بوريطة: المغرب شريك استراتيجي لأوروبا .. والموقف ثابت من قضية فلسطين    مثل الهواتف والتلفزيونات.. المقلاة الهوائية "جاسوس" بالمنزل    السفيرة بنيعيش: المغرب عبأ جهازا لوجستيا مهما تضامنا مع الشعب الإسباني على خلفية الفيضانات    الحسيمة : ملتقي المقاولة يناقش الانتقال الرقمي والسياحة المستدامة (الفيديو)    تعيين مدير جديد للمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بتطوان    المنتخب المغربي يفوز على نظيره المصري في التصفيات المؤهلة لكأس أمام أفريقيا للشباب    إقصائيات كأس أمم إفريقيا 2025 (الجولة 5).. الغابون تحسم التأهل قبل مواجهة المغرب    اشتباكات بين الجمهور الفرنسي والاسرائيلي في مدرجات ملعب فرنسا الدولي أثناء مباراة المنتخبين    مقاييس التساقطات المطرية خلال 24 ساعة.. وتوقع هبات رياح قوية مع تطاير للغبار    بحضور التازي وشلبي ومورو.. إطلاق مشاريع تنموية واعدة بإقليم وزان    عنصر غذائي هام لتحسين مقاومة الأنسولين .. تعرف عليه!    المنتخب المغربي الأولمبي يواجه كوت ديفوار وديا في أبيدجان استعدادا للاستحقاقات المقبلة    وزيرة الاقتصاد والمالية تقول إن الحكومة واجهت عدة أزمات بعمل استباقي خفف من وطأة غلاء الأسعار    لمدة 10 سنوات... المغرب يسعى لتوريد 7.5 ملايين طن من الكبريت من قطر    الدرك الملكي بتارجيست يضبط سيارة محملة ب130 كيلوغرامًا من مخدر الشيرا    الأرصاد الجوية تحذر من هبات رياح قوية مع تطاير للغبار مرتقبة اليوم وغدا بعدد من الأقاليم    أزمة انقطاع الأدوية تثير تساؤلات حول السياسات الصحية بالمغرب    هل يستغني "الفيفا" عن تقنية "الفار" قريباً؟    مصرع شخص وإصابة اثنين في حادث انقلاب سيارة بأزيلال    بتهمة اختلاس أموال البرلمان الأوروبي.. مارين لوبان تواجه عقوبة السجن في فرنسا    بعد ورود اسمه ضمن لائحة المتغيبين عن جلسة للبرلمان .. مضيان يوضح    ‬المنافسة ‬وضيق ‬التنفس ‬الديموقراطي    أحزاب المعارضة تنتقد سياسات الحكومة    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    حوالي 5 مليون مغربي مصابون بالسكري أو في مرحلة ما قبل الإصابة    الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين تسلم "بطاقة الملاعب" للصحافيين المهنيين    ألغاز وظواهر في معرض هاروان ريد ببروكسيل    الحكومة تعلن استيراد 20 ألف طن من اللحوم الحمراء المجمدة    صيدليات المغرب تكشف عن السكري    ملتقى الزجل والفنون التراثية يحتفي بالتراث المغربي بطنجة    الروائي والمسرحي عبد الإله السماع في إصدار جديد    خلال 24 ساعة .. هذه كمية التساقطات المسجلة بجهة طنجة    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    نشرة إنذارية.. هبات رياح قوية مع تطاير للغبار مرتقبة اليوم الخميس وغدا الجمعة بعدد من أقاليم المملكة        معدل الإصابة بمرض السكري تضاعف خلال السنوات الثلاثين الماضية (دراسة)    تمديد آجال إيداع ملفات الترشيح للاستفادة من دعم الجولات المسرحية    مركز إفريقي يوصي باعتماد "بي سي آر" مغربي الصنع للكشف عن جدري القردة    الاحتيال وسوء استخدام السلطة يقودان رئيس اتحاد الكرة في جنوب إفريقا للاعتقال    حفل توزيع جوائز صنّاع الترفيه "JOY AWARDS" يستعد للإحتفاء بنجوم السينماوالموسيقى والرياضة من قلب الرياض    إسرائيل تقصف مناطق يسيطر عليها حزب الله في بيروت وجنوب لبنان لليوم الثالث    الدولة الفلسطينية وشلَل المنظومة