وصف محللون الحملة الانتخابية الرئاسية الفرنسية بواحدة من أغرب الحملات على الأقل في تاريخ فرنسا. بدأت بجدل حول تأثير المهاجرين خاصة المسلمين ومواضيع العنف والأرهاب واللحم الحلال وهو الموضوع الذي جعله بعض السياسيين قضية وطنية، وانتهت بصدمات التقديرات المستخلصة من استطلاعات الرأي بشأن صعود قوى جناحي اليسار واليمين الأقصيين، وتقلص اهتمام الفرنسيين بالمشاركة في التصويت. تراجع إلاهتمام بالمشاركة يراه بعض المحللين على أنه أحد المؤشرات على أن الفرنسيين ملوا اللعبة السياسية بمعطياتها الحالية وأصبحوا ينتظرون تطورا فيما يوصف بالعملية الديمقراطية بعد أن عانوا من أزمات متتالية خاصة على الصعيد الاقتصادي. ويشعر جزء من الفرنسيين كغيرهم من الغربيين سواء في القارة الأوروبية أو على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي أن أساليب الحكم التي عاشوا في ظلها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وإن أفرزت رخاء اقتصاديا، فإنها جعلت كل المقدرات تصب في جعبة فئة محدودة وإعطاء الأفضلية المطلقة للأغنياء. كما وأنه مع مرور الوقت أصبحت الطبقة المتوسطة وما دونها ممن يعيشون على حافة الفقر تتحمل وحدها وزر وضريبة الأزمات. المال يتحكم في السياسة كتب المعلقان دانييل فلين وجيرت دوكليرك ساعات قبل فتح مكاتب التصويت: عبر الناخبون الفرنسيون يوم السبت 21 أبريل عن خيبة أملهم من حملة انتخابية قال كثيرون أنها تجاهلت المشكلات الحقيقية في البلاد. ونظم مئات المتظاهرين الشبان مسيرة في باريس رافعين لافتة كتبوا عليها «هم لا يمثلوننا». وقال دانكان وهو طالب عمره 19 عاما «لرويترز» عند تجمع المظاهرة أمام بورصة باريس «لا يحظى مرشح على ما يبدو بمصداقية بالنسبة لي. المال يتحكم في السياسة». وذكر متظاهر آخر «لا أحد من المرشحين في هذه الانتخابات يمثلنا. لن أدلي بصوتي. إنه التصرف الوحيد الممكن للتمرد». وفي الشوارع الهادئة في العاصمة الفرنسية عبر كثير من المارة عن خيبة أملهم لأن المرشحين الرئيسيين لم يركزوا على التحديات الرئيسية التي يواجهها ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، مثل البطالة التي وصلت إلى أعلى مستوى لها منذ 12 عاما. وقال فريدريك لوفيفر وهو رجل أعمال «الحملة لم تكن جادة بما يكفي. القضايا المهمة لم تناقش...ركزوا على حجج صبيانية وألقوا باللوم على بعضهم البعض». وأضاف إنخرط المرشحون على مدى أسابيع في مناقشات حول اللحوم الحلال وتكلفة استخراج رخصة للقيادة. حتى المرشحون الذين يتصدرون السباق سعوا لجذب الأضواء من خلال مقترحات رمزية إلى حد كبير مثل خطة هولاند لحذف كلمة «عنصر» من الدستور ومحاولة ساركوزي تقديم موعد دفع المعاشات الشهرية ثمانية أيام. وتوقع بعض الملاحظين أن تعطي خيبة الأمل في الأحزاب الرئيسية دفعة للمرشحين المتشددين مثل مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف وجون لوك ميلينشون المدعوم من الحزب الشيوعي اللذين جاءا في الترتيب الثالث والرابع في استطلاعات الرأي. هذه الاحتمالات أزعجت هولاند الذي يطارده شبح ما حدث في انتخابات عام 2002 عندما أخرج جان ماري لوبان زعيم حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف المرشح الاشتراكي ليونيل جوسبان من الانتخابات في الجولة الأولى، ولهذا حذر أنصاره في مؤتمر ختامي يوم الجمعة 20 أبريل من التهاون، وقال «لا ينبغي التعامل مع أي شيء كأمر مسلم به، وذلك في إشارة إلى تنبؤات استطلاعات الرأي حول تقدمه على ساركوزي. قبل الجولة الأولى من الانتخابات التي جرت يوم الأحد 22 أبريل سعى مسيرو الحملات الانتخابية إلى إقناع المترددين بالمشاركة، والخروج من اعتصامهم السياسي ومنح الصناديق أوراقهم الانتخابية، لكي يصح التمثيل وتشتد شرعية الاستحقاق. وحتى الساعات الأخيرة قبل بدء التصويت، كان أكثر من نصف الناخبين يعتبر الأداء والحملات الانتخابية والترويج لها، مملاً وغير مقنع. ورغم اتساع الترشيحات لتشمل عشرة متسابقين إلى الإليزيه، إلا أن الفرنسيين يعرفون منذ البداية، انه سيكون عليهم استبقاء اثنين منهم للجولة الثانية. ولا توجد أي مؤشرات تدل على احتمال وقوع مفاجآت تقلب معادلة ثابتة في الجمهورية الخامسة، في انتقاء رئيس من يمين الوسط الذي يمثله الرئيس، أو يسار الوسط الذي يرفع أعلامه فرانسوا هولاند. استطلاعات الرأي ركزت على المفاجآة التي مثلها الصعود السريع لمرشح اليسار جان لوك ميلانشون إلى نسبة قياسية بلغت 15 في المئة من الأصوات والتي تسمح مع التقلص المستمر لقاعدة الرئيس ساركوزي، بفتح الأبواب على كل الاحتمالات. كذلك فإن استطلاعات الرأي التي اجريت قبل يوم 22 أبريل بينت إن ثلث من يقترعون، قد يغيرون رأيهم في اللحظة الأخيرة، وهذا قد ينطبق أكثر على الجولة الثانية. وباستثناء فرانسوا هولاند، الذي أفادت الاستطلاعات قبل الجولة الأولى بتقدمه على الجميع، وفائزا أكيدا على الرئيس ساركوزي بفارق 16 نقطة قياسية في الدورة الثانية، أجمع المرشحون المتبقين ومن كل الاتجاهات على تكذيب الاستطلاعات. ودخل الرئيس ساركوزي الدورة الأولى بأسوأ الأرقام في مواجهة خصمه، وفي أدنى التوقعات التي تمنحه إياها الاستطلاعات منذ بداية الحملة. إذ أظهرت الموجة الأخيرة منها، تراجع الرئيس ساركوزي من 28 إلى 25 في المئة من أصوات الناخبين يوم الجمعة 20 أبريل. وتمتع المرشح الاشتراكي بتقدم مريح بنسبة 29 في المئة من المؤيدين، وبشرته الاستطلاعات بنصر بالضربة القاضية بنسبة 58 في المئة من الأصوات في الدورة الثانية. ويسجل أنه خلال الحملة الانتخابية وقف الرئيس ساركوزي حائراً بين أركان حملته الانتخابية وانقسامهم خاصة بين من يدعوه إلى الاستمرار في العزف على وتر شعارات اليمين المتطرف وانتقاد الإسلام والعداء للمهاجرين الأجانب التي ساعدته على رفع شعبيته في الأشهر السابقة، وبين من دفعوه مع نهاية المرحلة الأولى من الحملة الانتخابية إلى الاعتدال في شعاراته، وقبول مراجعة جزئية للمعاهدة الأوروبية وتعديل دور المصرف المركزي الأوروبي، ليهتم بمسألة النمو الاقتصادي بشكل خاص، وهو أمر ينال تأييد ناخبي الوسط بشكل خاص. وأدت التعرجات والتقلبات إلى فقدانه تأييد جزء من القاعدتين. ويشير ملاحظون كذلك إلى أن ما زاد من تقليص شعبية ساركوزي الاتهامات أوردتها ضده من جديد صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية يوم الثلاثاء 13 مارس، والتي تضمنت تقريرا يفيد بأنه تلقى نحو 