يصاب المرء بالدوار وهو يدلف للوهلة الأولى لكلية العلوم أكدال بالرباط فبين حلقة من الطلبة تشتكي من تأخر فتح شبابيك التسجيل بالكلية وأخرى تزجي وقتها تحت مصطبات مظللة تصتطف على جانب الممر الرئيسي للمبنى، هربا من قيظ شمس خريفية تلفح وجوه طلبة تتعدد مشاربهم والقصد واحد : اتمام مراسيم التسجيل للظفر بمقعد داخل مدرجات كلية العلوم داخل أسوار الكلية المكان:كلية العلوم لحظات قبيل اغلاق شبابيك التسجيل بالكلية من أجل استراحة الغذاء، أصوات تتعالى و الأيادي والأذرع تستميت بكل ما أوتيت من قوة للوصول إلى الشباك علها "تتخلص" من ملف يتضمن وثائق أضنت الطلبة في الحصول عليها من مختلف إدارات المدينة وتستريح من وزره بإلقاءه بين يدي المسؤولين عن التسجيل على أمل العثور على أسماءهم لاحقا ضمن لائحة المقبولين لمتابعة هذه الكلية "ذات الصيت الذائع"، يعلق "أسامة"، طالب حاصل على بكالوريا السنة الماضية، صادفته 'العلم' يمشي الهوينى بين جموع الطلبة المستعدين "للإنقضاض" على الشبابيك فور إعادة فتحها رغم شحوب سحناتهم الذابلة نتيجة لوقوفهم طيلة ساعات الصباح وخلال فترة الغذاء دون أن يجرؤوا على ترك أماكنهم خوفا من صعوبة اختراق "الحشود" المتجمهرة أمام الشبابيك التي يختص كل منها بشعبة معينة، كما عاينت 'العلم' نفاذ صبر بعض الطلبة وأولياء أمورهم الذين سارعوا للدق بعنف على الشبابيك المغلقة بعد تأخر أصحابها عن موعد فتحها بأكثر من نصف ساعة، في إشارة إلى تضايقهم من اللامبالاة و السلوكات التي تنتهجها الإدارة ضدهم، لنتمم جولة في جنبات الكلية عجز مصور الجريدة عن مرافقتنا خلالها بعدما استفزت آلة التصوير التي يحملها حارس الأمن ويتلقى سيلا من السباب والكلام الفاحش والحركات اللاأخلاقية أمام مرأى ومسمع الجميع بما فيهم الطالبات وأولياء الأمور، دون احترام لخصوصية الجامعة كفضاء تربوي من شأنه ترسيخ القيم الفاضلة في نفوس الطلبة. كلية الحقوق كان جو الاحتقان أقل وطأة بكلية الحقوق مقارنة مع نظيرتها المختصة بالعلوم، فعدد الطلبة كان أقل و"رائحة" المشاكل أقل حدة، وسط الطابور الغير منتظم خرج موفد للإدارة تهافت عليه الطلبة عارضين جملة من المشاكل التي أعاقتهم عن اتمام عملية التسجيل، من بينهم "حسن" و"مصطفى"، طالبان ينحدران من حي يعقوب المنصور، بلغ ب"حسن" التوتر درجة صار يتلعثم بها في الكلام ويعجز عن سرد مشكلته بوضوح، قبل أن يتدخل صديقه لتهدئته رغم علامات التوتر البادية عليه أيضا،"ليس من السهل على الطالب البقاء في جو من الترقب والانتظار وسط طوابير طويلة حتى إذ ما حل دوره يفاجئ بأن اسمه غير وارد في لائحة التسجيل القبلي بالكلية"، يضيف "حسن" بعدما هدئت أعصابه قليلا وناوله زميله جرعات من قنينة مياه معدنية كانت بحوزته، "ها أنت ذا ترى المشاكل النفسية التي تورثها فينا هذه الكلية، فبعد مشاكل التسجيل تأتي مشاكل الدراسة وغياب الأساتذة والمدرجات المملوءة عن آخرها، زيادة على النقط الكارثية التي 'ينعم' علينا بها بعض الأساتذة الذين لا هم لهم سوى إنهاء تصحيح كومة الأوراق المتراكمة أمامهم في ظرف زمني قياسي"، يقاطع مصطفى حديثنا بعدما رأى شبحا يدلف لأحد المكاتب التي أرشده إليها موفد الإدارة، ليسارع للدق على الباب لكن دون جدوى ويعود وأمارة الغضب بادية على وجهه، وكانت تلك مناسبة لنعيد طرح السؤال حول المشكل الذي يعانيان منه، ليسترسل مصطفى قائلا" لقد أتممتنا عملية تسجيلينا معا على موقع جامعة محمد الخامس أكدال وفي نيتنا الدراسة بجامعة السويسي، عندما أردنا استدراك خطأنا وإعادة التسجيل بموقع كلية الحقوق السويسي، تفاجأنا بقبول ملف صديقي وبقاء ملفي ضمن رفوف جامعة أكدال، والآن بالكاد أجد آذانا صاغية من الإدارة فكيف بتنقيل ملفي إلى حيث أريد؟"، تركنا "مصطفى وحسن" ورغبتنا معرفة كيفية تسيير المشكل الذي راج مؤخرا بالكليات حول تسجيل حاملي باكلوريا السنة الحالية و الماضية، إذ لقي تساؤلنا صدى لدى مصدر من الإدارة أكد لنا"أن الامور متحكم فيها على أحسن ما يكون، فالطلبة حاملو باكالوريا السنة الحالية يتممون عملية تسجيلهم بشكل عادي، أما أصحاب الباكالوريا 'القديمة' فتنعقد لجنة خاصة لدراسة وانتقاء ملفاتهم في حدود'كوطا' معينة تتحدد حسب عدد المقاعد الغير الشاغرة بعد انتهاء عملية تسجيل الحاصلين على البكالوريا 'الجديدة'."، معقبا أن الإدارة لا تسمح سوى للطلبة حاملي باكلوريا السنوات الماضية الذين لم يسبق لهم دراسة القانون والاقتصاد بولوج هذه الشعب". التوجيه الجامعي غائب يشتكي كل الطلبة الذين صادفتهم 'العلم' من غياب التوجيه الجامعي، فدون الحديث عن الذين سقطوا في 'فخ' التسجيل بجامعة أكدال عوض السويسي والعكس، يلاحظ غياب أي منشورات أو إدارييت يوضحون خصوصية كل شعبة و المؤهلات الواجب توفرها في الطالب لقضاء ثلاث سنوات في دراستها دون متاعب، لذا تجد أغلبية المستجوبين من طلبة السنة الثانية يشتكون من عدم إستيفاءهم لكل أو معظم الوحدات الدراسية أو حتى قضاءهم 'سنة بيضاء'/ مرجعين سبب كل تلك المشاكل إلى المعيقات النفسية والبيداغوجية التي تضعها الإدارة في طريقهم، ابتداء بمدرجات تغص عن آخرها بالطلبة وأستاذ يقضي وقته في إسكات هذا وطرد الآخر، تبقى الجامعة المغربية بصفة عامة، فضاء يحتاج للكثير من الإستراتيجيات الفعالة والهادفة لإنقاذها من التردي في هاوية الضياع وتخريج أفواج جديدة من المعطلين عوض أشخاص طموحين يسعون لإعلاء راية البلاد في شتى الميادين.