الدولية    أسعار النفط تنخفض بضغط من توقعات ارتفاع الإنتاج وضعف الطلب    عواصف جديدة في إسبانيا تتسبب في إغلاق المدارس وتعليق رحلات القطارات بعد فيضانات مدمرة    "هيومن رايتس ووتش": التهجير القسري الممنهج بغزة يرقي لتطهير عرقي    هذه أسعار أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    ترامب يعين ماركو روبيو في منصب وزير الخارجية الأمريكي    غينيا الاستوائية والكوت ديفوار يتأهلان إلى نهائيات "كان المغرب 2025"    كيوسك الخميس | المناطق القروية في مواجهة الشيخوخة وهجرة السكان    الجيش الملكي يمدد عقد اللاعب أمين زحزوح    غارة جديدة تطال الضاحية الجنوبية لبيروت    أكاديمية المملكة تفكر في تحسين "الترجمة الآلية" بالخبرات البشرية والتقنية    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبو بكر القادري مجاهد ورائد من رواد الدفاع عن حقوق المرأة المسلمة..؟
نشر في العلم يوم 09 - 03 - 2012

ودعت الأمة المغربية والحركة الوطنية بالمغرب في نهاية الأسبوع الماضي علما من أعلام الوطنية والجهاد الفكري والسياسي، ورمزا من رموز الدعوة الإسلامية، ودعامة من دعائم النضال الفلسطيني، وكاتبا متميزا عالج قضايا أمته ومشاكلها من خلال الكتابة الرصينة والملتزمة، وشاهدا من شهود العصر الذي دون شهادته للتاريخ وللأجيال القادمة (في موضوعية ومسايرة لتلك الفترة من الكفاح الوطني المقدس) كما قال جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله.
لقد كان الفقيد رحمه الله بالفعل موضوعيا ونزيها ودقيقا في تناول تاريخ الحركة الوطنية المغربية من خلال المعايشة التي عاشها داخل الحركة وفاعلا مؤثرا في تطورها، ومصححا في مناقشة هادئة ما رآه يحتاج إلى التصحيح وبالأخص فيما كتبه بعض إخوانه من الوطنيين الذين كتبوا عن نفس المرحلة.
وقد كان في الواقع ذلك شأنه فيما كتبه من أبحاث ودراسة ومقالات. وحديث الجمعة الذي كان الفقيد رحمه الله من الراعين له بالتوجيه والتشجيع يخصص حديث هذا الأسبوع لتناول بعض ملامح شخصيته رحمه الله وتقبل منه وأجزاه الجزاء الأوفى.
وقد رئينا بمناسبة اليوم العالمي للمرأة أن نشير إلى أحد كتبه حول الدفاع عن المرأة.
تتبع ويقظة
شاءت إرادة الله أن تستأثر بالفقيد المجاهد المفكر الكاتب الأستاذ أبي بكر القادري، وأن تختار له ما عنده، ففاضت روحه وأسلم النفس إلى باريها، رحمه الله، وكانت وفاته غير منتظرة، إذ كان رغم تقدمه في السن، مل السمع والبصر، وكان محتفظا بحيويته ونشاطه وإشعاعه الفكري، وكان دائم التواصل وإن كان التواصل معه في المدة الأخيرة يتم أكثره بالهاتف، ولكن الذي لم ينقطع بتاتا هو تتبعه لما يكتب وينشر، ولم يكن تتبعه مجرد تتبع فقط، بل كان يتفحص ويدقق، وكان شديد الاحتراس والاحتراز، في موضوع تناول قضايا الإسلام واللغة العربية، واستقلال البلاد والوحدة الوطنية والترابية، وكان له نفس الحرص على تتبع قضايا الإسلام والمسلمين، ولم يكن رحمه الله بالإنسان الذي يداهن أو يصانع إذا رأى ما يستوجب النقد أو ما يدعو إلى التوجيه والتقويم .
التطور في دائرة الإسلام
ومن الواجب أن نقول: إن كل تطور يقع في بلادنا، وكل نهضة نريد تركيزها في وطننا، يجب أن تكون في نطاق ديننا الحنيف، وفي دائرة الإسلام المتفتح، فكل تطور يقضي على شخصيتنا كأمة مسلمة لها دينها، ولها أصولها، ولها تقاليدها الصحيحة، يجب أن نكون منه على حذر، وكل تقليد يتصادم مع معتقداتنا وقيمنا، يجب أن نبتعد عنه تمام الابتعاد.