65.7 مليون دولار من العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، لتمويل حملته الانتخابية لرئاسة الجمهورية عام 2007. ونقلت الصحيفة عن وثائق نشرت في موقع إلكتروني فرنسي أن شروط تسليم المبلغ جرى الاتفاق عليها في اجتماع بين الرجلين في ليبيا قبل عامين من انتخاب ساركوزي. وتقول مذكرة حصل عليها موقع «ميديابارت» الإلكتروني وأحالها إلى أحد القضاة، أن الاجتماع الذي انعقد يوم 6 أكتوبر 2005 تمخض عن سداد مبلغ تمويل حملة ساركوزي بالكامل. وكان ساركوزي حينها وزيرا لداخلية فرنسا، لكنه كان طامحا لخلافة جاك شيراك في رئاسة الجمهورية. وتحظر قوانين تمويل الحملات السياسية في فرنسا على المرشحين استلام مبلغ نقدي تتجاوز قيمته 9900 دولار تقريبا. غير أن «ميديابارت» تزعم أن مبلغ 65.7 مليون دولار الوارد في المذكرة تم تحويله إلى حسابات طرف ثالث لدى بنوك في بنما وسويسرا. ونفى ساركوزي أخبار حصوله على أموال من القذافي. النفي تلقي رجة أثر تصريحات الرئيس السابق لمجموعة «أريفا» الفرنسية النووية عن أن الرئيس الفرنسي سعى لبيع طرابلس مفاعلا نوويا قبل أربع سنوات. ساركوزي نفى في البداية هذه التصريحات مؤكدا بأنها «خيالية» ولكنه ما لبث أن تراجع عنها يوم الخميس 19 أبريل مشيرا إلى أن الأمر يتعلق بمحطة لتحلية مياه البحر بواسطة مفاعل نووي. الغالبية الصامتة ويشار إلى أن ساركوزي دعا خلال اجتماع عقد في ساحة الكونكورد وسط العاصمة الفرنسية من سماهم «الغالبية الصامتة» إلى دحض التنبؤات التي تجمع على أنه سيمنى بهزيمة شنعاء، وأعلن في كلمة موجهة إلى اليمين التقليدي المناهض للتعدد الثقافي والهجرة «قالوا إنكم لن تحضروا، فردت فرنسا الصامتة بحضوركم». وقدر أنصار ساركوزي عدد الحاضرين بنحو 150 ألفًا، ولكن مراقبين لاحظوا أن العدد بدا أقل من نصف هذا الرقم. وكان ساركوزي قد قاد حملة انتخابية شرسة متنقلاً من موضوع إلى آخر، وبدأ بإعادة تسويق نفسه من «رئيس الأثرياء» إلى «رئيس الشعب» الذي يقف ضد «النخب» الباريسية. وسعى طيلة الحملة إلى تصوير نفسه ب»القبطان» الوحيد القادر على قيادة سفينة فرنسا في أمواج الأزمة الاقتصادية العاتية إلى بر الأمان. ودعا الفرنسيين إلى الاقتداء بمثال الألمان برفض مزيد من المرونة في سوق العمل. وعندما فشل ساركوزي في هذه المعزوفة توجه إلى اليمين لكسب أصوات الجبهة الوطنية بالتسابق معها على التشدد إزاء قضايا حساسة مثل الهجرة ومستغلي نظام الرعاية الاجتماعية وإبعاد لحم الحلال عن المطاعم المدرسية. وفي الأيام الأخيرة، أخذ يحذر من أن خطط الإنفاق التي أعدها هولاند تهدد بتركيع فرنسا ماليا وتحويلها إلى إسبانيا أو يونان جديدة. ولكن رغم كل هذه الجهود، أظهر استطلاع أجرته مؤسسة آيفوب لصحيفة «جورنال دو ديمانش» أن 64 في المئة من الفرنسيين لا يؤيدون ساركوزي. وهذه النسبة أعلى بكثير من ال 46 في المئة الذين أبدوا استياءهم من فاليري جيسكار ديستانغ، آخر رئيس فرنسي أخفق في الفوز بولاية ثانية عام 1981. التحالفات الدولية للانتخابات الفرنسية بعد آخر يتجاوز الساحة الداخلية، حيث أنها ستترك بصماتها على أوضاع تحالفات دولية في وقت يمر فيه العالم بعملية إعادة بناء، أو بالأحرى صراعا لإنهاء