اكتملت في مصر يوم السبت 22 ديسمبر 2012 الجولة الثانية والاخيرة من الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد، حيث توجه الناخبون في 17 محافظة مصرية إلى صناديق الاقتراع للادلاء بأصواتهم، وذلك بعد الجولة الأولى التي نظمت يوم السبت 15 ديسمبر. المرحلة الأولى شملت عشر محافظات أبرزها القاهرة والأسكندرية، حيث بلغ عدد المسجلين المخولين للتصويت قرابة 26 مليون ناخب. حسب النتائج شبه الرسمية شارك في تلك الجولة ما يقارب 8 ملايين ناخب أي نسبة 30.7 في المائة. النتائج شبه الرسمية أفادت أن نسبة المصوتين ب "نعم" بلغت زهاء 56 بالمئة في حين بلغت نسبة من صوتوا بلا زهاء 44 في المائة. في المرحلة الأخيرة من الاستفتاء تمت دعوة نحو 25.5 مليون ناخب مسجلين في المحافظات ال17 التي شملتها الجولة الثانية وهي الجيزة وكفر الشيخ والبحيرة والأقصر وقنا والمنيا والفيوم وبني سويف والسويس والاسماعيلية وبورسعيد ومطروح والوادي الجديد، ودمياط، والمنوفية، والبحر الأحمر، والقليوبية. فجر يوم الأحد 23 ديسمبر أعلن موقع الاخوان المسلمين على شبكة الانترنت موافقة الناخبين في الجولة الثانية على مشروع الدستور بعد فرز نحو 80 في المئة من قوائم لجان التصويت. وأوضح المصدر ذاته أنه بعد فرز نتائج الصناديق في 78 في المئة من اللجان، كانت نسبة الموافقين على مشروع الدستور حوالي 71 في المائة أي أربعة ملايين و460825 صوت، في حين بلغت نسبة معارضيه 28.85 في المائة أي مليون و862135 صوت. ومعنى ذلك أن عدد من شاركوا في التصويت بلغ 6 ملايين وحوالي 322 ألف، وبالتالي بلغت نسبة المشاركة في المرحلة الثانية 24.7 في المائة فقط. بالرجوع إلى الأرقام الرسمية يتبين أنه من بين ما يناهز 52 مليون ناخب مصري مسجلين داخل البلاد بلغ عدد المشاركين في دورتي الاستفتاء حوالي 14 مليون و 322 الف ناخب، وهو ما يشكل نسبة حوالي 27 في المائة فقط من ما مجموعه حوالي 52 مليون ناخب من ضمن سكان يبلغ تعدادهم داخليا حوالي 82 مليون نسمة. أين صوت الملايين الأمر الذي يشير إليه الملاحظون أن هناك ما بين 8 ملايين و 11 مليون مصري يقيمون خارج بلادهم بصورة دائمة أو مؤقتة، وهؤلاء لم تكن لهم كلمة تقريبا في تحديد مستقبل بلدههم. السفير الدكتور محمد الضرغامي مساعد وزير الخارجية للشئون القنصلية والمصريين في الخارج، ذكر ان عدد مواطنيه المقيمين في الخارج يبلغ 11 مليون نسمة منهم 5 ملايين يقيمون بطرق غير شرعية في البلدان المضيفة لهم. ودعا المخالفين لتصحيح اوضاعهم حتي لا يقعوا تحت طائلة القانون. وعلى هذا الأساس وحسب المعطيات التي تعتمد عليها الهيئات الدولية مثل الاممالمتحدة وصندوق النقد والبنك الدوليين فإن التعداد المتكامل لسكان مصر يفوق ال 92 مليون نسمة. نسبة ضئيلة جدا من هؤلاء المصريين تمكنوا من المشاركة في التصويت على الدستور الجديد. حيث أن الأرقام الرسمية تتحدث عن أن هناك حوالي 500 الف مصري مهاجر مسجلين في القوائم الانتخابية، نسبة لا تتجاوز الربع شاركت في التصويت على