وهذا لا يعني أننا نريد أن نبقى أمة منكمشة على نفسها، غير متفاعلة مع غيرها، ولكننا نريد أن تبقى أمتنا محتفظة بكيانها، متمسكة بقيمها، منافحة عن عقيدتها، غير مندمجة في غيرها.
التعاون في مجال الدعوة
هكذا عرفته منذ البداية متتبعا يقظا، وقد لمست هذا التتبع مباشرة وذلك أنه بالإضافة إلى الارتباط الحزبي، فإنني لاحظت ذلك أيضا من خلال ارتباط تنظيمي آخر، ذلك أنه في بداية الستينات من القرن الماضي (1963) أسس مع زملائه وأصدقائه من الوطنيين ورجال الفكر جمعية “شباب النهضة الإسلامية” طلب مني رحمه الله أن أؤسس لها فرعا في مدينة فاس وهكذا تم تأسيس هذا الفرع وكان يرعى نشاط الفرع ومعه الزعيم علال الفاسي رحمه الله في هذه المرحلة وكان من أهم نشاط الفرع في تلك المرحلة إقامة ذكرى الشهيد سيد قطب برئاسة الزعيم علال الفاسي وحضور نخبة متميزة من رجال الفكر والدعوة من المغرب ومن الشرق العربي.
التيار العلماني
وهنا أجدني مضطرا للإشارة ولو باختصار إلى الظروف التي أنشئت فيها هذه الجمعية ولاشك إننا إذا استحضرنا الوضع السائد في نهاية الخمسينيات والستينات من القرن الماضي، وكيف كان التيار العلماني الإلحادي يصول ويجول في جميع الدول المستقلة حديثا، وكيف ركب هؤلاء في العالم العربي على التيار العروبي وحاولوا إقلاع الروح الإسلامية من العقول والأفكار عرفنا أنه كان الرد الطبعي من لدن ذوي الغيرة الإسلامية في هذه البلاد أن يعملوا على حماية المجتمع المغربي من هذه الهجمة الوافدة والمستغلة للظروف الاقتصادية والاجتماعية للسيطرة على النفوس تحت ذريعة تحقيق العدالة الاجتماعية وبناء المجتمع الاشتراكي.
وهذا ما عبر عنه رحمه الله في المقال الافتتاحي للعدد الدول من مجلة “الإيمان” الصادر في دجنبر عام 1963 عندما كتب:
عصر الصراع
إن العصر الحاضر يتصارع فيه تياران كأشد ما يكون التصارع، ويتطاحن فيه مذهبان كأقوى ما يكون التطاحن. ويجب أن يقف الشباب المسلم من هذا التصارع والتطاحن موقف المالك لزمام نفسه، المعتد بما يملكه من أسس وقواعد وقيم، المستمد قراراته من أصوله الإسلامية الخالدة، هذه الأصول والقواعد التي تناصر كل تطور، وتساند كل تقدم، وتحافظ على الأسس الصالحة للحياة.
وإذا كان تصارع الأفكار والمذاهب طابع العصر الحاضر، فيجب على الشباب المسلم أن يتسلح بسلاح المعرفة والإيمان، ليستطيع أن يصمد أمام الأحداث، ويقابل الحجة بمثلها، ويقارع البرهان بالبرهان.
العقائد لا تصان بالأماني
إن العقائد والمذاهب لا تصان ويحافظ عليها بمجرد الأماني، ولكنها تصان بمن يستطيع الدفاع عنها عن معرفة واقتناع، وهذا ما يفرض على شبابنا أن يتعرف إلى حقيقة دينه، ويدرسه دراسة واعية، خالية من كل جمود، بعيدة عن كل تعصب، ويدافع عنه بحرارة المؤمن الواعي العليم.
إننا نلاحظ مع كل أسف، أن طوائف من هؤلاء الشباب، لا تدري من حقائق الإسلام شيئا، ولا تعلم من مراميه وأصوله قليلا ولا كثيرا، وتظن أنه محض أداء للعبادات، لا يهتم إلا بالحياة الأخرى ولا يتدخل في شؤون هذه الحياة، كما نلاحظ آخرين يظنون أن الإسلام مجرد انتساب، لا يفرض على الشخص واجبات، ولا يلزمه بسلوك خاص في هذه الحياة.
