يكتسب الحديث عن السمارة أهميته وراهنيته من العديد من المؤشرات البنيوية المتكاملة والمتجهة عموديا إلى الحكم إيجابا ، وبدون تحفظ ، بأنها إقليم يتحرك رغم الصعوبات والعراقيل. أما أهميته فتكمن في التغيرات البادية للعيان والتي يشهدها الإقليم. وأما الراهنية فتتحدد أساسا في الحراك الاجتماعي والتنموي الذي يشهده المغرب قاطبة، حيث سيتغير انتماء الإقليم من جهة إلى أخرى بموجب رأي اللجنة الاستشارية، وما سيستتبع ذلك من ضرورة الاستعداد التام لدخول المرحلة المقبلة بالثقة الكافية لتبوء المكانة التي هو بها جدير لاسيما ونحن على مشارف العمل وفق تصور جديد للجهوية وتحديد لأدوار المؤسسات الترابية والمركزية. مراسلة خاصة حتى يتسنى توصيف الجهود والأهداف والرهانات توصيفا دقيقا ووضعها الموضع الملائم، يتحتم أولا التذكير بالوضع المتردي الذي كان يعيشه الإقليم منذ المسيرة الخضراء لأسباب يعزوها المتقاعسون و«المتكالبون» لموقعه الجغرافي الذي يقف حجر عثرة أمام أية مبادرة تنموية، ومستغلين الوضع السياسي الذي يسمح لهم بهامش من تضليل المواطن وسلطات القرار المركزية واللعب على كل الحبال ، متناسين المأثور الفرنسي القائل «إن الفرق بين الصحراء والحقل لا يكمن في الماء ولكن في همم الرجال». دون جحدان نوايا وجهود بعض الرجال والنساء ممن تواجدوا في طريق «جهنم»، لكن أعمالهم ضاعت في الزحام! وهي الباقية تدل عليهم وتذكر بهم. ولكي لا يظل حكمنا مجرد إطلاق يفتقر إلى الحجج، نقول، ودون حرج، إن السمارة بدأت تتحرك على جميع الصعد منذ الأسابيع الأولى لتعيين أحد أبناء الأقاليم الصحراوية على رأس عمالة الإقليم. هذا التعيين الذي أبان عن محاولة القائمين على ملف الصحراء إعادة الهرم إلى وضعه الطبيعي بإشراك أبناء المنطقة في تدبير شؤونها من موقع المسؤولية. وقد تبدت الرغبة في العمل منذ اللقاءات الأولى المباشرة التي جمعت العامل بالساكنة دون وسطاء من أجل الوقوف على المشاكل والرغبات والآمال. هنا لابد من التذكير بالانعكاس الإيجابي لهذا التعيين الذي تعاملت معه الساكنة بكل الرضى والاقتناع، مما شكل حافزا للتعاون القائم على الإنصات والشفافية والمردودية من خلال المصارحة بالمستطاع إنجازه والمستحيل. أولى الثمار التي تم جنيها محليا هي حالة الاستقرار التي تطبع الإقليم منذ مطلع العام 2009 ، حيث اقتنع العديد من الذين يحملون وجهات نظر سياسية أخرى، أن تنمية الإقليم هي مسؤولية الجميع وأن التقاعس لم يعد مقبولا مهما كانت الحجج، «لأن للكعبة ربا يحميها» كما للسياسة رجالها ومساراتها رغم بعض التحركات الطفيفة التي تهدف فقط إلى التشويش على الإنجازات التنموية وقد لا تكون مبنية على قناعات سياسية وإنما مدفوعة الأجر من قبل صيادي المياه العكرة. ينضاف إلى ذلك التدبير السليم للعمليات الانتخابية الأخيرة، رغم صعوبة الظروف المحيطة بها سياسيا واجتماعيا، والتي مرت في أجواء صحية مرضية ومقنعة أبانت عن الحنكة وحسن التدبير. على المستوى الاجتماعي تعمل السلطات المحلية في اتجاهين متوازيين، يتأسس الأول على محاربة نوع من الوعي القائم على الإعانة والامتياز ، والذي تم تكريسه في العقود السابقة لأسباب سياسية محضة ، ولم يعد مقبولا الاحتفاظ به في أيامنا. فيما يقوم المسار الثاني على «النبش» لإيجاد تلك الحالات الانسانية الصعبة التي لم تتح لها في الماضي فرص إسماع شكواها وألمها، فانخرط الجميع في عملية إقليمية رائدة معتمدة على معايير واضحة لتوزيع بطاقات الإنعاش الوطني حصلت على موافقة التجمعات العائلية، رغم أن الحاجيات أكثر من المتوفر، لكن توفر شرط العدالة الاجتماعية في التوزيع كان له صدى مقنع بين عموم الساكنة. على الصعيد العلمي والثقافي يقولون عن إقليمالسمارة بأنه العاصمة العلمية والروحية لأقاليم الجنوب، لكن المهتم بهذا الشأن كمن يسمع جعجعة ولا يرى طحينا! إذ تغيب كل المؤشرات الدالة على هذا التوصيف. وهذا ما دفع إلى تكريس هذه الصفة واقعيا من خلال العديد من العناوين الكبرى أهمها التتبع المباشر لمشروع إحداث مكتبة عائلية للمخطوطات المحفوظة لدى الأسر بالإقليم، وتنظيم النسخة الأولى لملتقى المديح النبوي الشريف الذي حظي باهتمام واسع لكونه أول مهرجان موضوعاتي تضافرت له أسباب النجاح وحقق المأمول منه. ينضاف إلى ذلك إنجاز عدد من مكتبات القرب في عدد من الأحياء، وتشجيع الطلبة المجازين بمساعدات من أجل إكمال دراساتهم العليا في ظروف