الدستور. عندما تتأكد هذه النتيجة رسميا فإن الاستفتاء ال23 في تاريخ مصر والأول في عهد أول رئيس مدني وإسلامي لجمهورية مصر العربية، لم يشذ عن الاستفتاءات ال22 التي سبقته والتي كانت نتيجة جميعها فوز ال"نعم". مقاطعة القضاء كان من المقرر مبدئيا إجراء الاستفتاء في جولة واحدة يوم 15 ديسمبر ولكن تم استبدال ذلك بجولتين في اللحظات الاخيرة، وذلك بسبب مقاطعة عدد كبير من القضاة عملية الاشراف على الاقتراع احتجاجا على الخروقات التي شابت وضعه. وكذلك بسبب الشكوك التي اثارها إقرار الجمعية التأسيسية مشروع الدستور بشكل مفاجئ رغم الإيهام بأن عملها سيستغرق أسابيع إضافية يتم فيها العمل على توحيد الأراء، ورغم انسحاب العديد من اعضائها ومن ثم مصادقة الرئيس محمد مرسي عليه وطرحه للاستفتاء على عجل مما تسبب في توترات حادة بالبلاد وتظاهرات تخللتها في احيان كثيرة مواجهات واعمال عنف. وقد شهدت البلاد مواجهات بين المؤيدين والمعارضين كان بعضها عنيفا ولا سيما في 5 ديسمبر حين سقط ثمانية قتلى واصيب المئات في محيط القصر الرئاسي في القاهرة. موقف القضاة عكس انقسام المصريين بشان مشروع الدستور بين مؤيد يعتبر أنه "نتاج الأغلبية وينهي المرحلة الانتقالية ويجلب الاستقرار ويدير عجلة الاقتصاد التي شلت بشكل شبه كامل منذ بداية الأحداث في 25 يناير 2011 حيث انتقلت نسبة النمو من زهاء 7 في المائة إلى أقل من 2 في المائة"، ومعارض يرى انه "غير توافقي وينطوي على إفراط في أسلمة التشريع ويمس بالحقوق والحريات ولا يجلب استقرارا حقيقيا". الاسلاميون، ولا سيما جماعة الاخوان المسلمين التي أتى من صفوفها مرسي، دافعت بكل قوة عن مشروع الدستور مؤكدة أنه يهدف إلى منح مصر مؤسسات مستقرة تعكس، التغيرات التي حدثت في البلاد منذ الاطاحة بالرئيس حسني مبارك في فبراير 2011. معظم الاحزاب الليبرالية والعلمانية واليسارية التي اتحدت في جبهة واحدة عارضت معتبرة أنه مشروع أعدته لجنة تأسيسية هيمن عليها الاسلاميون، فجاء بمضمون يسعى لأسلمة مفرطة للتشريع ولا يوفر ضمانات كافية للحريات. جبهة الانقاذ الوطني ذكرت ان المرحلة الاولى من الاستفتاء شابتها مخالفات عديدة وعمليات تزوير واسعة النطاق لترجيح كفة ال"نعم". نتائج تهزم جميع الأطراف على الصعيد الإعلامي سجلت نفس حالة الانقسام صحيفة الشروق المستقلة عنونت "نتائج تهزم جميع الأطراف" وكتبت في صفحتها الأولى "لم تتعد نسبة من حضروا 31 بالمائة ممن يحق لهم التصويت بينما قاطع 69 بالمئة، واتساع نسبة المقاطعة يمكن ارجاعه الى ان القوى المتصارعة منذ شهور لم تقنع الغالبية العظمى من الشعب بالتفاعل مع خطابها السياسي سواء الرافض او المؤيد". واضافت الصحيفة ان النتائج اظهرت ايضا "ان التيار الاسلامي بما لديه من سلطة وخطاب ديني وإمكانات تنفيذية لم يقنع سوى 56 بالمائة بدعمه بينما وقف امامه نحو 44 بالمائة رافضين ليس فقط لمشروع الدستور بل ايضا لسياسات الرئيس محمد مرسي وجماعة الاخوان المسلمين". وجاء عنوان الوطن المستقلة "مصر قالت