مأساة القاصر أمينة أعمق من المطالبة بتعديل الفصل 475 من القانون الجنائي ومقتضيات من مدونة الأسرة، باعتبار أولا أن هناك حالة وفاة يجب معرفة أسبابها ومسبباتها بناء على بحث قضائي وعلى الجميع من جهة انتظار نتائجه لترتيب الآثار القانونية، بما في ذلك معرفة ظروف وملابسات واقعة الاغتصاب وإنجاز عقد الزواج من مغتصب الهالكة، ومن جهة أخرى العمل على ترسيخ شعارات استقلال القضاء الذي وضع يده على الملف، وهذا يفترض عدم الخوض في تفاصيله إلى حين الانتهاء من البحث القضائي وفق ما يقتضيه القانون والدستور. قلت إن مأساة القاصر أمينة، التي تتضارب الروايات حول أسباب وفاتها، تطرح في العمق اغتصاب الطفولة حد القتل، أو الاعتداءات الجسدية وآثارها النفسية والمعنوية على الضحايا وذويهم، وهي قضايا تعج بها المحاكم، وتحتم معالجة شمولية بعيداً عن العواطف، والانتقائية، وتصفية الحسابات. في هذا السياق يمكن أن نسوق بعض الاشكاليات لطرحها للنقاش من قبيل الحالات التالية التي نصادف أغلبها بجلسات المحاكم: 1) ماذا عن ولي القاصر الذي وقع اغتصابه أو هتك عرضه حينما يتنازل عن الشكاية المقدمة باسم ابنته أو ابنه مقابل بضعة دراهم؟، وبالتالي إلى أي حد يكون هذا التنازل لفائدة المُغتصب يلزم الضحية نفسه، خاصة إذا بلغ سن الرشد؟ وما هي طبيعة العقد / الاتفاق بين المُغتصب وأب / أم الضحية؟ وهل يستفيد القاصر من المبالغ الممنوحة لولي أمره في إطار العلاج، بما في ذلك العلاج النفسي؟ ثم ما هي طريقة توزيع هذه الأموال بين أفراد العائلة إذا فارق الضحية الحياة ووقع التنازل؟ 2) ماذا عن تبسيط الإجراءات للتنصيب كطرف مدني أمام غرفة الجنايات، حيث يتعين أداء مبلغ 500 درهم كرسم جُزافي بمقتضى القانون المنظم للرسوم القضائية في المادة الجنائية، علما أن الدعوى المدنية التابعة - حسب مصدر قانوني - تستوجب التعويض عن الضرر الشخصي الناتج مباشرة عن الفعل الجرمي ولفائدة المتضرر شخصيا ليظل السؤال عالقا بشأن الضرر غير المباشر الذي يمس الضحية نفسه، أو يمس أفراد العائلة. كما أن اللجوء إلى القضاء العادي للمطالبة بالتعويض عن الأضرار، في إطار مقتضيات الفصل 78 من قانون الالتزامات والعقود، يوجب انتظار صدور حكم جنائي نهائي يقضي بمؤاخذة المتهم/المتهمين. 3) تطرح إشكالية عسر المدين/المحكوم عليه بالتعويض لفائدة الضحية إلزامية خلق صندوق لضمان تنفيذ الأحكام القضائية، وإلا ما جدوى الحصول على حكم ، خصوصا أن أغلب المحكوم عليهم معوزون وفقراء؟ 4) إن وضعية الاعتداء على الضحايا تستلزم معالجتهم جسديا ونفسيا مجانا، خاصة بالنسبة للمعوزين. 5) إذا كانت الدولة مسؤولة عن أمن وسلامة المواطنين فلماذا لا يتم إدخالها في الدعاوى لأداء التعويض خاصة بالنسبة للمتهمين المعسرين والمختلين والمشردين؟ 6) ماذا عن حقوق الأطفال الناتجين عن علاقة غير شرعية، سواء بالفساد أو الاغتصاب، لأن هؤلاء لا يعنيهم قضاء «الأب» مدة العقوبة الحبسية وحصول الأم على التعويض؟ في هذا الصدد ميزت مدونة الأسرة بين البُنُوَّة الشرعية والبُنُوَّة الطبيعية الناتجة عن علاقة غير شرعية كالفساد والاغتصاب. وتساءل مصدر قانوني عن عدم تفعيل مقتضيات مدونة الأسرة في قضية البُنُوَّة الطبيعية مثلا، باعتبار أن هناك حقوقا لفائدة المولود، مع توسيع مجال الدعوى المدنية التابعة لتشمل كافة الأطراف، بمن في ذلك الابن/البنت الناتجة عن علاقة غير شرعية، مشيرا إلى أن التشريع يُسنّ حسب حاجيات المجتمع، وبعيداً عن العواطف، والبكاء على الأطلال ، أو التَّجييش، مع ضرورة مراعاة خصوصيات المناطق التي لا يمكن أن تُسقى «بِمِغَرفَةٍ» واحدة، أو تُفرض من فوق كراسي وثيرة لا علاقة لها بالواقع ولا يتوفر أصحابها على الأقل على دراسات ميدانية تهم مثلا وضعية الاغتصاب وهتك العرض بمختلف مناطق المملكة، بما في ذلك الجرائم غير المُبلَّغ عنها، ونسبة الأحكام القاضية بالبراءة والإدانة، وطبيعة الأحكام القضائية، خاصة أننا نتوفر على ملفات أحكامها مُخفَّفة. 7) إن تنصيب جمعيات المجتمع المدني في ملفات الاغتصاب وهتك العرض وغيرها من القضايا يجب أن يتقيد بمقتضى القانون، بما في ذلك احترام قرينة البراءة بالنسبة للمتهمين، حيث إن القانون يمنع ويعاقب التَّشهير بالمتهمين ونشر أسمائهم وصورهم، وهو ما ينطبق أيضا على وسائل الإعلام وتصريحات بعض المسؤولين الحكوميين الذين يخوضون في تفاصيل ملفاتها معروضة على القضاء. كما أن نشر أسماء الضحايا وصورهم يخضع لتقييدات قانونية، وإلا ما جدوى تنزيل مقتضيات الدستور والقوانين إذا لم تحترم. 8) هل الخلل يكمن في القانون المؤطر لعمليات الاغتصاب وهتك العرض أم في تفعيله؟ وبالتالي هل وضعية اغتصاب الطفولة تستدعي مزيداً من تشديد العقوبة الحبسية والغرامة المالية؟ هذه بعض الأسئلة التي يتعين الإجابة عنها بكل هدوء.