أرقام مشروع القانون المالي تثير الجدل بالبرلمان    أزمة انقطاع الأدوية تثير تساؤلات حول السياسات الصحية بالمغرب    قبل مواجهة المنتخب المغربي.. الغابون تحسم التأهل لنهائيات الإفريقية    مواجهات ترافق لقاء فرنسا وإسرائيل    المغرب يهزم "فراعنة U20" في مصر    هل يستغني "الفيفا" عن تقنية "الفار" قريباً؟    والي جهة البيضاء يؤشر على الميزانية    بتهمة اختلاس أموال البرلمان الأوروبي.. مارين لوبان تواجه عقوبة السجن في فرنسا    مصرع شخص وإصابة اثنين في حادث انقلاب سيارة بأزيلال        بعد ورود اسمه ضمن لائحة المتغيبين عن جلسة للبرلمان .. مضيان يوضح    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    أحزاب المعارضة تنتقد سياسات الحكومة    حوالي 5 مليون مغربي مصابون بالسكري أو في مرحلة ما قبل الإصابة    ألغاز وظواهر في معرض هاروان ريد ببروكسيل    الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين تسلم "بطاقة الملاعب" للصحافيين المهنيين    وفد من رجال الأعمال الفرنسيين يزور مشاريع هيكلية بجهة الداخلة-وادي الذهب    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بشأن تحديد قائمة أنشطة الشركات الصناعية للاستفادة من الإعفاء المؤقت من الضريبة    الحكومة تعلن استيراد 20 ألف طن من اللحوم الحمراء المجمدة    صيدليات المغرب تكشف عن السكري    ملتقى الزجل والفنون التراثية يحتفي بالتراث المغربي بطنجة    مكتب الجامعة الحرة للتعليم بالناظور يستنكر حملة التشهير ضد أطر إدارية بالمديرية الإقليمية    الروائي والمسرحي عبد الإله السماع في إصدار جديد    خلال 24 ساعة .. هذه كمية التساقطات المسجلة بجهة طنجة    نشرة إنذارية…هبات رياح قوية على المرتفعات التي تتجاوز 1500 متر اليوم وغدا بعدد من أقاليم المملكة    نشرة إنذارية.. هبات رياح قوية مع تطاير للغبار مرتقبة اليوم الخميس وغدا الجمعة بعدد من أقاليم المملكة    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح        معدل الإصابة بمرض السكري تضاعف خلال السنوات الثلاثين الماضية (دراسة)    تمديد آجال إيداع ملفات الترشيح للاستفادة من دعم الجولات المسرحية    توقعات احوال الطقس.. ارتفاع درجات الحرارة بمنطقة الريف    مركز إفريقي يوصي باعتماد "بي سي آر" مغربي الصنع للكشف عن جدري القردة    الاحتيال وسوء استخدام السلطة يقودان رئيس اتحاد الكرة في جنوب إفريقا للاعتقال    إسرائيل تقصف مناطق يسيطر عليها حزب الله في بيروت وجنوب لبنان لليوم الثالث    نيوم تستضيف ختام الجولة العالمية FIBA 3x3 وتتوج فريق ميامي باللقب    الدولة الفلسطينية وشلَل المنظومة الدولية    عودة ترامب الهوليودية و أفول الحلم الأمريكي ..    خلال 10 أشهر.. القيمة التسويقية لمنتجات الصيد الساحلي والتقليدي تفوق 9 مليارات بالمغرب    حفل توزيع جوائز صنّاع الترفيه "JOY AWARDS" يستعد للإحتفاء بنجوم السينماوالموسيقى والرياضة من قلب الرياض    أسعار النفط تنخفض بضغط من توقعات ارتفاع الإنتاج وضعف الطلب    عواصف جديدة في إسبانيا تتسبب في إغلاق المدارس وتعليق رحلات القطارات بعد فيضانات مدمرة    "هيومن رايتس ووتش": التهجير القسري الممنهج بغزة يرقي لتطهير عرقي    إطلاق برنامج دعم السكن القروي وتقليص الفوارق المجالية لعام 2025    اليوم العالمي للسكري .. فحوصات وقائية للكشف المبكر عن المرض    كيوسك الخميس | المناطق القروية في مواجهة الشيخوخة وهجرة السكان    ترامب يعين ماركو روبيو في منصب وزير الخارجية الأمريكي    غينيا الاستوائية والكوت ديفوار يتأهلان إلى نهائيات "كان المغرب 2025"    الجيش الملكي يمدد عقد اللاعب أمين زحزوح    هذه أسعار أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    بعد السيارات والطائرات .. المغرب يستعد لدخول غمار تصنيع القطارات    غارة جديدة تطال الضاحية الجنوبية لبيروت    أكاديمية المملكة تفكر في تحسين "الترجمة الآلية" بالخبرات البشرية والتقنية    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البارنويا السياسية
نشر في العلم يوم 06 - 10 - 2013

شكل فوز حزب الاستقلال في الانتخابات الجزئية بدائرة مولاي يعقوب، حدثا سياسيا وطنيا كبيرا كان له صدى في الاعلام الدولي، ومنطلق هذا الاهتمام لا يرتبط بالمقعد في حد ذاته باعتبار ه غير مؤثر في الخريطة السياسية الحالية، لكنه يعد مؤشرا بالنسبة للخريطة السياسية المقبلة، خاصة وأن المواجهة كانت بين حزب الاستقلال أكبر حزب في المعارضة وأول حزب في البرلمان بغرفتيه من جهة، ومن جهة ثانية حزب العدالة والتنمية الذي يترأس الحكومة، ومازاد من أهمية هذه المواجهة السياسية أكثر منها إنتخابية، هو أنها أول انتخابات يخوصها حزب الاستقلال من موقع المعارضة وأن المقعد المتنافس عليه كان بحوزة حزب رئيس الحكومة.
