" اللهم إن هذا لمنكر وعار...أو لسنا بشر؟ لنا حقوق على هذا الإقليم وهذه الجماعة، روائح تخنق الأنفاس وتصيب الصغار بضيق في التنفس، وسوائل سامة تقذف في المجاري العمومية تؤثر على الأرض وتقتل الأسماك وتلوث مياه الشاطئ، هناك ضرر آخر أكبر وأمر من هذا الضرر، لو كنا في بلد يحترم البيئة والسكان لتم فرض مجموعة من الإجراءات والشروط الوقائية من أجل المحافظة على المحيط البيئي والمواطنين..." يقول شاب مجاز في العلوم الفيزيائية ويقطن غير بعيد عن المعمل المذكور. من سلبيات التصنيع عرفت الجديدة توسعا هائلا، إن من حيث ازدياد السكان أو انتشار العمران، أو من حيث إنشاء منطقة صناعية في طريق مراكش، حيث أصبحت تشكل القطب الصناعي الثاني بعد البيضاء، إلا أن هذا التحول، وعوض أن يساهم في الرفع من النمو الشامل والدفع إلى خلق تنمية اجتماعية واقتصادية حقيقية، نجده أصبح عائقا حقيقيا بما ينفثه من سموم وملوثات يومية أضرت بالإنسان والحيوان على السواء، وساهمت في التدهور البيئي وخاصة على مستوى مياه الشاطئ التي تعرف تباينا من حيث جودتها، إذ، تتأرجح بين التصنيف أ و ب، وقد ساهمت بعض الوحدات الاقتصادية لوحدها دون غيرها في تلويث البحر، فحسب التقرير الدوري الرابع للجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالجديدة ليونيو 2003 ، تشكل الوحدة الصناعية صومادير وحدها، نسبة مرتفعة من النفايات السائلة التي تقذف في البحر فمن بين 1870 مترا مكعبا التي ترميها الوحدات الصناعية كلها يوميا في البحر، تصل نسبة معمل الخميرة لوحده إلى 860 مترا مكعبا، وهو ما يلتقي معه باحث جامعي مختص في ميدان البيئة والمتخصص في دراسات ومعالجة النفايات السائلة الصناعية والذي يؤكد، على أن ما يقذفه معمل صومادير لإنتاج الخميرة، يصل إلى أكثر من 50 في المئة من نسبة المقذوفات الكلية للحي الصناعي بأكمله. ودائما وحسب التقرير المشار إليه أعلاه، فإن النفايات السائلة القادمة من معمل الخميرة تحتوي على مواد عضوية مثل الدبلس ( Mêlasse) التي تعتبر مادة أولية لصناعة الخميرة الطرية، والتي تفرز، بعد التصنيع مواد سائلة تحتوي على مواد بكتيرية وجرثومية وعضوية خطيرة، بالإضافة إلى استعمال مواد كيماوية تتسبب في إحداث اختلال في التوازن البيئي، خاصة البحري منه، من خلال تسرب مادة الأزوت السامة والتي تتحول بفعل التحول البيولوجي إلى "نترات" مضرة. ويلتقي الباحث الجامعي المشار إليه، مع تقرير الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في عدة نقط حيث يؤكد بدوره، على أن مادة الخميرة التي ينتجها معمل صومادير، تدخل في الصناعات الغذائية الفلاحية والتي تستعمل مواد أولية كالماء والميلاس ومواد أخرى تضم الأزوت والفوسفور والتي تخلف مواد سائلة غنية بالمواد العضوية المحملة بالأزوت والفوسفور وبعض الأملاح الأخرى والتي تؤدي إلى ارتفاع نسبة الحموضة( P.H) وتؤدي أيضا إلى ارتفاع حرارة المياه وهي العملية التي تؤثر سلبا على مجال الاستقبال، ألا وهو البحر، مما يساهم في اختلال التوازن البيئي ويؤدي حتما إلى تضرر المياه وموت الأسماك والطحالب والنباتات الأخرى والتي تعتبر الملجأ الأول لهذه الأحياء المائية التي تتوالد عبرها وتتكاثر.