نظام القطب الواحد. فرنسا في عهد ساركوزي تحولت إلى الحليف الأوروبي رقم واحد بالنسبة للولايات المتحدة وأبعدت بريطانيا عن هذه المرتبة، ورغم علاقاتها الوثيقة مع ألمانيا، عاكس قصر الاليزي برلين في العديد من القضايا الأوروبية وذلك استجابة لرغبات واشنطن خاصة على الصعيد الاقتصادي. باريس كانت رأس الحربة لتدخل حلف الناتو في ليبيا والمدافع عن مواصلة الحرب في أفغانستان على الأقل حتى نهاية سنة 2014 رغم تكثف المؤشرات عن استحالة تحقيق نصر هناك. وتبرز حكومة فرنسا مع نهاية فصل ربيع سنة 2012 كالمدافع الأكثر تحمسا عن مخطط التدخل العسكري الغربي في سوريا. ويسجل أن الرئيس ساركوزي شرع كذلك في إدخال تعديلات متدرجة على مواقف بلاده من قضايا تتعلق بمنطقة المغرب العربي ومنطقة الساحل، وذلك تماشيا مع مخططات المحافظين الجدد في واشنطن الذين يسعون إلى استكمال مشروع الشرق الأوسط الكبير. خسارة للمعسكر الأمريكي في منتصف شهر أبريل قالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية «إن الرئيس الفرنسي يواجه خطر الرحيل عن قصر الإليزيه. واضافت الصحيفة أن هزيمة «ساركوزى»، لن تكون خسارة له أو لفرنسا فحسب، بل ستكون خسارة للمعسكر الغربي الذي يواجه العديد من المشاكل العالمية الكبرى والأزمات المالية في أوروبا. واشارت الصحيفة إلى أن «ساركوزى» عندما تحدث أمام أكثر من 100 ألف من انصاره فى ميدان «كونكورد» يوم الاحد 15 أبريل، حاول اظهار ثقته وقدرته على الفوز، إلا أن المحيطين به بدا عليهم القلق والتوتر. وأضافت الصحيفة أن ساركوزي الذي يشهد له بالحيوية والإقدام يتطلع إلى أن يكون الزعيم الأوروبي الوحيد الذي ينجو من عاصفة الأزمة المالية الأوروبية التي أطاحت بحكومات روما واثينا ولندن ومدريد. إلا أن المؤشرات الحالية تؤكد أن ساركوزى يعانى بشدة، وربما يكون أول رئيس فرنسي منذ عام 1981، لا يتمكن من البقاء في الرئاسة لمدة ثانية. وأكدت الصحيفة أن فوز «هولاند» سيقلب الموازين ليس في فرنسا بل في العالم كله، حيث ان الرئيس الفرنسي الحالي يدخل في العديد من الشراكات والتحالفات المهمة، منها تحالفه مع المستشارة الالمانية «انجيلا ميركل» فيما يخص قضايا ومشاكل منطقة اليورو، وتحالفه مع بريطانيا في القضايا والملفات الدفاعية، ومنها الحرب على ليبيا، وتحالفه مع الرئيس الأمريكي «باراك اوباما» في العديد من الملفات أهمها الملف الإيراني والإسرائيلى والسوري وحلف الناتو وروسيا. وقالت الصحيفة ان «هولاند» الاشتراكى له العديد من الأراء التي يمكن ان تسبب العديد من المشاكل لحلفاء فرنسا، ومنها انه يرفض الاعتماد على التقشف لحل الأزمة المالية في اوروبا، ويفضل الاعتماد على إحداث نمو حقيقي، كما انه يؤيد فرض مزيد من الضرائب على الأغنياء، وقال انه سيرفض التوقيع على معاهدة الميزانية الأوروبية في صيغتها الحالية التي وقعها «ساركوزى» مع «ميركل» في مارس 2012، وان أول زيارة خارجية له ستكون لألمانيا للتحدث في هذا الشأن. ويقول «هولاند» انه سيسحب القوات الفرنسية الموجودة فى أفغانستان، دون الانتظار للجدول الزمني المحدد من قبل حلف «الناتو» أي نهاية سنة 2014. وأضاف إن «الانسحاب سيبدأ غداة الانتخابات على أن ينتهي مع