لا والتزوير قال نعم". اختناق اقتصادي المرحلة الثانية من الاستفتاء جرت في خضم اوضاع اقتصادية لا تنفك تتأزم. وفي هذا السياق اعلن صندوق النقد الدولي يوم 11 ديسمبر إرجاء البت في طلب القاهرة الحصول على قرض بقيمة 4800 مليون دولار تم الاتفاق عليه في نوفمبر 2012 بسبب الازمة السياسية التي تهز البلاد. الأمر الذي قد يكون أخطر هو مصر قد تخسر 1000 مليون دولار شهريا. علاء سماحة، المستشار السابق لوزير المالية، العضو المنتدب السابق لبنك بلوم مصر صرح يوم 21 ديسمبر، إنه حال إقرار تنفيذ قرار سعودى بإلزام العمالة الأجنبية هناك بمنع تحويل ما يزيد عن الراتب الشهرى لخارج السعودية، سوف يحرم الاقتصاد المصرى من نحو 1000 مليون دولار شهريا، والتى تمثل أهم الموارد العملة الاجنبية للبلاد، فى ظل التراجع الذى أصاب التدفقات المالية بالعملات الأجنبية فى مصر من السياحة والاستثمارات نتيجة الاضطرابات السياسية. وأضاف سماحة، أن التقديرات تشير إلى أن المملكة العربية السعودية التي يعمل بها نحو 2 مليون مصرى، بمتوسط دخل يقدر بنحو 4000 ريال شهريا، أي بإجمالى أموال للعمالة المصرية يقدر بنحو 8 مليارات ريال شهريا، ما يعادل 2000 مليون دولار، يتم تحويل ما يترواح بين 50 و60 في المائة من تلك الأموال، مؤكدا أن عددا من تلك العمالة يعمل بأكثر من وظيفة هناك ومصادر دخل أخرى، أى أن القرار حال إقراره يحرم الاقتصاد المصرى من نحو 1000 مليون دولار، كانت تمثل أهم موارد دخل للعديد من الأسر المصرية. تسابق مما أثار الخلافات أكثر أنه قبل الجولة الثانية من الاستفتاء استبقت الرئاسة بإعلان توقيع مرسي على قائمة تعيينات في مجلس الشورى الغرفة الثانية في البرلمان التي سيعهد إليها بمهمة التشريع فور إقرار الدستور الجديد. وفقا لمشروع الدستور الجديد سيبقى مجلس الشورى قائما بتشكيلته الحالية لمدة 14 شهرا اذ ينص على اجراء انتخابات جديدة لهذا المجلس بعد عام من انتخابات مجلس الشعب أي النواب. القائمة خلت من أعضاء "جبهة الإنقاذ الوطني"، التي تضم قوى المعارضة الرئيسة. وذكرت مصادر أن القائمة التي تتكون من 90 إسما ضمت ممثلين عن الأزهر والكنائس الثلاث، إلى جانب مرشحين عن شيوخ القبائل وسيناء والنوبة وفنانين ورياضيين، ونحو 20 إسما من الموصوفين بالتيار الإسلامي و12 قبطيا". قبل ساعات من انتهاء المرحلة الثانية من الاستفتاء وفي تحرك يفسر على أنه معارضة لسلوك الرئاسة، اعلن محمود مكي البالغ من العمر 58 عاما وهو نائب الرئيس المصري محمد مرسي استقالته من منصبه مؤكدا ان "طبيعة العمل السياسي لا تناسب تكوينه المهني كقاض". يشار إلى أن الدستور الجديد لا ينص على وجود منصب لرئيس الجمهورية بل يمنح رئيس الجمهورية حق تخويل صلاحياته الى رئيس الوزراء في حال وجود مانع مؤقت يحول بينه وبين ممارستها. وكان مكي من رموز تيار استقلال القضاء الذي خاض معارك في العامين 2005 و2006 مع الرئيس حسني مبارك احتجاجا على ممارسات انتخابية ولكنه ظل رغم ذلك يمارس عمله. عهد جديد قبل ساعات من