العمل والاعتماد على النفس
وقد كان رحمه الله، من الرجال الذين يومنون بأن الاعتماد على النفس في العمل قبل الغير، شرط أساس لنجاح أي عمل، ولهذا بادر في كل المناسبات التي تفرض التحرك من أجل انجاز عمل معين، إلى اتخاذ الموقف الذي يجب أن يتخذ دون تردد أو تلكأ، فهو رجل عملي، وهذه صفة في الواقع يتقاسمها معه الكثير من المناضلين من جيل الرواد المؤسسين، فلم يكن التواكل والاعتماد على الغير من أخلاقهم ولا من شيمهم لذلك نجحت حركتهم، ونجحوا في مقاومة الاستعمار والانتصار عليه كما أنهم كانوا يقومون بأعمال كثيرة ومتنوعة، فهي أعمال يلزم اليوم للقيام بها لجان ولا تكاد تستطيع.
المتعدد المفرد
لقد كان الرجل جمعا في صيغة المفرد فهو إذا واحد، متعدد، فهو كاتب، صحفي، مناضل، منظم أديب، مؤرخ، داعية، خطيب، واعظ، مرب، ومعلم، ومدير للمدرسة في نفس الآن.
لهذا تجد أبا بكر القادري وقد خاص في أمور كثيرة بحثا وكتابة ومناقشة لأنه كان يرى أنه رجل نهضة والنهضة لا تعرف الوقوف عند قضية معينة لأن النهوض لا يكون إلا كاملا، ولا يمكن أن ينتظر الناهض غيره ليستوي ناهضا، وإلا كان نهوضه غير كامل، ومشوب بالنقص، لذلك حمل الرجل على كاهله وتحت مسؤوليته العمل في جبهات متعددة شأنه في ذلك شأن الكثير من رجال النهضة والإصلاح في العالم الإسلامي.
لا هوادة
ولست أريد أن أتعرض بالتفصيل لمناحي نشاط الرجل واهتماماته وقد تتبعت نشاطه كما قلت بكيفية مباشرة منذ الستينات من القرن الماضي كما ارتبطت معه تنظيميا حزبيا أو جمعويا منذ تلك الفترة، ثم عايشته في اجتماعات مفتشي الحزب، واللجنة التنفيذية للحزب، ما يقرب من أربعين سنة فلم أر فيه في كل هذه السنوات تغييرا في الهدف، ولا انحرافا في التوجه، ولا جمودا على رأي إذا ظهر الخطأ أو الخلل فيه، ولكنه لم يكن يقبل الهوادة أو التنازل إذا كان الأمر يتعلق بالثوابت التي وهب كل شيء في حياته للدفاع عنها، فهو مرن متسامح، هاش باش، محاور.
حذار من المراوغة
ولكن حذار ان يلمس فيك أو يشعر منك انك تروم النيل من ثابت من ثوابت عقيدته الدينية، أو الوطنية فحينذاك ستجد نفسك مع شخص آخر وستضطر للتساؤل أهذا هو الرجل الهاش الباش ذو المحيا الوضاء، والابتسامات العريضة، والأسارير التي لا تعرف الانقباض، إن هذا كله سيتغير عندما يشعر باللف أو الدوران أو المراوغة في ثابت من الثوابت الدينية أو الوطنية ويدخل في هذه الثوابت ما يتعلق بقضايا الإسلام والمسلمين، فإن الرجل يتحول حينذاك إلى إنسان آخر غير الذي كانت تعرف أو تحاور.
رجل الوضوح
لقد كان لين العريكة خافضا للجناح متواضعا. نعم ولكن هذا طبع مرتبط فيه بالطبع الآخر وفيهما معا عنده يغلب الطبع التطبع انه الإنسان الذي يعرف ان يضع كل شيء في مكانه فليست الأمور لديه تخضع للمزاج أو الشهوة، أو الاندفاع، فهو قد حزم أمره، وحدد هدفه وأرسى غايته، والحق عنده أبلج واضح لا يقبل التلجج فهذا التلجج عنده هو الإثم بعينه الذي لا يقبل، فهو دائما يستفتي قلبه مهما أفتاه الناس وأفتوه فما تلجج في الصدر مرفوض ومذموم وغير مقبول وهذا عند الرجل مرتبط بأمر آخر لاحظته ولاشك أن غيري لاحظه كذلك فهو إنسان سؤول وملحاح في السؤال لمعرفة كل التفاصيل قبل أن يتخذ الموقف الذي يراه منسجما مع طبعه وهدفه وثوابته.
