حذرت تقارير أمنية سرية جزائرية من وضع خطير على الحدود بين الجزائر ومالي، في الأشهر القليلة المقبلة، وطلبت من قيادة الجيش زيادة وتشديد إجراءات الأمن في المناطق الحدودية، بعد فرار أكثر من 3 آلاف مسلح تابع للقاعدة والفصائل السلفية الجهادية، باتجاه المرتفعات الواقعة على الحدود الجزائرية المالية. وقررت قيادة الجيش التعامل مع أي محاولة تسلل عبر الحدود الجنوبية المرتبطة مع كل من مالي، النيجر وموريتانيا وليبيا، طبقا لقواعد الاشتباك المتبعة في حالة الحرب، أي إطلاق النار فورا ودون أي إنذار. ولهذا الغرض نشرت قوات الجيش الموجودة على الحدود، تحذيرا بين السكان المحليين حول الوضع الأمني، وحول المخاطر التي قد يتعرض لها المدنيون في حالات تسلل غير قانونية عبر الحدود. وجاء هذا بعد أن توالت التحذيرات الأمنية حول الوضع الخطير على الحدود الجنوبية، خاصة في ما يعرف بالأراضي الصخرية على الحدود الجنوبية، وقالت تقارير أمنية جزائرية إن أغلب مسلحي الفصائل التي كانت تسيطر على مدن شمال مالي، فروا بأسلحتهم وسياراتهم إلى المناطق الحدودية الواقعة بين الجزائر ومالي والمثلث الحدودي بين الجزائر ومالي والنيجر، ويتحصنون هناك الآن ويحضرون لحرب طويلة مع القوات الفرنسية والمالية الإفريقية. وأكدت هذه التقارير بأن الحدود الجنوبية للجزائر ستتحول، في غضون أسابيع، إلى منطقة نشاط رئيسي لأكثر من 3 آلاف مسلح تابع لمنظمات أنصار الدين والتوحيد والجهاد والقاعدة وكتيبة الملثمين، وهو ما يعني أن الحدود الجنوبية للجزائر مقبلة على مرحلة ساخنة جدا. ويعيش النظام الجزائري على أعصابه من تطورات الوضع في مالي في أعقاب التدخل العسكري الفرنسي بعد فشل رهان المؤسسة العسكرية النافذة في التحكم في مصير الوضع الجيوسياسي بمنطقة الساحل من خلال تعهد و رعاية و دعم حركة أنصار الدين التي عولت على قادتها في الاستمرار في خدمة أجندة قصر المرادية في مالي قبل أن يتحول زعماء هذه الحركة الى أول المطلوبين من طرف القوات الفرنسية و الحكومة المالية على السواء . و في هذا السياق أكدت صحيفة نيويورك تايمزفي تحقيق صحفي حول الوضع المالي إن الجزائر غرست بنفسها بذور أزمة الرهائن برعايتها لأمير حرب وصفته بالأفعى السامة، في إشارة إلى الزعيم التقليدي لجماعة "أنصار الدين" إياد آغ غالي. وذكرت الصحيفة أن أمير الحرب الصحراوي في إشارة الى آغ غالي رجل "يفي بوعوده"، ولذلك رأى فيه الجزائريون الشخص الذي يستطيع إدارة الأزمة التي يعاني منها جيرانهم في شمال مالي، حتى أنهم آووا ممثله في أرقى فنادق عاصمتهم متذرعين بأن رعايتهم لزعيم متشدد قوي وإقامة علاقات وثيقة معه على الجانب الآخر من الحدود، تماماً مثل ما فعلت باكستان في أفغانستان، من شأنها أن تحمي مصالحهم. لكن بدلا من ضمان أن يبقى الصراع خارج بلدهم تستطرد الصحيفة الأمريكية انتهى الأمر بإياد آغ غالي بأن جلبه إلى عقر ديارهم. فاندفاع قواته المفاجئ صوب العاصمة المالية باماكو في يناير أغضب الجزائريين، ودفع الجيش الفرنسي للتدخل وأتاح للمتطرفين حشد قواهم واقتحام حقل لإنتاج الغاز في الجزائر، مما أودى بحياة ما لا يقل عن 38 رهينة. لقد أخطأ ساسة الجزائر حساباتهم السياسية حين اعتقدوا أن حركة أنصار الدين يمكن أن تكبح محاولات الطوارق إقامة دولتهم المستقلة الممتدة في أجزاء واسعة من الصحراء الجزائرية ، وهو ما دفعهم منذ بداية التمرد في شمال مالي الى السماح لعناصر من الحركة بالتجول بحرية في أقصى الجنوب الجزائري للتزود بالوقود و المؤونة و الحصول على السيارات الرباعية الدفع و قطاع الغيار . إننا نعيش بجنوب الجزائر سيناريو مماثل لذلك الذي أنتجته العبقرية الاستخباراتية العسكرية الجزائرية بفيافي تندوف أواسط السبعينات و تعهدته مع فارق أن كيان مخيمات تندوف مشكل من مرتزقة مدجنين في حين أن ما يختمر و يتأسس حاليا في أقصى الحدود الجنوبية الجزائرية هو مئات السلفيين المسلحين المتعددي الولاءات و القناعات و القادرين على قيادة حرب عصابات طويلة المدى من شأنها إستنزاف القدرات القتالية للجيش الجزائري قبل غيره من جيوش المنطقة .