بدء جولة التصويت الثانية أكد القيادي الأخواني الدكتور عصام العريان أن مصر والوطن العربي يبدءون عهدا جديدا بمجرد إعلان النتائج النهائية للاستفتاء على مشروع الدستور المقترح، و قال: "اليوم يقول النصف الثاني من المصريين في 17 محافظة كلمتهم في مشروع الدستور الجديد، ومع إعلان النتائج الرسمية النهائية تبدأ مصر والمنطقة العربية والإقليمية كله عهدا جديدا، عنوانه الشعب هو الذي يقرر". وأضاف نائب رئيس حزب الحرية والعدالة من خلال حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "لن يكون هناك فراعنة في مصر، ولن يكون هناك مستبدون في العالم العربي، لن يسرق إنسان ثروات الأمة أو يستثمرها خارج أرضها، فأهلها هم أولى بها". و أشار إلي أن الجميع سيكون سواسية أمام الدستور والقانون، وأضاف: سيضمن الدستور للنساء والرجال، الشباب والفتيات، والأطفال حقوقهم كاملة"، مضيفا: "في ظل الدستور والحياة الديمقراطية الدستورية والدولة المصرية الحديثة، سيتمتع المسيحيون في مصر والعالم العربي بحقوق المواطنة كاملة، ستتوقف الهجرة بسبب الاضطهاد، وبسبب التمييز، وبسبب البحث عن فرص عمل. عندما نحقق بجهدنا وثرواتنا وعرقنا تنمية جادة ونهضة شاملة لن يلجأ إنسان إلى الهروب لبلاد أخرى أو الغرق في قوارب الموت". وذكر أن هناك تشويها متعمدا و تضليلا استراتيجيا من قبل قوي دولية وإقليمية تستخدم ضد مشروع الدستور والرئاسة و الشعب في مصر، مشيرا إلي أن هذا ما فعلته الولاياتالمتحدةالأمريكية بالعراق، وهو ما أدي إلي غزوها، وقال: "مع إعلان النتائج سيدرك الجميع حجم التشويه المتعمد، والتضليل الاستراتيجي الذي تم استخدام نفس الأساليب الأمريكية التى أدت إلى غزو العراق بالكذب والخداع، الذي مارسته قوى دولية وإقليمية وعربية ضد مصر ومشروع الدستور والرئاسة والشعب في مصر". وشدد على أنه يصعب خداع الشعب المصري، مضيفا: "مع إعلان النتيجة سيدرك الجميع أن هذا شعب يصعب خداعه، وإن الذين بنوا الأهرامات وهزموا الفرنجة، ودحروا التتار، قادرون على صنع التاريخ من جديد، رغم أنف الجميع". الحرب الأهلية الكثيرون تحدثوا بعد أحداث 25 يناير 2011 عن أن مصر في نطاق المرحلة الإنتقالية تواجه خطر الحرب الأهلية وما يمكن أن يتبعها مع مخطط التقسيم الذي نص عليه مشروع الشرق الأوسط الكبير الأمريكي. من ضمن ما تضمنه المشروع الأمريكي، أنه بدلا من استخدام القوة العسكرية الأمريكية مباشرة للتدخل في مناطق صراع تعتبر أساسية للمصالح الأمريكية وهو ما ثبت عمليا أنه مكلف جدا، يمكن إستخدام قوى من داخل منطقة الاهتمام للحسم بأقل تكلفة من حيث القوى البشرية أو المقدرات المادية. خلال النصف الثاني من شهر ديسمبر 2012، نفى عصام العريان، نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين، أن يؤدي تفكير الحزب في تسليح أعضاءه لحماية مقراته في مصر إلى خلق ميليشيات مسلحة، واتهم "المذعورون ممن يخشون الحرية"، ويروجون لفكرة الحرب الأهلية بنشر هذه "الأوهام"، على حد قوله، مؤكدا حق حزبه في