لم تكن فكرة إنجاز استطلاع صحفي حول مدينة السمارة جاهزة حين عزمت التوجه إليها، كان هدف الزيارة في الأول هو تغطية صحفية لزيارة اللجنة الملكية للزوايا الصحراوية بالأقاليم الجنوبية، لكن واقع حال هذه المدينة الذي يستنجد بكل زائر لها لأول مرة، وقمة الحيطة والحذر في التعامل مع أي صحفي مغربي، يحرك الفضول المهني لمعرفة خبايا الكواليس التي يخشى أوصياء السمارة كشفها خارج ترابها، لكن ما غاب عن يقظتهم المفرطة هاته، أن رائحة طبخة الكواليس تفوح من كل زقاق.. وكل حي.. وكل مشروع سكني موزع قبل التجهيز.. وكل جدار رسم عليه علم وهمي غير علم الوطن. حقائق ظاهرة للعيان وبالعين المجردة، طرقت بابنا دون عناء التنقيب عليها.. بكل أمانة ننقل للقارئ الكريم ما رصدته عيوننا وسمعته آذاننا من أفواه من لقيناهم من ساكنة العاصمة العلمية للجنوب.. السمارة تندب سوء حظها كل زائر للسمارة يشعر أن الزمن توقف بعد خروج المستعمر الإسباني ببضع سنين، وترك بنايات مميزة بقبابها المقاومة لقسوة المناخ، لا متغير غير بعض الأحياء الجديدة المترامية على أطراف المدينة ذات الطابع العشوائي، نظرا لعدم تناسق تصاميم بناياتها التي لا تتجاوز الطابق الأول، كما أن جلها سكن مباشرة بعد إنهاء الأشغال الكبرى أي قبل استكمال أشغال الأسمنت النهائي و طلاء الجدران. أما المساكن الجميلة التي تعلن عن ثراء أصحابها ويسر حالهم فهي معدودة على الأصابع، وفي عزلة تامة عن المركز فهناك حي العائدين الذي لازالت جل بيوته مقفلة فخربتها أيادي الفضوليين، وباتت أقرب إلى بيوت مهجورة من بيوت مصانة تنتظر عائدين جدد، أو ملاكين محظوظين بقرابتهم لأحد الأعيان أو قدموا خدمات جليلة خلال الحملات الانتخابية بشقيها التشريعية والجماعية، ويا سلام على حي السلام، فهو حي نال شهرة بالمدينة لأنه عبارة عن ورش مفتوح للبناء، وزعت بقعه قبل التجهيز وسكنت جل بيوته قبل إنهاء أشغالها.. . بهذا الحي توجد إعدادية المغرب العربي. شوارع السمارة ورش كل المجالس المتعاقبة دون تنفيذ باستثناء شارع الحسن الثاني الشارع الرئيسي في المدينة و بعض الشوارع المؤدية إلى المؤسسات الإدارية، فإن كل شوارع السمارة وأزقتها متربة ، في هذا الباب يقول أحد المستشارين السابقين، وطبعا كان التحفظ عن ذكر الاسم شرط مسبق لأغلبية من تبادلنا معهم أطراف الحديث في مدينة الأسرار، كانت شوارع المدينة ولا تزال تشكل أهم النقط المصادق عليها خلال دورات مجلس المدينة طوال المجالس المتعاقبة، لكنها تبقى موقوفة التنفيذ في جل الحالات، والأسباب تُعلَّق دائما على عاتق المقاول.. . وأنت تتجول في أزقة السمارة توحي لك سوء بنيتها التحتية وغياب لافتات أسماء الشوارع والأزقة والتي كتبت فقط بطلاء أسود تارة واحمر تارة أخرى وبخط رديء، وغياب التصاميم السكنية الموحدة ورداءة جماليتها كمركز حضري، وغياب الحدائق والمنتزهات وأي أثر للتشجير، وكذا مبانيها المهترئة التي تقاوم بصرامة تشققات الزمن و عسر حال ملاكيها. وليست مشاريع الشوارع والأزقة والتبييض هي وحدها الموقوفة التنفيذ في المدينة، بل هناك مشاريع أخرى من بينها مسجد