بناء الإنسان
لقد كان هاجس الرجل فيما يكتب وما يقوم به من عمل هو بناء الإنسان المغربي المسلح بالمعرفة والمبادئ الوطنية التي تقيه شر المنزلقات فهو إذا كتب ينطلق من هاجس التربية والتكوين والتخليق.
وعندما أسس مجلة فكرية أطلق عليها اسم “الإيمان” وعندما أصدر الصحيفة أطلق عليها اسم “الرسالة” فهو رجل الإيمان والرسالة ولم يكن يتراخى في الدفاع عنها والتبشير بهما في كل محفل وناد، بل إن الإيمان والرسالة وجهان لهدف واحد يسعى الرجل في حياته لإبرازهما وإقناع الناس بضرورة التمسك بهما، والالتزام بنهجهما.
الغائب الحاضر
وإذا كنا فقدنا الرجل جسما لأن الحياة لابد لها من نهاية فلكل شيء ولكل إنسان أجل ينتهي إليه وإذا جاء هذا الأجل فإنه لا يقبل التأخير أو التأجيل، فإن الرجل ترك تراثا سيخاطب الناس من خلاله في المستقبل كما خاطبهم به وفيه في حياته ومن هنا فهو حاضر من خلال عمله الدائم والمستمر بعد مماته، فهو كتب كتبا متعددة في قضايا مختلفة لكنها لا تخرج عن الإيمان والرسالة الإيمان الصحيح بالإسلام وتبليغ رسالة الإسلام ويأتي في مقدمة من يهتم به الشباب والجيل الناشئ لأنه عماد المستقبل والحفاظ على الإيمان والرسالة ولذلك فإن كل كتاب ألفه أو مقالة أو بحثا دبجته يراعته له لديه خلفية وله قصة في سياق الإيمان والرسالة.
وإذا كان كتب عن عدد مهم جدا من الشخصيات الوطنية والعلمية والأدبية رجالا ونساء عرفهم أو اطلع على إنتاجهم فهو فعل ذلك لأنه رأى الحاجة ماسة، والضرورة داعية، وإبلاغ الرسالة واجب ملح، ففي مقدمة الجزء الأول من سلسلة “رجال عرفتهم” كتب عن الغاية من تأليف الكتاب يقول:
الكتابة للنشء
«رأيت أن أجمع ما كتبته عن هؤلاء وأولئك واجعله بين يدي الأجيال الصاعدة لعلها تجد فيه، ما يعطيها فكرة عمل بذله هؤلاء الرجال من مجهود لصالح بلادهم ووطنهم وعقيدتهم، وتدرك ان اليقظة الفكرية التي عمت أبناء هذا الجيل، والتقدم الحضاري الذي بدت طلائعه تظهر للعيان، والوعي الثقافي الذي تعمم في الحاضر والبادية، كل ذلك لم يأت عفوا وإنما هو نتيجة لجهد حميد بذله رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر». (ص:4)
وفي الجزء الثاني، من هذه السلسلة الذي كتبه عن المرحوم العلامة الشيخ احمد الجريري شيخ الجماعة بمدينة سلا وضح ذلك كما وضح أهدافا أخرى في كتب أخرى و جاء في التمهيد الذي كتبه لهذا الكتاب انه يريد أن يعرف الشباب والخلف بمآثر السلف حتى يتخذه قدوة ونبراسا فهو يقول:
صفحات مشرقة:
نظرة في صفحات تاريخنا، تعطينا صورة واضحة عما أنجبته هذه التربة المغربية الطيبة من علماء عاملين، وباحثين محققين، وهبوا أنفسهم للنضال في سبيل إعزاز شريعتنا الغراء، وكشف أسرار التشريعات الإسلامية، وأعطوا المثال الصحيح لما يجب أن يتحلى به العالم المسلم من صفات، وما يتميز به من أخلاق، تجعله يمثل القدوة الحسنة ويسير في حياته سيرة تجعله اهلا لان يصدق عليه ما قاله الرسول العظيم عليه الصلاة والسلام: «العلماء ورثة الأنبياء». ولو أتيح لنا ان نبحث الأوراق المغمورة من تاريخ علمائنا الأعلام، لنطلع على مآثرهم وأعمالهم وقوة شكيمتهم، وغزارة اطلاعهم، وإخلاصهم لرسالتهم، ووفائهم لمهماتهم، لا نكشف لأجيالنا الجديدة حقائق ومفاخر، تزيدهم إيمانا بعظمة هذا الوطن الذي ينتسبون إليه، وحفاظا على القيم المثلى التي ناضل وجاهد في سبيلها، أجدادهم من العلماء الأعلام، والمصلحين الأفذاذ، والمجاهدين الأبرار، والصالحين الأخيار.