حراسة مسلحة. يوم 18 ديسمبر وفي مواجهة إتهامات حول تهريب الأسلحة إلى مصر وتسليح فئات سياسية معينة، قال العريان: "في ظل المرحلة الحالية والقصور الأمني، من حقنا ترخيص سلاح بطريقة قانونية لحراس مقراتنا، فنحن تعرض 28 مقر لنا للاعتداء والحرق، ومن حقنا حماية مقراتنا". ورفض العريان تفسير تصريحاته بشأن التفكير في تسليح أعضاء الجماعة بكونه مؤشرا على خلق ميليشيات مسلحة تقوم بفرض الأمن بالقوة بموازاة قوات الأمن التابعة لوزارة الداخلية. وقال "هذا كلام فارغ، وكلامي واضح ويمكن الرجوع إليه، وقد قلت أننا يمكننا أن نرخص سلاحا لحراس مقراتنا وأن يكون الترخيص عن طريق وزارة الداخلية كما هو مصرح به". وقال العريان، إن من قرأوا في كلامه نذير بخلق ميليشيات وبشائر حرب أهلية هم "المذعورون الذي يخافون من الحرية ومن الشعب ومن الديمقراطية". وأضاف: "الذعر في نفوس المذعورين، وهذا يدل على مدى خوفهم، وهؤلاء نفسهم من يتحدثون عن رغبتهم في بناء معبد بوذي أو يتحدثون عن الهولوكوست وعن الحرب الأهلية والعصيان المدني، ولكن كل ذلك أوهام يصنعها الخوف من الحرية". العريان ليؤكد أن "من حقنا أن يكون لدينا حرس مدرب بطريقة قانونية على حمل سلاح مرخص بطريقة قانونية أيضا، فقد تعرض 28 مقرا من مقراتنا للاعتداء، أليس من حقنا إذا أن ندافع عن أنفسنا كما تعرضنا للقتل في أحداث قصر الاتحادية"، حسب العريان. "إن من حق الصراف الذي ينقل أموالا، ومن حق السياسي الذي يخشى على حياته، والأشخاص الذين يخافون على حياتهم أو من التعرض للاعتداء أن يحملوا سلاحا مرخصا للدفاع عن أنفسهم"، حسب العريان. وعن خطر أن يؤدي ذلك إلى انتشار السلاح في البلاد وتداعيات ذلك، قال العريان" إن السلاح منتشر أصلا ومن هاجمونا عند (قصر) الاتحادية استخدموا سلاح ورصاص حي وأسلحة مجهزة بكواتم صوت، ألا يخلق ذلك رعبا؟ ولماذا لم يشعروا بالذعر عندما تم الاعتداء على مقراتنا وتم حرقها؟" ورأى أن "المشكلة ليست في تسليح أعضاء الجماعة لحماية المقرات، لكن المشكلة الحقيقية في وجود السلاح بأيدي من يريدون جر البلاد إلى الفتنة وإلى حرب أهلية، وفي وجود السلاح في أيدي النظام السابق وأنصاره الذين يريدون قيادة انقلاب على الديمقراطية". الحرب الأهلية يوم 20 ديسمبر قال الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل في حلقة مع الإعلامية لميس الحديدي ان مصر تقف لأول مرة على شفا خطير وان كيان الدولة نفسه أصبح فى خطر مؤكدا على ان كثير من قيادات الإخوان كانوا يسألونه قبل تنازل الرئيس مبارك، ما إذا كان بإمكانهم لقاء عمر سليمان رئيس المخابرات مما يؤكد انهم كانت لديهم رغبة فى السلطة. وفيما يتعلق بنتائج الإستفتاء أكد هيكل على ان تلك النتائج بدت هشة بالنسبة له وان الدلالة التى تشير اليها نتيجة 43 في المائة بلا و 57 في المائة بنعم بعد حساب الأخطاء والتجاوزات تؤكد على ان النسبة خمسين فى المائة الى خمسين فى المائة مما ينذر بوقوع إنقسام مؤكد فى الدولة. وأضاف انه حيث توجد نسبة تعليم أعلى