استبشر المغاربة قبل سنة ونصف خيرا بحكومة نابعة من صنادق الاقتراع، وأخذوا يتحسسون من خلالها أشعة الأمل لمغرب يعيش في ظل الديمقراطية والتخلص من الأزمات، وما فتئوا متشبثين بهذا الأمل رغم خفوت الكثير من بوادر الانفراج. وواكبوا طيلة سنة ونصف أعمال الحكومة بآلامها وآمالها، وعاينوا مختلف المواقف في الأغلبية والمعارضة، وتسمرّوا أمام التلفزيون لمشاهدة نشاط البرلمان، الذي يصل أحيانا إلى الملاسنات الكلامية الخطيرة، والكشف عن البطون العارية (!) ، إلى أن أخذت آمالهم تخبو بعد طول انتظار، وكان لابد من رجة قوية تعيد للمشهد السياسي مصداقيته، ولم يكن وراء هذه الرجة، سوى حزب الاستقلال، والوجوه الشابة التي أفرزها المؤتمر السادس عشر لحزب الاستقلال الذي بوأ الأخ حميد شباط أمينا عاما. وابتدأت الحكاية بعد استكمال الحكومة سنتها الأولى، حينذاك لاحظ حزب الاستقلال أن التوجهات الحكومية لا تصب في مصلحة الشعب وتُلامسُ خطوطا حمراء لا يجوز تجاوزها. ووقف حميد شباط في وجه الحكومة منددا بالزيادة في المحروقات التي تلتها زيادات ألهبت الأسعار اكتوى بها المواطنون، إضافة إلى البطء في الأداء، والتردد في تنزيل مقتضيات الدستور الجديد، وانعدام الشجاعة لإصدار القرارات الجريئة والتناقض في التصريحات، كما وقع في قضية صندوق المقاصة، وعدم التزام الحكومة بتعهدات سابقاتها ، مثلما وقع في خرق صريح لمحضر 20 يوليوز المتعلق بالتوظيف المباشر للمعطلين الذي التزمت به حكومة عباس الفاسي. لقد كان حزب الاستقلال سباقا إلى إثارة الانتباه للخطورة البالغة التي تكتسيها المؤشرات المتعلقة بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، واقترح حلولا وبدائل عملية للأزمة التي زادها الإهمال والعجز الحكومي على المواجهة استفحالا ، بل على عكس ما كانت ولاتزال تفرضه وتحتمه هذه الأزمة فإن الحكومة التجأت الى اتخاذ قرارات وتدابير انعكست سلبا على القدرة الشرائية للمواطنين، وعطلت الحوار بين فرقاء الإنتاج، وتسببت في سيادة مظاهر الشعبوية والفوضى والارتجالية والتخويف والقلق، مما ساهم بشكل كبير جدا في الدفع بالبلاد نحو ما يمكن ان نصفه بالمجازفة والغموض. ووصلت شجاعة حزب الاستقلال إلى إصدار مذكرة مفصلة بالوضع الدقيق للمغرب والأزمات التي يتخبط فيها معززة بالبيانات والأرقام، طرح فيها بدائل مرقمة وملموسة للخروج من الأزمة، غير أن الحكومة لم توليها الاهتمام اللائق بها، رغم أن المذكرة المذكورة كانت نتيجة عمل مضن لمجموعة من الخبراء الاستقلاليين الميدانيين الذين خبروا الملفات الكبرى، وعالجوا أضخم المشاكل سواء لدى تقلدهم لمناصب رسمية أو في القطاع الخاص وأبلوا فيها البلاء الحسن. وبعد أن استنفد حزب الاستقلال جميع إمكانيات التنبيه والنصح، ودق أجراس الخطر، وأوفى بجميع التزاماته تجاه حلفائه وتجاه ماتقتضيه الظروف، واحتراما لتعهداته أمام ناخبيه، والتي تضمنتها برامجه الانتخابية، بعد كل هذا لم يبق له سوى أن يطلقها صرْخة مدوية هزت الأركان بإعلانه قراره الشجاع والتاريخي بالانسحاب من الحكومة. هي اذن رجة حركت المياه الراكدة مما قد يعيد للعمل السياسي نضجه ومصداقيته بعد أن يئس المواطنون من كل أمل من هذه الحكومة التي أضحت كالنعامة التي تخفي رأسها في التراب.