نهاية 2012، إن التعاون بين فرنساوأفغانستان سيتواصل من أجل تطوير وتدريب الأطر العسكرية الأفغانية». ويسجل أنه فيما يخص الأزمة السورية اتخذ هولاند حتى الآن موقفا أقل تشددا من ذلك الذي ينادي به قصر الاليزي الذي يسعى بكل الطرق إلى التدخل عسكريا ضد حكومة دمشق، تارة عبر مجلس الأمن، وتارة أخرى عبر مؤتمرات أصدقاء سوريا، أو عن طريق تفعيل جزء من معاهدة حلف «الناتو» واللجوء إلى عذر تهديد سوريا لأمن وسلامة تركيا العضو في التحالف العسكري الغربي. هولاند أكد فقط أن «فرنسا ستشارك» في عمل عسكري ضد سوريا إذا ما قررته الأممالمتحدة في حال انتخابه، وأضاف لاذاعة اوروبا 1 «اذا جرى في اطار الامم المتحدة فسنشارك في هذا التدخل». عدد من المراقبين اعتبر هذا الموقف ردا مبطنا بالتحفظ على تأكيد وزير الخارجية الفرنسي الان جوبيه الذي نظم اجتماعين دوليين في باريس لحشد التأييد للمواقف المناهضة لدمشق أنه «سيقوم بعمله حتى النهاية». وكذلك رسالة مشتركة لجوبيه ووزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون التي حلت بباريس يوم الخميس 19 أبريل، حيث لم يخفيا سعيهما لإصدار قرار تحت الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة، يسمح باللجوء إلى القوة لتنفيذ العقوبات، كما لم يستبعدا دخول الحلف الأطلسي على خط الأزمة في حال طلبت تركيا تفعيل المادة الرابعة من معاهدة الدفاع المشترك للحلف. ويرى محللون أنه في ظل الأوضاع الاقتصادية السيئة التي تمر بها فرنسا وارتفاع معدلات البطالة والانفاق العام إلى معدلات غير مسبوقة منذ 12 عاما، فأن العديد من الفرنسيين يرون انه لا يمكن ان يظل «ساركوزى» 5 سنوات اخرى فى قصر الأليزيه. صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية نقلت عن «كريستيان مالارد» المحلل البارز فى التليفزيون الفرنسي قوله:» ان «ساركوزى» يواجه مشكلة حقيقية وانه سيدفع ثمن غروره ونزواته ومزاجه الخاص. في المقابل يسجل أن هولاند قال خلال الحملة «تحدثت في شهر يوليو عن ترشيح عادي إلى رئاسة عادية، رئاسة يجب ان تشهد تغييرا في الأسلوب والتصرف، رئاسة متواضعة لمن يمارسها وطموحة للبلاد». ووعد «بمواصلة التواصل مع الفرنسيين» و»ابلاغهم عن سياستي كل ستة اشهر». وردا على سؤال حول نعت صحيفة الباييس الاسبانية اياه بانه «ليس بطلا» قال فرانسوا هولاند البالغ من العمر 57 سنة «اعتبر ذلك ثناء». واوضح «أتوجس من الأشخاص الذين، قبل انجاز مهمتهم، يفكرون في البصمة التي سيتركونها، وغالبا ما تكون خفيفة، وبما أنني من قراء «البير كامو» ادرك عظمة قدر الإنسانية وإريد ان ارتقي بفرنسا نحو طموح كبير: إنجاح الشباب وان أكون رئيسا في خدمة بلادي وليس طموحاتي الخاصة». وفي كتابه وعنوانه «تغيير المصير» قال «إنني أترشح لتغيير مصير فرنسا. وأنا أكتب هذه السطور، أعرف تماما حجم المسؤولية التي ستلقى على عاتقي. ولكن ألا يبدو حلم تغيير مصير فرنسا حلما عصيا على الإدراك؟. أليس ذلك متعذرا اليوم ومواطني قد فقدوا الثقة في السياسة والسياسيين؟ طبعا لا. ان فرنسا تجد نفسها الآن في منعرج مصيري من تاريخها. فبعد عشرة أعوام من الحكم اليميني المحافظ تجد نفسها حيث هي اليوم. في حالة قطيعة مع ذاتها. ولذا فليس أمامها سوى أن تغير الطريقة. وعليها الاختيار بين طريقين: الهروب إلى الأمام... أو الإصلاح وفق سياسة تحافظ على العدالة الاجتماعية». وقد دبلج «هولاند» كتابه لكي «يبيع» للفرنسيين رؤيته ل»فرنسا» البديلة التي يبشر بها، ويسعى لإقناعهم بأنها ستكون فرنسا أخرى مختلفة، أو بكلمة شديدة الإيجاز، فرنسا الجمهورية القادرة على الاستجابة لكافة تطلعات أبنائها، وعلى المصالحة مع نفسها وقيمها وتاريخها، والقادرة أيضاً على أن تلعب دورا قياديا بناء في استعادة زخم المشروع الأوروبي، على أسس واقعية غير ديماغوجية أو شعبوية. وفي الوقت ذاته جديرة بأن تتحمل أعباء دورها الإيجابي الفعال، كقوة كبرى. الأمر الآخر المزعج للمحافظين الجدد رفض هولاند اعتماد سياسة اقتصادية تستند إلى توقعات أو نصائح صندوق النقد الدولي، وهو ما يفتح الباب أمام دول وحكومات أخرى عبر العالم للتمرد على إملاءات هذه المؤسسة الدولية ونظيرها البنك الدولي اللذان يتهمهما الكثير من الاقتصاديين بتنفيذ تعليمات البيت الأبيض. تحالف خارج الهيمنة الأمريكية تقول مصادر رصد أوروبية أن ما يضخم من حجم انزعاج البيت الأبيض ومحافظيه الجد وهم يرون احتمال خسارة ساركوزي وبالتالي تبدل شكل تحالف فرنسا مع واشنطن، الدعم الذي حظي به المرشح الاشتراكي هولاند من طرف عدد من الشخصيات الأوروبية النافذة التي عارضت بشكل أو بآخر اسلوب تبعية فرنسا خلال السنوات الأخيرة لسادة البيت الأبيض. رئيس الوزراء البلجيكي اليو دي روبو انضم إلى عدة شخصيات فرنسية بارزة في تأييد هولاند، وشارك في اللقاء الجماهيري الذي عقده هولاند في مدينة ليل، التي تبعد خمسة كيلومترات عن الحدود الفرنسية البلجيكية. وحصد المرشح الاشتراكي تأييد عدد من الشخصيات المحسوبة على حزب الرئيس الفرنسي الحالي. وكان لافتا إعلان الوزيرة السابقة فضيلة عمارة وزميلها مارتان هيرش اللذين ضمهما ساركوزي الى احدى حكوماته، عزمها التصويت لمصلحة هولاند، ما شكل مبادرة منهما للانفتاح على اليسار. وحذا حذوهما الوزيران السابقان كورين لوباغ وعزوز بيغاغ الذي انضم إلى فريق عمل رئيس الحكومة السابق دومينيك دوفيلبان قبل تولي ساركوزي الرئاسة. ومثل ذلك ظاهرة غير مألوفة في فرنسا، بسبب قاعدة التحفظ المتبعة في هذا المجال، ما يعكس درجة المعارضة الداخلية لأسلوب حكم ساركوزي. من أبرز مواقف المعارضة لساركوزي تلك التي إتخذها الرئيس السابق جاك شيراك الذي أكدت صحيفة «لوباريزيان» أنه سيصوت لهولاند استنادا الى احد المقربين منه. والمعروف أن علاقات باريس مع واشنطن عرفت الكثير من العقبات خلال ولاية شيراك. ولم ينف المقربون من الرئيس السابق الذي تولى السلطة من سنة 1995 وحتى سنة 2007 هذا النبأ، مؤكدين فقط «لفرانس برس» انه «لن يدلي بأي تصريح عام في اطار الانتخابات». جاك شيراك المؤرخ جان لوك باريه، الذي ساعد الرئيس السابق في كتابة مذكراته، قال لصحيفة «لوباريزيان» ان «جاك شيراك صادق مع نفسه في اعلانه انه سيصوت لهولاند». واضاف باريه «انا ازوره دوما، نتناول الغداء معا. وبعد أربع سنوات من التحادث، اعتقد أنني احد أكثر العارفين بما يفكر فيه». وتؤكد صحيفة «لوباريزيان» ان عائلة جاك شيراك، تعاني انقساما شديدا مع