يوجد تصويت بنسبة أكبر للا وبالتالى فإن هذا التقارب فى النتائج يعد أمرا مذهلا حيث كان متوقعا ان تكون الأغلبية بنعم، خاصة ان معظم من قالوا نعم على مشروع الدستور فعلوا ذلك بعد أن تعذبوا خلال الفترة الماضية بما فيه الكفاية وبحثوا عن هذا الإستقرار بنعم ومن هنا نخرج بنتيجة فى منتهى الأهمية وهى ان تلك "النعم" ليست إرادة الشعب. كما أكد هيكل أيضا على اندهاشه من طرح الإستفتاء فى هذا الوقت وان تلك النتيجة ستجعل الرئيس مرسى يقود بلدا منقسما على نفسه وسنعانى وقتها من مصير مؤلم. وأشار الى ضرورة وجود مفوضى دولة يعملون مع الرئيس لقطاعات معينة وهو يرأس بنفسه وهؤلاء المفوضين لابد أن يكونوا أقوياء فى أماكنهم فمثلا بدلا من أن ندفع برجل مثل فاروق العقدة للإستقالة والعمل فى بلد أجنبى نجعله مفوض الدولة لشئون الإقتصاد ورجل مثل عمرو موسى يكون مفوض الدولة للشئون الخارجية فلا سبيل لنجاح مرسى سوى بتشكيل إدارة قوية لتتحمل نتيجة قراراتهم فيكفى انه لايوجد وزير الأن ستطيع أن يأخذ قرار وهذا يدل اننا على شفا هاوية ولابد أن نخطط للمدى البعيد أما هدف المدى القريب فلابد ان يكون الحفاظ على هذا البلد من السقوط، فأنا لأول مرة أخاف على مصر بشكل حقيقى وعلى من لديه السلطة ان يحافظ على هذا مصر من السقوط فإدارة الدولة المصرية لا تكون بإصحاب محلات التجارية، فأنا أندهش من كون الإخوان لديهم القدرة على الإدارة ومع ذلك يقولون "موتوا بغيظكم". اما المعارضة فمشكلتها انها جيدة وطموحة ولكنها ليست منظمة لذلك يصعب قياس قوتها فى الشارع. وأكد هيكل على ان مصر مخترقة من أعضاء المخابرات الأمريكية ومكافحة الإرهاب وان هذا الإختراق وصل لذروته أيام الإخوان. كما أشار الى خوفه من إنتشار العنف فى البلد خاصة فى ظل كم السلاح الكبير الموجود بين الناس فى الشارع وبناء عليه لابد من تأجيل العمل بالدستور او الموافقة عليه لأنه سيؤدى بالرئيس الى نتائج لن يستطيع تحمل عواقبها. التقسيم كتب المحلل عبد الله إسكندر في تحليل بعنوان مصر ما بعد الاستفتاء: ما من شك ان نتيجة الاستفتاء على مشروع الدستور المصري، ستحمل غالبية ال "نعم" التي تتوق اليها جماعة الاخوان المسلمين. ويمكن ان نتوقع ان جدلا كبيرا سيحصل في شأن هذه النتيجة. ستطلق شكوك في نزاهة الاقتراع، بعد شكوك في نزاهة الرئيس محمد مرسي الذي وعد بأنه لن يوافق على مشروع دستور لا يلقى الإجماع. وستصدر اعتراضات تتعلق بمعنى الاستفتاء ما دام حوالى نصف الشعب المصري رفضه. كما سيعود معارضون كثر الى بنود في المشروع الذي سيصبح دستوراً، لينتقدوا مضمونها، خصوصا تلك المتعلقة بالحريات العامة والمساواة ومدنية الدولة. لكن اغلب الظن ان الرئيس مرسي، ومن ورائه جماعة الاخوان المسلمين، وأنصاره من الاسلاميين، لن يعيروا كل هذه الاعتراضات أي بال. مثل ما تجاهلوا كل التظاهرات والاعتصامات والمطالبات، عشية الاستفتاء وبين مرحلته الاولى والثانية. عملياً، وفي انتظار الانتخابات النيابية المقبلة التي ستجرى خلال ثلاثة شهور بعد