كبير يوجد على الشارع الرئيسي المؤدي إلى حي العائدين، وهو مسجد ظلت صومعته تنظر مؤذنا منذ أكثر من سبع سنوات، حتى السور الصخري المحيط بالمسجد سقطت حجارته من يأس الإنتظار. الطبيعة الصخرية للسمارة غير مستثمر فيها وحدها المؤسسات الإدارية مشيدة بجمالية تجمع بين التصميم العربي و القلعات الرومانية، وحدها هذه البنايات استغلت الغطاء الصخري لتضاريس الإقليم لتسخر جحارته التي تجمع بين اللون الأسود والبني الغامق في تزيين جدرانها، عمل فني بارع لم يستغله مسؤولو المعمار في المدينة لتهيئ تصاميم موحدة تعمم على باقي الأحياء الجديدة للمدينة، حتي تعطيها طابعا سياحيا يميزها عن كل مدن الأقاليم الجنوبية.. اعطى هذا الغطاء الصخري الغامق الذي يميز تضاريس السمارة، مسحة من الحزن للمدينة، يوحي لزائرها أنها تلتحف الحداد على واقعها المزري في صمت، وبخصوص هذه التضاريس الصخرية يقول أحد أبناء السمارة، لا أدري لماذا لم يفكر مسؤولونا في استغلال الموارد الطبيعية الصخرية للمدينة، كان بإمكانهم الإسثمار في كاريانات تسخر الصخور لمواد البناء والترصيف، وبالتالي خلق مناصب الشغل لرجال السمارة، أو تزيين البيوت المهترئة وإعادة ترميم الحي الإسباني، حتى يصبح للمدينة حاضرا يتماشى وماضيها وينسجم مع تضاريسها، كما فعلوا حين رمموا السوق المركزي و مركز الصناعة التقليدية الذي لا زالت الأشغال به قائمة.. وعلى ذكر الصناعة التقليدية، فإنه خلال تجوالنا بالمدينة لم نجد مجمعا خاصا للحرفيين، حتى ولو فكرت في شراء تذكار للمدينة فإنك ستجد صعوبة كبيرة في ذلك، لتشكل السمارة استثناء في كل شيء مقارنة مع باقي مدن الجنوب. المدينة تعاني من البطالة و تهميش محلي متوارث رغم التهميش المحلي وغياب محفزات التنمية في مدينة السمارة، لم يتوقف نموها الديمغرافي عن التزايد سنة بعد أخرى، ما سيزيد حتما من احتياجات الساكنة، احتياجات لم تغط كفاية رغم الميزانيات التي ترصد للمدينة كسائر مدن الأقاليم الجنوبية، لتبقى أسباب العلة والخلل حديث المقاهي بين رجال السمارة، و دردشة نسائها خلال جلسات الشاي الصحراوي الذي يقتل الوقت الرتيب، وتبقى السمارة كأرض بور. عن أحد العلل الرئيسة في هذا الخلل، يقول أحد العارفين بخبايا أمور المدينة و أوصيائها، والذي تحفظ هو الآخر عن ذكر اسمه خوفاً على امتيازات نالها عن صمته وسريته، ما تعانيه المدينة هو سوء التدبير المحلي للشأن العام وهو متوارث منذ سنوات طويلة جدا، نقول المحلي ونسطر عليه بالخط الأحمر العريض لأننا على علم بالميزانيات التي تحصل عليها المدينة من طرف الدولة والتي فاقت في السنوات الأخيرة 50 مليار سنتيم، لكن للأسف تسخر لغير وجهتها، مما جعل الهوة الاجتماعية تكبر سنة بعد أخرى، ليزداد الغني غنى ويزداد الفقير فقرا، وطفت على السطح ظواهر اجتماعية خطيرة لم تكن السمارة تعرفها من قبل.. . بخصوص المشاكل الاجتماعية لساكنة السمارة، تقول فاطمة الإسماعيلي سلمى سيدي مولود، وهي رئيسة جمعية الشباب للتنمية والديمقراطية، أن نسبة المعطلين في ازدياد مستمر، دون إيجاد حلول جذرية لمشاكلهم من قبل الجهات المعنية