اقتراب الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، وان ابنته كلود وصهره فريديريك سالا بارو يميلان باتجاه التصويت لهولاند. في المقابل فان زوجة شيراك برناديت هي من اكبر مناصري ساركوزي، وهي قدمت له دعما قويا وعلنيا. وكان جاك شيراك، الذي تربطه بنيكولا ساركوزي علاقات معقدة وشائكة، لم يتردد في التصريح امام صحافيين في 2011 انه سيصوت لصالح فرنسوا هولاند. قبل ان يصحح ما قاله بالتأكيد ان الأمر «نكتة كوريزية» نسبة إلى منطقة كوريز في وسط فرنسا. ويقول باريه ان تصريح شيراك «لم يكن من النكتة بشيء». الرجلان «لديهما قاسم مشترك في التمسك بالقيم الجمهورية وفي رفض كافة اشكال التطرف والتمييز»، مضيفا انه شخصيا سيصوت لهولاند. كما أبدت وزيرة سابقة لشيراك هي كورين ليباج الوسطية المدافعة عن البيئة دعمها ضمنا لفرنسوا هولاند إضافة إلى 42 خبيرا اقتصاديا فرنسيا يرون أن المرشح الاشتراكي يتسم ب»المصداقية والطموح والتماسك». حتى رئيسة ارباب العمل لورانس باريزو وبعد ان اشادت بما وصفته العمل «المدهش» لنيكولا ساركوزي قالت انها تشعر بأنها «اكثر قربا» إلى فرنسوا هولاند في «القضايا الاجتماعية وخاصة دور الكيانات الوسيطة». في المقابل رفضت المستشارة الالمانية مقابلة الزعيم الاشتراكي الذي تعارض بقوة رغبته في إعادة التفاوض على المعاهدة المالية الأوروبية التي وقعت في مطلع مارس 2012. لكن ميركل لم تشارك كذلك في لقاء جماهيري للرئيس المرشح نيكولا ساركوزي طرحت فيه أيضا هذه المسالة. في واشنطن يتحدث الساسة عن أنه في حالة فوز هولاند، فمن المتوقع أن يولي مارتين اوبري التي فاز عليها في الانتخابات الأولية للحزب لاختيار مرشحه للرئاسة في الخريف الماضي ورئيسة بلدية المدينة ليل أحد معاقل حزبه، رئاسة الحكومة الفرنسية القادمة. وتملك اوبري ميزة الخبرة حيث كانت وزيرة للعمل والتضامن في حكومة ليونيل جوسبان الذي اختارها المسؤولة الثانية في حكومته من 1977 إلى 2001، ولا ينظر البيت الأبيض بإرتياح إلى توجهاتها ويشير مقربون من الرئيس أوباما أنها مع هولاند ستخلق الكثير من الصداع لمخططي السياسة الأمريكية. قادة أوروبا الجدد يقول محللون غربيون أن هزيمة ساركوزي وفوز هولاند ستؤثر كذلك على قوة ودرجة تحالف عدة دول مع الولاياتالمتحدة وستشجع القادة الأوروبيين الجدد الذين أتت بهم صناديق الاقتراع إلى السلطة كأحد إفرازات الأزمة الإقتصادية على إتباع سياسات أقل تبعية. ويشار إلى أن تركيا التي تتعلق بأهداب الوعود الأمريكية الخاصة بتأييد إنضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، ستجد في رئيس جديد في قصر الإليزي بديلا. مرشح الحزب الاشتراكي صرح خلال حملته ان تركيا لن تنضم إلى الاتحاد الأوروبي خلال ولايته في حال انتخابه، وان كان لا يعارض استئناف مفاوضات الانضمام. وقال لمحطة «فرانس 2» «الشروط لم تتحقق بعد، لن يحصل هذا خلال السنوات الخمس المقبلة». ولكن هولاند لم يعلن معارضته لانضمام تركيا بالمطلق، خلافا لموقف نيكولا ساركوزي. وقال ان «مبدأ التفاوض قائم. جاك شيراك هو الذي وافق عليه. المفاوضات جارية»، مذكرا بان الدستور الفرنسي يفترض تنظيم استفتاء بشأن أي انضمام جديد إلى الإتحاد. وتراوح