الاستفتاء، كما وعد ايضا الرئيس مرسي، سيتحول مجلس الشورى، حيث السيطرة شبه المطلقة للاسلاميين بعد التعيينات الرئاسية، الى سلطة اشتراعية بدل مجلس النواب، لتكتمل حلقة الهيمنة على كل السلطات، بما فيها القضائية التي ينهي الدستور استقلاليتها السابقة عن السلطة التنفيذية. ولتبدأ ملامح "النهضة" التي رفعتها الجماعة شعاراً لمعاركها الانتخابية وضد معارضيها. سعى بعض قادة "الاخوان" الى اطلاق تصريحات تطمينية في شأن دولة الدستور واحترام حقوق المعارضة. واذا كانت الشهور المقبلة ستكشف مدى جدية مثل هذه التطمينات، فإن السلوك التعبوي والتحريضي على المعارضة يكشف ايضاً مدى التقيد بهذه التطمينات. لقد شاهدنا على شاشات التلفزيون وقرأنا كيفية تعاطي الائمة والأطر الحزبية في الاخوان وفي الجماعات الاسلامية الاخرى مع معاني مثل الدستور والمعارضة والحقوق. لم ترد مثل هذه المفاهيم القانونية والمدنية على ألسنتهم وخطبهم. لقد قسموا المصريين الى فسطاطين: المؤمنون مؤيدو مشروع الدستور وسياسة الاخوان، والزنادقة والكفار معارضو هذه السياسة.وسجل صحافيون ان غالبية الاشتباكات التي كانت تحصل بين مؤيدي مرسي وأنصار المعارضة كانت تنطلق من مسجد يكفر خطيبه المعارضة التي يستنكر المصلون من انصارها هذا الخلط بين الدين والسياسة. وتحصل الاشكالات التي تلي هذا التكفير. لقد حصل فرز واضح في الشارع المصري بين فئتين سياسيتين، وبات هذا الفرز في رأي فئة منهما على الاقل يتعلق بالكفر والايمان، ما يضع سداً بين ابناء الوطن الواحد ويعمق الشرخ السياسي من عارض في الحياة السياسية الى جوهر في الوجود الوطني. اما على المستوى الرسمي والحكومي، فبات واضحاً من خلال كل الخطوات الحكومية المتخذة منذ انتخاب مرسي، ان ثمة نزوعا الى الاستئثار، سواء عبر الهجوم المباشر على المواقع والمراكز ومنحها للاسلاميين او عبر ممارسات تبعد في ذاتها ممثلي المعارضة او تدفعهم الى الاستنكاف او الاستقالة من موقعهم، ليجري تعيين اسلاميين مكانهم. وشكلت تجربة اللجنة الدستورية نموذجاً لما بات يسميه المعارضون المصريون "التغول الاخواني" في السلطة. وبذلك، تكون جماعة الاخوان، ومنذ انتخاب احد قادتها رئيسا، راحت تعد من اجل إحكام قبضتها على مفاصل الحكم وسلطاته، وإبعاد الاحزاب والهيئات والشخصيات الداعية الى حكم مدني.وبلغت الذروة عبر مشروع الدستور والاستفتاء الى حد الوصول الى هذا الانشقاق الشعبي وما نشهده من اشتباك اهلي لن يهدأ مع اعلان نتائج الاستفتاء، ما دامت قوى المجتمع المدني المصري قادرة على الاعتراض. عدم الوفاق علقت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية على الأوضاع الحالية في مصر مع انتهاء الجولة الثانية من التصويت على مسودة الدستور، وحالة عدم الاستقرار التي تمر بها البلاد نتيجة الصراع ما بين القوى الإسلامية والليبرالية، بالقول إن هذه الحالة قد تهدد بانزلاق مصر إلى فترة طويلة من عدم الوفاق، الذي سوف يضر في نهاية المطاف بالإسلاميين أكثر من أي فصيل آخر. ورأت