نشط أدب الرحلة في الثقافة العربية منذ قرون عديدة.وكانت أغلب النصوص الرحلية تركز في نقل صورة عن الآخر الغرب ، يكون محورها ما يميز هذا الآخر من مظاهر الغرابة الباعثة على الدهشة والتعجب.والواقع أن ذات الرحالة حين تعكف على التقاط صور الآخر الغربي ، فهي إنما تقدم صورة معكوسة عن أناها وكينونتها. لأن إدراك الغير ، كما أكد ذلك التحليل النفسي المعاصر، هو في حقيقة الأمر ، إدراك للوجه الآخر المغاير للذات . فنحن ندرك الغير من منظور الذات ونتعرف على الذات من منظور الغير كذلك. فالذات في علاقتها بالآخر ، غالبا ما يثيرها ما هو في حكم المفتقد والغائب عنها في مظاهر ثقافتها الأصلية مما هو متوافر لدى الغير، أو ما يكون ملفوفا بسمة الغرابة والعجب مما ليس مألوفا عندها أصلا. ومن ثمة فإن الصورة المنقولة عن الآخر تكون حابلة برموز ودلالات ينطبق عليها ما يمكن تسميته بالرصد المرآوي . كأن الذات ترى في المرآة صورتها المعكوسة إذ هي تغرق في إدراك الغير. والمتأمل للنصوص التي نحتها الكاتب عبد العزيز الراشدي بعناية في مؤلفه الأخير: « يوميات سندباد الصحراء « ، يجد أنها لا تشذ عن هذه القاعدة التي وضحناها. فهي نصوص رحلية قصيرة تكشف لنا عن خبايا الذات في علاقتها بالآخر الغربي أو العربي ، وتقدم لنا صورة عن الآخر في ضوء خطاب لفظي ممتلئ بالرموز والمعاني المتباينة. غير أننا سنركز في هذه الورقة على إبراز مسألتين متناغمتين :تتجلى الأولى في تصور المبدع لفعل الكتابة الذي يرتبط عنده بالدهشة ، والطريقة التي تنكتب بها الذات الغيرية في هذه النصوص ، أما الثانية فتتمثل في احتكاك الذات بالصور وهوسها بها وتشغيلها في أفق تشكيل النص الرحلي .وثمة علاقة جدلية بين هاتين المسألتين سنحاول استجلاءها تحت عنوان جدلية الصورة والكتابة. وسنفتتح عملنا بحديث مختزل عن الصورلوجيا كمبحث يهتم بدراسة الصور، لأن الصورة تشكل مكونا هاما ضمن النسق العام لأدب الرحلات .