في السياسة ، كما في الحياة، أخطر ما يمكن أن تواجه به هو شخص يرفض تقبل الهزيمة، وعندما يصبح الأمر ذا طابع جماعي ، فإن الأمر يزداد خطورة وخاصة عندما يتعلق بهيئة سياسية أسست لنفسها رؤية وخطاب مفاده، أنه كلما فازت في الانتخابات فذلك دليل على نضج الشعب وثقته وتأييده وذكائه بقطعه الطريق على المفسدين ومن يرغبون في التأثير على النتائج، ومتى انهزموا، تصبح الانتخابات فاسدة وتهدد بالتراجع عن المكتسبات وتحاول تقويض نموذج يقودونه، وأن السلطة ترعى الفساد وهي مجرد أدات للدولة العميقة، وفي غمرة الحماس وعدم تطوير جهاز نفسي متوازن يزن الوقائع كما هي بعيدا عن النرجسية السياسية ، تطلق التهم على عواهنها ويبدأ النهش في كرامة والناس ومصداقيتهم بلا دليل، ولأن العصبية الحزبية لا تترك مجالا للعقل، فإن كل من ينتمي للحزب حتى لو كان في أقصى الارض ، يقدم روايته وشهادته كذبا وبهتانا، دون أدنى خجل، فالهم هو الانتصار للذات الحزبية الجريحة ، في نوع من التضامن موجه للداخل أكثر مما هو موجه للخارج، ولأن قيادة العدالة والتنمية تتبنى هذا الأسلوب فإنها تورط باقي تنظيماتها المحلية، والتي بالطبيعة تتغلب عليها الغريزة أكثر، في ردود فعل أكثر بشاعة، والقارئ لبلاغ الأمانة الجهوية بفاس ليلة إعلان نتائج دائرة مولاي يعقوب، سيقف على حجم العنف اللفظي والقذف والسب والأخطر من ذلك هو التحريض على المنافسين السياسيين، بشكل يقترب من تكفيرهم واستحالة دمهم، وهو تحريض معنوي خطير جدا لا يمكن الصمت حياله، خاصة وأنه يتضمن اتهامات خطيرة منها ممارسة الارهاب من قبل حزب الاستقلال، وهنا لا أرى أي مبرر لصمت النيابة العامة، حيث أن هذه التهمة خطيرة جديدا ولهذا يجب فتح تحقيق جدي مع من صاغوا البيان المذكور، إضافة الى قياديين في نفس الحزب وهما رضى بنخلدون وعبد العزيز أفتاتي ، واللذان بدورهما وجها عبر مختلف وسائل الإعلام تهم ثقيلة لحزب الاستقلال ومرشحه في الانتخابات والأمين العام للحزب، و هذه مسؤولية وزير العدل الذي يرأس النيابة العامة، مادامت التهم تتعلق بالنظام والأمن العامين.