أمة الجهاد
فمنذ أن استنارت هذه البلاد بنور الرسالة الإسلامية، وأشرقت على جنباتها أضواء الدعوة المحمدية، وهي تعمل جاهدة للحفاظ على هذا السر المكنون، وتجاهد بقلمها وسيفها للذود عنه ووقايته من ان يصيبه أي مكروه، أو يبتدع فيه ما يشينه، أو يغطى من صفائه وضيائه ونقائه، حتى يبقى محجة بيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك».
هكذا كانت الأمة المغربية أمة مجاهدة للدفاع عن الإسلام والعقيدة بل يحمل ضد العقيدة إلى البلاد الأخرى في إفريقيا وغيرها ولكن ما الذي حدث حتى صارت الأمة تتخلى عن دورها ذلك ما يجيب عنه في نفس التمهيد.
العدو المتربص
وإذا كانت المؤامرات التي دبرها العدو المتربص، عاقت بلادنا في بعض الظروف عن السير قدما في الخط الذي خطه الأسلاف بنفس الحماس والحزم الذي كانوا يسيرون فيه، فان فئة ثابتة مومنة، كانت توجد دائما لحمل المشعل، والحفاظ على الأمانة، وبث الدعوة، ونشر الفضيلة، وإعطاء المثال في الوفاء للرسالة الخالدة. وهكذا لم يخل عصر من عصور تاريخنا، من علماء عاملين، وأفذاذ مجاهدين، ومرابطين موجهين، وزهاد ورعين، ودعاة صالحين.
وها نحن نقوم ببعض الواجب، فنعطي ترجمة مختصرة لأحد هؤلاء العلماء العاملين، الذين أعطوا المثال الصالح، والقدوة الحسنة، لا في نشر العلم والتفاني في سبيله فحسب، وإنما في تشخيص الفضيلة، والإعراض عن مغريات الحياة والزهد في كل ما من شأنه ان يخدش في صفة العالم الذي قال عنه الرسول انه وريث الأنبياء.
الدفاع عن المرأة
وفي السياق ذاته كتب كتابا عن المرأة بعنوان: “دفاعا عن المرأة المسلمة” ضمنه وجهة نظره في مشاكل المرأة حيث تناول فيه المشاكل التي يعاني منها المجتمع المغربي من خلال وضع المرأة والأسرة فيه وتمتاز هذه المعالجة بالالتزام بما جاء في الكتاب والسنة وصحيح الاجتهاد الفقهي من غير إفراط ولا تفريط، حيث بين ما هو المشكل الحق الذي يجب إيجاد العلاج له، وما هي المشاكل المفتعلة والتي هي بنت تربة أخرى ومجتمع آخر فهو تناول وضع المرأة بصفة عامة مع نبذة تاريخية عن واقع المرأة في المجتمع الإنساني قبل الإسلام ليتحدث عن الوضع الجديد الذي جعل فيه الإسلام المرأة وما منحها من حرية وحقوق ومساواة ليفرغ بعد ذلك لتناول نماذج من المشاكل في الحياة الزوجية وداخل المجتمع ليعطي رأيه والتوجيه المناسب في كل ذلك مع الالتزام بالأحكام الشرعية ولا أريد أن أتوسع في بيان ما جاء في الكتاب ولاشك أن بعض ما طرحه وجد علاجه في الإصلاحات والتعديلات التي صدرت بعد ذلك في موضوع الأحوال الشخصية ومدونة الأسرة الجديدة.
ولكن استسمح القارئ لإدراج مقدمة الكتاب التي تعطي فكرة عن التوجه والمنطلق اللذين من خلالهما يتناول وضع المرأة في المجتمع المغربي.
