بالشعر نكون إنسانيين أولا نكون، فهو؛ في كيانه الأعمق الشفيف ؛ يقفز فوق نمطية الحياة بمنظور رؤيوي متسعٍ ، يحمل الكثير من المضامين المحفزة على المستقبل . فهو عَبرَ اٌمتداده التاريخي العريق يحمل في ثناياه جزئيات الحياة العميقة الغور . ولذلك كانت أبعاد رؤية مبدعه متنوعة ومتعددة بتعدد ثقافته . وإذا الثقافة العليا هي السمة الأكثر بروزًا لتكوين رؤية شاملة عن الحياة والوجود ، وعن جوهر الجوهر فيهما . والشاعر الإنسان هو الذي يقدم رؤيته المختلفة والخارجة عن سياق الحياة النمطي ، بحيث تَكونُ هذه الرؤية معرفةً مفارقةً للمعارف المتداولة ، فاعلةً في الكوائن كما الضوء ، وهو الذي كذلك يكتب من خلال تجربته الذاتية عُمقًا إنسانيا لاحبًا . وشاعر دون رؤيةٍ بانية هو كائن منخرطُ في السديم . فالالتصاق إذن بجزئيات الحياة الكونية هو أهم مقومات التجربة الشعرية ، لأنه يمزج استنساغات الشاعر باستنساغات الناس ، ومحلوماته بمحلوماتهم ، وتطلعاته بتطلعاتهم ، وموروثه بالموروث الإنساني الكوني ، لأجل تشييد محطة ينطلق منها للإصغاءِ لعصره وتياراته المتناغلة ، وفهمِ ما يتطلبهُ من رؤيةٍ ومنهج مختلف . ومن ثمة الانعطاف لإدخال اللامعقول في مفهومية عالم القصيدة ، وخلخلةِ البدَهيات المحنِّطة ، وكسحِ ألغامِ التوقعات المُلجمة ، ليتعرَّف الكائن على جوهره المنسي . وبهذا يكون الشعر قد استوعب الحياة، وأصبح تنفسُه في عصرنا الذي أضحى سقفُ توتراته مرتفعا إلى ما لا نهاية له أمرًا مُلحًّا ، وضرورة أونطولوجية . وما الاحتفاء به إلا احتفاء بالحياة المتَّزنة ، وبقيمة الإنسان على هذه الأرض . والحياة ليست يومًا واحدًا ، ولا كذلك قيمة الإنسان . فالشعر هو الزمن كله ، وكلما احترقت الأرض أو انخسفت تحت أقدامنا ، كان الأرضَ التي لا تتنكرُ لمشاعرنا وغاياتنا وأهدافنا , نَلِجُها فنَتَفَرْدَسُ ، ونتذوقُ فَوَاكِهَ الديمومة. بِاٌلشِّعْرِ نُولَدُ إِنْ جَزَّتْ مَشَاعِرِنَا أَيْدِي اٌلْأَسَى، وَاٌسْتَوَى فِي نَبْضِنَا اٌلرَّهَبُ هُوَ اٌلضِّيَاءُ.. ضِيَاءُ اٌلرُّوحِ إِنْ أَفَلَتْ شَمْسُ اٌلْمَعَالِي، وَغَنَّى اٌلْمَيْنُ وَاٌلْوَصَبُ كَفَّاهُ بَسْمَلَةُ ُ بِاٌلْحُبِّ مُورِقَةُ ُ وَمُقْلَتَاهُ سَمَاءُ ُ صَحْوُهَا اٌلطَّرَبُ مَارَازَها مُوجَعُ ُ إِلاَّ وَشَبَّ بِهِ فَيْضُ ُ مِنَ اٌلسِّرِّ لَمْ تَحْلُمْ به اٌلْحِقَبُ كَأَنَّهُ اٌلْوَجْدُ مَا يَنْفَكُّ يَكْتبُنَا بِحِبْرِ عَافِيَةٍ إِنْ عَضَّنَا اٌلْعَطَبُ نص الكلمة التي ألقيتها يوم الخميس 21 مارس 2013 م في الساعة السابعة مساء بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للشعر بدار الثقافة بالداوديات بمراكش ، والذي كان تحت شعار «دورة الشاعر أحمد بلحاج آية وارهام»، وشاركتْ فيه فعاليات نقدية وشعرية متميزة، برعاية بيت الشعر في المغرب ، والمندوبية الجهوية للثقافة ، وجامعة القاضي عياض ، وجميعة الأطلس الكبير.