المفاوضات بين تركيا والاتحاد الأوروبي مكانها حيث لم يتم فتح سوى 13 من 35 ملفا منذ 2005. الملاحظون الذين يقدرون أن هولاند سيكون الرئيس القادم لفرنسا بعد الجولة الثانية إذا كانت ضرورية في 6 مايو، يرون أن عليه أن يتبنى الكثير من المواقف التي تمسك بها مرشح «جبهة اليسار الراديكالي» جان لوك ميلشون الذي خلق المفاجأة بحصوله على نسبة 15 في المائة من الأصوات في استطلاعات الرأي، وكذلك بتركيزه على علاقة فرنسا مع العرب ودورهم التاريخي. فقد أدلى في تجمع انتخابي في مارسيليا، بتصريح أعتبر من أبرز اللحظات التاريخية في الحملة الانتخابية من وجهة النظر العربية، حيث قال «لقد أبدع العرب في الطب والعلوم قبل حقبة الأنوار، وليس هناك مستقبل لفرنسا بدون العرب، فبيننا وبين المغاربيين توجد وشائح الأخوة». وقد أطلقت بعض وسائل الإعلام الفرنسية على جان لوك ميلشون الذي ولد في طنجة سنة 1951، والذي جاء إلى فرنسا في سن الحادية عشرة بعد انفصال والديه لقب «مرشح العرب». ويشار كذلك إلى أن جان لوك ميلانشون وعد بإضفاء الشرعية على أوضاع الأشخاص الذين ليست لديهم وثائق إقامة رسمية وهو ما يمس في الأساس عشرات الألاف من المهاجرين وجزء كبير منهم من أصول مغاربية، ومضاعفة ميزانية الأبحاث والزيادة في عدد موظفي التربية. وفيما يخص المؤسسات دعا جان لوك إلى انتخاب مجلس تأسيسي لإرساء أسس الجمهورية البرلمانية السادسة وإعتماد النظام النسبي في كافة الانتخابات. ووعد بإجراء استفتاء حول مشروع معاهدة الميزانية ومراجعة وضع ومهمات البنك المركزي الاوروبي الذي يجب ان يقرض الدول مباشرة بفوائد متدنية وسحب القوات الفرنسية من افغانستان وانسحاب فرنسا من الحلف الاطلسي. كما أكد علنا امتعاض ناخبيه من علاقة التبعية التي تربط بلاده بالولاياتالمتحدةالأمريكية. ويوم الجمعة 20 أبريل أضاف جان لوك ميلينشون لبنة أخرى قد يتبناها هولاند بالقول ان بلاده ينبغي أن تستلهم ثورات اليسار في أمريكا اللاتينية وتؤمم شركة «توتال» النفطية العملاقة أسوة بما تفعله الارجنتين في شركة الطاقة «واي.بي.اف». وأضاف ميلينشون ان التقشف الذي يفرضه صندوق النقد الاوروبي يدفع أوروبا إلى عمق الأزمة ويسبب فقرا لا يحتمل كما حدث في أمريكا اللاتينية. وتنسجم مواقف ميلونشون الخارجية مع برنامجه الانتخابي الداخلي، فهو يرفض الخضوع ل»الأوليغارشية التي سيطرت على فرنسا»، ويريد تقاسم الثروة الوطنية التي ما «كانت يوما طافحة في تاريخنا كله كما هي اليوم، وما كان التشارك فيها سيئا في تاريخنا كما هو اليوم، حيث تسيطر أقلية ضئيلة على الثروة وتحرم القسم الأعظم من عدالة التشارك فيها». وقد نقل معلق فرنسي عن كاتب عربي قوله «اللافت في هذا الصدد أن العرب الذين يكثرون الحديث عن وجوب تنظيم «لوبيات» جماعات ضغط في الغرب للدفاع عن مصالحهم يبدو أنهم لم يسمعوا بعد بهذا المرشح الظاهرة الذي يملأ الحملة الفرنسية ضجيجا وصلت أصداؤه إلى بوليفيا، ولكنها لم تصل إلى فضائياتنا الموقرة المنشغلة بالفتن والمؤامرات. وتتكون «جبهة اليسار الراديكالي» من أحزاب وجمعيات يسارية مختلفة من بينها الحزب الشيوعي الفرنسي واليسار الاشتراكي وحزب اليسار وجزء من التروتسكيين ومن أنصار البيئة.