عانا العمل النيابي في بلادنا من صعوبات كبيرة جعلت من مؤسسة البرلمان مؤسسة شكلية على هامش الحياة السياسية، وتحظى بسمعة سيئة لدى المواطنين، وكانت تعكس واقع «البلوكاج»السياسي واختناق مسارات تجديد النخب، ليس فقط على مستوى تغيير الوجوه، بل في تغيير العقليات وتوسيع أفق الإصلاح وإنهاء التحكم الذي كان سياسة للدولة في مراحل سابقة، وفي ظل هذا الواقع تحول البرلمان إلى غرفة للتسجيل ورشوة للنخب، وبذلك ضعف الرهان على هذه المؤسسة المحورية في أي نظام سياسي يدعي أنه ديمقراطي. الكثير من الفئات الإجتماعية وأجيال من المناضلين كان طريقهم للبرلمان شاقا، فقد احتكرت نوعية من الأعيان ورجال الأعمال والمقاولين الجدد ممن كانوا في خدمة التحكم لسنوات وشكلوا ذراع السلطة..حاجزا أمام كل تجديد وكل بناء لصوت مغاير يعزز إستقلالية المؤسسة التشريعية عن باقي السلط في الدولة، وفي الطريق تم وضع آليات لتمييع الانتخابات كآلية لإفراز النخب البرلمانية، وظهرت ظاهرة المال حلاله وحرامه، مما أفرز سلوكات انتهازية سواء داخل النخب أو في صفوف المواطنين حيث ظهرت «مهن» موسمية للوساطة في التصويت , وكذلك مرشحين تحت الطلب، يفتقدون لأية رؤية للعمل النيابي والتمثيلي عامة، سواء تعلق الأمر بالإنتخابات المحلية أو البرلمانية، وهذا الأمرأثرفي فعالية المؤسسات المنتخبة وقدرتها على بناء التوازن الضروري مع باقي السلطات في الدولة، مما خلف خلالا كبيرا على مستوى الدولة، وهو ما كان موضوع مراجعات دستورية كانت تسير بجانب الإصلاح ولا تنفذ إلى العمق، وهذا الأمر إستغرق فترة التسعينات بكاملها وألقى بإمتداداته الثقيلة على بداية القرن الجديد وذلك إلى حدود خطاب 9 مارس 2011 الذي فتح أفقا جديدا للمسألة الدستورية، ونقلها من مقاربة الإصلاح بمضمون المحافظة إلى مقاربة التجديد بمضمون دستور جديد يستجيب للتراكمات الديمقراطية وأساسا التراكمات التطلاعية الديمقراطية في سياق وطني وإقليمي لم يكن يفتح سوى باب واحدا نحو الإستقرار والمستقبل، وهو مناخ سياسي جديد وإصلاحات تفتح الطريق نحو عمق الإشكالية الديمقراطية، وبناء مقاربة المسؤولية في مقابل المحاسبة وتعميم هذه المقاربة على كل مفاصيل تدبير الشأن العام وممارسة الحكم. لقد كان ضروريا مواكبة هذه الإصلاحات ونوايا الإصلاح بأجيال جديدة من المشتغلين بقضايا الشأن العام، خاصة عبرآلية اللائحة الوطنية بين النساء والشباب. اليوم من حق المواطن أن يلمس التغييرات التي طرأت على العمل النيابي والذي إتضح من خلال مناسبة مناقشة الميزانيات القطاعية، لكن كل هذا العمل الجاد والمهم الذي يقوم به النواب في الجلسات المغلقة للجان والتي تستمر إلى ساعات متأخرة من الليل، وتعرف مقاربات مختلفة للسياسات العمومية، لايراه أحد وهذا الأمر لا يساهم في تطوير منسوب الثقة بين المواطنين والمنتخبين، فحصر علاقة المواطنين بالبرلمان في جلسات الأسئلة الشفوية يعتبر إساءة للعمل النيابي الذي يجب أن ترصد له إمكانيات حقيقية تعزز إستقلاليته عن باقي السلط في الدولة.