إن المغرب، بعد اعتماده دستور 2011، مدعو إلى ترسيخ الممارسات الدستورية التي تذهب في اتجاه التفعيل الأمثل لمقتضياته، وذلك من أجل منح الوثيقة الدستورية الاحترام والمكانة التي تستحقها في مجال تأطير حياة السياسية. ومن هذه الزاوية، يمكن القول أن مؤسسة الحكومة، ظلت في قلب النقاش الدستوري، منذ إعلان حزب الاستقلال عن انسحابه من الحكومة، وبالتالي انصب جزء من النقاش، على مستقبل الحكومة: هل سيتعلم الأمر بتعديل حكومي أم بحكومة جديدة. فكل جواب تترتب عنه آثار دستورية معينة. لكن هذا النقاش، أصبح أكثر ملحاحية بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة بتاريخ 10 أكتوبر الأخير. إن الرجوع إلى الوثيقة الدستورية، يبين بوضوع مسطرة تنصيب الحكومة. فالفصلان 47 و88 واضحان في هذا الصدد: فهناك من جهة أولى التعيين الملكي الذي يتم بناء على الفصل 47، ثم هناك التنصيب البرلمان الذي يتم بناء على الفصل 88 الذي ورد فيه صراحة على أنه «تعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب، المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، لصالح البرنامج الحكومي». وتبعا لذلك، فإن أي نقاش يصب في اتجاه ممارسات ما قبل الدستور الأخير يعتبر مجانيا للصواب، باعتبار أن الدساتير آنذاك كانت تذهب في اتجاه اعتبار الحكومة منصبة مباشرة بعد التعيين الملكي لأعضائها. ومن خلال تتبع الأحداث الأخيرة، يتبين أن هناك مؤشرات عديدة على أن الأمر يتعلق بحكومة جديدة، أكثر مما يتعلق بتعديل حكومي: فمن حيث الشكل، لاحظنا أن الاستقبال الملكي لم يكن يهم فقط الوزراء الجدد، بل شمل كل أعضاء الحكومة بما فيهم أولئك الذين احتفظوا بنفس الحقائب الوزارية، ومن حيث المضمون فإن الأمر يتعلق بتغيير لمكونات الأغلبية الحكومية وبالتالي تغيير في طبيعتها. وهو ما يستلزم التخلي عن البرنامج الحكومي السابق لصالح برنامج حكومي جديد. إن التغير الذي حصل في الأغلبية الحكومية، بانسحاب أحد مكوناتها لا يدل على أن هذا المكون سيستمر في التصويت لصالح البرنامج الحكومي السابق. كما أن التحاق أحد مكونات المعارضة بالأغلبية الحكومية لا يدل على رغبته في العمل في إطار برنامج حكومي كان قد صوت ضده. لذا، فإن الممارسة الدستورية السليمة تقتضي إعادة طرح «برنامج حكومي» على التصويت. ولا يهم أن يكون نفس البرنامج أو برنامج معدل جزئيا أو كليا، لأن الأساسي هو التأكد من جهة على أن ثقة مجلس النواب لا زالت قائمة، وأن الأغلبية البرلمانية الجديدة تساند الأغلبية الحكومية الجديدة. وهذا لن يتأتى إلا بإعادة تنصيب الحكومة وفق مقتضيات الفصل 88 من الدستور. وبالإضافة لهذه المرتكزات القانونية، ينبغي الإشارة إلى بعض الأمور التي تكتسي أهمية كبرى في الممارسة الحكومية والبرلمانية. فقد لاحظنا مثلا أن وزراء حزب الاستقلال المنسحبين من الحكومة، كانوا يقومون «بتصريف الشؤون الجارية»، وأن الهيكلة الحكومية التي على أساسها تم تقديم البرنامج الحكومي قد تغيرت جذريا بتعديل في القطاعات الوزارية من جهة وإحداث قطاعات وزارية جديدة من جهة أخرى، وأن التصويت داخل البرلمان حق شخصي وفق الفصل 60 من الدستور وبالتالي لا يمكن مصادرته مسبقا على أنه مع الحكومة الجديدة أو ضدها، لكل ذلك، ومن أجل خلق ممارسات دستورية وسياسية بالبلاد، فإن الحكومة الجديدة، مدعوة إلى تقديم برنامج حكومي جديد أمام البرلمان، وطرحه على التصويت أمام مجلس النواب لاستكمال التنصيب الدستوري، وفتح المجال أمام المغرب للسير نحو تقنيات النظام البرلماني المبني على الحوار السياسي بين الأغلبية والمعارضة بدل طمس مكتسبات الدستور الجديد والدفع بالناخبات والناخبين إلى الاقتناع بأن تصويتهم كان غير مجديا. أستاذ القانون الدستوري كلية الحقوق وجدة