أفضل، والاستضافة المتواترة للقاءات العلمية والثقافية المتعلقة بتراث الصحراء المادي واللامادي ، منها على سبيل المثال لا الحصر الملتقى الدولي للنقوش الصخرية والفن الصخري الذي عرف مشاركة 34 دولة منها الولاياتالمتحدةالأمريكية ، مرورا بأستراليا وجنوب إفريقيا وصولا إلى الجزائر. الاش على مستوى التأهيل الحضري يشهد إقليمالسمارة حركة غير عادية على مستوى إنجاز أشغال تهيئة البنيات التحتية والتجهيزات الأساسية التي انطلقت دفعة واحدة في العديد من المشاريع الكبرى، إذ لا تكاد تمر بشارع أو درب أو حي إلا وتطالعك الآليات والعمال بعدما أقنعت السلطات الإقليمية الشركاء بجدوى المشاريع المقترحة، ولأول مرة في تاريخ الإقليم تزيد القيمة الإجمالية للمشاريع المبرمجة عن الستين مليار سنتيم. تتراوح بين شق الطرق وتعبيدها ولاسيما الشوارع الرئيسة والطريق المدارية والطرق الرابطة بين السمارة وبعض الجماعات القروية ، وخاصة تلك الرابطة بين السمارة والشيخ سيدي أحمد الركيبي والسمارة وأمكالة، وإحداث وحدات جديدة من قبيل المذبح البلدي ومركز الاستقبال الذي طال انتظاره لغياب وحدات فندقية لائقة وقنوات الصرف الصحي و شبكة الكهرباء وغيرها، تنضاف إليها عمليات إعادة الروح إلى العديد من المشاريع التي عانت من «السكتة القلبية» وصارت محل تندر الشارع المحلي من قبيل المسجد الكبير والقاعة المغطاة والمسبح البلدي وتجزئة الربيب والكويز لإعادة إسكان قاطني مخيمات الوحدة. دون إغفال مجالات التنشيط الشبابي والرياضي حيث تتم مواكبة دعم الفرق المحلية في مختلف الرياضات ولا سيما فريق كرة اليد الذي يلعب في قسم الصفوة، فضلا عن مشاريع البنية التحتية التي ظلت لعقود، المرض المزمن الذي يعاني منه الجسد السماري في غياب إرادة حقيقية لإيجاد حلول ناجعة ونهائية له. و لا يجب في هذا المقام إغفال التنويه بالعمل الذي يقوم به الإنعاش الوطني الذي ظهرت نتائجه بعدما حصل على الاهتمام اللازم والتأطير الجيد والمتابعة اليومية للسلطات. تنمويا، تجدر الإشارة إلى أن السمارة حاليا تتبوأ الريادة على مستوى الاقتصاد الاجتماعي من حيث عمل التعاونيات والجمعيات التي حظيت بتأطير جيد ومواكبة مستمرة من أجل العمل على استغلال خيرات الإقليم وتثمين موارده من أجل تحقيق الأهداف المسطرة وفق برامج زمنية محددة ومخططات مدروسة وبحث عن الكفاءات القادرة على تقديم خبراتها وفق تعاقدات وشراكات هادفة، وإذا كان الكسكس والبخور ومشتقاته قد دخلا الأسواق فالحجارة والأركان والخضروات والفواكه والنخيل والطلح وغيرها قادمة قريبا، وهنا يجب التنويه بالدور الأساسي الذي يضطلع به الفريق العامل في دار المبادرة في هذا الشأن (منسق ومنشطة ). كما ينبغي الإشارة إلى الفهم المتقدم لأسس وميكانيزمات فلسفة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية سواء في الفترة المتبقية من الخماسية الأولى أو ملامح إدراك السلطات المحلية لمحددات الخماسية الحالية، حيث حصل تغير كبير في مساطر المعالجة وكيفيات الحصول على الدعم وكذا في طبيعة المشاريع المبرمجة رغم الإكراهات البشرية وصعوبة إقناع الشركاء بالمشاريع المجدية. من يريد إخفاء الشمس بالغربال هي إذن تغيرات يراد لها أحيانا ألا تظهر. لكن إخفاء الشمس بالغربال ضرب من الجنون، وهي إسهامات محلية قد تجد نظيرا على المستوى الوطني، من حيث إن أحزابا وشخصيات وطنية ، قامت في أوقات سابقة بأعمال جليلة خدمة للوطن واستقراره في زمن الانتقالات ، لكن المواطن العادي لم يلحظ تلك النعمة الهامة في معيشه اليومي وبات جاحدا لها، لأنها لم تنعكس مباشرة عليه ، غير أنها تظل ضامنة لأمنه ومعيشه من الناحية الماكرو سياسية والاقتصادية واجتماعية ! وهنا تتحتم الإشارة إلى وجوب العمل وفق المقاربات التشاركية والالتقائية والحكامة الجيدة، كل من موقعه ومسؤوليته، فلم تعد الانتظارية مقبولة ولا سيما في صفوف النخب المحلية الشابة والمتعلمة التي يحتاجها الإقليم أكثر من أي وقت مضى لدعم هذه الجهود وتقويمها وتنوير الجهات القائمة عليها، لأننا نعلم جميعا أن إقليماكالسمارة في وضعه الحالي يبقى طاردا للكفاءات البرانية ، وهو الذي تكالبت عليه السياسة والجغرافيا. ويجب في هذه المرحلة أن يتحمل أبناؤه المسؤولية كاملة بدل الاختباء وراء النقد الهدام والحسابات الضيقة التي تغيب عنها الأسس العلمية الضامنة وحدها لتنمية مستدامة، لأن الإقليم في حاجة إلى جميع أبنائه...