حزب العدالة والتنمية يعيش بشكل جماعي حالة من البارانويا السياسية، والبارنويا مرض عقلي يصيب شخص ما ويجعله يعتقد بقناعة جازمة أنه يحارب من قبل شخص أو أشخاص، وأنه شخص ناجح لذلك يكثر حساده، وهي نوع من جنون العظمة ، يجعل المريض به يعتقد انه هو منقذ الانسانية وهو من سيعبر بها الى بر الأمان، وكل من يعارضه فهو من الأعداء اللذين يجب القضاء عليهم، وهكذا عاش الكثير من قادة الأنظمة الشمولية يعتقدون أنهم يقدمون خدمات جليلة لشعوبهم، وكل صوت معارض إنما هو حاقد على التجربة وجب إنهائه بسرعة قبل أن يتمكن من إفساد الأمجاد التي تم بنائها، و القادة ممن يصابون بالبارانويا ، يملكون تأثيرا كبيرا على أنصارهم، بشكل يجعلهم يغيبون العقل والتفكير بصفة نهائية ويقدمون على طاعة عمياء تتجاوز كل الحدود، فألغور جيم جونس الأمريكي نجح في إقناع قرابة ألف من أعضاء معبد الشمس الذي أسسه، بالانتحار الجماعي في غابة غويانا وذلك كنوع من الخلاص الجماعي من الحياة الشيطانية على الأرض، وتتميز شخصية المريض بالبارنويا بالكثير من الحذر وتحويل ذاته الى مركز لكل ما يحيط به وهو مرجعيته في تقييم الآخرين والمحيط ، مع تضخم شديد للأنا.
كل هذه المواصفات تنطبق على قادة حزب العدالة والتنمية، فهم يعتبرون أنفسهم منقذين للبلاد ، وأنهم شهداء أحياء، وأن الجميع يتربص بهم الدوائر، لهذا فهم محاربون من قبل الجميع، وكل صوت ينتقد أداهم ويحاسب وعودهم وخطاباتهم السابقة ، فهو إما تمساح أو عفريت أو مشوش يخدم أجندة الدولة العميقة للقضاء على النموذج الديمقراطي المغربي، الذي بالمناسبة لم يساهموا في بنائه، لكنهم اليوم يمنحون لانفسهم وظيفة رسولية لحماية هذا النموذج من الحساد والمغرضين، ولتعزيز هذا الشعور الجماعي ، يلجأ الحزب الى شحن عناصره والمواطنين بالخطابات ذات الشحنة الدينية بهدف الوصول الى تحقيق أوسع نتيجة وأشمل تأثير، ومتى حلت الهزيمة التي هي عادية وطبيعية بالنسبة لأي حزب سياسي في العالم ، ينطلق خطاب الشهادة والتكفير السياسي للخصوم والمنافسين، وأمام هذه الوضعية يصبح من الصعب الحديث عن حياة سياسية مطمئنة، لأن حزب العدالة والتنمية من خلتل رد فعله على نتيجة مولاي يعقوب، يوجه رسائل واضحة على أنه لن يقبل النزول عن مواقع السلطة ، وأن الانتخابات النزيهة الوحيدة، هي نلك التي تعلن فوزه بها، وأي نتيجة أخرى غهي مرفوضة حتى قبل أن يقترع الناس، ألم يقل علي بلحاج أحد أقطاب جبهة الانقاذ في الجزائر، مباشرة بعد إعلان فوز الجبهة بداية التسعينات، بأن الخاسر الأكبر من فوز الجبهة ، هو الديمقراطية، فتيار التدين السياسي يقبل الديمقراطية بصفة تاكتيكية برغماتية لتنزيل ما يعتقده صحيح الدين والشريعة، ومتى وصل أنصارها أو تجارها لا فرق، الى موقع السلطة ، فإن الديمقراطية تصبح بلا ضرورة، مادام حكم الله قائم، إذ لا بمكن استبدال حكم الله كما يدعون بحكم آخر، ومن توسل الى ذلك سواء بصندوق الاقتراع أو بالتظاهر ، فهو مجرد عميل دمه حلال، وربما يزيد في الأجر.
لقد قلنا أكثر من مرة أن من يعتقد بأن المواجهة الجارية حاليا، بين حزب الاستقلال وحزب العدالة والتنمية، هي مجرد مواجهة سياسية عابرة تستهدف المواقع أكثر من المواقع، فهو واهم والسلوك الذي يكرسه يوميا حزب العدالة والتنمية، يوضح بما لا يدع مجالا للشك، أن المعركة هي من أجل تكريس الديمقراطية بكل أبعادها، وهزم مشروع للتحكم يحاول إعادة انتاج الشمولية في التغكير والحياة والسياسية، وعلى هذه الجبهة يجب أن بتوحد الديمقراطيون ، قبل أن تصبح كلفة ذلك أكبر، وخاصة الخوف من تطور العنف اللفظي الجاري اليوم الى عنف جسدي تتم رعايته بشكل واضح من قبل حركة التوحيد والاصلاح وواجهتها السياسية حزب العدالة والتنمية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.