بالأمر، وأضافت في تصريحها للعلم كان في بادئ الأمر يعطى لكل متخرج من الجامعة أو المعهد أو المقاومة كارطية أو نصف كارطية كحل ترقيعي، في انتظار التوظيف المباشر لأنه الحل الوحيد في السمارة، نظرا لعدم وجود موارد اخرى للعيش كالمصانع والشركات، او الاستثمار بصفة عامة، لكن بعد ذلك تزايدت اعداد المتخرجين، و لم تعد الأغلبية منهم تستفيد حتى من الكارطيات، ولا التوظيف المباشر الذي أصبح هو الآخر يعطى بالمحسوبية والزبونية، وأظن أنه لو وضعت خطة أو استراتيجية موحدة بين جميع السلط والجهات في السمارة من عمالة وبلدية وجماعات محلية وباقي المصالح كالتجهيز والفلاحة ومكتب الماء والكهرباء، لحلت أزمة التشغيل في المدينة منذ زمن بعيد، لكن للأسف الشديد كأن هناك تهميش . فكرة التهميش هاته التي تسكن عقول ساكنة السمارة لم تكن فكرة فاطمة وحدها، بل كانت خلاصة قول كل من سألناهم عن أحوال السمارة من نساء وشباب وشيوخ، بل هي فكرة قد تطرق كل زائر لها وجاب شوارعها وأزقتها ووقف على فقر ساكنتها من قاطني الأحياء الأسمنتية والطينية كما هو حال سكان مخيمي الربيب والكويز، وجلهم مقتنعون أيضا أن المغرب الذي يخصص ميزانيات مالية لهذه المدينة والتي فاقت في السنوات الأخيرة فعلا 50 مليار سنتيم، بذل قصارى جهده لتنعم هذه المدينة بمستحقاتها كحال مدن الأقاليم الجنوبية الأخرى مثل العيونوالداخلة، لكن المشكلة وكما أكدها هؤلاء الأشخاص تكمن في سوء التدبير المحلي لهذه الميزانيات وربما تسخيرها لغير غايتها، طالما تصريف هذه الميزانيات غير ملموس على أرض الواقع. في هذا الجانب يوضح أحد المجازين المعطلين الذي طلب منا التحفظ عن ذكر إسمه أيضا إن مستحقات السمارة والدعم المالي المخصص لها غير مبرر على أرض الواقع، فالمعطلون في تكاثر وليس هناك مشاريع أو وحدات عمومية للترفيه أو التكوين، ليس هناك مسرح باستثناء بعض الأنشطة الثقافية لداري الشباب اللتين تتوفر عليهما المدينة، وليس هناك قاعات للسينما أو مسبح عمومي أو مكتبة عمومية، ولا حتى حديقة عمومية أو ملاهي للأطفال، أما البنية التحتية فهي منعدمة إذا ما استثنينا بعض الشوارع المؤدية للإدارات العمومية.. حي الظلمة يعري الواقع الإجتماعي للعاصمة العلمية حاولنا الغوص أكثر لمعرفة الأمراض الاجتماعية التي تحدثت عنها مصادرنا، فوجدناها لا تختلف عن تلك الظواهر التي تعرفها جل المدن المغربية وجل بلدان العالم حين يختلط الجهل بالفقر في ظل الفساد الإداري والتقصير المهني، قاعدة عامة يكون لها نفس النتائج داخل المجتمعات إذا ما توفرت لها الأرضية المناسبة، لكنها شكلت استثناء بالنسبة لمدينة حملت اسم العاصمة العلمية لسنوات و عاشت على همسات الموروث الصحراوي العريق والمحافظ و احتضن ثراها جثامين العشرات من الاولياء الصالحين، وفي خلسة الليل وبكل سرية لم يجد بعض شباب السمارة العاطل بدا من بيع السجائر المهربة وبعض الممنوعات أما تجارة "الماحيا فهي رائجة بحي الظلمة الموجود مباشرة خلف الشارع الرئيسي الحسن الثاني، وعن هذا الحي فحدث ولا حرج.. كل شيء يباع في حي الظلمة، وكلها منازل هامشية لا تتعدى الطابق السفلي ومساحتها لا تتجاوز 30 مترا أحيانا ، جدرانها تحمل شقوق الإهمال وبصمة الفقر، وطلاؤها المتآكل يذكر بالسنين الخوالي، لا جديد في بناياتها غير أبوابها الحديدية الموصدة بإحكام عن أي تدخل أمني، و ما يميز هذه البيوت عن سواها في الحي هي النوافذ الحديدية الصغيرة التي يحملها كل باب، نوافذ يستغلها مسيرو البيوت المشبوهة لمعرفة من الطارق؟ أهو زبون أم دورية أمن غير متوقعة؟ تقول لالة مينتو احدى سكان هذا الحي لا يمنعنا من الرحيل عن هذا الحي غير عسر الحال وقلة الحيلة، فنحن أحيانا لا ننام من الضجيج والمشاجرات الليلية التي لا تفرقها سوى دوريات الأمن. أما أزقة حي الظلمة فهي غير مبلطة بدورها، زقاق آخر يشتهر بما يشتهر به حي الظلمة، وهو زقاق جاء في الحي الإسباني بمركز المدينة والغريب أن هذا الزقاق جاء في أخر الشارع حيت مقر العمالة والباشوية والمجلس البلدي ومديرية أمن السمارة، طبعا دون الحديث عما يجري في الوديان المجاورة للمدينة التي تتحول من مكان لتنزه الأسر ومتنفس لأطفالهم نهارا، إلى مكان للتواعد والسمر ليلا. سوق الكارطيات و الكانتربوند سوق رائجة في السمارة سوق التلاعب بمستحقات المستضعفين سوق رائجة في السمارة، فكل شيء يباع هناك البونات، الكارطيات، والمعونة أو ما يعرف بالمؤن الشهرية، فقد أكد لنا العديد ممن التقيناهم أن المعونة التي كانت في السابق، ونعني بها 50 كيلو من الطحين و4 كيلو من السكر و 5 لتر من الزيت يوزع شهريا، أصبح منذ سنوات يوزع على رأس كل ثلاثة شهور ثم ستة ثم سنة ثم أكثر.. كما أن بعض المستفيدين حرموا من حصتهم وعوضوا بأشخاص جدد، ربما أحسن حال منهم، فالمعونة كما جزم البعض منهم أصبحت توزع حسب الدوائر ومن يصوت لمن خلال الانتخابات. سمعنا خلال اقامتنا في السمارة الكثير عن التلاعب الحاصل في توزيع الكارطيات، والكارطية هي بطاقة للانعاش الوطني بقيمة 1700 درهم، وتصل هذه القيمة في حالات استتنائية إلى الضعف، ظننا في البداية أن الأمر مبالغ فيه نوعا ما، باعتبار أن تكرار الكذب يصبح حقيقة، فحاولنا أن نسمع الحكاية من أفواه أصحابها، لنكتشف أن دردشات المقاهي وجلسات الشاي لم تكن للإستئناس و قتل الضجر، بل هي دخان تصاعد إلى السماء ليعلن عن موقع النار. الحقيقة كما ترويها عجوز تجاوزت عقدها الثامن تقول يجري الأمر هنا خلافا لكل مدن الأقاليم الجنوبية، فجل المستفيدين يأخذون نصف كارطية، وهناك أشخاص يستفيدون من خمس إلى ست كارطيات، كما أن بعض الاشخاص الذين ليسوا ابناء السمارة يستفيدون أيضا، بحكم أن أحد ابناء عمومتهم يتحكم في كواليس الامور بالمدينة، و تضيف هذه المرأة، لتكشف الستار عن أغرب الفضائح في سوق المتاجرة بالكارطيات، والتي لا يمكن أن تحصل في مكان آخر غير السمارة، إنها تستفيد من الكارطية على رأس كل ستة أشهر لأنها تستفيد منها بشراكة مع ستة أشخاص آخرين، أي انهم يحصلون على حصتهم بالتناوب، هكذا سن مسؤولو السمارة عرفا جديدا كي يستفيد الجميع، بل إن صح التعبير، لإسكات الجميع وهي طريقة دارت الشهرة في مجال القروض غير المهيكلة ، فأن يأخذ المرء نصف كارطية واقع يمكن