السلطان محمد الخامس رفض القوانين المتخذة من قبل الإقامة العامة ضد اليهود تعقيبا على ما نشرته العلم (أمس) و(أول أمس) بخصوص يهود المغرب ودور جلالة الملك المغفور له محمد الخامس في حمايتهم وإنقاذهم، وصلنا من الدكتور عبد الهادي التازي مقتطف من كتابه »التاريخ الديبلوماسي للمغرب« يتحدث فيه عن التزام المغرب والسلطان محمد الخامس بحماية هذه الفئة من الرعايا المغاربة. كان من أبرز واجهات النضال الوطني التي صمد فيها جلالة السلطان سيدي محمد بن يوسف رحمه الله، الواجهة التي تتصل بتطبيق الفصل الخامس والسادس من معاهدة الحماية، وهما ينصان على أن فرنسا أمست هي المتحدثة باسم المغرب في العالم الخارجي، ومعنى هذا أن المغرب لم يبق له موقف إزاء القضايا الدولية، ومعنى هذا بطبيعة الحال أن على المغرب أن يتبع فرنسا أوتوماتيكيا فيما تتخذه من مواقف ولو أن هذه المواقف لا تتفق ومصلحته. وبهذا نفسر جيدا موقفه إزاء ما اتخذته فرنسا بتاريخ 3 أكتوبر عام 1940 من قرارات تتصل باليهود. فلقد حاولت الحكومة الفرنسية برئاسة الماريشال بيتان أن تفرض على المغرب قرارها حول اليهود المستمد كما هو معلوم من العنصرية النازية، وبمقتضى هذا القرار تم بفرنسا إقصاء اليهود من جل المناصب والمهن، خصوصا منها القضائية والتعليمية والطبية والتجارية، كما تم جرد أسمائهم تمهيدا لنقلهم جميعا إلى ألمانيا. وبالرغم من أن سلطات الحماية استعملت نفوذها بتصرف فردي من المقيم العام الفرنسي نوكيس فأصدرت الجريدة الرسمية المغربية عدد 1967 بتاريخ 6 دجنبر 1940 ظهيرا بإجراء العمل في المنطقة الفرنسية بالقانون السالف الذكر، وأصدرت كذلك بالجريدة الرسمية عدد 1506 بتاريخ 5 شتنبر 1941 ظهيرا متعلقا بما سمي بضابط اليهود، وأصدرت أيضا بالجريدة الرسمية عدد 1513 بتاريخ 24 أكتوبر وتاريخ 31 أكتوبر 1941 قرارا وزيريا حول تطبيق الظهير المتعلق بضابط اليهود. بالرغم من كل تلك المراسم فقد استمر جلالة الملك محمد الخامس غير آبه بما يصدرون وما يقننون بل إنه أخذ يقوم ببعض الإجراءات التي كانت تؤكد أن المغرب يظل غير ملزم بما تتخذه فرنسا من قرارات. وهكذا عثرنا في التقارير التي كانت الإقامة العامة الفرنسية ترفعها لحكومتنا على تقريرين سريين اثنين حول موقف المغرب المعاكس لقرار فيشي بالرغم من الحملات التي كانت تبثها الصحافة حول اليهود: التقرير الأول رفعته الإقامة العامة إلى الخارجية الفرنسية بتاريخ 24 مايو 1941 وهو يقول: .... إن السلطان سيدي محمد أبى إلا أن يتجاهر علانية بإنكاره التدابير والحملات ضد اليهود وقد اغتنم حفلة استقبال أقامها فاستدعى ممثلي الجمعيات اليهودية لهذا الاحتفال، وقدمهم شخصيا إلى الحاضرين ثم أجلسهم في مقاعد شرف مباشرة جنبا إلى جنب مع الولاة الفرنسيين الرسميين، فلما أعرب رجال الإقامة العامة عن امتعاضهم من حضور اليهود في مثل هذه الحفلة الرسمية، رد عليهم السلطان قائلا: إنني لا أوافق بأية حال على القوانين المتخذة من قبلكم ضد اليهود، إن اليهود تحت ذمتي كما كانوا من ذي قبل، وإني أرفض كل تمييز بين أفراد رعيتي، على حد تعبير الإقامة العامة. وبمناسبة عيد العرش 18 نونبر 1944 استقبل السلطان وفدا من يهود العاصمة، وكما جاء في تقرير سري آخر بتاريخ 20 نونبر 1944 توجد كذلك نسخة منه في الكي دورسي، أمرهم بالاقتراب منه وخاطبهم كما يلي: أنتم رعيتنا كالمسلمين ولهذا أحميكم كما أحمي بقية المغاربة وكونوا على يقين من أنكم تجدون عندي دائما ما تحتاجون إليه من المساعدة، اسألوا المسنون منكم يخبروكم بأن جدي المقدس مولاي الحسن كان يرعاكم مقتديا بأجداده وقد عرفه اليهود بهذه الصفة وكانوا يحبونه محبة مخلصة، وإني أؤكد لكم لا أحيد عن طريق أجدادي، وهذا العيد هو عيدنا وعيدكم أيضا. وعلى تلك التقارير المحفوظة في أرشيف الخارجية اعتمد الأستاذ شارل أندري جوليان في كتابه الذي صدر عام 1978 وذلك أيضا ما أثبته أوفيد في كتابه الذي صدر عام 1948. وهكذا يتأكد ما تناقلته مختلف مصادر التاريخ المغربي الحديث من حماية المغرب لليهود.... اعتمادا على التقريرين السريين اللذين رفعا من الإقامة العامة إلى الخارجية الفرنسية في التاريخين المشار إليهما.