عادت العلاقات المغربية الجزائرية الى مربع التصعيد و المزايدات بعد حصيلة زهاء السنة من خطوات التقارب الخجولة . الصحف الجزائرية المقربة من دوائر القرار المؤثرة حفلت نهاية الأسبوع بتقارير و تحاليل تعكس المزاج المتقلب و الغاضب للحكام الجزائريين من حمولة الخطاب الملكي الأخير بمناسبة الذكرى 37 للمسيرة الخضراء . صحيفتا الشروق و الوطن المحسوبتان على دوائر نافدة بالجيش الجزائري نقلتا في نفس اليوم اتهامات لمسؤول سام في الدولة الجزائرية للمملكة المغربية بافشال مساعي التطبيع و التقارب بين البلدين الجارين و وصفه للخطاب الملكي بالاستفزازي الذي يهدف الى نسف أي تقارب ممكن و محتمل بين البلدين . حساسية النظام الجزائري المفرطة تجاه الحمولة القوية للخطاب الملكي بمناسبة ذكرى المسيرة تجد تبريرها حسب المسؤول الجزائري الرفيع الذي رفض الكشف عن هويته في كون المغرب نسف عملية تطبيع العلاقات الثنائية بين البلدين و أجهض ديناميتها البناءة . و خارج السياقات المغلفة لتبرير دوافع التصعيد الجزائري المعلن عنه عبر الصحف في خطوة قد تليها مواقف رسمية لا تقل تعصبا و مزاجية في القريب المنظور، يبدو أن دعوة المغرب المجموعة الدولية للانخراط القوي لوضع حد للمأساة ، التي يعيشها أبناؤنا في تندوف داخل التراب الجزائري ، حيث يسود القمع والقهر واليأس والحرمان بأبشع تجلياته ، في خرق سافر لأبسط حقوق الإنسان. و تجديد جلالة الملك في خطابه بمناسبة ذكرى المسيرة نداء المملكة للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين للقيام ، بحكم مسؤولياتها في مجال الحماية ، والالتزامات الدولية للجزائر ، باعتبارها بلد الاستقبال ، بتسجيل وإحصاء سكان المخيمات ، تطبيقا لقرارات مجلس الأمن لسنتي 2011 و2012. هي المطالب التي استفزت الكبرياء الجزائري المتعجرف و أخرجت دعاة الفتنة و التصعيد من أوكارها . الثابت في مسار العلاقات الثنائية بين الرباط و الجزائر أن نفس الكائنات المتعالية تنشط و تتفاعل و تبرز أنيابها بمجرد بروز أي بصيص أمل أو حدوث أي تقارب بين مسؤولي البلدين الجارين لتنفث سمومها و تنزل بكل ثقلها لاجهاض أي مسعى للتطبيع مهما كان تأثيره ضئيلا و محدودا . لا حاجة للتذكير بأن الحمولة القوية من المواقف و المبادىء التابثة التي وردت بالخطاب الملكي الأخير لا تعكس في واقع الأمر إلا الحد الأدنى المطلوب من الحزم السياسي و الديبلوماسي لمباشرة ملف الوحدة الترابية للمملكة بما يلزم من الوضوح و العزم و تسمية الأمور بمسمياتها الحقيقية خاصة و أن الجميع يدرك أن منطق التساهل و المرونة و غض الطرف و عدم الاحراج أضر بقوة الموقف المغربي في أكثر من مناسبة و أحال ملف وحدته الترابية الى ورقة تتقاذفها المصالح الدولية و اللوبيات المناهضة للحق المغربي و توظفها ضد مصالح المملكة . قد نستسيغ و نتفهم تشنج حكام الشقيقة الجزائر لأي سلوك يفسر على أنه يسيء لمسارات التقارب المتعثرة في أكثر من مناسبة و ظرف لكن لا يمكن أن نسمح أن يتم تبرير هذا التشنج و تصريف مواقفه ضد قضايانا الثابتة و المقدسة و المبدئية . الرسالة وصلت واضحة غير مشفرة و لا مجال للمزيد من المهادنة على حساب قضايا الأمة و في طليعتها قضية الصحراء و الخوض في التبريرات الواهية التي يطرحها عبر صفحات الجرائد لوبي الممانعة و التصعيد في قصر المرادية لا يمكن بأي حال أن يحد من الحزم المغربي الرسمي منه أو الشعبي للدفاع عن حقه التاريخي الذي تجاسرت عليه الأطماع و النوايا الخبيثة و الهدامة . لا مجال من الآن فصاعدا للمقايضة بملف الوحدة الترابية في مقابل التقارب و البناء المغاربي فالأمران يرتبطان بمعادلة لا مجال لتفكيك و التلاعب بأحد توابثها . نعم للوحدة المغاربية نعم للتضامن و الوحدة ولكن ذلك لن يتم على حساب ملف الصحراء المغربية و نزاعه المفتعل الذي لا يحتمل إلا الحل السياسي والنهائي الذي يطرحه المغرب . أي محاولة لخلط الأوراق و تعتيم النقاش بهدف إبتزاز الحقوق التاريخية للمملكة في وحدتها الترابية سيكون مآلها المزيد من الحزم الذي آبان عنه الخطاب الملكي و الذي يعبر عن قناعة يتقاسمها 35 مليون مغربي قدموا ما يكفي من التضحيات و التنازلات من أجل أن لا ينفلت فرط البناء المغاربي لكنهم غير مستعدين إطلاقا بأن يهدوا لأي طرف ملف وحدتهم الترابية على طبق من ذهب ليتلاعب به حسب أجندة أهوائه و مصالحه .