تبريره خصوصا وانه متعارف عليه ايضا في مدينتي الداخلةوالعيون لكن طريقة دارت هي ابتكار حصري يدخل في كتاب عجائب وغرائب أوصياء السمارة الحكماء جدا.. ما يؤكد صحة ما سمعناه أن عدد المستفيدين وفق المسجل في مكتب الإنعاش الوطني كعدد رسمي يقارب 340 شخص، أما المسجل لدى سلطات السمارة فيفوق 540 شخص، أي بفارق 240 شخص بين العدد الرسمي والعدد المسجل لدى السلطات المحلية، مما يفسر وجود مستفيدين بالمناصفة أو بدارت، وبلغ إلى علمنا خلال إقامتنا في المدينة من جهات موثوقة أنه قبل قدومنا قام هؤلاءأي 240 شخص بالاحتجاج لدى السلطات من اجل الإستفادة من قيمة الكارطية كاملة، ولايزال الحوار عالقا إلى حدود كتابة هذه السطور . وأكدت مصادر أخرى أيضا أن المعونة المخصصة للسمارة تهرب لتباع في مدينتي كولميم و تيزنيت على الخصوص، وهو واقع لمسناه خلال رحلتنا إلى السمارة إذ صادفتنا في طريقنا العشرات من السيارات رباعية الدفع من نوع "لوندروفير محملة بالمؤن، والغريب في الأمر أنها كانت تمر مرور الكرام عند كل نقطة مراقبة سواء منها للدرك أو الأمن.. ، في حين أنه يتم ايقاف سيارات الخواص، ليس من باب مراقبة أوارق السيارة وإنما لمراقبة بطاقة الهوية الوطنية و الدخول في سين وجيم، من أي وجهة قادم وما هو سبب الزيارة، وهذا ما حصل معنا بعد أن سجل إسمنا في سجل مخصص للعابرين، أو سجل يصح تسميته ب إين آوت أي دخول خروج، جمارك للأشخاص عوض المؤن المهربة . لم نجد مبررا للتهريب غير أن المسؤولين بالسمارة غضوا الطرف عن هذا الأمر، حتى يحلوا أزمة الشغل والظروف المعيشية القاسية لجل أهل السمارة، ويسكتوا الأفواه المشاكسة، حتى لا نقول إن في الأمر تواطؤا ونصبح في سين وجيم.. لكن احتراما لقدسية المهنة و مصداقيتها نقدمها لقرائنا، واعترافا بمجهودات بلد يضحي بالغالي والنفيس ليلملم شتات ملف عمر أكثر من 35 سنة، وشق عهدا جديدا نحو لم الشمل في ظل ديمقراطية اختارها قبل ان تفرض عليه، اجلالا لهذا الوطن، حملنا على عاتقنا أن ننقل بكل شفافية ما رأيناه وسمعناه في مدينة تدين لأوصيائها بالكثير. ساكنة السمارة لا تشرب مياهها الماء ايضا يباع، فكل بيت في السمارة يتوفر على "مطفية أو خزان للمياه العذبة، فالساكنة لا تشرب الماء الذي يجلبه المكتب الوطني للماء الصالح للشرب من منطقة أم الشقاق الموجودة قرب مدينة العيون، نظرا لكونه متشبع بالملوحة، والناس يستعملونه للغسيل والتنظيف في حين يشترون المياه التي توزعها ستيرنات مرقمة كتب عليها مياه طنطان، وهي مياه جوفية يتم استحضارها من آبار جوفية قرب طنطان، ويتراوح ثمن 100 لتر بين 40 و 50 درهم، ويستعملونه للشرب وتحضير الشاي، تقول إحدى السيدات نحن نؤدي ثمن الماء الموزع وثمن الماء الذي نشتريه وثمن الكهرباء، حتى المعونة لم تعد كسابق عهد توزع شهريا علينا، وبالتالي تصبح الحياة صعبة جدا، خاصة وأننا سبعة أفراد نعيش على نفقة كارطية واحدة للإنعاش.. ترى ما الفائدة من توزيع ماء ليس صالحا للشرب لملوحته؟ وحتى الآن لم يتم التفكير في انشاء مصفاة لتحلية هذه المياه قبل توزيعها.. . ولتغطية كل المصاريف من تطبيب وتمدرس ومأكل وملبس، تضطر بعض الأسر إلى تربية الماشية، فتقتسم معها فتات الخبز كي توفر أثمان الأعلاف. في مخيمي الكويز والربيب تغيب الحاضرة خلف الغبار والطين حين تتجول بمخيمي الربيب والكويز تشعر أنك على عتبة مغرب آخر، مغرب يعيش على أنقاض الماضي، وأنه مازال عند نقطة البدء قبل 35 سنة، وأن ما حققه طيلة هذه المدة بباقي الأقاليم الجنوبية التي يفخر بها تاريخه، لم يطأ بعد هذه النقطة من خريطته، وأنت تتجول في هذين المخيمين لا شيء يؤكد أنك في القرن 21 غير الصحون المستقبلة للفضائيات، أي »البارابولات«، المتراصة فوق البيوت الطينية. على عكس الداخلةوالعيون لايزال مشكل ترحيل ساكنة مخيمي الربيب والكويز بعيدا عن أي تسوية بين السلطات المحلية والقاطنين، ولا تزال التجزئتين المخصصتين لهم تنتظر من يعمرها، ليظل القاطنون يقتسمون مع مواشيهم الخبز والماء، والمسكن والزقاق، وتغيب الحاضرة بين بيوت من طين و قش يابس، وسقوف من أعمدة الخشب المرصوص وقصب مغطى بالطين، حتى تخفف من حرارة الصيف، وقليلة هي البيوت الإسمنتية بهذين المخيمين، أما الأزقة فهي ضيقة بشكل يبعث على الألفة بين الجيران، و بكلا المخيمين توجد سقاية عمومية حيث يجتمع الأطفال وتلتقي الجارات، أطفال المخيمين يملأون الفضاء ضجيجا ومرحا يذكر أن الحياة مستمرة، غير مبالين بوحل الازقة العالق بأقدامهم وغبار رياح الشرقي التي تهب كل مساء على السمارة. تقييم الوضع يتطلب دراسة سوسيو سياسية لساكنة المدينة أما بالنسبة لتقييم احوال السمارة وما آلت إليه اليوم من تهميش، تقول فاطمة الإسماعيلي مدينة السمارة كما يعرف الجميع هي العاصمة العلمية للمناطق الجنوبية، ولا نرى أي معالم لهذه الصفة، لا ندوات ولا مشاريع تصب في هذه النقطة، حتى المتحف الذي شيد ليكون مفخرة لتراث المدينة وتاريخها العلمي، شيد بعيدا عن مركز المدينة بعشرات الكيلومترات في اتجاه مدينة العيون، وكأن القدر حكم على السمارة أن تعيش عزلة بين تراثها وماضيها العريق، ورغم ما خصص لها من اهتمام كباقي المدن الجنوبية، بعد استرجاعها إلى حظيرة الوطن الام، فالمتتبع لأحوال المغرب وما عرف من تنمية وتحضر وتطور بالخصوص المناطق الجنوبية، فإنه حين يزور السمارة يعرف أنها لم تر النور، ولم تلتحق بالركب بعد، فبناياتها لازالت هي كما رحل عنها المستعمر، البنية التحتية هشة، وبالنسبة لقطاع الصحة فهو مهمش تماماً ولا يستفيد منه الجميع لعدم وجود أطباء مختصين، و ارتفاع فاتورتي الماء والكهرباء بالمقارنة مع متوسط دخل الافراد والبناء العشوائي رائج بامتياز والتعليم ضعيف لقلة المدارس والثانويات وتجهيزاتها وعدم وجود مدارس خصوصية وإن وجدت فلا يستطيع الغالبية الالتحاق بها نظرا لأن مدخول غالبية الأسر هي كارطية فقط. أما بخصوص ساكنة مدينة السمارة الأصليين فتقول الإسماعيلي سلمى سيدي مولود إنهم أضعف الساكنة لا من ناحية الدخل الفردي، أو الاستفادة الممنوحة للعامة، والتي يستفيد منها الجميع دون استثناء إلا الساكنة الأصلية، ومن وجهة نظري لو أعطي كل واحد نصيبه المخصص له لما آلت الأمور إلى ما هي عليه، وأرى أن الأمور