إن لم يكن نظام بشار الأسد يعيش آخر أيامه ، فعلى الأقل آخر أسابيعه. فالدولة السورية تفككت أوصالها، والحكم بات في حال من الإضطراب ، بين السيطرة على أجزاء واسعة من البلاد وقلة السيطرة، ونصف المعابر إلى الخارج باتت بأيدي «الثوار»، مما يشير إلى أنها أصبحت عبارة عن «غرابيل» لمرور السلاح والأفراد دون رقيب أو حسيب، وإذ وصلت المعارك إلى أحياء دمشق وحلب ، و هما المدينتان الأكثر تحصينا وتأثيرا ، فإن القيادات العليا للدولة لم تعد في مأمن لا على الأجهزة المؤتمنة عليها فقط، بل على نفسها، ولقد كان لضربة «الثوار» في دمشق ما انتهى إلى مقتل 4 أو 5 من كبار رجال الدولة من الوزراء ونواب الوزراء الأمنيين، المسؤولين على أمن النظام، الأثر الكبير على نفسية المتقاتلين، خصوصا و قد كان من بين القتلى الجنرال «آصف شوكت» زوج أخت الرئيس الأسد وأحد أقرب المستشارين لديه، كما يعتبر صقرا بين الصقور في النظام السوري المتهاوي، هو وشقيق الأسد ماهرالأسد، وإذ أصابت تلك الحادثة النظام في مقتل بحيث توالت الإنشقاقات بين الموالين، فإنها أعطت دفعا كبيرا «للثوار» الذين آمنوا أكثر من أي وقت مضى بأن الأمر سيحسم لفائدتهم إن عاجلا أو آجلا. ولكن إلى ماذا ، سيؤدي سقوط نظام الأسد بعد أكثر من أربعين سنة من الحكم ، كل المراقبين يعتقدون أن سوريا ليست وحدها المقدمة على أوضاع غير مستقرة بعد انهيار النظام الأسدي ، المسنود بقوة حاليا من قبل موسكووطهران وحزب الله، والذي وإن تشقق من الداخل ، فإن جبهته الخارجية ما زالت قوية صامدة. إن الوضع بسوريا ليس واضحا غدا، فالمجلس الثوري ليس موحدا إضافة إلى صعوبات لديه في جمع الثائرين في الداخل والخارج، وقد دخلت على الخط خلافات عميقة بين الحداثيين اللائكيين، والطوائف والقوميات المختلفة، والإخوان المسلمين، وحتى السلفيين. ويتوقع المراقبون الأكثر التصاقا بالشأن السوري ومعرفة دقائقه، أن رحيل نظام الأسد سيدفع إلى اقتتال عنيف للسيطرة على وضع لن يكون سهلا السيطرة عليه، على أن ذلك ليس هو الخطر الوحيد، بل إن ما سيحدث في سوريا ستكون له تداعياته الإقليمية الواسعة، وهناك الكثيرون من يعتقدون ، أن الهدف ليس سوريا بالذات، بل تقصيب وقطع أجنحة طهران وحزب الله واحتمالا حماس، وقطع سبل الإتصال بين أجنحة الإسلام الشيعي المتمثل اليوم في شيعة إيران وشيعة لبنان وعلويي سوريا الذين ينحدر منهم الأسد والأقلية السورية الحاكمة بأقل من 12 في المائة من السكان. ويرى محللون غربيون إن ذلك سيضعف الجبهة الإيرانية ويعريها بحيث يسهل ضربها سواء من قبل إسرائيل إن كان ذلك كافيا ، والمهم منع طهران من الحصول على سلاح نووي «مهدد» لأمن الغرب بما فيه إسرائيل، ولأمن الخليج الذي يرتعد من احتمال حصول إيران على سلاح نووي يعطي هيمنة كبيرة لطهران ويخضع الخليج وربما العالم العربي لتأثير كاسح فارسي شيعي. ومن هنا يبدو واضحا أن المنطقة العربية كلها مهددة اليوم بتطورات كبرى ، مهما كانت نتائجها فإنها لن تخدم العالم العربي ولا حرية قراره، خاصة على خلفية وصول الإخوان المسلمين للحكم في أكثر من قطر عربي. ولعل الخطأ الأكبر هو الذي ارتكبته روسيا منذ البداية بالسعي لتأييد حكم سوري متهاوي، بدل أن تكون عنصر توازن، فلا تخرج من المولد المقبل بسرعة بدون حمص على رأي المثل المصري ، بعد أن يكون النظام السوري قد سقط وسقطت معه آخر المصالح الروسية في المنطقة بالكامل. *كاتب صحفي من تونس