الشغل، العمل، البطالة..مفاهيم لو أردنا الإفاضة في تفسيرها وقراءتها من جميع الزوايا القانونية والفلسفية والاقتصادية فإننا نحتاج لتأليف كتب قد لا تفي جميعها بالغرض، ويكفي أن نؤكد أن الكثير من أحداث التاريخ بل وأغلبها دارت وتدور حول العمل وعلاقات العمل وعلاقات الإنتاج المرتبط بنمط اقتصادي معين، بل إن الربيع الديمقراطي الذي شهدته بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط والحركات المماثلة التي شهدتها عواصم دولية أخرى كواشنطن، باريس، مدريد، لندن، أثينا...جاءت على خلفية الوضعية الاقتصادية والاجتماعية التي شكلت دافعا قويا لهذه الثورات التي بقيت إلى اليوم بدون خلفية فكرية أو سياسية خالصة، حيث أن الديكتاتوريات لم تكن حديثة العهد بدول شمال إفريقيا والشرق الأوسط، فقد عمر الرؤساء أكثر من أربعين سنة في بعضها، وبالتالي لايمكن التسليم بأن وعيا مفاجئا نزل على هذه الشعوب ونخبه، يضع المسألة الديمقراطية في صدارة الإهتمامات، والواقع الحالي في هذه البلدان يشهد بأن مسألة الديمقراطية لازالت بعيدة جدا، وأن هذه الدول ستعرف سنوات صعبة سواء على المستوى الاقتصادي أو الإجتماعي أو السياسي الأمني، نفس الشيء بالنسبة للدول الغربية التي خرجت فيها المظاهرات ضد الثنائية الحزبية والتي يمكن وصفها بديكتاتورية الثنائية الحزبية، ومعها رموز الرأسمالية المالية مثل وولستريت، وهذه الدول تحولت فيها الانتخابات إلى مجال للعلاقات العامة وماركوتينغ يقترب من طرق بيع الفوطات الصحية، مع تغييب شبه كلي للقضايا الرئيسية، فتحول الإعلام إلى فاعل خطير وموجه للإختيارات السياسية على محدوديتها، نظرا لحجم الأموال التي تصرف في الحملات الانتخابية، بالشكل الذي يجعل كل القوى الاجتماعية المعارضة للشركات الكبر ةلسلطة رأس المال، توجد في الساحة بلاصوت ولا تأثير، وربما قد يسمح الأنترنت في السنوات القادمة من تغيير هذه الوضعية في اتجاه قوى التغيير الحقيقي. الإشكاليات المرتبطة بالبطالة معقدة جدا ولا يمكن تقديم إجابات سهلة خارج منظور الإقتصاد السياسي وفق إطار فكري وإقتصادي واضح، وبالتالي تصبح السياسات العمومية الوطنية المرتبطة بالتشغيل ومحاربة البطالة، اجتهادات داخلية لا تملك حلولا كبيرة إذا ما ظلت مرتبطة بالسوق الدولية وبأنماط الإنتاج التي تخدم في النهاية مصالح الشركات العابرة للقارات، والتي تفرض اليوم تقسيما للعمل على المستوى الدولي لا يراعي الحاجيات التنموية الحقيقية لكل البلدان وخاصة بلدان الجنوب, بل قد تشكل نوعية معينة من ترحيل الخدمات مثلا عائقا على المدى البعيد، على إعتبار أن التخلي عن التصنيع والإنخراط في فقاعة الخدمات وأنماط الإستهلاك الغربية، وتحويل منظومة التربية والتكوين إلى خادم للقرارات الإستثمارية للمجالس الإدارية للشركات الكبرى بدون رؤية إستراتيجية داخلية تنظر إلى الإقتصاد من منظور سيادي وطني.. اليوم الربيع الديمقراطي جاء حاملا لربيع البطالة، فهل تكون مناسبة لإعادة النظر في نمط الإنتاج وفي الحلول غير التقليدية لحل مشكلة البطالة التي سوف تتحول في المستقبل إلى خطرداهم على الديقراطية.