تتفاقم أكثر وأكثر، وكأن هناك أيادي خفية تلعب بالوضع في السمارة ليبقى الحال على ما هو عليه، موهمين الجميع بأن هناك أوضاعا استثنائية في المنطقة، وكأنهم يختلقون تلك الأوضاع لغاية في نفس يعقوب.. . لذلك فإن تقييم الوضع في السمارة يحتاج فعلا لدراسة ميدانية واقعية ، في إطار شمولي بين ما هو سوسيو اقتصادي وسوسيوسياسي، حتى تبقى المقاربة الأمنية التي اتخذ منها القيمون على أمر في السمارة مطية لتبرير أي تقصيرمن جهتهم أو أي انفلات لساكنة السمارة وشبابها لأسباب اجتماعية ذكرها تحقيقنا هذا، مقاربة تحط في نصابها الصحيح الذي يهدف إليه مغرب الحق والقانون وليس العكس. حي طنطان بؤرة التوتر في المدينة يقول أحد المجازين القاطنين في حي طنطان ، وهو أكثر الأحياء شغبا واحتجاجا، بل هو بؤرة التوتر الدائم في المدينة، حي اختار شعار لا بديل لتقرير المصير كتصعيد سافر للفت الإنتباه لأوضاعهم الإجتماعية والمساومة على مطالبهم، وحول هذا التصعيد غير المبرر يقول هذا الشاب في غياب حوار جاد حول مطالب الشباب بخصوص حقهم في الشغل ومطالب اخرى تخص الوضع العام في السمارة، اختار هؤلاء الشباب منطق الإستفزاز والمساومة، وهذا لا يعني أنه لا يوجد بينهم من هو ليس متشبعا بالفكر الإنفصالي خصوصا وأن هناك من يدعمهم ماديا عن طريق وسطاء من الضفة الأخرى، وحسب ما يروج فإن السمارة تحتل المرتبة الأولى في الأقاليم الجنوبية من حيث عدد الإنفصاليين، وهذا لأن هذا التوجه وجد الأرض الخصبة لتفشيه، والذي صنع هذه الأرضية هم للأسف أبناء جلدتنا وعمومتنا من الأعيان والمسؤولين الذين صدوا الظهر عنا وعن القضية ككل ليسترزقوا منها، بل الأكثر من ذلك أصبحت تهمة الإنفصال سلاح لتصفية الحسابات الضيقة حتى الإنتخابات دخلت في هذه اللعبة القذرة.. . وأوضح ذات المصدر أن المدينة همشت لأن أبناءها لم ينصفوها كفاية، والكل يعلم أنها أنجبت مسؤولين كبار في مواقع القرار، بل حتى من صوتنا عليهم خلال الإنتخابات التشريعية السابقة، لم يطرح منهم أحد داخل قبة البرلمان أي سؤال حول الواقع المزري للمدينة من أجل مناقشته.. . العمل الجمعوي يعيش أيضا أزمة التفعيل في السمارة أكدت فاطمة الإسماعيلي أن العمل الجمعوي يعيش أزمة خانقة في السمارة، وذلك نظرا لعدم الوعي أولا بمفهوم العمل الجمعوي، وأهميته في تحسين أوضاع الساكنة والنهوض بالمدينة، ثانيا لكون المشاريع والدعم المخصص للتنمية البشرية لايستفيد منها العامة، بل حتى إعلاناتها لا تنشر إلا بعد انتهاء وقتها، وإن نشرت لا يعلم بها أحد غير المهتمين بالأمر، وتفيد فاطمة أن هناك أزيد من 200 جمعية، لا ينشط منها سوى القليل بفضل مجهودات أعضائها الفردية، لهذا السبب تبقى ثمار العمل الجمعوي على أرض الواقع جد متواضعة ومناسباتية، مقارنة مع عددها و حجم نشاطها وانعكاسه على واقع السمارة«. وتؤكد فاطمة حتى لا نظلم ذوي النوايا الحسنة من الفاعلين الجمعويين فإن بعض الجمعيات الجادة لا تلقى الدعم و التشجيع من طرف الجهات المسؤولة في السمارة علما أن هناك جمعيات أخرى تفتح لها جميع الأبواب لأسباب لا مجال للخوض في ذكرها.. ..