التأثير السلبي للنفايات السائلة ومن تبعات رمي النفايات الصناعية السائلة بالبحر، الضرر الذي يصيب الأسماك والطحالب حيث، وحسب المصدر السابق انخفضت في السنوات الماضية القليلة نسبة إنتاج السمك بالجديدة ب32 في المئة وانخفضت تبعا لذلك قيمة إنتاج مراكب الصيد في المدينة بنسبة 14 في المئة، وذلك بسبب تأثير الغازات السامة التي تلقى في البحر، وقد أوضحت دراسة قام بها المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري(INRAH) ، أن كثافة الطحالب بضواحي الجديدة تقلصت من 5 إلى 0.8 كيلوغرام في المتر المربع على ما كان عليه منذ بضع سنوات خلت، وهو ما كان له تأثير مباشر على توالد الأسماك وتكاثرها، حيث ارتفعت نسبة الطحالب المصدرة من 6 في المئة سنة 1991 إلى 36 في المئة سنة 2000 وهي نسبة لا تستدعي التعليق... وكانت العديد من الدراسات المشتركة بين مكتب للدراسات الدولية وكلية العلوم بالجديدة بشراكة مع المكتب الوطني للماء الصالح للشرب، قد أكدت هذا المنحى وطالبت هذه الدراسات بضرورة خلق محطة للمعالجة وتنقية المياه المستعملة، ومعلوم انه وبعد عدة شكايات متعددة من جهات مختلفة، قامت الوحدة الصناعية بإنشاء محطة للمعالجة، إلا إنها لم ترق إلى ما كان منتظرا منها، بل الأدهى من هذا كله، أن مصدرا عليما أكد على أنها لا تشتغل إلا كلما دعت الضرورة إلى ذلك، بل ذهب مصدر متخصص، إلى أنه لا يكفي أن توجد محطة للمعالجة وتقدم للزوار على أنها تشتغل، بل الأمر يدعو إلى إخضاعها لمراقبة دقيقة، وذلك لمعرفة مدى تغيير المياه الداخلة إليها وتحولها من مياه ملوثة إلى مياه صالحة للاستغلال في أمور أخرى. ومعلوم أن الرئيس السابق للمجلس البلدي كان قد راسل الوزارة المعنية في شأن التأثيرات السلبية التي تشكلها هذه الوحدة الصناعية على التوازنات البيئية، مطالبا إياها بالتدخل لردع المسئولين وإجبارهم على خلق محطة للمعالجة، ليفاجأ برد شديد اللهجة للمسئول محملا البلدية كامل المسئولية في الوضعية التي آل إليها ملف معمل صومادير، وذلك باعتبار أن البلدية هي من رخصت للوحدة الصناعية في بادئ الأمر دون أن تضع معها النقط على الحروف ودون الإشارة والتقيد بإنشاء محطة للمعالجة والتنقية، وكذا عدم القيام بإصلاح قنوات الصرف الصحي التي تلتقي مع المقذوفات السائلة الصناعية. ولعل ما يثير الاستغراب، سكوت المسئولين عن مثل هذه التجاوزات والخروقات، تصريف النفايات الصناعية السائلة عبر قنوات الصرف الصحي، وهو ما يتعارض مع كل المواثيق والأعراف الدولية، وهو ما يعمق من حدة التلوث الذي يتسبب فيه اختلاط المواد العضوية والكيماوية بمياه الصرف الصحي دون مراقبة ولا معالجة، الأمر الذي يساهم في تدهور القنوات من جهة وانبعاث روائح كريهة تؤذي السكان المجاورين للحي الصناعي، بل وتنتقل إلى وسط المدينة عندما تكون الرياح جنوبية. وتساهم النفايات السائلة التي تقذف في قنوات الصرف الصحي وتشكل خطورة بالنسبة لعمال النظافة كما حدث يوم السابع من شهر ماي 2001 بشارع جبران خليل جبران عندما كان العمال يقومون بتفقد قنوات الصرف الغير الصحي، إذ، سقط بعضهم في بالوعة عميقة، توفي منهم ثلاثة جراء الاختناق الذي أصابهم والذي كان ينبعث من الغازات السامة القادمة من الحي الصناعي. وتبقى آفة التلوث الصناعي محدقة بمدينة الجديدة، والتي كانت إلى زمن قريب من أنظف المدن، خاصة أمام المد الهائل للتوسع الصناعي الذي عرفته، ومن المنتظر أن تعرفه في الأيام القليلة القادمة، خاصة وان منطقة صناعية أخرى جديدة على الأبواب، وهو ما يفرض على المسئولين، على هذه المدينة، وضع نصب أعينهم، مصلحة المدينة والسكان والعمل على حمايتهم من آفة التلوث وذلك بفرض كنانيش التحملات وتضمينها المقاييس والمعايير الوطنية والدولية، من اجل احترام البيئة بخلق محطات المعالجة والتصفية لنفاياتها السائلة الصناعية.