماعة الحضرية للفقيه بنصالح بالمصاريف الخاصة بحفر بئر في سكنى باشا المدينة وبشراء ووضع أنابيب بها. وقد بلغت النفقة الإجمالية الخاصة بهذه العملية ما قدره 56 ألفا و772 درهما، غير أن سكنى باشا مدينة الفقيه بنصالح لا تندرج ضمن أملاك الجماعة، وبالتالي فإن رئيس المجلس الجماعي، بإصداره الأمر بصرف النفقة المذكورة من ميزانية الجماعة، يكون قد حمّل مالية هذه الأخيرة تكاليف غير ذات علاقة بمجال تدخل الجماعة، حسب التقرير. كما لاحظ التقرير المبالغة في أثمان الاقتناء، وكمثال على ذلك، حالة شراء الكتب خلال سنة 2004، إذ قامت الجماعة باقتناء مجموعة من الكتب المخصصة للخزانة الجماعية، بواسطة سند، إلا أن الأثمان الواردة في الفاتورة تبدو مبالَغاً فيها بالنسبة إلى بعض الكتب. وفي مجال الطرق والتطهير السائل، يؤكد التقرير أن صفقة لدراسة المشروع خُصِّصت لها 191 مليون سنتيم، لتصل إلى 579 مليونا، وهي الدراسة التي كانت موضوع اعتراض وملاحظات عدة جهات ولم تقدم ما كان منتظرا منها. وفي محور الوقاية الصحية والنظافة والبيئة، تطرّق التقرير لأبرز مشكل يمكن إثارته في هذا الإطار، والمتعلق بمكافحة العوامل المساعدة على تنقل الأمراض. فقد لوحظ أن المياه العادمة الناتجة عن نشاط إحدى وحدات إنتاج الحليب، والتي يتم طرحها في مصرف مائي يمر بمحاذاة مدينة الفقيه بنصالح، تشكل مصدرا لانبعاث روائح كريهة ومجالا مساعدا على تكاثر الميكروبات والحشرات الضارة، الأمر الذي من شأنه أن يُعرّض السكان لأمراض خطيرة. ودعا المجلس الأعلى للحسابات الجماعة إلى وضع حد لهذه الوضعية، التي ما فتئت تهدد صحة الساكنة المحلية وتشكل خطرا على البيئة. كما تطرَّق التقرير إلى أن عددا من الصفقات الخاصة بالطرق والتطهير، التي كانت مبرمجة في إطار «المخطط الخماسي»، الذي انتهي سنة 2003، لم يتمَّ الشروع في تنفيذها إلا بعد هذا التاريخ، وإلى «تجميد» المنطقة الصناعية ومحطة لتصفية المياه. أما مشروع بناء المجلس البلدي، فإن تكلفة بنائه الإجمالية قُدِّرت ب11 مليونا و480 ألفا و837 درهما، غير أنه سُجِّلت عليه ثلاث ملاحظات أساسية، وهي غياب دراسات للجدوى، إذ لوحظ أن الجماعة باشرت هذا المشروع الذي عبّأت له أكثر من 11 مليون درهم، دون إنجاز أي دراسة للجدوى ودون توفر رؤية إستراتيجية بشأن نمط استغلال هذه المنشأة، خاصة أن الجماعة تطمح إلى أن تجعل من المشروع مركّبا بمعايير أولمبية، كما سُجِّل تأخر كبير في إنجاز الأشغال، إذا كان أجل إنجاز المشروع، بكل أشطره، قد حُدِّد في 25 شهرا، فإن الأشغال لم تكتمل بعد، وقد مر على بدايتها أكثر من 80 شهرا... ويبقى أكبر تأخير سُجِّل في هذا الإطار ذلك الذي يتعلق بأشغال الشطر الأول، التي استمرت 26 شهرا، بدل ستة أشهر، كما كان مقررا لذلك. كما لوحظ أن الجماعة لجأت، بشكل متكرر ودون مبررات موضوعية، إلى إصدار أوامر بتوقيف واستئناف الأشغال، وأن أغلب هذه الأوامر كانت، على العكس من واقع الحال، مبرَّرة بسوء الأحوال الجوية. قال إن مشروع مطرح الأزبال الجهوي لن يمرر إلا على جثثنا مبدع: «يمكن لأي شخص اللجوء إلى القضاء لمتابعتي إذا ارتكبت ما يخالف القانون» - سطرتم عددا من المشاريع والأوراش وقدمتم برنامج التأهيل الحضري للمدينة للملك خلال شهر أبريل من سنة 2008.. ما الذي تحقق منه؟ لقد لقيت الزيارة الملكية حفاوة وكان لها وقع على السكان، وكانت مناسبة لانطلاق مشروع إعادة تأهيل مدينة الفقيه بنصالح، والتي أصبحت نموذجا بفضل الشراكات مع وزارات أخرى ومؤسسات عمومية، إذ كانت المدينة تشكو من البنية التحتية وقنوات الصرف الصحي إلى جانب مشكل الطرق والأزقة والشوارع والفضاءات الترفيهية، لكنْ بفضل البرنامج التأهيلي، أصبحنا نتوق إلى مدينة كما تصورناها سنة 1999. كانت لدينا بعض الأشغال في هذه الفترة، لكن أثرها كان محدودا، لأنه تم الاعتماد فيها على إمكانية الجماعة، لكن بحلول سنة 2006، أصبح التفكير تعاقديا وتشاركيا، واستطعنا استدراج مؤسسات عمومية من أجل المشاركة في عدد من المشاريع، حسب الاختصاصات، وكان انطلاق الشطر الأول ب560 مليون درهم يهُمّ البنية التحتية وطرقات أخرى والقاعة المغطاة، التي هي في طور الإنجاز والمركّب الثقافي، إلى جانب إتمام مشروع الفضاء الأولمبي، من مسبح وما يلزم من وسائل الراحة، إلى جانب الطرق، التي نجحت بنسبة 92 في المائة، وتغطية الواد الحار، الذي لم يعد متلاشيا وعرف نسبة تقدم بشكل أكبر. - لكنْ عند الاطّلاع على مشروع التهيئة، يتبين أن نهاية عدد من الأشغال كانت مبرمجة في 2009 -2010، لكن ذلك لم يحترم، علما أن هناك من يتهمونك بأنك تقوم بتسريعها خلال مرحلة الانتخابات أو عند الزيارات الملكية.. ما رأيك؟ لم يسبق للأشغال في المدينة أن توقفت، وعندما تحين مرحلة الانتخابات يكون هناك استمرار للعمل، وما تشاهدونه من أوراش يدخل في إطار مرحلة الشطر الثاني، أما الشطر الأول فقد أنهيناه، وما قدمناه للملك بخصوص شارع الحسن الثاني هو كيلومتران فقط، والآن وصل طول الشارع إلى أربع كيلومترات، والذين يتهمونني بأنني أسرّع العمل خلال الانتخابات، فأجيبهم أنه، على الأقل، هناك عمل.. وقد تغلبنا على عدد من المشاكل وخلقنا فضاء ترفيهيا وحديقة على طول شارع الحسن الثاني، والتي يمكن أن أقول إن مساحتها حوالي 10 هكتارات، وأصبحت متنفسا للسكان، وبفضل ذلك، تحتل مدينة الفقيه بنصالح المرتبة الثالثة من حيث البنية التحتية بالنسبة إلى المدن الصغرى. ولا بد من الإشارة إلى أن المدينة لا تتوفر على شركات ومعامل وعلى مناطق صناعية، مثل باقي المدن المجاورة، تمكّننا من مداخيل مادية، ولكنْ بفضل الإمكانيات التي نتوفر عليها، استطعنا أن ننجز عددا من الإصلاحات التي لم تكن تعرفها المدينة من قبل، والتي كانت منذ عشر سنوات في وضعية غير لائقة على مستوى البنية التحتية. - تعرف المدينة تلوثا سواء من لدن وحدات إنتاج الحليب أو من مياه الصرف الصحي، التي تلحق أضرارا بعدد من قاطني الأحياء التي تمر من جانبها.. إلى متى سيظل هذا الوضع قائما؟ إن التلوث ظاهرة قديمة، وينبغي أن نعرف أن الطريقة التي تم بها بناء معمل للحليب لم تُراعَ فيه عدد من المعايير، ولم يكن تأثيره واضحا، لمحدودية نشاطه، لكن توسيع عمله جعل خطر التلوث قائما ومضرا جدا، وطرحت عدة إمكانيات، منها توجيه مقذوفات المعمل نحو الواد الحار للمدينة، غير أن هذا الاقتراح سيضاعف مشكل التلوث أكثر، وكان الاقتراح الثاني تغطية المياه العادمة للمعمل على أن يتحمل المستثمر تكاليف ذلك، والآن، هناك دعوى قضائية ضد وحدة إنتاج الحليب من أجل رفع الضرر، وما زالت القضية رائجة أمام المحكمة... نحن لسنا ضد الاستثمار، بل معه، ولكنْ يجب على المستثمر أن يرفع الضرر على السكان. أما بخصوص مشكل الواد الحار، الذي يمر بجانب بعض الأحياء، فهناك اتفاق مع شركة «العمران» في إطار بناء المدينةالجديدة على أن تعمل على تغطيته، وسيتم حل المشكل خلال ستة أشهر المقبلة. - ورد عدد من الاختلالات في تقرير المجلس الأعلى للحسابات.. ما قولكم؟ إن ما ورد في تقرير المجلس الأعلى للحسابات عادي مقارنة مع بلديات ومؤسسات عمومية أخرى، وإذا رأى أي شخص أن ما ورد في التقرير غير مقنع فيمكنه أن يلجأ إلى القضاء أو يطلب خبرة أو إجراء تفتيش، فنحن في بلد الديمقراطية والحرية، وهذا سيكون لمصلحة الشفافية، وإذا كان هناك من عاين اختلالات، فعليه أن يكشفها، فالقانون يحمي الجميع، فهل يمكن أن أكون غير نزيه وشفاف لمدة 12 سنة دون أن يلقى علي القبض أو أحاسَب؟ هل نحن في بلد الفوضى؟ لا أظن ذلك. - يقال إن الصفقات غير نزيهة وغير شفافة وتمنح لنفس الشركات دائما، ما رأيك؟ أعتقد أن الصفقات تتم وفق دفتر تحملات واضح، والقانون لم يعطني الحق في أن أقصي شركة تقدم عرضا مميزا، وإن كانت لها صفقات أخرى. كما أن الصفقات تتم عبر مساطر كثيرة وتؤشر عليها عدد من اللجن، أيهما أفضل: هل شركة لها كل تجهيزاتها في المدينة أم شركة أخرى في مدينة أخرى ستضيف مصاريف أخرى؟ -هل تجزم أن جميع الأوراش والمشاريع احترمت آجالها؟ أتحدى أي شخص أن يكون قد أنجز مشروعه في الوقت المسطر له، لو كانت الصفقات تعمل بطريقة سهلة لَما احتجنا إلى التتبع والمتابعة، فالأوراش قد تعرف أشياء عير منتظرة، كما أن الشركة المتعاقَد معها قد تكون تعرضت لخلل ما، وقد يكون التأخير من لدن المجلس البلدي في صرف الميزانية، وقد تكون المداخيل لا تناسب المصاريف... وعموما، لا شك أن هناك تأثيرات خارجية ولكنها غير مؤثرة، وقد تم إخراج كل المشاريع إلى حيّز الوجود.. إلى حد الآن، لا توجد اختلالات، ومشكلتنا لا تكمن في المصاريف، بقدر ما توجد في المداخيل، لأن التشريعات، مع الأسف، لا تراعي خصوصيات المجتمع، فالضوابط القانونية لا تساعد على تحصيل الضرائب، مثلا فالبلدية مدينة للسكان بحوالي ملياري سنتيم . - «أبدعت» فكرة مطرح جهوي للأزبال، وهو ما يؤاخذه عليك السكان.. هل ترغب في إضافة الأزبال إلى مشكل التلوث الذي تعرفه المدينة؟ كانت لدينا فكرة لمطرح أزبال مراقَب، وكانت فكرة خاصة بي وكان الهدف منها أن يكون هناك مطرح للمدينة خاص بها وبالجماعات السبع المحيطة بها، ولكن هناك من فكر في منح الصبغة الجهوية والاستفادة من المساعدات المالية والتقنية، حتى فوجئنا بوزارة الداخلية تطرح مشروع مطرح أزبال جهوي، مقره الفقيه بن صالح دون استشارتنا، وسنقاطع المشروع. وإذا أردنا مطرحا جهويا فالأَولى أن تكون النواة في الفقيه بنصالح. كما اقترحنا ذلك في البداية. وإذا استطعنا احتواءه، يمكن حينها أن نضيف جماعة أو جماعتين، لكنْ أن يصبح مطرحا جهويا ل45 جماعة فهذا لن نقبله، لأننا لا نريد أن نتحول إلى «أم عزة» ثانية، ولن يمرر هذا المشروع إلا على جثتنا. -لكن، مبدئيا أنت مع فكرة مطرح جهوي، أليس كذلك؟ نحن مع أن تكون النواة الأولى للمطرح في الفقيه بنصالح، ونختبر مدى القدرة على التحكم فيه، على أن يكون القرار بيدنا وتكون لنا نسبة 60 في المائة من الشركة التي ستشرف على المشروع، حتى يكون لنا حق توقيفه في حالة ما إذا شكّل أضرارا على البيئة وعلى السكان.