المجلة في سياق مقال تحليلي للأوضاع في مصر أن مشروع الدستور الذي عرضه الرئيس المصري محمد مرسي على الشعب للإستفتاء على مرحلتين، سيلقى تأييدا من جانب الشعب المصري، على الرغم من تحفظ البعض عليه، معتبرة أن الموافقة على الدستور قد تمنح مرسي وحزبه الإخوان المسلمين مؤشرات خاطئة قد تجعلهم يسارعون في توجيه مصر في اتجاه الدولة الإسلامية المنغلقة على العالم. وقالت المجلة إنه ينبغي على الإسلاميين أن يكونوا أكثر واقعية، وبما في ذلك الرئيس مرسي، داعية إياهم لتغيير المسار في حين لا يزال لديهم متسع من الوقت، معتبرة أنه حتى في حال دعم الدستور والموافقة عليه من قبل المصريين، فإنه لن يكون دعما مدويا، حيث تقدر نسبة المصوتين في الجولة الأولى حوالي ثلث الناخبين المؤهلين للتصويت، وهامش الفرق بين التأييد والمعارضة كان ضئيلا. ورجحت المجلة أن جماعة الإخوان قد تميل أكثر فأكثر إلى إحكام قبضتها على البلاد، مشيرة إلى أنه ينبغي على الجماعة، أن تدرك أين يمكن أن تؤدى بها تلك السياسة التي تهدف للسيطرة الكاملة على البلاد، قبل فوات الأوان. ودعت المجلة الرئيس مرسي وجماعة الإخوان لاحترام آراء الآخرين والكف عن معاملة المعارضين السياسيين كأعداء واتهامهم بالتآمر مع الغرب، واعتبرت أن مرسي يمكن أن يستخدم سلطته كبادرة مصالحة، في ضمان تعيين أعضاء من مختلف التيارات بمجلس الشورى، بالنظر إلى أنه سيكون الآن الهيئة التشريعية الوحيدة حتى إجراء انتخابات جديدة لمجلس النواب في غضون شهرين، وإنه قد يكون من الحكمة جلب أعضاء أكثر من التيارات الليبرالية والمسيحية. وذكرت المجلة أنه في بداية سنة 2011، أمل المتفائلون أن تكتسح الديمقراطية الليبرالية المنطقة، في حين توقع المتشائمون أن يتشبث الإسلاميون بالسلطة ويتمسكون بها حتى النهاية، في إشارة إلى أن الأحداث الأخيرة دفعت بمصر خطوة في اتجاه المتشائمين. وأعادت المجلة في ختام مقالها إلى الأذهان فشل الأنظمة الديكتاتورية السابق في نهاية المطاف، لأن الحكومات القمعية التي تتجاهل آراء شعوبها عاجلا أم آجلا ستتم الإطاحة بها، مشددة على أن ذلك الوقت لم يفت بعد بالنسبة للرئيس مرسي لإظهار أنه قد تعلم الدرس جيدا. يوم 21 ديسمبر قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية إن وثيقة الدستور المصري، تترك العديد من الأسئلة غير المجابة حول شكل الديمقراطية في مصر، ومدي التزام الإسلاميين حيال الحريات الشخصية للأفراد وأيضاً مدي تقبل المعارضة لنتائج العملية السياسية الحالية دون النكوص ناحية العنف في الشوارع مرة أخري. وأضافت الصحيفة أن المسار إلي الاستفتاء علي الدستور الذي أعد علي عجل كاد أن يدفع مصر إلي حافة العنف الأهلي، كما كشف أيضا المدي الذي يمكن للإخوان المسلمين أن يذهبوا إليه في اتخاذ خطوات سياسية سلطوية. ورأت الصحيفة إن الكيفية التي سيتم بها حل الخلافات حول الدستور وتفعيل وثيقة الدستور الجديد سوف تحدد ما إذا كانت مصر ستعود الاستقرار أم أنها ستغرق في مزيد من العنف. [email protected]