مع حلول اليوم الموعود لاختيار رئيس جديد للولايات المتحدةالأمريكية، تصبح استطلاعات الرأي ضرْباً من التنجيم أو نوعا من قراءة الفنجان . ومن المؤكد أن قراءات من هذا القبيل لا تجدي نفعا ، ذلك أن ما يسمّى بفئة المترددين ، في أوساط الناخبين الأمريكيين ، يمكن أن تقلب كل التوقّعات ، رأسا على عقب ، في الساعات الأخيرة من يوم التصويت ، فيطلع اسم المرشح غير المنتظر، تماما كما يحدث في مباراة كرة القدم، حيث أنه ليس من الضروري أن يربح الفريق الجيّد المقابلة . هذه الفئة بالذات هي التي يُعَوِّل عليها مرشح الجمهوريين، جون ماكين، الذي أظهرت مواجهته لمنافسه الديموقراطي، باراك أوباما، خلال المناظرات التلفزيونية، أو استطلاعات الرأي المتعددة والمتوالية ، تخَلُّفَه الْبَيِّن عن خصمه .. يمكن القول أن الحظوظ تبقى متساوية بين الرجلين، وأن فوز أحدهما منتظر بغض النظر عن تعدُّد القراءات والاستطلاعات . نعم، فاز الرئيس الراحل، رونالد ريغن ، في انتخابات1980 بالرغم من أن استطلاعات الرأي كانت تعطي الأسبقية لمنافسه جيمي كارتر . وقد تَسَنَّى له (ريغن) ذلك في اللحظات الأخيرة من السباق المحموم نحو البيت الأبيض ، بفضل مناظرة تلفزيونية تمت قبل أسبوع واحد من موعد الاقتراع . وهو ما لا يعتبر ممكنا اليوم بالنسبة للمرشح الجمهوري جون ماكين الذي خسر كل شيء في المناظرات الثلاث التي جمعته بمنافسه أوباما، ولم يبق أمامه(ماكين) سوى انتظار مفاجأة أو شيء يشبه المعجزة ، أو أمر غير عادي يقلب كل شيء رأسا على عقب ، مثل أزمة دولية كبرى أو هجوم إرهابي من شأنه أن يعطي متنفّساً يتمكن خلاله ماكين من تحويل الأصوات لفائدته. وعلى سبيل الاستئناس، يستند البعض هنا على حالة الرئيس الراحل هاري ترومان في انتخابات 1948، حيث كان الرأي العام وقتها يعتبرترومان (المنتهية ولايته) خاسرا أمام منافسه الجمهوري توماس ديوي ، لدرجة أن بعض الصحف لم تتردد في نشر عناوين غليظة في الصفحة الأولى تقول : «ديني يفوز على ترومان»! وظهر كأن الأمر حُسِم ، لكن الناخبين قرروا إعادة ترومان إلى البيت الأبيض، معززا مكرّما. هل سيعيد التاريخ نفسه ؟ الأمريكيون لا يهتمون كثيرا بالتاريخ، فبالأحرى بدروسه وعبره. إنهم ماديون .لا يهزّهم شيء قدر ما يهزهم ما هو غير مُتوقَّع وغير منتظر ، ويكون صادما ومؤثرا ... من هنا تأتي أهمية ما أكد عليه الخبراء من أن المرشح (ماكين) يحتاج إلى حدث استثنائي يقلب كل الموازين في حجم أزمة دولية كبيرة أو هجوم إرهابي . ولا أحد يعرف ماذا سيقع بعد ثوان أو دقائق. ومن كان يتوقع انهيار جدار برلين ومعه الأنظمة الاستبدادية في أوربا الوسطى والشرقية ، أو سقوط الامبراطورية السوفياتية بتلك السرعة التي تركت جميع المراقبين يتابعون ما يجري وهم في حالة ذهول ؟ تكتسي الانتخابات الرئاسية الأمريكية أهمية خاصة ، كونها تجري في بلد القوة الأكبر في العالم التي تُزْبِد وتُرْغي، وبالتالي يكون من الطبيعي جدا ، إن لم أقل من المفروض ، متابعة الحدث بكل تفاصيله المملة . ومما يزيد من أهمية انتخابات هذه السنة كونها تأتي وأمريكا ، القوة الاقتصادية الأولى، تقود العالم نحو أزمة خطيرة ، مما سيجعل الرئيس المنتظرأمام محك حقيقي ورهان أكبرللخروج منها بأقلّ الخسائر، إلى جانب أنها المرة الأولى التي يتقدم فيها مرشح أسود في شخص الديموقراطي أوباما الذي بذل مجهودا كبيرا وشاقّاَ في رحلة الألف ميل نحو البيت الأبيض . فإن فاز ، حقق أمنيته وأمنية بني جلدته من مناصريه ومؤيّديه ، وإن فشل فله فضلُ تكسيرِ طابو احتكارالترشح للانتخابات الرئاسية الأمريكية باسم حزب كبير في حجم الحزب الديموقراطي بعد أن أزاح من طريقه منافِسَة قوية في شخص السيدة هيلاري كلينتون .. وهو طريق لم يكن مفروشا بالورود .