ما هي مشاكل المرأة؟
المشاكل التي تعاني منها المرأة، هي المشاكل التي يعاني منها المجتمع ككل، والبحث عن حلول لهذه المشاكل يشمل الرجل والمرأة على السواء، فمجتمعنا مجتمع مصاب بكثير من الأمراض ورغم انتمائنا للإسلام، فإن علاج مشاكلنا لا نستقي مفاهيمه ولا نستمد تصحيحاته من الإسلام الصحيح.
لقد اختلطت علينا الأمور، فلم نبق نفرق بين تقاليد وعادات، وبين تعاليم إسلامية أساسية. ومن هنا فإن الحلول للمشاكل التي يعاني منها مجتمعنا لابد أن نفحصها فحصا دقيقا لا نتيه مع التائهين، أو ننحرف مع المنحرفين.
لقد تصدى بعض الذين اهتموا بقضية المشاكل التي تعاني منها المرأة إلى المطالبة بحلول قالوا إنها حلول تقدمية. والحلول التقدمية في نظر هؤلاء، تستمد أصولها، من القضاء على القيود التي وضعت في طريق تحرير المرأة، هذه القيود التي (أتتها من المعتقدات والموروثات الدينية) حسب تعبيرهم، فهم يريدون أن يزيحوا من طريق الإصلاح حسب دعواهم كل التعاليم الدينية، لأنها مثل العوائد والتقاليد تعوق حرية المرأة.
هل لابد من صراع؟
وحلول مشكل حرية المرأة في نظرهم، لابد أن تنطلق من حقائق الصراع الاجتماعي «والعلاقات الجدلية التي تحكم بنية المجتمع» ولذلك فإنه لابد من صراع تقوم به المرأة ضد الرجل أولا وضد التخلف ثانيا، ولابد أن تعمل المرأة على أن تظفر باستقلالها الاقتصادي الكامل وتخرج من «التبعية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للرجل سواء كان أبا أو أخا أو زوجا» .
لابد في نظر هؤلاء من رفض سيطرة الرجل وقوامته، بل لابد من الصراع معه حتى يتخلى عن امتيازاته التي يتحكم بسببها في الطرف الأضعف الذي هو المرأة.
إن مشاكل المرأة لا تحل، وحرياتها لا تنال إلا بواسطة صراع حقيقي تنقلب فيه الأوضاع ظهرا على عقب، ويزال من الطريق كل فكر أو إصلاح يرتبط بالماضي الذي كان قائما منذ أزيد من ألف عام. لقد كتب أحدهم وهو الدكتور إبراهيم بدران يقول:
(إن تحليل مشاكل المرأة التي هي مرآة لمشاكل المجتمع، وإرجاع الأمراض إلى أصولها الحقيقية، والمجاهرة بحلول تقدمية لها، أمر ليس بالسهل في مجتمع تقليدي كالمجتمع العربي، وذلك لتداخل التقاليد والعادات الاجتماعية التي تشكل قيودا ضخمة على حرية المرأة بالمعتقدات والموروثات الدينية، ولأن كثيرا من القوانين المتعلقة بالمرأة تستند إلى أصول دينية).
هذه بعض المنطلقات التي ينطلق منها بعض دعاة إصلاح وضعية المرأة في المجتمع. وهي منطلقات تريد أن تبحث كل الأصول التي تكون على أساسها المجتمع الإسلامي، وتجعل مكانها أصولا وقواعد ومفاهيم ماركسية محضة تنطلق من الصراع الطبقي، وتقاوم فكرة التعاون والتساند والمحبة والمودة التي أتى بها الإسلام وحضت عليها مختلف الأديان، أو تنبثق من مفاهيم مادية وقوانين وضعية تقوم على أساس غير أخلاقي يستند إلى المنفعة والمتعة وتبادل المصالح المجردة.
منظور متسامح
ونحن سنعالج إن شاء الله في هذا الكتاب موضوع «المرأة» من منظور إسلامي متسامح هادف إلى تحقيق سعادة المجتمع والتعاون الوثيق بين الرجل والمرأة ليؤديا دورهما كاملا، سواء لسعادة البيت أو سعادة المجتمع ككل، إبرازا لمفهوم الإسلام الحق، وإظهارا لمبادئه العادلة، ودفاعا عن المرأة المسلمة التي تتعرض في هذا العصر لهجوم فكري وتشريعي كاسح تختلط فيه الأوهام بالأباطيل وتغيم فيه الحقيقة الإسلامية بشأن هذا الموضوع الاجتماعي والإنساني الهام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.